فى يوم الأربعاء الرابع والعشرين من يوليو 2013 ألقى الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، خطابًا خلال حفل تخرج لطلاب كليتين عسكريتين، حيث أكد أن الجيش والشرطة يحتاجان إلى تفويض شعبى لمواجهة أى عنف أو إرهاب محتمل خلال الفترة المقبلة.

وناشد السيسى فى هذا الخطاب الشعب المصرى لتحمل مسئوليته مع الجيش والشرطة فى مواجهة ما يحدث فى الشارع، وقال: إن هناك من يريد إما أن يحكم البلاد بالقوة أو يدمرها ويدفعها إلى نفق خطير، وقال: إن الجيش لن ينتظر حدوث مشكلة كبيرة.

وأشار القائد العام إلى وجود شحن يستهدف الجيش المصرى باسم الجهاد فى سبيل الله، وشدد على أنه لا تراجع للحظة واحدة عن إجراءات المرحلة الانتقالية.

الفريق أول عبد الفتاح السيسى

وقال السيسي: «إن الجيش المصرى يتلقى أوامره من الشعب المصري، وأن العلاقة بين الطرفين لا تنفصم»، وقال: «إن محاولات الوقيعة بين عناصر الجيش لن تنجح وإن الجيش على قلب رجل واحد».

وفى هذا اللقاء كشف «وزير الدفاع»أنه حذر فى وقت سابق من أن استمرار الخلافات بين القوى السياسية يهدد الأمن القومي، وأنه نقل للرئيس السابق ما يشعر به الرأى العام حتى يتحرك قبل فوات الأوان.

وقال: «لم أخدع الرئيس السابق، وأبلغته إن الجيش المصرى جيش كل المصريين، موضحًا أنه عرض بيانات الجيش الأخيرة قبل إعلان المرحلة الانتقالية على الرئيس السابق قبل إصدارها».

وقال: «إنه عرض على مرسى إجراء استفتاء على استمراره فى منصبه وأن الاقتراح حمله رئيس مجلس الشورى السابق ورئيس الوزراء السابق ود.محمد سليم العوا، وذلك فى يوم 3 يوليو، وكان رد الرئيس المعزول هو «الرفض».

وأوضح أن رفض مرسى القبول بأى حل كان سيؤدى إلى اقتتال داخلى وأنه اجتمع مع مرسى لمدة ساعتين للتفاهم حول بيان الخطاب الأخير للرئيس السابق فى مركز المؤتمرات قبل 30 يونية، ولكن مرسى عاد وألقى خطابًا بمضمون آخر مختلف.

وأوضح أنه بعد مرور(5) شهور من تولى مرسي، كان حجم الخلاف عميقًا وسيؤدى إلى مزيد من الانقسام، كاشفًا عن أن الرئيس المعزول أثنى على مبادرة سابقة للجيش دعا فيها القوى السياسية للحوار، ولكن مرسى طلب تأجيلها فى اللحظات الأخيرة.

وقال السيسى إنه حذر من وقوع مصر فى صراع بين التيار الدينى والتيار المدنى منذ أشهر ونبه التيار الدينى لضرورة احترام فكرة الدولة والوطن.

ثورة 30 يونيو.. الطريق إلى استعادة الدولة

لقد لقيت دعوة وزير الدفاع استجابة كبرى من الجماهير، حيث خرج يوم الجمعة 26 يوليو 2013 نحو ٤٠ مليونًا من المصريين الذين فوضوا السيسى فى اتخاذ الإجراءات القانونية والإجرائية لمواجهة إرهاب جماعة الإخوان وحلفائها.

كان الحشد مهولًا، ولم تقع حادثة واحدة خلال هذه التظاهرات العارمة، التى استمرت ساعات طوالًا رفع فيها المتظاهرون صورة «السيسي» وشعارات تطالب بمقاومة الإرهاب.

