تومي روبنسون.. زعيم مناهضي الإسلام في بريطانيا
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
ناشط من أقصى اليمين البريطاني، أحد مؤسسي رابطة الدفاع الإنجليزية المعادية للإسلام، وهو عضو سابق في الحزب الوطني البريطاني ومجموعات أخرى توصف بأنها ذات روابط فاشية أو قومية بيضاء. سجن بعدة تهم جنائية منها الاعتداء والمطاردة والاحتيال وحيازة المخدرات وتزوير جواز سفر.
المولد والنشأةولد ستيفن كريستوفر ياكسلي لينون -المعروف باسم " تومي روبنسون"- في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1982 في بلدة لوتون بالقرب من العاصمة لندن، لأم أيرلندية وأب إنجليزي.
جاء اسم " تومي روبنسون" نسبة لعضو بارز في مجموعة "الهوليغانز" لتشجيع فرق كرة قدم، التي كان عضوا فيها، إذ تتبنى هذه المجموعة منهج العنف في التشجيع، كما كان يستخدم هذا الاسم لإخفاء هويته، وكان يرتدي قناعا يخفي وجهه، الأمر الذي مكنه من التحايل على الشرطة قبل أن تكشف هويته عام 2010.
بعد انفصال والديه تزوجت والدته من "توماس لينون" الذي يعمل في مصنع سيارات.
تزوج روبنسون عام 2011 من جينا فويلز.
تومي روبنسون درس هندسة الطيران في مطار لوتون وتخرج عام 2003 (رويترز) الدراسة والتكوينبعد تخرجه من الثانوية درس هندسة الطيران في مطار لوتون، وتمكن من الحصول على فرصة تدريب تقدم إليها نحو 600 شخص ولم ينجح سوى 4 أشخاص، حسب روايته عن نفسه.
نال شهادة التخرج عام 2003، لكنه عوقب بالسجن لمدة سنة بسبب اعتدائه على ضابط شرطة، وقد كان روبنسون يومها سكران.
التوجه الفكريأعلن روبنسون اهتمامه بالسياسة بعد خروجه من السجن، وتشكلت لديه نزعة ضد الإسلام، وأصبح جُل حديثه عما يسميه "التهديد الإسلامي"، متهما الشرطة بتقصيرها في مواجهة هذا التهديد، كما وصف الإسلام بأنه "مرض وتهديد لنمط عيشنا"، ولم يتردد في سب النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي 2016 كتب مقالا قال فيه "أنا لا أنتمي إلى أقصى اليمين، أنا فقط ضد الإسلام أنا مؤمن أنه دين متخلف وفاشي"، واعتبر أزمة اللجوء التي شهدتها أوروبا في تلك الفترة بسبب التوترات في الشرق الأوسط "غزوا إسلاميا لأوروبا ولا علاقة لها باللجوء"، ودعا لمنع وصول اللاجئين إلى بريطانيا.
كما وصف مدينة برمنغهام بأنها "بؤرة الإرهاب في بريطانيا" وذلك لشهرتها بكثرة أعداد المسلمين فيها.
تومي روبنسون تبنى فكرة مواجهة ما يسميه "التهديد الإسلامي" عقب خروجه من السجن عام 2004 (رويترز) التجربة السياسيةبدأ اهتمام روبنسون بالسياسية عقب خروجه من السجن، وتبنى فكرة مواجهة ما يسميه "التهديد الإسلامي" في مسقط رأسه بمدينة لوتن وبدأ بترويجها، وكان يدعي أن الشرطة لا تقوم بأي شيء لمواجهة هذا "التهديد". وأججت توجهاته حادثة "هجوم جسر وستمنستر" في مارس/آذار 2017، وحادثة هجوم مانشستر أرينا بعدها بشهرين.
عقب الحادثتين نشر روبنسون فيديو مصورا على قناته في منصة يوتيوب، هاجم فيه الإسلام وحذر البريطانيين، قائلا إن المسلمين "مقاتلون أعداء يريدون قتلكم وتشويهكم وتدميركم"، ووصل عدد مشاهدات المقطع إلى ما يقارب 3 ملايين مشاهدة.
