بَـحّ صوتنا ونحن ننادي باعتماد تلفزيون السودان القومي مصدراً وحيداً لتلقي الأخبار المرتبطة بسير الأوضاع، ويوميات الحرب بالبلاد، ونادينا بتعظيم وضعيته وجعله قبلةً لتلفزيونات العالم من خلال منحه ميزات حصرية في نقل تصريحات وحوارات وأخبار قادة البلد وتطورات الميدان والسياسة.

خلال يوميات الحرب التي انصرمت من أشهرٍ مضت، ظلّ التلفزيون جهازاً كَسِيحَاً (لا يَهش ولا يَنش)، لأنّ استراتيجية الإعلام العرجاء أرادت له أن يكون كذلك، فضاعت فرصة الحكومة وجيشها في صياغة الواقع الذي يخدم تكتيكات الحرب والسِّياسة، وبغباءٍ نحسد عليه، جعلنا العالم يتابع أخبارنا من خلال شاشات الأعداء وبث القنوات التي كبرت ونمت من أخبار السودان التي تتلقّفها قناتنا القومية الوحيدة من الخارج.

خلال فترة الحرب، أضعنا على تلفزيون السودان فرصة أن يكون هو الناقل الوحيد لأحداث السودان الكبيرة، وجعلناه تابعاً لفضائيات صغيرة ومُغرضة لا تعلم شيئاً عن بلادنا وما يدور فيها، حتى إنّ تلفزيون الحرب تحوّل إلى مادة مثيرة للسخرية، وبينما أبناء السودان يموتون وينزحون ويُشرّدون وتُغتصب حرائره، وبناته يبعن في الأسواق، كان التلفزيون يُحدِّثنا عن ثمار المانجو، وفقه الحج والزكاة، وتراث المناطق، وسط فواصل إرشيفية من مواد مُعلّبة لأغنيات ومقطوعات موسيقية لا صلة لها بواقع الميدان.

في ذلك الوقت، كان كبار المسؤولين في البلد يطلون على الشعب السوداني من (شاشاتٍ عميلةٍ!)، وقنوات خارجية يفشل مذيعوها حتى في نطق أسماء مناطقنا، كان التلفزيون القومي يشعرك حينها أنّه يبث مواده المُعلّبة الماسخة من (جمهورية الموز)، ويأخذ حتى أخباره من مصادر ووكالات أنباء خارجية، ويُسيطر عليه الموات وضعف التفاعل مع الواقع الذي كان يشهَد مُحاولات تدمير وإنهاء وجود الدولة السودانية.

بالطبع، لا أحدٌ يُمكن أن يلوم القائمين على أمر التلفزيون، لأنّ القادة مُغْرَمُون بالحديث للمُراسلين الأجانب، وفي توقٍ دائمٍ للإطلال عبر الشاشات الخارجية وإن كانت عميلةً، يمنحونها حق السَّبق، ويضنون بمجرد تصريح حول حدثٍ عابرٍ لتلفزيون الدولة..!

الحوار الذي قدمته المذيعة المُتميِّزة عواطف محمد عبد الله، على شاشة التلفزيون وهي تستضيف الفريق أول ياسر العطا، عضو المجلس السيادي ومساعد قائد الجيش، يصلح أنموذجاً نضعه على طاولة الكبار، لأنّه استعاد هيبة التلفزيون، ونبّه الدولة إلى خطل مُمارساتها السابقة وهي تهمل الجهاز القومي وتتجاوزه إلى القنوات الخارجيّة، في مسلكٍ غَريبٍ ومُريبٍ لا نجد له أيِّ تبريرٍ موضوعي أو منطقي.

ومن كمال وعي الفريق العطا، أنّه اختار الإطلالة عبر تلفزيون السودان، وجعل الأفئدة والمسامع والأعين تأوى إليه من جديد، وتعتمده مصدراً مُهمّاً للأخبار والمعلومات حول سير العمل الميداني والسياسي في مرحلةٍ فارقة من تاريخ السودان.