وفى مساء يوم السبت 27 يوليو 2013 اجتمع مجلس الدفاع الوطنى برئاسة رئيس الجمهورية المؤقت، وكان من أبرز الحضور رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء ووزيرا الدفاع والعدل وأيضًا نائب الرئيس للشئون الدولية وبقية الأعضاء.

بدأ الاجتماع باستعراض للموقف فى ضوء خروج 40 مليون مصرى يعلنون تفويضهم للجيش ولقائده باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة الإرهاب، وفى هذا الاجتماع فاجأ د.محمد البرادعى الجميع بموقفه، إذ راح يطلب تأجيل اتخاذ أى موقف لإنهاء الاعتصام، واستخدام لغة الحوار بديلًا، لقد استعرض وزير الداخلية الموقف بصورته الحقيقية على الأرض، وأكد أن الأفعال التى تقوم بها جماعة الإخوان على الأرض لا تعكس سلمية التظاهر أو الاعتصام، وإنما هى تعكس إرهابًا متعمدًا يمارس على السكان وعلى المواطنين الأبرياء، وأيضًا اعتداءً على مؤسسات الدولة وإصرارًا على قطع الطرق وتعريض حياة الآمنين للخطر.

متظاهرون ثورة 30 يونيو

وكان من رأى وزير الدفاع أيضًا أنه يجب احترام تفويض الشارع المصرى للمؤسسة العسكرية، وأنه أكثر حرصًا على إنهاء هذا الاعتصام بالطرق السلمية وعدم إراقة الدماء، وأنه منح المعتصمين الفرصة الكاملة للتعبير عن رأيهم، إلَّا أن الاعتصامات تحولت إلى أداة لتهديد أمن واستقرار الدولة وأمن المواطنين.

لقد كان من رأى الفريق أول السيسي، أنه إذا كان بإمكان د.البرادعى فض هذا الاعتصام سلميًّا، فليبدأ، وليسع نحو ذلك، وتساءل السيسى عن آليات فض هذا الاعتصام فى رابعة العدوية والنهضة سلميًّا.

لم تكن لدى الدكتور البرادعى ردود مقنعة، ولا تصور لكيفية إنهاء الاعتصام، فقط أصر على وجهة نظره وطالب بالمزيد من الوقت، وراح يحذر من استخدام القوة فى فض الاعتصام، لذلك جرى الاتفاق على تأجيل حسم الأمر فى هذا الوقت.

وعندما جاءت كاترين آشتون المفوض السامى للاتحاد الأوربى لشئون السياسة الخارجية والأمن إلى القاهرة، سبقتها تصريحات أدلى بها البرادعى أكد فيها موقفه الذى أعلنه خلال اجتماع مجلس الدفاع الوطني، وبعدها وصل إلى القاهرة وفد الاتحاد الإفريقي، ثم ويليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكى وآخرون، وفى كل هذه الزيارات المتلاحقة كان الموقف المطروح هو التحذير من فض الاعتصام بالقوة.

كاترين آشتون

وبالرغم من تأكيد جميع المسئولين المصريين أن خيار القوة هو الخيار الأخير، وأن هناك بدائل متدرجة كما هو معمول به وفقًا للمعايير الدولية، فإن ممثلى الوفود التى زارت القاهرة كانوا فقط يريدون الحصول على تعهد مصرى بعدم إنهاء الاعتصام، خاصة وأن آشتون كانت قد وعدت بعض ممثلى جماعة الإخوان بأنه إذا ما استمر الاعتصام فإن الاتحاد الأوربى سيعترف بالحكومتين الرسمية والإخوانية فى رابعة.

كان الشارع المصرى يتابع الجدل الدائر على الساحة السياسية والإعلامية، وبدأ الناس يوجهون انتقادات حادة إلى موقف الدكتور البرادعي، حيث اعتبروه يقف عقبة أمام فض الأوكار الإرهابية فى رابعة والنهضة، ومع خروج المسيرات الإخوانية إلى الطرقات العامة والأماكن الاستراتيجية واعتدائهم على المواطنين، كان السخط يتزايد، وكان الناس يتساءلون.. إذن لماذا فوضنا الفريق أول السيسي؟!

