د. محمد العقبي يكتب: تنسيقية شباب الأحزاب (الكيان)
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
نُكمل في هذا المقال ما بدأناه حول كيانات صورة 30 يونيو، التي اتفقنا على أنها نشأت من باب الضرورة وسد الثغرات لتحقيق تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية تواكب أفكار الصورة.
واليوم نتناول كياناً نجح في ما فشلت فيه الحياة الحزبية منذ نشأتها، التي يرى معظم المؤرخين أنها كانت في عام 1907، فلم ينجح أحد في أن يخلق كياناً يضم أكثر من 400 شاب مُسيس يمثلون 26 حزباً، ومعهم مستقلون في سياق سياسى يستمر نحو 6 سنوات ومستمر إلا «تنسيقية شباب الأحزاب».
وللتنسيقية خصوصية، فرغم الأثر الكبير الذي يُحدثه معظم كيانات ثورة يونيو، فإن عملية إدارتها وتشغيلها وحساب مؤشرات نجاحها معروفة ومضمونة وواضحة، ولكن تنسيقية شباب الأحزاب عملية تقوم بمسألة صعبة، وهى إدارة العلاقة السياسية بين ممثلى 27 حزباً بأفكار وتوجّهات وآراء وطموحات وأيديولوجيات، وإلى جانب مجموعة من المستقلين لم يجدوا في هذه الأحزاب من يمثلهم، فقرروا أن يبقوا مستقلين، وهنا تأتى الصعوبة الكبرى في خلق التناغم بين أحزاب متنافسة ومتناقضة ومستقلين لم يجدوا في الأحزاب ما يُقنعهم بالانضمام إليها من الأساس.
ولكن إذا كانت لديك أوركسترا، فمن الطبيعي أن يكون لكل آلة صوت مميز وإيقاع ونغمة مختلفة، حتى إذا آمن كل العازفين باللحن وقدرة المايسترو على القيادة تجد أن هذه الآلات وعازفيها يشكلون أوركسترا تعزف سيمفونية متناغمة، الجيتار إلى جانب الدرامز والكمان مع البيانو والدف مع الساكسفون والوطن يطرب من هذه المعزوفة السياسية التي تضمن سريان الدم في عروق الحياة السياسية لعشرات السنوات القادمة.
فشباب حزب التجمع إلى جوار حزب الوفد، ومعهم شباب حزب النور وحزب العدل ومستقبل وطن والحزب المصري الاشتراكي وغيرها من الأحزاب، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
وأصبحت «التنسيقية» التي يحب أعضاؤها أن يطلقوا عليها اسم «الكيان» نسقاً منظماً في كل شىء، بداية من الالتحاق الذي يتم عبر موقعها الإلكتروني ثم الانضمام في لجان لها مهام محدّدة ثم تقوم هذه اللجان بدراسة موضوعات وعمل أوراق بحثية وتطور الأمر لوجود منصة إخبارية تنشر مقالات وتنتج بودكاست وتعقد ندوات وتشارك في فعاليات.
ومن بعد دخل ممثلو «التنسيقية» في العمل التنفيذي، فظهر 5 من نواب المحافظين، لعل أبرزهم إبراهيم الشهابي، المنتمي إلى حزب الجيل في محافظة الجيزة، وبلال حبش المنتمي إلى «المصريين الأحرار»، نائب محافظ بني سويف، إلى جانب وجود نواب لـ«التنسيقية» على مدار دورتين في البرلمان المصري في مجلسى الشيوخ والنواب وصل عددهم إلى نحو 48 نائباً، اقتربت من معظمهم أثناء عملى بوزارة التخطيط، ووجدت فيهم فهماً عميقاً للقضايا التشريعية وقدرة عالية على فهم الدور النيابي، ورغم أن اتجاهاتهم السياسية مختلفة فعماد خليل يختلف أيديولوجياً عن طارق الخولي وأميرة العادلي ومحمد عبدالعزيز عن رامي جلال، إلا أن جميعهم لديهم التزام سياسي بما تتوافق عليه رؤية «التنسيقية».
هذه الكوادر التي دخلت الحاضنة السياسية في هذا الكيان عمرها الافتراضى السياسي لن يقل عن 20 سنة تعمل وتجتهد لإبقاء المياه السياسية الحزبية وغير الحزبية في مصر نابضة وفاعلة، وكل عضو في تنسيقية شباب الأحزاب سيتحول إلى كادر ثم قيادة قادرة على تعليم عشرات غيره ونقل خبراته وفق آخر مؤسسية، وأتوقع أن نرى على رؤوس الأحزاب في 2030 عدداً كبيراً من شباب «التنسيقية» يملأون سماء مصر ويعبّرون عن مرحلة جديدة من العمل الحزبي بقواعد التكامل والتنافس الشريف وإعلاء مصلحة الوطن.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: شباب الأحزاب تنسیقیة شباب الأحزاب
إقرأ أيضاً:
محمد مغربي يكتب: تداعيات «DeepSeek».. انقلاب في عالم الذكاء الاصطناعي
تحدثنا فى مقال سابق عن «DeepSeek»، مطور الذكاء الاصطناعى الذى أعلنت الصين عنه ليكون على غرار ChatGPT، كما أوضحنا الفرق بين النموذجين ونقاط ضعف وقوة كل نموذج؛ لتكون أمام المستخدم خريطة متكاملة يمكن من خلالها الاختيار حسب ما يناسب احتياجاته وما يريده.
