سودانايل:
2024-12-27@19:40:02 GMT

البحث عن إنسان المدينة (1)‏ ملمح إثنولوجي ‏

تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT

د. محمد عبد الله الحسين

تترامى أمامي المدينة ممثلة في مرافقها أبنيتها وشوارعها وناسها ذوي السحنات المختلفة ‏والسمات المتعددة وهي تسير في تؤدةٍ أحيانا، وفي هرولةٍ عجولٍ لقضاء حوائجها أو للتمتع ‏بما وراء زجاج العرض في واجهات المحلات. إنه سمت المدينة(الكوزموبوليتانية)، أو المدينة ‏العولمية، أو مدينة ما الحداثية.

‏ المدينة ما بعد الحداثية كانت هي محور تفكير (مارك أوجيه)‏ ‏ ذلك الأنثروبولوجي الفرنسي. ‏لقد أطلق أوجيه دعواه لمنهج جديد للأنثروبولوجيا، منهج تحافظ به الأنثروبولوجيا على ‏وجودها كعلم يهتم بالأعراق والثقافات المختلفة في ظل التحولات التي تشهدها المجتمعات ‏بظهور أنماط جديدة من المدن والحواضر ذات الطابع الكوزموبولياني(العولمي).. ‏ ‏-(أكاد أتخيل (مارك اوجيه) وهو يجلس على كرسيِّه في إحدى مقاهي باريس ذات الطابع ‏العولمي/الحداثي. بينما أنا استطلع ملامح المدينة وساكنيها في فضولٍ أنثروبولوجي حائر، ‏استرجِع في لحظاتٍ، صدى كلماته الموحية، وهو يجلس في إحدى مقصورات الركاب في ‏ميترو باريس. أكاد أراه وهو يُجيل النظر عبر نافذة المترو، متفحصا ملامح المدينة ليكتب ‏رائعته (إثنولوجي أو أنثروبولوجي في الميترو). ويتكرر ركوبه الميترو عدة مرات، وتتكرر ‏جولاته ومن ملاحظاته الأركيولوجي في تفاصيل المدينة، والعلاقة بين المدينة وسكانها، ‏وأهدى أوجيه إلينا أخيرا كتابه "إثنولوجي في الميترو"‏ ‏. ‏ قبل أن أسمع بكتاب مارك أوجيه "إثنولوجي في الميترو"، أو أقرأ عنه، كانت قد طرأت على ‏ذهني ملامح مشروع مشابهٍ، ولكن بشكل مختلف وكذلك أقل في نطاقه. كنت حينها مدفوعا ‏بشغفٍ شخصي، من خلال وجودي اليومي وسط خليط من أعراق متنوعة من شتى الجنسيات ‏وأنا التقيهم صدفة في المصعد أو في الانتظار في ردهات المصعد، حيث تتاح لي الفرصة ‏أحياناً لكي ألتقي بأحدهم أو ببعض منهم وأتجاذب معهم عبارات المجاملة والترحاب في فترة ‏انتظار المصعد أو الهبوط منه أو في مكتب الترجمة الذي أعمل به...‏ تلوح لي مدينة الدوحة مدينة ذات سمتٍ وطابعٍ كوزموبوليتاني/ كوني (أو لنقل عولمي) تذخر ‏شوارعها وأبنيتها ومرافقها بأنشطة وحيواتٍ وجماعات من ثقافاتِ شتى وأعراق ٍمن كل أرجاء ‏العالم. كنت أصادف هؤلاء بصفة يومية ومتكررة بحكم عملي في تلك البناية التي تحتل مكانا ‏مميزا في أحد شوارع الدوحة الرئيسية. كنت في تلك الأوقات أقوم بمتابعة ذلك التنوع وذاك ‏الاختلاف بنوع من الاستمتاع، وبدافع من فضول عابرٍ في بداية الأمر. تطور لاحقا فيما بعد ‏لتصبح ملاحظات شبه منتظمة. كنت أجد في نفسي شغف لمتابعة ذلك التنوع البشري ‏بسحناتهم ولمحاتهم وردود أفعالهم المعبِّرة عن ثقافاتهم المختلفة، وكان ينمو في داخلي فضول ‏موازي بتأثير تخصصي في علم الاجتماع /الأنثروبولوجي. ‏ ‏ فكنت أغوص في تلك الملاح متفحصا فيها ليس فقط كإثنولوجي متخفي (يبحث في ‏اختلاف ثقافات الأعراق)، بل كان ذلك بدافع من نزوعٍ وشغفٍ شخصي للتعرف عن قرب ‏على هذا الكائن البشري، صنيعة الله. لقد كنت دائما ولا زلت مأخوذا بهذا الإنسان الذي وإن ‏اختلفت منابِته وتعددت أصولُه ومشاربُه، فهو يحمل في داخله نفس الجينات، ذات الأصل ‏الواحد. وتلك المشاعر الإنسانية ذات الطابع الاجتماعي. تلك الهوية الإنسانية التي ملؤها ‏التعاطف الإنساني الفطري، والمُساقَة بالرغبة في تذوق طعم الحياة (في وجود الآخرين). تلك ‏المشاعر التي تتبدَّى في الحلم البشري الطبيعي في نفس كل كائن بشري، مثل الرغبة في ‏الاندماج في الآخرين، الإحساس بالأمن والطمأنينة، حتى في تلك الأحلام (حتى البسيط منها) ‏وفي الإحساس بالرضا. الإنسان ذلك الكائن الاجتماعي والذي رغم زهوه العابر بانعزالية مؤقتة ‏أحيانا (والتي تلوح أحياناً كلمحات شبه (سايكوباتية)، إلا أنه لا يعيش بمعزل عن إنسانيته ‏المتفردة في توقها الأبدي لعلاقة وارتباط اجتماعي مع الكائنات البشرية الأخرى، والتي لا ‏يشفيه من سقمه العارض ذاك، إلا رشفات من توادٍّ وإلفةٍ وتعاطفٍ وتجاوب متبادل مع ‏الآخرين. وهكذا يتخلّق بالتالي إحساسا غامرا بالارتياح والأمان ضمن فضاءٍ إنساني متآلفةً ‏وعطوفا. ‏ يتبدى لي كل ذلك وأنا أستطلع الوجود والسحنات (لأعبر نوعا ما إلى الدواخل) من خلال ‏الإيماءات المعبِّرة والاستجابات المتجاوبة التي تتخللها ابتسامات ودودة تشي بوصول تلك ‏الرسائل الصامتة إليهم التي قد يكون الرد عليها نصف ابتسامة أو مشروع ابتسامة في طور ‏التشكل أو إيماءات امتنان ودودة أو كلمات اعتذار عابرة ومقتضبة. وهكذا تسخو تلك ‏اللحظات ببعض النظرات المعبرة والتواصل البصري العابر، والذي لا يخلو من معانٍ إنسانية ‏لا تخفى على أعين الإثنولوجي الهاوي مثلي، دعك من الإثنولوجي الحصيف.‏ ‏‏ من قلب الشتات- 07 أغسطس 2024‏

