سودانايل:
2024-09-09@22:57:23 GMT

البحث عن إنسان المدينة (1)‏ ملمح إثنولوجي ‏

تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT

د. محمد عبد الله الحسين

تترامى أمامي المدينة ممثلة في مرافقها أبنيتها وشوارعها وناسها ذوي السحنات المختلفة ‏والسمات المتعددة وهي تسير في تؤدةٍ أحيانا، وفي هرولةٍ عجولٍ لقضاء حوائجها أو للتمتع ‏بما وراء زجاج العرض في واجهات المحلات. إنه سمت المدينة(الكوزموبوليتانية)، أو المدينة ‏العولمية، أو مدينة ما الحداثية.

‏ المدينة ما بعد الحداثية كانت هي محور تفكير (مارك أوجيه)‏ ‏ ذلك الأنثروبولوجي الفرنسي. ‏لقد أطلق أوجيه دعواه لمنهج جديد للأنثروبولوجيا، منهج تحافظ به الأنثروبولوجيا على ‏وجودها كعلم يهتم بالأعراق والثقافات المختلفة في ظل التحولات التي تشهدها المجتمعات ‏بظهور أنماط جديدة من المدن والحواضر ذات الطابع الكوزموبولياني(العولمي).. ‏ ‏-(أكاد أتخيل (مارك اوجيه) وهو يجلس على كرسيِّه في إحدى مقاهي باريس ذات الطابع ‏العولمي/الحداثي. بينما أنا استطلع ملامح المدينة وساكنيها في فضولٍ أنثروبولوجي حائر، ‏استرجِع في لحظاتٍ، صدى كلماته الموحية، وهو يجلس في إحدى مقصورات الركاب في ‏ميترو باريس. أكاد أراه وهو يُجيل النظر عبر نافذة المترو، متفحصا ملامح المدينة ليكتب ‏رائعته (إثنولوجي أو أنثروبولوجي في الميترو). ويتكرر ركوبه الميترو عدة مرات، وتتكرر ‏جولاته ومن ملاحظاته الأركيولوجي في تفاصيل المدينة، والعلاقة بين المدينة وسكانها، ‏وأهدى أوجيه إلينا أخيرا كتابه "إثنولوجي في الميترو"‏ ‏. ‏ قبل أن أسمع بكتاب مارك أوجيه "إثنولوجي في الميترو"، أو أقرأ عنه، كانت قد طرأت على ‏ذهني ملامح مشروع مشابهٍ، ولكن بشكل مختلف وكذلك أقل في نطاقه. كنت حينها مدفوعا ‏بشغفٍ شخصي، من خلال وجودي اليومي وسط خليط من أعراق متنوعة من شتى الجنسيات ‏وأنا التقيهم صدفة في المصعد أو في الانتظار في ردهات المصعد، حيث تتاح لي الفرصة ‏أحياناً لكي ألتقي بأحدهم أو ببعض منهم وأتجاذب معهم عبارات المجاملة والترحاب في فترة ‏انتظار المصعد أو الهبوط منه أو في مكتب الترجمة الذي أعمل به...‏ تلوح لي مدينة الدوحة مدينة ذات سمتٍ وطابعٍ كوزموبوليتاني/ كوني (أو لنقل عولمي) تذخر ‏شوارعها وأبنيتها ومرافقها بأنشطة وحيواتٍ وجماعات من ثقافاتِ شتى وأعراق ٍمن كل أرجاء ‏العالم. كنت أصادف هؤلاء بصفة يومية ومتكررة بحكم عملي في تلك البناية التي تحتل مكانا ‏مميزا في أحد شوارع الدوحة الرئيسية. كنت في تلك الأوقات أقوم بمتابعة ذلك التنوع وذاك ‏الاختلاف بنوع من الاستمتاع، وبدافع من فضول عابرٍ في بداية الأمر. تطور لاحقا فيما بعد ‏لتصبح ملاحظات شبه منتظمة. كنت أجد في نفسي شغف لمتابعة ذلك التنوع البشري ‏بسحناتهم ولمحاتهم وردود أفعالهم المعبِّرة عن ثقافاتهم المختلفة، وكان ينمو في داخلي فضول ‏موازي بتأثير تخصصي في علم الاجتماع /الأنثروبولوجي. ‏ ‏ فكنت أغوص في تلك الملاح متفحصا فيها ليس فقط كإثنولوجي متخفي (يبحث في ‏اختلاف ثقافات الأعراق)، بل كان ذلك بدافع من نزوعٍ وشغفٍ شخصي للتعرف عن قرب ‏على هذا الكائن البشري، صنيعة الله. لقد كنت دائما ولا زلت مأخوذا بهذا الإنسان الذي وإن ‏اختلفت منابِته وتعددت أصولُه ومشاربُه، فهو يحمل في داخله نفس الجينات، ذات الأصل ‏الواحد. وتلك المشاعر الإنسانية ذات الطابع الاجتماعي. تلك الهوية الإنسانية التي ملؤها ‏التعاطف الإنساني الفطري، والمُساقَة بالرغبة في تذوق طعم الحياة (في وجود الآخرين). تلك ‏المشاعر التي تتبدَّى في الحلم البشري الطبيعي في نفس كل كائن بشري، مثل الرغبة في ‏الاندماج في الآخرين، الإحساس بالأمن والطمأنينة، حتى في تلك الأحلام (حتى البسيط منها) ‏وفي الإحساس بالرضا. الإنسان ذلك الكائن الاجتماعي والذي رغم زهوه العابر بانعزالية مؤقتة ‏أحيانا (والتي تلوح أحياناً كلمحات شبه (سايكوباتية)، إلا أنه لا يعيش بمعزل عن إنسانيته ‏المتفردة في توقها الأبدي لعلاقة وارتباط اجتماعي مع الكائنات البشرية الأخرى، والتي لا ‏يشفيه من سقمه العارض ذاك، إلا رشفات من توادٍّ وإلفةٍ وتعاطفٍ وتجاوب متبادل مع ‏الآخرين. وهكذا يتخلّق بالتالي إحساسا غامرا بالارتياح والأمان ضمن فضاءٍ إنساني متآلفةً ‏وعطوفا. ‏ يتبدى لي كل ذلك وأنا أستطلع الوجود والسحنات (لأعبر نوعا ما إلى الدواخل) من خلال ‏الإيماءات المعبِّرة والاستجابات المتجاوبة التي تتخللها ابتسامات ودودة تشي بوصول تلك ‏الرسائل الصامتة إليهم التي قد يكون الرد عليها نصف ابتسامة أو مشروع ابتسامة في طور ‏التشكل أو إيماءات امتنان ودودة أو كلمات اعتذار عابرة ومقتضبة. وهكذا تسخو تلك ‏اللحظات ببعض النظرات المعبرة والتواصل البصري العابر، والذي لا يخلو من معانٍ إنسانية ‏لا تخفى على أعين الإثنولوجي الهاوي مثلي، دعك من الإثنولوجي الحصيف.‏ ‏‏ من قلب الشتات- 07 أغسطس 2024‏