فى هذا الوقت اجتمع مجلس الوزراء المصرى يوم الأربعاء 31 يوليو 2013، وقبيل الاجتماع كان رئيس الوزراء فى هذا الوقت د.حازم الببلاوى قد عقد اجتماعًا تمهيديًّا بحضور وزيرى الدفاع والداخلية تم خلاله استعراض الموقف، وكان الاتجاه السائد أنه لا خيار سوى فض الاعتصام بالطرق السلمية والتدريجية، وأنه لابد من دعوة عدد من مراقبى حقوق الإنسان وشخصيات عامة عربية وأجنبية لمتابعة تنفيذ هذا القرار، بل إن وزير الداخلية طرح اقتراحًا يقضى ببث عملية فض الاعتصام على الهواء مباشرة، حتى يتابع الجميع سلامة الإجراءات التى سوف تتخذها وزارة الداخلية فى عملية التنفيذ.

وفى أعقاب اجتماع مجلس الوزراء صدر بيان من المجلس كلف فيه وزارة الداخلية باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لفض اعتصامى رابعة والنهضة.

لقد قال البيان «إن استمرار الأوضاع الخطيرة فى ميدانى رابعة العدوية ونهضة مصر، وما تبعها من أعمال إرهابية وقطع طرق لم يعد مقبولًا نظرًا لما تمثله هذه الأعمال من تهديد للأمن القومى المصرى ومن ترويع غير مقبول للمواطنين».

وقال المجلس فى بيانه «إنه يستند إلى التفويض الشعبى الهائل من الشعب للدولة فى التعامل مع الإرهاب والعنف اللذين يهددان بتحلل الدولة وانهيار الوطن، وأنه بناء على ذلك فقد تقرر البدء باتخاذ كل

ما يلزم فى هذا الشأن فى إطار أحكام القانون والدستور».

فى هذا الوقت أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا على جانب كبير من الخطورة أكدت فيه «أنها تمتلك أدلة تشير إلى تورط أنصار مرسى فى تعذيب معارضيهم بالعصا الكهربائية»، وسردت المنظمة العديد من الوقائع التى تؤكد مضمون البيان.

وازدادت الأوضاع ترديًا مع قدوم مظاهرات محمولة بالسيارات والباصات إلى مدينة الإنتاج الإعلامى حيث حوصرت المدينة لعدة ساعات، وتم الاعتداء على رجال الشرطة الذين يتولون حراستها، وأصيب ثلاثة منهم بطلقات الخرطوش، بينما قامت أجهزة الأمن بالقبض على 31 شخصًا من المهاجمين الذين ينتمون إلى جماعة الإخوان وحلفائهم.

لم يكن الأمر مقصورًا على مدينة الإنتاج الإعلامى فى هذا اليوم، بل امتدت المظاهرات وأعمال الشغب إلى مناطق أخرى، وهدد أعضاء الجماعة بالبدء فى اعتصام آخر بمنطقة الألف مسكن، إلَّا أن المواطنين من أبناء المنطقة اشتبكوا معهم وتمكنوا من طردهم، ولم تنجح محاولة بدء اعتصام فى ميدان مصطفى محمود.

لقد أثارت هذه الإجراءات ردود فعل شعبية ساخطة، حيث اعتبر الكثيرون أن تراخى الحكومة وتخليها عن تفويض الجماهير بفض الاعتصام ومقاومة الإرهاب هو السبب الرئيسى وراء محاولات نشر الفوضى فى البلاد، خصوصًا أن الحكومة لم تتخذ أى إجراء للحد من دخول الأسلحة وغيرها إلى منطقتى رابعة والنهضة، وأنه حتى عندما تردد أن هناك حصارًا أمنيًا للمنطقتين، صرح مصدر أمنى على الفور بأنه لا صحة لذلك!!

