بين تطمينات غير فعلية وتحذيرات فعلية: تجاهل لبناني للتحذيرات الأميركية
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
كتبت هيام قصيفي في" الاخبار":مفارقة التعامل في لبنان مع التطورات منذ حادثة مجدل شمس، الذهاب بعيداً في تصوير الانتخابات الأميركية عائقاً أمام محاولة إسرائيل فرض إيقاعها على الإدارة الراحلة أو المقبلة، وفي عدم التقاط الإشارات المباشرة والرسائل التي وُجّهت عبر دول في المنطقة، بأن إسرائيل تتصرف على أنها قادرة على سحب واشنطن إلى حيث تريد وليس العكس.
هذا كله يؤدي إلى أن ردة الفعل الإسرائيلية على حدث مجدل شمس، صبّت في الإطار الذي كان يُنقل إسرائيلياً وأميركياً إلى لبنان. لذا جاءت موجة التطمينات الأخيرة محلية أكثر منها أميركية، ومفتعلة بالقدر الذي يرسم المشهد اللبناني على أنه لا يزال قبل 7 تشرين الأول، علماً أن الأميركيين أنفسهم أبلغوا بوضوح عن صعوبة تقبّل إسرائيل جنوب لبنان كما كان قبل 7 تشرين، لكن الترجمة اللبنانية جاءت مخفّفة رغم وضوح التحذيرات الأميركية بعدم تراجع إسرائيل وبوقوف واشنطن إلى جانبها كما حصل منذ تشرين الأول.
في كل ذلك، يمكن قراءة مرحلة ما بعد العملية الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية، واحتمالات توسّع الردود والضربات وصولاً إلى الحرب الموسّعة من دون تحديد مواعيد لها، من منظار أميركي استناداً إلى ما تعتمده تل أبيب. بخلاف الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، استفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن من حشد أجهزة عسكرية ودوائر الأمن والاستخبارات وراء فكرة الردّ المزدوج، وتبعاً لذلك تساوى في وجهة نظر إسرائيل أي رد إيراني أو من جانب حزب الله، على العمليتين الإسرائيليتين، بمعنى أن إسرائيل هي التي تريد وضع خطوط حمر لما يمكن أن تتعرض له، وليس لما يمكن أن تقوم به. فما تقوم به أسقط هذه الخطوط، وهي تتّكئ على أن حجم الاعتراض في المنطقة على ما تفتعله أو تردّ به محدود. ثمة دول تدخل في منظومة الأمن الأميركية في المنطقة ومحسوم تالياً موقفها إلى جانب واشنطن وإسرائيل، ودول تتفرج، وأخرى تنأى بنفسها عن الوضع اللبناني، وهو ما يصبّ في مصلحة رغبة إسرائيل في الذهاب بعيداً في تصعيدها ضد حزب الله. أي إن مشهد ما حصل في حرب تموز، عربياً ودولياً، لن يتكرر اليوم، وحتى داخلياً. وهنا ثمة مفارقات تتعلق باحتساب دقيق، وسط موجة التصعيد والضغط الدولي على لبنان، عبر خطوات عملانية، وليس فقط ما أثير حول المطار والرحلات الجوية، حول حقيقة الموقف الداخلي من أي دخول للحزب في حرب موسّعة. وهنا توضع الحسابات لدى حزب الله في رؤيته لما يمكن أن يواجه به داخلياً، في ظل ردة الفعل المعارضة له من القوى السياسية والطائفية. صحيح أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط تصرّف بحكمة بعد مجدل شمس، لكن الصحيح كذلك أن خطوته منفردة عن أي عمل يتعلق بتوسيع الحرب، وقاعدته معارضة لذلك، كما القاعدة السنية والمسيحية. ومهما كان اتجاه بعض القواعد السنية في التماهي مع غزة وجرى التعبير عن ذلك في بعض