mohabd505@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی تلک

إقرأ أيضاً:

فتح باب التوظيف في المدينة الطبية للأجهزة العسكرية والأمنية

 

مسقط- الرؤية

أعلنت وزارة العمل بالتنسيق مع المدينة الطبية للأجهزة العسكرية والأمنية، عن فتح باب التوظيف للمواطنين، لشغل عدد من الوظائف الطبية والإدارية في المدينة.

 

مقالات مشابهة

  • الرئاسة الفلسطينية: مستشفى كمال العدوان يقدم خدماته لـ400 ألف إنسان.. وإحراقه جريمة
  • أعمال هاني حوراني.. ملامح الإنسان التي تتقاطع مع ملامح المدينة
  • «نحضن وطن مانحضن إنسان عادي».. حمدان بن محمد ينشر رائعة شعرية عن محمد بن راشد
  • «نحضن وطن مانحضن إنسان عادي»..حمدان بن محمد ينشر رائعة شعرية عن محمد بن راشد
  • "العمل" تعلن عن وظائف جديدة في "المدينة الطبية"
  • فتح باب التوظيف في المدينة الطبية للأجهزة العسكرية والأمنية
  • تفسير حلم رؤية الجن على هيئة إنسان في المنام.. دلالات متعددة
  • وكيل حقوق إنسان النواب: حالات الأطباء المحبوسين احتياطيا خرجوا بعد ساعتين
  • تامنصورت المدينة النموذجية التي أبعدوها عن الحضارة بسبب التهميش المتعمد من شركة العمران بجهة مراكش
  • رئيس جهاز العاشر يجتمع بسكان المدينة لبحث المشكلات التي تواجههم