ظل القلق يعترى الجميع، واكتظت وسائل الإعلام بالحديث عن حقائق ما يجرى من خلف ستار، وعما إذا كان هناك صراع حاد بين د.البرادعى من جانب والمؤسستين العسكرية والأمنية من جانب آخر!!

وعندما نشرت الواشنطن بوست تصريحات الدكتور محمد البرادعى أشار فيها إلى رفضه إنهاء الاعتصام المسلح، أدرك المصريون أن البرادعى أساء تقدير الموقف، وأنه بتصريحاته هذه يخاطب الغرب أكثر مما يخاطب الداخل المصري.

لقد قال البرادعى فى هذا الحديث، عندما سُئِلَ.. هل تود رؤية عفو عن التهم الموجهة للرئىس المعزول محمد مرسى قال: «إنه إذا لم تكن الاتهامات خطيرة جدًّا، فإننى أود رؤية احتمال للعفو كجزء من حزمة كبيرة، وذلك لأن مصير مصر أهم بكثير».

لقد تسبب هذا الموقف فى دفع رئيس الوزراء السابق د.حازم الببلاوى إلى الرد عليه فى محاولة منه لتهدئة مشاعر الجماهير التى أعربت عن سخطها عندما قال: «إنه لا عفو عن كل من ارتكب جرائم فى حق هذا الوطن».

فى هذا الوقت ترددت معلومات عن مبادرة طرحتها «كاثرين آشتون» الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوربية من 7 نقاط لحل الأزمة بين الإخوان من جانب، والدولة المصرية والشعب المصرى من جانب آخر، وهذه النقاط هي:

- الإفراج عن المعتقلين السياسيين من الإخوان.

- إسقاط الاتهامات الموجهة إلى الرئيس المعزول محمد مرسى وقيادات إسلامية أخرى.

- إنهاء اعتصامى الإخوان.

- وقف العنف ضد قوات الأمن بما فى ذلك سيناء.

- استقالة الرئيس المعزول والاتفاق على تعديل وليس إسقاط الدستور.

- الابقاء على المواد المتعلقة بالشريعة على الأرجح.

- ضمان الحق لحزب الحرية والعدالة فى دخول الانتخابات المنتظر إجراؤها.

وعندما طرحت هذه المبادر على ممثلى جماعة الإخوان كان الرد متأرجحًا، حيث راح البعض يزايد بالإصرار على ضرورة عودة الرئيس المعزول إلى السلطة مجددًا، بينما راح آخرون يطلبون مزيدًا من الوقت لدراسة المقترحات، أما الحكومة المصرية، فهى بالتأكيد لم يكن باستطاعتها منح صكوك تقضى بإسقاط التهم عن محمد مرسى والإفراج عن المسجونين من قيادات الجماعة وحلفائها لأن الأمر أصبح الآن فى حوز ة القضاء.

لقد سعت جماعة الإخوان خلال لقاءاتها التى أجرتها مع آشتون ووليام بيرنز وممثلى الاتحاد الإفريقى وآخرين، إلى تقديم مبررات غير موضوعية لمواقفها، وراحت تتحدث عن الماضى أكثر من حديثها عن الحاضر والمستقبل.

وقد كانت صدمة للجماعة وجود رأى عام داخل جميع الوفود التى التقتهم، يؤكد احترام إرادة الشعب المصرى واختياره وضرورة التعامل مع الواقع الجديد، ذلك أن عهد مرسى قد انتهى إلى غير رجعة.

قبل ذلك بقليل كان جون كيرى وزير الخارجية الأمريكية قد أدلى بتصريح للتليفزيون الباكستانى أكد فيه «إن ملايين المواطنين فى مصر طلبوا من الجيش التدخل، لأنهم كانوا يخشون من انزلاق البلاد إلى الفوضى» وقال «إن الجيش لم يستول على السلطة حتى الآن طبقًا لما نعرفه، مضيفًا إن هناك حكومة مدنية تدير شئون البلاد، وأن هذا يعنى أنهم يستعيدون الديمقراطية».