وفي عام 2004 أصبح روبنسون عضوا في الحزب الوطني البريطاني الفاشي، الذي ينتمي إلى أقصى اليمين، وفي 2009 قررت مجموعة "المهاجرين" التي توصف بأنها "إسلامية"، اعتراض طريق عدد من الجنود البريطانيين التابعين للفوج الملكي الأنجليكاني العائدين من حرب أفغانستان، فقرر روبنسون تنظيم مظاهرة مضادة للجماعة واشتبك معهم، وكانت تلك الحادثة سببا لولادة "رابطة الدفاع الإنجليزية".
وأسس روبنسون مع ابن عمه كيفن كارول رابطة الدفاع الإنجليزية "إي دي إل"، وقال إن ما قرأه في الصحف عن الإسلاميين في المنطقة ومحاولتهم تجنيد الرجال لصالح حركة طالبان ألهمه هذه الخطوة، وأعلن أن الرابطة "ضد صعود الإسلام المتطرف" كما يصفه.
نظمت الرابطة مظاهرات، وبدأت تروج توجهها المناهض للإسلام سنة 2010 عبر ترديد شعارات تسب الذات الإلهية، وتسب النبي محمدا صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى تقديمها التحية النازية، وإلى جانب مناهضي الإسلام ضمت الرابطة مشجعين لكرة القدم من فئة "الهوليغانز".
تومي روبينسون أثناء مشاركته في احتجاج بلندن يوم 27 يوليو/تموز 2024 (رويترز) اعتقال وإدانةألقي القبض على روبنسون عام 2011، بسبب قيادة جماعة تضم نحو 100 شخص تسببت بأعمال شغب، وطلب منه الخضوع لإعادة تأهيل مجتمعي.
كما قُبض عليه مرة ثانية عام 2013 لمحاولته استخدام جواز سفر مزور يعود لشخص آخر، من أجل دخول الولايات المتحدة الأميركية، وسجن 10 أشهر.
وفي 2014 حُكم عليه بالسجن مدة 18 شهرا بتهمة النصب للحصول على قروض. وعام 2017 أدين بتهمة ازدراء المحكمة، عقب إطلاقه بثا مباشرا من أمام المحكمة للتعليق على أطوار قضية لم تنته بعد، وخلال البث وجه كثيرا من الشتائم والانتقادات للمحكمة.
وحكم على روبنسون بالسجن 13 شهرا، فنظم أنصاره احتجاجا في وسط العاصمة لندن شارك فيه 15 ألف شخص، من أقصى اليمين والنازيين الجدد، وانتهى بمواجهات عنيفة مع رجال الشرطة.
وفي عام 2018، حذفت حساباته من مواقع التواصل الاجتماعي (إكس وفيسبوك وإنستغرام) بسبب خطابه الذي يحرض على العنف والكراهية، وفي العام التالي حظرت منصة "سناب شات" بدورها حسابه، كما قيّدت منصة "يوتيوب" الوصول إلى مقاطعه المصورة.
متظاهرون في احتجاج ضد تومي روبنسون خلال مسيرة نظمتها حركة مناهضة العنصرية عام 2024 (رويترز) حادثة الطفل السوريانتشر مقطع مصور عبر مواقع التواصل في أكتوبر/تشرين الأول 2018، يظهر فيه عدد من أطفال المدرسة يضربون الطفل السوري جمال حجازي (15 عاما)، فخرج روبنسون بتصريحات يقول فيها إن هذا الولد لم يكن بريئا، متهما إياه "بالهجوم على فتاة بريطانية في مدرسته".
تصريحات روبنسون عرضت الطفل السوري لتهديدات اضطرت أسرته على إثرها لتغيير المنزل حماية له، وبعد أشهر من محاكمة روبنسون بسبب تحريضه ضد الطفل، قضت المحكمة بتعويض لصالح جمال حجازي بأكثر من 100 ألف جنيه إسترليني (نحو 127 ألف دولار).
لكن روبنسون أكد عدم قدرته على دفع المبلغ لأنه "مفلس"، مما دفع كثيرا من مؤيديه حول العالم لجمع التبرعات وتغطية نفقاته القانونية. وعلى الرغم من أمره بالمثول أمام المحكمة، غادر البلاد تهربا من العواقب القانونية.