mohabd505@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی تلک

إقرأ أيضاً:

طوارئ بحري تكشف عن كارثة إنسانية وصحية في المدينة

 

تشهد المدينة انقطاعاً كاملاً في سلاسل الإمداد الدوائي منذ ما يقارب العام ونصف العام، مما أدى إلى تفشي الأمراض المرتبطة بسوء التغذية والتلوث البيئي، بالإضافة إلى غياب المواد الغذائية الضرورية

التغيير: الخرطوم

أعلنت غرفة طوارئ بحري بولاية الخرطوم عن تفجر الوضع الصحي في المدينة ووصوله إلى أقصى درجات التدهور في ظل غياب المؤسسات الصحية التابعة للدولة عن العمل في المناطق المحاصرة.

وقالت طوارئ بحري في تعميم صحفي اليوم، إن المدينة تشهد انقطاعاً كاملاً في سلاسل الإمداد الدوائي منذ ما يقارب العام ونصف العام، مما أدى إلى تفشي الأمراض المرتبطة بسوء التغذية والتلوث البيئي، بالإضافة إلى غياب المواد الغذائية الضرورية.

وجاء في التعميم أن مدينة بحري تعاني من انتشار واسع للأمراض مثل الإسهال المائي الحاد والكوليرا، بالإضافة إلى حالات متزايدة من التيفوئيد والملاريا، وأمراض أخرى لم يتم التعرف عليها بعد نتيجة غياب أدوات الفحص وتوقف المستشفيات. وقالت طوارئ بحري إنه بالرغم من الجهود الجبارة التي يبذلها الأطباء الموجودون داخل المدينة ومن يساعدهم عبر الهاتف والإنترنت، فإن غياب الكوادر الصحية المتخصصة يزيد من حدة الأزمة.

 

وأردفت بالقول إن النساء في المدينة يعانين بشكل خاص في ظل غياب تام للإمدادات الأساسية مثل الفوط الصحية لفترات طويلة، مما يؤدي إلى التهابات خطيرة قد تؤثر على القدرة الإنجابية وقد تصل إلى حالات وفاة في بعض الأحيان. كذلك، تعاني النساء الحوامل من انعدام الرعاية الصحية الكافية، حيث تزايدت حالات وفاة الأجنة نتيجة لغياب المتابعات الطبية، وعدم معرفة الامهات بتوفي الجنين مما يسفر حالات تسمم خطيرة قد تكون مميتة. مشيرة إلى أن غياب فيتامينات الحمل والتطعيمات الضرورية أسفر عن حالات تشوه الأجنة والإجهاض المتكرر، مما يضع حياة الأمهات في خطر دائم.