فى هذا الوقت كان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد، يزور القاهرة لإطلاع المسئولين المصريين على فحوى لقائه بوزير الخارجية الأمريكى جون كيري، الذى التقاه فى الولايات المتحدة، ووجه إلىه لومًا شديدًا على موقف الإدارة الأمريكية الداعم لجماعة الإخوان، حيث طالب بن زايد نظيره الأمريكى بتبنى سياسة أكثر موضوعية فى العلاقة مع مصر تقوم على ثلاث ركائز أساسية:

1- احترام إرادة الشعب المصرى التى عبر عنها من خلال ثورته التى شارك فيها أكثر من 33 مليون مصري، عبروا عن جموع أغلبية الشعب المصري، وحلمهم فى التغيير وإنهاء نظام جماعة الإخوان الذى فشل فى حكم البلاد وإدارتها.

2- عدم التدخل فى الشئون الداخلية المصرية، والتوقف عن تأييد تيار الإخوان على حساب الشعب المصري، لأن ذلك سوف يلحق أفدح الأضرار بالعلاقة المصرية - الأمريكية، كما أن ذلك من شأنه أن يثير رفض واستياء العديد من الأنظمة العربية الأخرى.

3- مارسة الضغط على جماعة الإخوان وعدم تشجيعهم على تبنى سياسة العنف والإرهاب وتهديد الأمن والاستقرار فى البلاد، ومطالبة الدول الحليفة للولايات المتحدة بالتوقف عن دعمها المادى والأدبى لجماعة الإخوان المسلمين.

فى هذا الإطار كان رد جون كيرى محددًا أيضًا فى ثلاث نقاط، نقلها المسئول الإماراتى إلى كبار المسئولين المصريين وهي:

1- أن الولايات المتحدة تحترم إرادة الشعب المصرى وتقدر اختياره، وأنها لا تعتبر أن ما جرى فى مصر انقلاب عسكرى خصوصًا أن قادة الجيش بعيدون بالفعل عن السلطة وأنهم قد سلموها إلى حكومة مدنية انتقالية.

2- أن واشنطن تدعم خارطة المستقبل التى أعلنتها الحكومة وتطالب بالإسراع فى تنفيذها، وترفض إقصاء أى من التيارات السياسية المصرية عن حق ممارسة العمل السياسي، وأنها أرسلت «ويليام بيرنز» مجددًا إلى القاهرة للعمل على توفير الضمانات الكافية لتحقيق مصالحة وطنية بين أطراف النزاع فى مصر.

٣- أن واشنطن تحذر من العنف من كلا الجانبين إلَّا أنها تدعم موقف الحكومة المصرية فى تحقيق الاستقرار استنادًا إلى القانون.

فى هذا الوقت ترددت معلومات وتصريحات على لسان مسئول كبير فى السفارة الأمريكية، أفادت بأن قرارًا صدر من الخارجية الأمريكية يقضى بنقل السفيرة الأمريكية فى القاهرة «آن باترسون»، وتصعيدها إلى منصب مساعد وزير الخارجية، وهو أمر جاء بالتأكيد بعد حالة التخبط الشديد التى عاشتها الإدارة الأمريكية فى تعاملها مع مصر خلال تلك الفترة بسبب تقارير ومواقف السفيرة الأمريكية، مما أدى إلى ازدياد حالة السخط ضد السفيرة والمطالبة بإبعادها عن القاهرة.

كان المشهد على الساحة فى هذا الوقت يقول:

1- إننا أمام إصرار من جماعة الإخوان على استخدام العنف فى سيناء والعديد من المناطق الأخرى، كوسيلة لممارسة الضغط على الحكومة لإجبارها على تقديم تنازلات تتعلق بإدماج جماعة الإخوان فى العملية السياسية، والحيلولة دون حلها أو حل حزب الحرية والعدالة وكذلك الإفراج عن قادتها المحبوسين.