الدعم الماليتلقى روبنسون خلال سنوات محاكماته وسجنه المتكررة أكثر من مليوني جنيه إسترليني على شكل رعاية وهدايا، كانت معظمها من مؤيديه خارج بريطانيا. وحصل على آلاف الدولارات شهريا مقابل زمالته مع موقع "ريبل نيوز" الكندي المقرب من أقصى اليمين.
استخدم روبنسون كذلك خاصية التبرعات الخيرية على فيسبوك لعدة أشهر في أواخر عام 2018، وتلقى تبرعا بقيمة مليوني جنيه إسترليني عام 2018 من معارضين لسجنه، كما دعمته منظمة "السترات الصفراء الأسترالية" اليمينية.
عودة بعد غيابوعقب غياب روبنسون عن الأضواء فترة، ظهر مجددا يوم 27 يوليو/تموز 2024، وقاد مسيرة كبيرة ضد المهاجرين والمسلمين، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن اندلاع أعمال عنف، فغادر البلاد مجددا وصدرت مذكرة اعتقال بشأنه.
وتزامنا مع ذلك، اندلعت احتجاجات عنيفة في أنحاء بريطانيا بعد مقتل 3 فتيات في هجوم بسكين في حفل راقص للأطفال بساوثبورت شمال غربي إنجلترا، فاستغلت جماعات معادية للمهاجرين والمسلمين هذه الواقعة، وانتشرت أعمال عنف وفوضى ألقت الشرطة بمسؤوليتها على "رابطة الدفاع البريطانية".
وقالت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية إنها رصدت يوم 29 يوليو/تموز روبنسون أثناء قضائه عطلة صيفية مع عائلته في فندق فاخر بقبرص، في الوقت الذي كان يشجع على أعمال الشغب والتحريض في جميع أنحاء بريطانيا، وذلك بنشره تغريدات ومشاركات تحريضية ضد المهاجرين في بريطانيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات رابطة الدفاع أقصى الیمین
إقرأ أيضاً:
الصندوق السيادي المعنوي.. تعزيز وتنمية
د. إسماعيل بن صالح الأغبري
يُمكن القول إنَّ الصناديق السيادية نوعان، كلاهما ذو أهمية، يدلان على قوة الدول قيميًا واقتصاديًا ثم سياسيًا، وهما يمثلان الجناحين اللذين تُحلِّقُ بهما الدول، وعليهما المُتكَأ، وهما المعيار الذي من خلاله ينظر الآخر إلى هذه الدولة أو تلك.
دول لديها صندوق سيادي محسوس مادياً، يقدر بمئات مئات المليارات، وتسعى تلك الدول إلى تنميته وتعزيز مزيد من إمكانياته ومحتواه لتبلغ المكانة المرموقة بين دول العالم، وتستقطب من خلاله مزيدًا من الأموال وثقة دول العالم؛ فالدول ذات الصناديق السيادية المادية العالية تشير أحوالها إلى تلك الملاءة المالية، وهو الظهير لها والعمود الفقري الذي يصلب عودها بين دول العالم، وهو بمثابة البئر المستبحرة أي ذات الغزارة والوفرة.
دول أخرى ذات صناديق سيادية مادية إلّا أن صناديقها السيادية متواضعة مقارنة بغيرها، وهذا النوع من الدول ساعٍ أيضًا إلى تنمية هذا الصندوق وتعزيزه ليكون لها ردءًا حين الشدة، وملاذًا عند الحاجة، وظهيرًا أوقات الأزمات، وعضدًا إذا دعا الداعي إليه، إضافة إلى رسوخ مكانة الدولة، وقوة كلمتها بين دول العالم مع الثقة بها في ميادين المال والاقتصاد حتى كاد أن يكون السؤال "قل لي ما مقدار صندوقك السيادي أقل لك من أنت"! وهذا يسري على الدول كما يسري على الأشخاص في عالم اليوم.