وأوضحت أن الظروف المحيطة بمضاعفات الولادة باتت كارثية في غياب المستشفيات، مع عدم توفر حقن الفصيلة الدموية الضرورية. في الوقت نفسه، يعاني الأطفال الرضع من غياب التغذية المناسبة نتيجة عدم قدرة الأمهات المرضعات على الحصول على المواد الغذائية الأساسية. كما أن غياب الحليب الصناعي (الفورمولا) وعدم توفر مصادر الدخل لشراء الحليب اللازم للرضع يجعل الوضع أكثر حدة، مما يزيد من احتمالات وفاة الرضع نتيجة سوء التغذية.

وأكدت طوارئ بحري أن غياب التطعيمات الأساسية للأطفال، مثل تطعيمات الحصبة والسل وأمراض أخرى، أدى إلى ارتفاع حالات الإصابة بهذه الأمراض الخطيرة في المدينة، مما يهدد حياة الآلاف من الأطفال.

وأشارت إلى أن تفشي أمراض سوء التغذية للأطفال تحت الحصار القاسي، والتدهور الصحي المستمر، يعزز من احتمالات انتشار أمراض خطيرة أخرى مثل السل والحصبة، مما يؤدي للوفاة ما يزيد من حجم الكارثة الإنسانية.

وأكدت غرفة الطوارئ أن حجم الأزمة الصحية والإنسانية في المدينة بلغ مستويات غير مسبوقة. مشيرة إلى أنه في ظل غياب تام لأي زيارة أو متابعة من قبل المسؤولين والعاملين في الأمم المتحدة للمدينة منذ تفجر الصراع في السودان في أبريل الماضي، فإن هذا التجاهل المستمر للوضع المتدهور يضع المسؤولية المباشرة على عاتق الأمم المتحدة، التي تمثل توافق المجتمع الدولي في الشأن الإنساني. وقالت إن غياب الاستجابة المناسبة لهذه الأزمة يجعل المسؤولية تقع على كل من له صلة بتقديم الدعم الإنساني، حيث تم تقييم حجم الكارثة مسبقاً والتحذير منها.

وتابعت بالقول: تقترب المجاعة الآن من تهديد حياة السودانيين بشكل أكبر من أي وقت مضى، حيث أصبح الوضع في السودان أحد أكبر التهديدات الإنسانية على مستوى العالم. إن تجاهل هذه الأزمة يجعل المجاعة أقرب للسودانيين من أي مواطنين آخرين في العالم.

وشددت الغرفة على ضرورة وضع المسارات الآمنة لإدخال المساعدات الإنسانية في أجندة أعمال ونقاشات جميع الجهات المهتمة بالشأن السوداني. قائلة إن هذا الأمر يجب أن يكون أولوية قصوى في كافة المناقشات والقرارات المتعلقة بالسودان، مع ضرورة إشراك المبادرات المحلية في عمليات التوزيع وتقدير حجم المساعدات بما يتماشى مع واقع العمل في السودان في ظل هذه الظروف المعقدة.

 

وأكدت الغرفة أن هناك ارتفاع حاد في عدد الوفيات نتيجة هذه الأوضاع الكارثية. وأعلنت عن عجزها الكامل عن الاستجابة للاحتياجات المتزايدة والملحة في ظل غياب التمويل الكافي المخصص للقطاع الصحي من الجهات المانحة المتعاونة مع الغرفة.

وناشدت غرفة طوارئ بحري جميع المنظمات الدولية العاملة في القطاع الصحي، وكذلك تلك المتخصصة في المجالات الإنسانية الأخرى، بالتدخل العاجل والفوري. كما ندعو كافة أطراف النزاع وأجهزة الدولة ذات الصلة إلى تقديم الدعم والمساندة اللازمة للغرفة للاستجابة السريعة لهذه الأزمة الإنسانية.

كما ناشدت السيد مدير منظمة الصحة العالمية الموجود حالياً في السودان، والأمم المتحدة وهياكلها المختلفة، بالتدخل العاجل والتواصل المباشر مع غرفة طوارئ بحري للحد من تفاقم هذه الكارثة، والعمل على إنقاذ حياة الآلاف من المواطنين الذين يعيشون تحت وطأة هذه الأزمة.

 

الوسومالأوضاع الانسانية في السودان الصحة العالمية طوارئ بحري

مقالات مشابهة

  • غزة والمرجفون في المدينة!!
  • عشيرة ماهر الجازي: العملية “رد فعل طبيعي” على “الجرائم” في غزة
  • أطول برج خشبي في العالم..من المدينة التي ستحتضنه؟
  • القطي إنسان ،، عنوانه البساطة في الحياة والعمق في الوعي!.
  • طقس المدينة المنورة.. أمطار خفيفة على المهد والحناكية
  • فرنسا تفتح مدرسةً في المدينة التعليمية ببنجرير
  • إيلون ماسك يعلن موعد هبوط أول إنسان على المريخ
  • جامعة بني سويف تطلق قافلة تنموية وطبية وتوعوية لقرية شريف باشا
  • طوارئ بحري تكشف عن كارثة إنسانية وصحية في المدينة
  • المركز الوطني للأرصاد: أمطار على المدينة المنورة