الساحات المحلية، إلا أن توسّع الحرب مع حزب الله تحديداً يأخذ منحى مختلفاً. كذلك الأمر بالنسبة إلى القوى المسيحية المعروف موقفها كمعارضة للحزب. أما الحلفاء وتحديداً التيار الوطني الحر فوضعيته الحالية مختلفة عما كان عليه الأمر في حرب تموز، وإن كانت هناك دوائر قيادية ودينية مقرّبة من التيار تقف موقفاً لا لبس فيه إلى جانب حزب الله. وهذه حسابات داخلية يدرسها من يُعنى بإدارة المعركة في حال توسّعها وكيفية التعامل معها إذا توسّعت العمليات العسكرية. ويضاف ذلك إلى درس دقيق لكل الخيارات المتعلقة بوضع المنطقة بشكل عام تحت وطأة ارتفاع مستوى المخاطر بين إسرائيل وإيران.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
حصاد 2024| لبنان يزداد أوجاعه مع اتساع الحرب بين إسرائيل وحزب الله.. الاحتلال يضرب بقوة الضاحية الجنوبية لبيروت.. وتفجيرات أجهزة بيجر واغتيال حسن نصر الله أبرز الأحداث المؤلمة
تفاقم الأزمات في لبنان بعد اتساع الهجمات بين حزب الله وإسرائيلالاحتلال يستهدف معظم قادة الجماعة اللبنانية بقوةالانتهاكات تستمر رغم دخول اتفاق وقف النار حيز التنفيذ في 26 نوفمبر
مع بداية عام 2024، تلقت جماعة حزب الله اللبنانية إنذارًا إسرائيليًا يهددها بأنها إذا لم تنسحب على الفور من الحدود الإسرائيلية اللبنانية وتوقف هجماتها الصاروخية، فإن حربًا شاملة باتت وشيكة. وكان هذا التهديد هو الذي سبق العاصفة.
وفي اليوم التالي، تحولت النيران الإسرائيلية، التي كانت تقتصر في السابق على تبادل إطلاق النار عبر الحدود منذ 8 أكتوبر 2023، إلى الضاحية الجنوبية لبيروت لأول مرة.
ومن هنا بدأ الاحتلال هجماته، فاستهدفت طائرة بدون طيار إسرائيلية مكتبًا لحماس في حارة حريك، مما أسفر عن استشهاد الرجل الثالث بحزب الله، صالح العاروري. وفي الوقت نفسه، زادت عمليات قتل قادة حزب الله في جنوب لبنان بشكل كبير.
تفاقم الأزمات في لبنانوحسب موقع "أراب نيوز"، أدت هذه الحرب إلى تفاقم الأزمات القائمة في لبنان، إذ دخل عام 2024 وهو يعاني من تفاقم الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، بعد أن عانى بالفعل من الانهيار المالي في عام 2019، خاصة مع فشل تعيين رئيس للبلاد بسبب الانقسامات الدائرة، ما أدى إلى شلل الحكومة منذ أكتوبر 2022.
ومع اندلاع الاشتباكات على الحدود في البداية، أدى الأمر إلى نزوح 80 ألف شخص من قراهم، مما زاد من الضغط على اقتصاد البلاد وزاد من الفقر.
وفي منتصف ديسمبر 2023، أبلغت الدول المانحة لبنان بخطط لتقليص المساعدات للحماية الاجتماعية في بداية عام 2024.
لكن تصاعدت المواجهات العسكرية بسرعة، وحافظ حزب الله على استراتيجية "الجبهات المرتبطة"، وأصر على أنه سيواصل هجماته حتى انسحاب الاحتلال من غزة، بينما أصرت إسرائيل على امتثال حزب الله للقرار 1701 وسحب قواته شمال نهر الليطاني.
وبين 8 أكتوبر 2023 وسبتمبر 2024، شن حزب الله 1900 هجوم عسكري عبر الحدود، بينما ردت إسرائيل بـ 8300 هجوم على جنوب لبنان، وقد تسببت هذه الضربات في مقتل المئات ونزوح مجتمعات بأكملها في جنوب لبنان وشمال إسرائيل.