هناك نوع آخر من الصناديق السيادية وهو الصندوق السيادي المعنوي، المتمثل في مخزون القيم والأخلاق والمثل والأعراف والعادات والتقاليد، وهو صندوق فاعل ومؤثر وورقة رابحة للدول التي تمتلكه أو تتصف به أو عندها قدر كبير منه.
إذا كان الصندوق السيادي المادي يمثل القوة الحسية للدول فإنَّ الصندوق السيادي المعنوي يمثل القوة الناعمة للدول، وعن طريقه يمكن رفد الصندوق السيادي المادي، فحسن أخلاق الشعب يعني فن التعامل وسلامة القادم إلى البلاد، وضمان عدم العدوان عليه ما التزم القادم بما يجب عليه أن يلتزم به.
والصندوق السيادي المعنوي يكون سببًا لمتانة الصندوق السيادي المادي؛ لأن الصندوق الأول وسيلة لجلب الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال عن طريق ما تتناقله الألسن وتراه الأعين من سلوكيات الشعب، ونزوعه إلى استقرار المجتمع، وتجنب ما يعكر صفو الحياة فيه، وصفو حياة من يعيش أو يقيم عليه، فالمجتمع الآمن والمستقر بسبب ما تسود فيه من مبادئ الصندوق السيادي المعنوي مجلبة للاستثمارات وطمأنة للمستثمرين بأنهم وأموالهم آمنون.
لكل صندوق سيادي مصادر تمويل وتقوية وموارد تعزيز وتنمية، ومصادر هذا الصندوق السيادي المعنوي كثيرة ومنها ثلاثة: الفطرة أو الجِبِلَّة التي جُبِل الناس عليها بغض النظر عن الدين أو القومية أو العِرق أو اللون أو الدولة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رسولا إلى قوم من الأقوام، فأساءوا معه السيرة، فسبوه وضربوه، فشكاهم إلى رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك" فدل هذا على أنَّ أهل عُمان كانوا على هذا الخلق وهذه القيمة الرفيعة من فن التعامل واحترام الآخر حتى من قبل أن يدخلوا في دين الإسلام، وإنما الإسلام عزز ما هم عليه من فطرة حسنة وقيمة من القيم الرفيعة على أن هذه السجية فرق بينها وبين (الطِّيبة) المبالغ فيها، والتي تدع الإنسان غافلا أو ساهيا، لا يدري مصالحه ومصالح بلاده، فهذه الحالة تكون سذاجة، وليس قيمة من القيم المحمودة.
الإسلام مصدر أساس من مصادر الصندوق القيمي السيادي خاصة في الشعوب التي تعتنق الإسلام، والعُمانيون منهم إذ استجاب الساسة منهم والشعب، طوعا لا كرها، رغبة لا رهبة للإسلام، وما أجمل ما صاغه الخليفة أبو بكر الصديق وما منحه لأهل عُمان من وسام من الدرجة العالية؛ إذ قال لوفدهم المعزي في وفاة النبي الكريم والمُهنئ لأبي بكر بالخلافة والمؤكد له على الثبات على الإسلام حتى بعد وفاة نبي الإسلام: "يا معاشر أهل عُمان إنكم أسلمتم طوعًا، لم يطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ساحتكم بخف ولا حافر، ولا جشمتموه ما جشمه غيركم من العرب، فأجبتموه إذ دعاكم على بُعد داركم وكثرة عددكم وعدتكم فأي فضل أبر من فضلكم". العُمانيون يلتزمون القيم سجيةً وطبعًا، ولا يفارقون الأخلاق والمُثل قيمًا وأخلاقًا، وليس خوفًا أو طمعًا، وخطبة أبي بكر الصديق- خاصةً آخر عباراتها- تُبيِّن تميُّز العُمانيين، ونزوعهم إلى المسالمة لمن سالمهم أما إن أرادهم أحد أو أراد بلادهم بسوء فذلك مربع يضيق عليهم البقاء فيه أو عدم مغادرته شرعا وعرفا وحمية، ذلك أن الأُسد تزأر إن نازعها أحد عرينها.
