تمسكوا بسلميتكم: وأطفئوا نار الحرب
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
د. عبد الله عابدين
إنكم أيها الشباب بسلميتكم هذه التي أدهشت العالم بها، تمثلون بجدارة عالية العنوان الأسمى لتمديننا المأمول والتجسيد الحقيقي لقيمنا الحضارية الضاربة في جذور التاريخ البشري. لقد أضاءت أجرامكم الصائمة ساحة ميدان الاعتصام، وروى دمكم الذكي أرضها مهرا غاليا لحريتنا وكرامتنا الإنسانية المضاعة على أيدي أوباش لا يفقهون شيئا من هذا الروح العالي والسمت الرفيع.
رغم كل المحاولات الدائبة من قبل هذه الجيوش المجيشة من فلول الظلاميين و مليشياتهم الإرهابية، ومن جنجاويدهم تمترستم خلف سلميتكم القوية، المبرأة من أوضار الجهالات والعنف. وتمكنتم بذلك من “تمييز الخبيث من الطيب”، و انحزتم إلى الأخير بدون أدنى لبس، فجعل الله “الرجس على الذين لا يعقلون”. هكذا، إذن، هزمتموهم في مضمار لا يكون النصر الحقيقي إلا فيه!!.
انسجوا على هذا المنوال، فقد تنبهتم يا ثوار ديسمبر إلى أن هذا الفصيل الإرهابي الذي يحاول جاهدا جركم إلى العنف: ميدانه الأثير، وحلبة الصراع الوحيدة التي يبرع فيها، فتمترسوا خلف سلميتكم، ولا يغرنكم أحد إلى الخروج عنها مهما كانت الدواعي والمسوغات، فالسلمية روح ثورتكم وقيمتها العليا. هذه القيمة التي بدأت تحضر في مسرح التاريخ البشري إيذانا بنزع فتيل العنف و “نسخ” وإنهاء سنة الحرب التي عكفت البشرية على إشعال نيرانها طوال الحقب السوالف من تاريخها الطويل، المكتوب منه وغير المكتوب.
وقد ظلت قيمة السلمية واللاعنف التي تجسدونها الآن تحاول البروز إلى الواجهة، وتبدأ في التكلم إلينا من خلال تنمية وتطوير أدواتها الخاصة المتمثلة في شتى أشكال القوى الجديدة، سمة صميمة من سمات عصر الشعوب الذي بدأت تظلنا غيومه. وإن هي إلا تضحيات من كل شعوب الأرض في تحمل تبعات هذا الأمر، ودفع ثمن ذلك التحول في تجويد استعمال أدوات النضال السلمية ضد الظلم والقهر، حتى تنهمر غيوم السلام الحبلى على أرض هذا الكوكب التواق إليها، وبالتالي ولوج عصر جديد من اللا عنف والسلام. عصر تتبرأ فيه القوة من العنف، وتغادر فيه الأنياب الحمر والمخالب الزرق مسيرة الإنسان مرة واحدة وإلى الأبد. رشحوا أنفسكم أيها الشباب روادا لهذا العصر الجديد وحدات لطريقة اللاحب.
أجيبوا بنعم على السؤال: هل يتقدم السودان، ممثلا في جموعكم الثائرة المصرة على السلمية، والقابضة على جمرها في وجه العنف العنيف من قبيل ما جسدته مجزرة التاسع والعشرين من رمضان؟!. أجيبوا بنعم قوية على هذا السؤال. ذلك بأن السلمية هي لغة العصر، والسلام هو مرمى حركة التطور. خطواتكم الحثيثة والواعية تلهمنا بصيرة نافذة بالاتجاه المتقدم للتاريخ البشري لدخول مرحلة إنسانية جديدة بالخروج من “عصر النار” وولوج “عصر الماء”!!.
يجب أن تصروا على هذه الإجابة الواضحة بنعم، على سؤال السلمية، وهذا يعني أن يكون إصراركم أوعى كل يوم جديد بهذه القيمة العليا، مقدرين أهميتها القصوى ومدركين لمعناها العميق ولقرب تباليج فجرها الكوكبي. ذلك أمر لا مناص منه، اليوم أو غدا !! .
والأمر أن جميع سكان هذا الكوكب الآن يمثلون شهودا على فشل الحروب وشتى أساليب العنف في الوصول إلى حل للمشاكل والخلافات. والإنسان المعاصر ليس في حاجة إلى من يعظه كثيرا في هذا الصدد. ذلك بأنه يرى بأم عينيه الحروب والدمار، وهي تتطاول في الآماد، وتتطور في أساليبها وأسلحتها الفتاكة التي لا تكاد تميز بين مهزوم ومنتصر، هذا إن عاد فيها مهزوم ومنتصر أصلا!!.
ومن الجلي أن يوما كانت فيه الحروب وسيلة لحل المشاكل يولي الأدبار بسرعة شديدة، فهذه ظاهرة أضحت في متناول يد الإنسان المعاصر في شتى أنحاء هذا الكوكب الحزين. فالحروب ذاتها صارت تشكل دروسا يومية ضد نفسها بما تضعه أمامنا من صور الدمار الشامل والأسى، ومن مأساة جثث الأطفال التي يخرجونها من تحت ركام غابات الإسمنت المتهدمة جراء القصف بالبراميل على رؤوس المدنيين العزل، ومن مشاهد الجموع، وهي تحمل متاعها الضئيل هائمة على وجهها وفاره من أتون الحروب العبثية دون أي وجهة معلومة!!.