لكن ما لم يكن فى الحسبان أن يُحدث «DeepSeek» ما يشبه انقلاباً فى عالم الذكاء الاصطناعى، انقلاباً ليس له علاقة بالمستخدمين والتقنيات وما إلى ذلك، بل فيما يتعلق بالصناعة نفسها ومستقبلها ومدى تنافس الشركات العملاقة التى اشتدت بمجرد أن نزلت الصين الحلبة، ومن خلال التصريحات التى صدرت خلال الأسبوع الماضى يمكن القول إن هناك حرباً شرسة قد بدأت ولن تنتهى سريعاً.
بالطبع كان يوم 28 يناير الماضى يشبه زلزالاً هزّ بقوة عروش وادى السيلكون، ففيه تم طرح «DeepSeek» لأول مرة رسمياً، ووصل الإقبال عليه لدرجة أثرت على اتصاله بالإنترنت، أما الأخطر فإن صعود أسهم التطبيق الصينى أفقد أغنى 500 شخص فى العالم ما يقارب 108 مليارات دولار، وكان أبرز الخاسرين لارى إليسون، مالك «أوراكل» العالمية، الذى فقد 22.6 مليار دولار، كما خسر جينسن هوانج، مؤسس مشارك فى «إنفيديا»، 20% من ثروته، بينما كان نصيب مايكل ديل، صاحب «ديل»، 13 مليار دولار.
تأثير «DeepSeek»، كما أوضحت صحيفة الـ«واشنطن بوست»، وصل إلى أنه حطم استراتيجية وادى السيلكون التى تنص على أن الإنفاق الضخم والتمويل الكبير للذكاء الاصطناعى هو ما يضمن الريادة الأمريكية لهذا القطاع، بينما تكلف التطبيق الصينى 5.6 مليون دولار بحسب البيانات الرسمية، واستطاع أن يصل إلى مختلف أنحاء العالم وأن يحقق أرقاماً ضخمة مقارنة بغيره من التطبيقات.
وللتوضيح أكثر، يمكن اعتبار سنة 2024 سنة محورية بالنسبة للذكاء الاصطناعى بسبب تضخم حجم الاستثمارات الذى وصل إلى 400 مليار دولار، فبعد أن نجحت «OpenAI»، من خلال ChatGPT، فى تحقيق أرباح بلغت مليون دولار يومياً، أطلقت «جوجل» نموذجها Gemini 2.0 للمنافسة، وكذلك سارت على نفس الطريق شركات «أمازون وأبل وميتا» سواء بنماذج جديدة على غرار ChatGPT أو بتمويل أبحاث للتطوير، وبحسب مجلة «ذى إيكونوميست»، فمن المتوقع أن يبلغ حجم سوق الذكاء الاصطناعى 1.3 تريليون دولار فى 2032.
أمام تلك الاستثمارات الضخمة لم تقف شركات الذكاء الاصطناعى العملاقة مكتوفة الأيدى وهى ترى البساط ينسحب من تحت أقدامها ليذهب إلى الجانب الصينى، بل سرعان ما حاولت إنقاذ ما يُمكن إنقاذه؛ وكانت البداية من عند مارك زوكربيرج، الذى أعلن أن نموذجه «Meta AI» سيكون هو الرائد فى العالم خلال العام الجارى، بل وأطلق نموذجه مجاناً فى الشرق الأوسط وأفريقيا منذ أيام قليلة، وبالتزامن مع ذلك أعلنت شركة «على بابا» العملاقة أنها ستطرح مطور ذكاء اصطناعى خاصاً بها خلال الفترة المقبلة لتشتعل حلبة المنافسة أكثر.
أما «OpenAI»، وهى الشركة الأبرز فى هذا المجال وتعقد شراكة منذ عام 2019 مع «مايكروسوفت»، فقررت أن تضرب «تحت الحزام» حين اتهمت «DeepSeek» بأنه قد يكون سرق بيانات من «OpenAI»، مؤكدة أنها ستحقق فى هذا الملف الشائك، وزاد من هذا التعقيد تصريح «ترامب» مؤخراً بأن أمريكا يجب أن تستعيد الريادة فى مجال الذكاء الاصطناعى، مقرّاً من ناحية أخرى بأن وادى السيلكون لم يعد فى مكانته العالمية بعد الصعود الصينى.
هكذا جاءت تداعيات «DeepSeek» خلال أيام قليلة، ثروات فُقدت، وشركات تحفزت، وأخرى استعدت للضرب «تحت الحزام»، لكن الأخطر أنه مع تنفيذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لوعوده بفرض رسوم كبيرة واستئناف الحرب الاقتصادية مع الصين، ستكون المنافسة الأشرس فى مجال الذكاء الاصطناعى، وستخرج الحرب من كونها مجرد تصريحات بين شركات متنافسة إلى معارك تكسير عظام لن ينجو منها إلا الأكثر شراسة.