إن الإسلام مصدر من مصادر القيم، إليه الناس تتحاكم، وبه تحكم في كثير من أحوالها وقضاياها، أعلى من هذا الصندوق السيادي القيمي، ورفده بكثير منها كالوفاء بالذمة وعدم جواز الغدر ومنع الإنسان خيانة أرضه ووطنه وقومه، فحفظ الأرض في الإسلام كحفظ العِرض لا يختلفان، ولا تعارض بين الإسلام وحب الديار والأوطان، فكثير من العبادات لا تقام إلا في رحاب الوطن، وكثير من الأحكام يراعى فيها الإقامة في الأوطان، وقد ودع النبي صلى الله عليه وسلم مكة والقلب ليحزن والعين لتدمع ولفراقها محزون وهو يقول: "إنك لأحب البلاد إلي ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت منك"، وكم أسعد النبي أمر الله له بالتوجه في الصلاة نحو الكعبة بمكة موطنه ومهوى فؤاده من بعد أن كانت قبلة المسلمين المسجد الأقصى بفلسطين.
وقد ورد عن نبي الإسلام قوله: "إنما بُعثت مُتمِّمًا لمكارم الأخلاق"، وعليها العُمانيون عضُّوا، وبها نحو العالم ساروا نشرًا للإسلام بجميل التعامل وحسن العرض ولطف المحاورة أو عن طريق التجارة وبريدها الصدق والأمانة وتجنب الاستغلال أو الاحتكار أو الغش، وكان العُماني الداعية والتاجر إلى بلاد الصين عبد الله بن القاسم قدوة، وصار القدوة والمثل الأعلى لتلك القيم في التعامل مع الآخر حتى صار شعار: "هُويتنا قيمنا ومبادئنا" وكأنه منه مُستَمَد، وكأنه إليه المنتهى.
الأعراف والتقاليد مصدر آخر من مصادر ذلك الصندوق السيادي المعنوي؛ فالمتوارث عليه من محامدها، والمستقر العمل به من محاسنها وإن لم يكن مسطورًا أو مُدوَّنًا على شكل مواد أو فقرات حجة معتبرة لازمة في ساحات الفصل بين الخصوم.
ومن الأعراف الاجتماعية المتوارثة عند العُمانيين احترام صغير السن للكبير الطاعن في السن، ومن مظاهر هذه القيم التعزية والمواساة من خلال "سبلة العزاء" ولها آداب لا بُد من احترامها وقيم من الضرورة التمسك بها، وعلى هذا فليس من القيم في شيء أن يشتغل البعض بهاتفه فلا يرفع عنه رأسًا، ولا يصرف عنه يدًا، ولا يتوقف عن العبث في لوحته دون اعتبار لحق المجلس، ولا التفات لمن كان فيه أو كان بجواره، وليس من القيم في شيء أن يخرج الإنسان مع أصدقائه في رحلة داخلية أو خارجية وكل واحد أو أحدهما مشغول بهاتفه وكأن الهاتف هو صاحبه وصديقه ورفيق دربه.
وليس من أخلاقنا في شيء أن يكون الوالدان بجانب ولدهما وهو لهما في تجاهل عن طريق انشغاله بالهاتف مراسلة أو تقليبًا لمحتواه، وكأنه لا قيمة لوالديه أو لأحدهما عنده، فجلوسه معهما أقرب إلى العبث وهو في تلك الحالة عاق لهما.
إن ما يقع في الشوارع العامة من قيام بعض سائقي المركبات من التجاوز من جهة يمين الشارع قاطعين مسافات طويلة، فيتقدمون على من كان قبلهم ممن التزم النظام والقانون والأدب والأخلاق واحترم الآخرين حتى يصبحوا في مقدمة الناس ومن التزم يصير آخر الركب.
وهذا السلوك ينافي القيم والأخلاق، ويجانب الأدب والأعراف الحسنة مع ما فيه من استهتار بحياة الناس وأرواحهم وما يسببه من اختناق مروري بالإضافة إلى خرقهم قواعد السير ونظامه المنصوص عليها في قوانين المرور.
والجلوس في الأماكن العامة دون مراعاة قيم المجتمع من حيث الملابس أو من حيث ما يصدر عن الجالسين من تعليقات مؤذية على غيرهم من مرتادي تلك الأماكن العامة يُعد ذلك منهم اعتداءً على هذا الصندوق السيادي القِيَمِي العُماني.