هذه السيناريوهات المتطاولة، سيناريوهات الحروب والنزاعات، التي تتحول بصورة ما إلى شكل من أشكال إدارة المشاكل والأزمات بدون أي أفق منظور في إيقاف نزيفها تقول لنا بلسان فصحيح: ألا فاعملوا جاهدين على إلقاء ملفات الحروب وشتى أشكال العنف خلفكم يا بني الإنسان، ثم أقبلوا بنفوس مبرأة من أوضار جهالاتها إلى بناء عالم إنساني جديد تسوده العدالة والحرية والسلام: ذات شعارتكم الأثيرة أيها الثوار.
الحرب بهذا المفهوم الحديث متطور التقنية والأساليب لا تمثل سوى نفايات تُدَوَّر لمصلحة القوى الكبرى ولصالح تجار السلاح وأمراء الحروب وأيقوناتها، ولأجل المستثمرين في إذكاء نار الخلافات بين بني البشر في شتى أنحاء كوكبنا الذي يقف الآن حائرا في مفترق الطرق بين الهمجية والإنسانية. الحرب، ومن ورائها شتى أشكال العنف الأخرى يجب أن تولي الأدبار، وأن تذهب إلى مزبلة التاريخ، فقد خدمت أغراضها، حين كانت تخدم غرضا، واستنفدت كل ذلك، ويجب أن تكونوا أيها الشباب الماء الذي يطفئ نيران آخر الحروب وويلات الفوج الأخير من الدعاية للعنف وممارسته في آخر معاقله.
الوسومد. عبد الله عابدينالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
«مشكلة العنف والثأر وتأثيرهما على الأمن العام».. ندوة توعوية بجزيرة دندرة في قنا
في إطار الجهود المبذولة لنشر الوعي المجتمعي وتعزيز قيم التسامح والتكاتف بين أبناء الوطن، نظمت جزيرة دندرة بمحافظة قنا ندوة موسعة بعنوان "مشكلة العنف والثأر وتأثيرهما على الأمن العام"، إلى جانب حفل تكريم حفظة القرآن الكريم، وذلك بحضور لفيف من الشخصيات العامة وأهالي المنطقة.
أقيمت الندوة برعاية وزارة الشباب والرياضة، ونموذج محاكاة مجلس الشيوخ، وبالتعاون مع رابطة شباب جزيرة دندرة ورابطة أبناء الشيخ العارف، في إطار الجهود المبذولة لمكافحة الظواهر السلبية وتعزيز القيم الدينية والمجتمعية.
وخلال كلمته، أكد جويد عرفات جويد، عضو محاكاة مجلس الشيوخ والقائم على رعاية الحفل، على أهمية رفع الوعي لدى الشباب بمخاطر العنف والثأر، وضرورة التصدي لهذه العادات السلبية التي تهدد استقرار المجتمع وأمنه. كما أشاد بروح التكاتف المجتمعي في جزيرة دندرة، مشددًا على ضرورة استمرار مثل هذه الفعاليات لنشر القيم الإيجابية وتعزيز ثقافة السلم الاجتماعي.
كما أشار إلى أن نشر الوعي بين الشباب حول مخاطر العنف هو أحد الأسس المهمة لبناء مجتمع مستقر، مؤكدًا على دور المؤسسات الدينية والمجتمعية في التصدي لهذه الظواهر السلبية، وتعزيز مفاهيم التسامح والتعاون.
شهد الحفل أيضًا تكريم 160 من البراعم وحفظة القرآن الكريم، حيث أشاد جويد عرفات بدورهم في نشر القيم الإسلامية والانتماء الوطني، معتبرًا أنهم قدوة في طاعة الله وحفظه. كما أكد أن دعم حفظة القرآن يساهم في إعداد جيل أكثر وعيًا وأخلاقًا.
شهدت الندوة حضور عدد من أعضاء محاكاة مجلس الشيوخ، من بينهم مصطفى أبو عميرة ومصطفى محمود رشيدي، بالإضافة إلى عدد من أعضاء الجمعية العمومية، كما حضر لفيف من العلماء والمشايخ، أبرزهم فضيلة الشيخ الدكتور رمضان محمد أحمد الجزيري (ممثلًا عن مديرية الأوقاف)، وفضيلة الشيخ خميس محمد القصراوي (إمام وخطيب مسجد الرحمن بجزيرة دندرة والمشرف على أكاديمية جزيرة دندرة للقرآن الكريم)، وفضيلة الشيخ الدكتور حجازي فارس (إمام وخطيب مسجد السيد عبد الرحيم القنائي)، وفضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحيم عمر (إمام وخطيب بوزارة الأوقاف)، وفضيلة الشيخ أسعد أبو الخير.
تضمنت فعاليات الحفل محاضرات توعوية حول مخاطر العنف والثأر، إلى جانب كلمات عن فضل حفظ القرآن الكريم وأثره في تهذيب النفوس، كما شهد الحفل أجواء احتفالية مميزة، حيث عبر الأهالي عن سعادتهم الغامرة بتكريم أبنائهم، مما يعكس أهمية دعم النشء وتحفيزهم على التمسك بالقيم الدينية والمجتمعية.