ورغم الجهود الدبلوماسية المكثفة ــ وخاصة من جانب فرنسا والولايات المتحدة ــ لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال هذه الفترة.
وتصاعدت حدة المواجهات، حيث وسع الاحتلال نطاق غاراته وأهدافه إلى منطقة بعلبك، في حين كثف حزب الله نطاق ضرباته لتتسع إلى مواقع عسكرية إسرائيلية عميقة.
ولم تسلم قوات اليونيفيل الدولية في المواقع الأمامية من إطلاق النار المتبادل، حيث تصاعدت الهجمات بعد دخول قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى مناطق عمليات القوة الأممية.
وبحلول منتصف يوليو الماضي، كانت السفارات الغربية في لبنان تحث رعاياها على مغادرة البلاد فورًا، مدركة تهديد إسرائيل بتوسيع الصراع إلى حرب شاملة على لبنان.
استهداف قادة حماسوتكثفت الضربات الإسرائيلية على قيادة حزب الله، وبلغت ذروتها بقتل قائد فرقة الرضوان فؤاد شكر بجنوب بيروت في يوليو.
وفي اليوم التالي، تم استهداف رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران، مما أدى إلى تفاقم التوترات بين إسرائيل وإيران.
وتعمقت الضربات الجوية الإسرائيلية عبر جنوب لبنان ووادي البقاع، في حين وسع حزب الله هجماته إلى مستوطنات كريات شمونة وميرون وضواحي حيفا وصفد.
وفي17 و18 سبتمبر، شن الاحتلال الإسرائيلي هجومًا منسقًا على آلاف أجهزة النداء واللاسلكي التابعة لحزب الله، مما تسبب في انفجارات أسفرت عن مقتل 42 شخصًا وإصابة أكثر من 3500 آخرين، ورغم أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها، فإن الهجوم كان بمثابة تصعيد كبير.
وبحلول 27 سبتمبر، كان استشهاد زعيم حزب الله حسن نصر الله وغيره من كبار قادة الجماعة اللبنانية في حارة حريك إيذانًا ببدء حرب أوسع نطاقًا، خاصة مع استخدام قوات الاحتلال صواريخ دقيقة التوجيه لضرب المباني والمخابئ، مما أسفر عن مقتل قادة حزب الله وإجبار الضاحية الجنوبية لبيروت على إخلاء أعداد كبيرة من سكانها.
ورداً على ذلك، أكد حزب الله التزامه بربط أي وقف لإطلاق النار في لبنان بوقف النار في قطاع غزة، ومع ذلك، بحلول الأول من أكتوبر، كثفت الاحتلال الإسرائيلي غاراته، فدمرت المباني السكنية وحتى المواقع الأثرية في صور وبعلبك.
كما بدأ الجيش الإسرائيلي هجومًا بريًا في جنوب لبنان، ودمر قرى حدودية وقطع المعابر البرية مع سوريا لتعطيل خطوط إمداد حزب الله.
التوصل لاتفاق وقف النارفي 26 نوفمبر الماضي، توصل رئيس مجلس النواب نبيه بري، بوساطة أمريكية، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ومع ذلك، سبق الاتفاق تصعيد إسرائيلي هائل في بيروت.
ودخل القرار حيز التنفيذ، لكن على الرغم من وقف إطلاق النار، استمرت الانتهاكات. وفي الوقت نفسه، أصبحت الخسائر الاقتصادية للحرب واضحة.
وقدر وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، الخسائر الأولية بنحو 15 إلى 20 مليار دولار، مع فقدان 500 ألف وظيفة، وإغلاق الشركات على نطاق واسع، فيما أثر الدمار الزراعي على 900 ألف دونم من الأراضي الزراعية.
ورغم أن قيادة حزب الله وترسانته القوية قد تقلصت بشكل كبير مع استمرار الحرب في غزة، فإن حقيقة نجاة الجماعة من الصراع منذ العام الماضي تُظهِرها باعتبارها انتصاراً في حد ذاتها.