2- إن هناك محاولة للاستقواء بالأجنبى بدت واضحة منذ اليوم الأول، وأن الجماعة ليس لديها مانع من إشعال البلاد والسعى إلى إثارة الفتنة على أراضيها، ومحاولة جر الأقباط إلى الدفاع عن أنفسهم، وكل ذلك يعكس حالة الضغط والارتباك التى تسود الجماعة بعد فشل مخططها طيلة أسابيع فى جر البلاد نحو العنف والدماء، كوسيلة للحصول على تعاطف محلى ودولى يعيدها إلى الواجهة من جديد.

3- إننا أمام محاولة سافرة من العديد من بلدان الغرب تحديدًا، للتدخل فى الشئون الداخلية المصرية، وفرض أجندة تؤدى إلى تراجع سيطرة الدولة، وتمثل أيضًا تدخلًا فى شئون القضاء بالمطالبة بالإفراج عن الرئيس مرسى وآخرين، حتى وإن كان هذا المطلب قد تراجع علانية فى الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد أن جرى إطلاع المسئولين الأجانب الذين زاروا مصر على حقائق الوضع فى البلاد.

4- إن الأزمة المكتومة بين واشنطن والقاهرة قد تصاعدت بعد موقف إدارة أوباما من الثورة المصرية، وهو ما عبر عنه الفريق أول السيسى فى حديثه إلى «الواشنطن بوست» حيث قال: «إن أوباما أدار ظهره للمصريين وأنه أحبط جراء موقف الولايات المتحدة التى لم تكن أكثر حماسة لتبنى أسباب عزل مرسي»، وقال السيسي: «إنه بدا مثله مثل المصريين غاضبًا من عدم تأييد الولايات المتحدة بشكل كامل لشعب حر ضد حكم سياسى غير عادل وأمام رئيس كان يمثل أتباعه وأنصاره ولم يكن رئيسًا لكل المصريين»!!

5- أن الأحداث أثمرت تطورًا مهمًّا للغاية تَمَثَّلَ فى تفويض جماعة الإخوان للشيخ محمد حسان وآخرين للقيام بجهود وساطة بينهم وبين الحكومة، حيث التقى هذا الوفد المفوض بالفريق أول عبد الفتاح السيسي، وبحثوا معه سبل التهدئة وحقن الدماء، مما يؤكد غلبة الموقف العقلانى لدى بعض رموز العمل الإسلامي، وهو ما قوبل بتأكيد الفريق أول السيسى على الموقف المعلن ذاته بأن الدولة لن تلجأ إلى القوة فى إنهاء الاعتصام، غير أن ذلك لا يعنى عدم إنهائه من خلال العديد من الطرق الأخرى، غير أن الواقع أكد رفض الإخوان لمبادرة الفض السلمى للاعتصام مما أثار غضب الشيخ محمد حسان نفسه.

6- إن الشارع المصرى الذى عبر عن غضبه واستيائه من عدم حسم الأمر وإنهاء الاعتصام، ورفضه لمواقف بعض من أعاقوا قرار التنفيذ، أصبحت لديه قناعة تامة بأن جماعة الإخوان بارتكاب الجرائم الإرهابية وعدم اعترافها بالإرادة الشعبية، إنما أصبحت فصيلًا إرهابيًّا معاديًا لن يكون له مكان على الساحة السياسية فى ضوء الممارسات الراهنة للجماعة، وأن أى حديث عن دمج جماعة الإخوان فى العملية السياسية بالصورة الراهنة مرفوض جملة وتفصيلًا.