كما يمكن أن تستهلك الدول صناديقها السيادية المادية نظرا لظروف ومبررات فكذلك يمكن أن يتأثر الصندوق السيادي المعنوي، وهذا بـتأثير عوامل مختلفة منها صيرورة العالم ليس قرية واحدة بل كغرفة واحدة، تنتقل سلوكيات الدول فيما بينها بسهولة ويسر وفي لمح البصر رغم البعد الجغرافي عن طريق التقنيات ووسائل التواصل.
العولمة لها تأثير على الصندوق السيادي القيمي، فالغالب أن الدول ذات المراكز المالية المتواضعة وذات الصناعات الضعيفة تتأثر بغيرها من الدول ذات الثُقل والمراكز العالمية، فتجد التقليد للآخر والافتتان به، والسعي إلى تقليده واقتفاء أثره.
العولمة في الأصل ليست الشر المحض لو أحسنت دول العالم الإسلامي استثمارها فوضعت خططا واستراتيجيات محكمة لتصدير مضامين صناديقها السيادية المعنوية إلى القوى ذات الصناديق السيادية المادية الغربية إلا أن المشكلة تكمن في الاستيراد دون التصدير وفي التأثر دون التأثير.
سعي عدد من الدول الغربية إلى فرض قيمها على غيرها من الدول، بغية الهيمنة السيادية المادية والمعنوية معا، وبسعيها فرض قيمها وأخلاقياتها على غيرها من الدول، وتلويحها بفرض العقوبات الاقتصادية على كل من لم يسع إلى تطبيق ما تريد ينافي ما تدعيه تلك الدول من مبدأ الحرية وحق الاختيار وحق الاستقلال، وهذا يؤثر سلبا على الصندوق السيادي المعنوي.
إن تلك الدول الغربية تعاني من انحلال أسري يؤثر على الحياة الاجتماعية بين أفراد المجتمع حتى بين الوالد وولده، وكذلك تعيش تلك المجتمعات حياة الفرد "الأنا" ضد حياة الجمع "معًا" وتلك الحياة القائمة على مبدأ إضعاف الانتماء الأسري تعاني من ارتفاع حاد في نسبة الأمراض النفسية ما ينعكس على استخدام السلاح داخل المجتمع؛ فتجد حوادث مهاجمة التلاميذ في المدارس، أو مهاجمة الناس في المجمعات التجارية بدوافع نفسية انتقامية.
من الضرورة بمكان السعي الحقيقي والجاد من أجل تعزيز وتنمية الصندوق السيادي المعنوي، ووقف أي تعد عليه أو تجاوز بحقه، وهذا يعني وجود خطط استراتيجية لتنميته والحفاظ على سلامته، ومن ذلك ومن ذلك وضع خطة وطنية لا تتعلق بمؤسسة معينة بل تتعلق بإرادة وطنية من جميع المؤسسات.
البرامج التربوية المكثفة لتعزيز الصندوق السيادي المعنوي ضرورة، وهذه البرامج تحتاج إلى دعم مادي. كما إن البرامج الإعلامية عبر القنوات التقليدية أو الجديدة لتنمية هذا الصندوق عبر المحاورات والمناقشات وعن طريق الأحاديث الداعمة لهذا الصندوق وعبر مقاطع قصيرة لا تتجاوز الخمس دقائق، تبث قبيل نشرات الأخبار وفي ساعات الذروة ووقت الإفطار في شهر رمضان.
إن قصة من قصص الماضين مستمدة من الواقع المحلي تعين على رفد الصندوق السيادي المعنوي، وإن قناة للأطفال ينبع محتواها من البيئة المحلية كفيل بتعميق الهوية وتحفيز الصندوق السيادي، فالطفل عندما ينشأ منذ نعومة أظفاره على صندوق سيادي معنوي يعني نشأة جيل في الدولة يحفظ القيم والأخلاق والمثل والأعراف والتقاليد، وينشأ شباب يبنون الدولة بناءً ماديًا ومعنويًا، وبذلك يتعزز الصندوقان السياديان المادي والمعنوي معًا.
رابط مختصر