ماذا لو خَصّصَ التلفزيون خارطته البرامجية اليومية لنقل كل ما يدور في يوميات الحرب، وجعل من قناتنا القومية مصدراً لتلقي الأخبار عبر البيانات الراتبة للناطق الرسمي باسم الجيش والمتحدثين الآخرين، ماذا لو استمرّت إطلالات وحوارات المسؤولين في الدولة والجيش ولو مرة كل شهر حول سير العمليات والتطورات السياسية والميدانية، ولماذا لا ينقل التلفزيون تفاصيل المعارك اليومية ونبض الخنادق وحياة القابضين على الزناد، أين الأفلام التي تُوثِّق للتطورات المفصلية في الحرب على الجنجويد، استشهاد 35 من الحرس الرئاسي، صمود المدرعات، والتحام الجيشين في أم درمان، وتحرير الإذاعة، ومعارك الفاشر والهجّانة مثلاً، كيف يمكن أن نجعل التلفزيون موثقاً لأحداث ود النورة واغتصاب النساء وسبيهن وبيعهن، وللكثير من انتهاكات حقوق الإنسان.

شكراً سعادة الفريق أول ياسر العطا وللمتميزة عواطف عبد الله، على الحوار الذي أعاد العافية للتلفزيون القومي ووضعه في مكانته الصحيحة، مع الأمنيات بأن نشاهد قريباً حوارات للبرهان وكباشي وإبراهيم جابر، وقادة القوات المشتركة وهيئة العمليات والمُستنفرين، وأن يكون التلفزيون هو المصدر الذي تستقي منه قنوات العالم، المعلومات عن السودان.

التحية للكادر صاحب إنجاز حوار العطا من أبناء التلفزيون القومي في مُتحرِّك (عواطف محمد عبد الله) الذي حرّر التلفزيون من الجمود والسلبية والنمطية، ودفع به إلى صدارة الأحداث وصناعة المُحتوى الذي مازال يُحرِّك الساحة السياسية.

*محمد عبد القادر*

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: تلفزیون السودان عبد الله محمد عبد

إقرأ أيضاً:

محمد بن راشد: تكريم رئيس الدولة لجهودنا في خدمة كتاب الله تقدير أعتز به

أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، «رعاه الله»، أن تكريم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله،  لجهوده في خدمة كتاب الله ضمن جائزة الإمارات الدولية للقرآن الكريم، محل تقدير واعتزاز.
وقال سموه في منشور عبر حسابه الرسمي في منصة «إكس»: «تكريم أخي الشيخ محمد بن زايد حفظه الله لجهودنا في خدمة كتاب الله ضمن جائزة الإمارات الدولية للقرآن الكريم هو تقدير أعتز به، ومسؤولية نواصل حملها».
وأضاف سموه: «خدمة كتاب الله شرف.. ورفعة.. وخير وهدى.. ومنهج ثابت في حياتنا وفي بلادنا.. من مؤسسيها طيب الله ثراهم وحتى اليوم».
واختتم سموه: « وأقول لأخي محمد بن زايد.. أضاء الله قلبك ونوّر الله دربك وحفظ بلدك وشعبك بخدمة كتاب الله عز وجل».

أخبار ذات صلة منصور بن زايد:  إعلان رئيس الدولة "مزرعة الشيخ زايد" ضمن المواقع الوطنية يجسد حرص القيادة على توثيق الإرث التاريخي محمد بن زايد: جهود محمد بن راشد نبراس يضيء إرث والدنا الشيخ زايد في خدمة الإسلام المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • الدولة وسلاح حزب الله: تسوية او مواجهة
  • الحسيني يكشف عن الدولة التي اغتالت حسن نصر الله| ويؤكد: ليست إسرائيل
  • محمد بن راشد: تكريم رئيس الدولة لجهودنا في خدمة كتاب الله تقدير أعتز به
  • محمد بن زايد يكرم محمد بن راشد ضمن جائزة الإمارات الدولية للقرآن الكريم
  • محمد بن راشد: أخي محمد بن زايد أضاء الله قلبك ونوّر دربك
  • مذكرة من الكُتّاب والأدباء والنشطاء السودانيين إلى الأمين العام للأمم المتحدة تطالب بوقف الحرب في السودان وحماية المدنيين
  • الرئيس اللبناني: أتطلع إلى المحادثات التي سأجريها مع الأمير محمد بن سلمان
  • وليد جاب الله: الدولة المصرية تهتم بالشريحة التي تحتاج للرعاية المجتمعية
  • لماذا البكاء اليوم يا حزب الامة، وقد حذرناكم كثيرا
  • يا برهان ارجوك مشاهدة الحلقة الأولى من مسلسل دلالة المواسير لهذا العام