فى هذا الوقت أشارت التوقعات إلى أن الدولة عازمة على فض هذه الاعتصامات ووضع حد للفوضى، خصوصًا أن المادة «10» من القانون 14 لسنة 1923 «قانون التظاهر» تعطى للشرطة الحق فى فض الاحتشاد الذى من شأنه تهديد الأمن العام وقطع الطرق فى الشوارع والميادين دون الحاجة إلى إذن من النيابة العامة.

كان الصراع محتدمًا داخل مجلس الدفاع الوطني، حيث تزعَّم البرادعى تيارًا رافضًا لحل أزمة الاعتصام، وعندما كان يقال له وماذا عن البديل، لم يكن يملك إجابة.

وقد تزعم د.زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء فى هذا الوقت هو الآخر تيارًا داخل مجلس الوزراء، يحذر من فض الاعتصام بالقوة، ولم يكن يملك بديلًا باستثناء المبادرات التى كان يطلقها والتى لم تكن تحوز لا على رضى الشعب ولا على رضى الإخوان.

كانت كل الأوضاع تؤدى إلى ضرورة اتخاذ قرار حاسم وفورى بفض هذا الاعتصام المسلح، الذى تحول إلى أداة لإرهاب السكان المقيمين فى المنطقة، وإلى بؤرة للقلاقل وتهديد أمن واستقرار البلاد، ولذلك ظل الأمر مطروحًا على جداول الأعمال فى الاجتماعات المختلفة التى جرت داخل رئاسة الجمهورية وداخل الحكومة.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الرئيس السيسي الإخوان مصطفى بكري 30 يونيو ثورة 30 يونيو عبد الفتاح السيسى ذكرى ٣٠ يونيو بيان 3 يوليو محمد البرادعي أخطر عشرة أيام في تاريخ مصر مظاهرات الإخوان الولایات المتحدة الرئیس المعزول وزیر الخارجیة جماعة الإخوان الشعب المصرى هذا الاعتصام رئیس الوزراء فى هذا الوقت وزیر الدفاع فض الاعتصام الفریق أول العدید من إن الجیش یولیو 2013 الدفاع ا من جانب خصوص ا لم یکن لم تکن رئیس ا أنه لا

إقرأ أيضاً:

خالد ناجح يكتب: كلام مصري

اخترت أن يكون عنوان مقالى بجريدة الوطن بعد دعوة كريمة تلقيتها من الصديق مصطفى عمار، رئيس التحرير، للكتابة عن درة تاج الصحف المصرية وإحدى أدواتها وقوتها الناعمة ودورها وسياستها التحريرية الوطنية الخالصة لوجه الله والوطن.

الآن وقبل كل شىء نحتاج لـ«كلام مصرى» نابع من الوجدان المصرى، ويعبر عن هويتنا وثقافتنا المصرية بكل تشعبها وتشابكها مع محيطها وإقليمها وقارتها، كلام يوحدنا ويجمعنا على حب الوطن، ففى ظل التحديات المتعددة التى تواجهها مصر اليوم، تتجلى أهمية «الكلمة المصرية» كرمز للصمود والإرادة. الكلمة لم تكن يوماً مجرد وسيلة للتعبير.

بل كانت دائماً أداة للمقاومة والتغيير، بدءاً من الأيام الأولى للنضال ضد الاحتلال الأجنبى وحتى اللحظات الحاسمة فى تاريخنا ناضل الشعب بـ«كلامه المصرى» من خلال النكتة والإفيه على المحتل الإنجليزى ووصولاً للإخوان، كانت النكتة سلاحه الفتاك للتحرر من احتلال العقول بيد أهل الشر وجعل بعضاً من المحسوبين عليها يكونون أداة لتخريبها وتدميرها ذاتياً، ولا أدل من ذلك عندما أطلق عليهم «الخرفان» فكان للكلام المصرى تأثير أقوى من أى سلاح.

دائماً ما تكون لشعب المحروسة «كلمته المصرية»، التى تحمل فى طياتها تاريخاً طويلاً من التضحيات والإنجازات.

لقد شهدت مصر عبر تاريخها العديد من اللحظات الفارقة التى لعبت فيها الكلمة دوراً حاسماً. ففى ثورة 1919، كانت هتافات «يحيا الهلال مع الصليب» ليست مجرد شعارات، بل كانت كلمات ولدت شعوراً وطنياً عاماً وحد الصفوف وأشعل جذوة التحرير.

وفى حرب أكتوبر 1973، كانت كلمات النصر هى التى دفعت الجنود إلى الأمام، محققين نصراً عسكرياً وسياسياً غير مسبوق.

وكانت «كلمة مصرية» تجسدت فى ٣٠ يونيو و٣ يوليو تخلصت من حكم عام أسود فى تاريخنا الوطنى، وبالكلمة المصرية والهتافات خرج المصريون ليقولوا كلمتهم وقد كانت الكلمة المصرية التى حققت النصر. 

الآن «الكلمة المصرية» ليست مجرد إرث من الماضى، بل هى حاجة ملحة فى مواجهة التحديات المعاصرة. فى زمن حروب الجيل الرابع والخامس ومواجهة الشائعات لتقى مصر شر مخططات حيكت لها من قبل أهل الشر ودعم الظلاميين.

نعم مصر تحتاج إلى كلمة توحد الجهود وتعزز من روح التعاون بين مختلف فئات المجتمع. فبدون وحدة الصف لن تستطيع مصر مواجهة هذه التحديات بفاعلية، وهذا ما يحذر منه الرئيس عبدالفتاح السيسى دائماً، ويوجهنا بوحدة الصف حتى نستطيع مجابهة التحديات.

الآن أصبحت كلمة مصر على الساحة الدولية مسموعة ولها ثقلها وتأثيرها، فمصر ليست مجرد دولة فى منطقة الشرق الأوسط، بل هى قلب العالم العربى وأفريقيا. 

قراراتها وكلماتها تؤثر فى مصائر دول وشعوب أخرى. لذا يجب أن تكون الكلمة المصرية فى هذا السياق كلمة توازن بين المصالح الوطنية والاستراتيجية الإقليمية، كلمة تعزز من مكانة مصر كقوة إقليمية مؤثرة.

وأخيراً «الكلام المصرى» ليس مسئولية السياسيين أو الإعلاميين فقط، بل هو مسئولية كل مواطن مصرى. كل فرد فى المجتمع له دور فى صياغة الكلمة التى تعبر عن آماله وطموحاته. علينا جميعاً أن نكون واعين بأن كل كلمة ننطق بها يمكن أن تكون لها تبعات كبيرة، سواء فى تعزيز الوحدة الوطنية أو فى تفتيت المجتمع فهى سلاحنا الأقوى. 

هى التى تكتب تاريخنا وتحدد مستقبلنا. فلنجعلها كلمة تبنى ولا تهدم، كلمة توحد ولا تفرق، كلمة تعكس نبل وأصالة الشعب المصرى.

مقالات مشابهة

  • شكرًا فخامة الرئيس على هذه الهدية
  • جماعة الإخوان المسلمين: دم الشهيد الجازي انتصار لغزة وفلسطين
  • بدء جلسات محاكمة مضيف طيران و6 آخرين تورطوا في تهريب دولارات الإخوان للخارج
  • مصطفى بكري لنتنياهو: من أنت لتتحدث عن مصر؟ كلنا على قلب رجل واحد مع القيادة والجيش
  • من الإخوان الإرهابية.. إلى السودان... لكِ الله يا مصر ( ٦ )
  • شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: صحافة الشيخ أحمد الصباحي
  • خالد ناجح يكتب: كلام مصري
  • كتاب يستحق القراءة والتدريس
  • بكري يفتتح فاعليات القافلة الطبية لمستشفى الناس بقرية المعنا بقنا
  • في ذكرى 30 يونيو | مصطفى بكري يرصد أسرارَ أخطر عشرة أيام في تاريخ مصر (11).. اعتصام رابعة المسلح