دعوات تركية لتوحيد الموقف الإسلامي إزاء غزة.. هل تنجح وسط التصعيد الحاصل؟
تاريخ النشر: 7th, August 2024 GMT
دعا وزير الخارجية التركية هاكان فيدان من أمام معبر رفح الحدودي خلال زيارة أجراها إلى مصر هذا الأسبوع، إلى تكاتف العالم الإسلامي من أجل إنقاذ أهالي قطاع غزة في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل للشهر العاشر على التوالي، وذلك ضمن الدعوات التركية المتتالية لتوحيد مواقف الدولة الإسلامية دعما للشعب الفلسطيني.
ولفت الوزير التركي، إلى الكارثة الإنسانية التي يرزح تحت وطأتها نحو مليوني فلسطيني في ظل تواصل حرب الإبادة الجماعية وإغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر في وجه المساعدات الإنسانية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دعا في تصريحات سابقة دول العالم الإسلامي إلى توحيد موقفها والتحرك ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقال أردوغان في تعليقه على مجزر ارتكبها الاحتلال بحق النازحين في رفح في أيار /مايو الماضي: "لدي بضع كلمات أقولها للعالم الإسلامي: ماذا تنتظرون لاتخاذ قرار مشترك؟ الله سيحاسبكم، سيحمّلنا المسؤولية".
وأضاف أن "العالم يشاهد همجية مصاص الدماء (رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي) المدعو نتنياهو في بث مباشر"، موضحا أن "ما يجري في غزة ليس مجرد إبادة جماعية فقط بل قتل للإنسانية جمعاء"، حسب تعبيره.
وفي السياق ذاته، دعا رئيس الشؤون الدينية التركي علي أرباش في كلمة ألقاها الأحد الماضي في انطلاق أعمال المؤتمر التاسع لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في مدينة مكة المكرمة، إلى وحدة صف العالم الإسلامي لإيقاف المجازر الإسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين والأبرياء في قطاع غزة.
وأعرب أرباش عن أمله "بتوحيد جميع المسلمين قواهم لوقف الصهاينة المحتلين عن ذبح الأطفال الفلسطينيين والأبرياء في غزة، وأن نسعى جاهدين لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".
ولليوم الـ305 على التوالي، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر المروعة ضمن حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مستهدفا المنازل المأهولة والطواقم الطبية والصحفية ومراكز الإيواء.
وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الوحشي المتواصل على قطاع غزة إلى ما يزيد على الـ39 ألف شهيد، وأكثر من 90 ألف مصاب بجروح مختلفة، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، وفقا لوزارة الصحة في غزة.
الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، يوضح أن "الموقف تركيا الثابت من الدعوة لوحدة إسلامية تجاه الحرب على غزة، يعكس أولا قناعة تركيا في أن العالم الإسلامي لا يمكن أن يلعب دورا مؤثرا في الدفع باتجاه إنهاء هذه الحرب وممارسة مزيد من الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والغرب من دون أن يكون هناك وحدة في الموقف الإسلامي".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أنه "عندما نتحدث عن وحدة هذه الوحدة لا تقتصر فقط على الموقف السياسي"، لافتا إلى "الموقف التركي يعكس أيضا الكيفية التي تقارب بها أنقرة الحاجة إلى تفاعل العالم الإسلامي مع القضايا المصيرية التي تهدد العالم الإسلامي، مثل القضية الفلسطينية".
عامل الخوف من حرب إقليمية
يأتي ذلك على وقع تصاعد التوترات في المنطقة على خلفية اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لرئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب إسماعيل هنية في إيران، وتوقعات برد إيران محتمل تشارك فيه فصائل موالية لها في العراق، وحزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن.
ويرمي التصعيد بين إيران والاحتلال الإسرائيلي بعد اغتيال هنية خلال زيارة له كان يجريها إلى طهران الأسبوع الماضي، بظلاله على المنطقة، لاسيما في وقت تصطف فيه الولايات المتحدة إلى جانب "إسرائيل" وتعزز وجودها العسكري في الشرق الأوسط، فضلا عن محاولتها إشراك دول في حلف إقليمي للدفاع عن "تل أبيب"، الأمر الذي قد يدفع بالعديد من القوى الفاعلة إلى تعزيز الجهود الرامية إلى وقف التصعيد من أجل تنجب الانجرار إلى حرب إقليمية تجتاح المنطقة.
وكانت القناة الـ14 العبرية، كشفت أن مصر ترفض المشاركة في التحالف الإقليمي للدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي ضد الهجوم الإيراني المتوقع.
وأفادت معلومات، بأن القاهرة أبلغت كلا من الاحتلال الإسرائيلي وإيران أنها لن تشارك في التصعيد الأخير عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، إسماعيل هنية، في طهران.
وأكدت المصادر، أن مصر ستواصل جهودها لخفض مستويات التوتر في المنطقة، تحسبا لأي تصعيد إضافي قد ينجم عن التهديد الإيراني بالرد على اغتيال هنية.
علوش، يرى أن تصاعد التوترات يضغط على مختلف القوى الفاعلة في المنطقة من أجل التحرك الجماعي للحد من مخاطر انزلاق الأوضاع إلى حرب إقليمية.
ويلفت الباحث في حديثه إلى "عربي21"، إلى أن "هناك مصلحة مشتركة لجميع الدول في المنطقة والعالم الإسلامي، حتى المتنافسة منها فيما بينها، في الحد من مخاطر انفجار حرب إقليمية لأن هذه الحرب في حال اندلعت بالفعل ستؤثر على جميع دول المنطقة".
الموقف الإسلامي تجاه غزة
في ظل تصاعد التطورات في المنطقة، أعلنت منظمة التعاون الإسلامي عقد اجتماع استثنائي مفتوح العضوية للجنة التنفيذية على مستوى وزراء الخارجية لبحث الجرائم المتواصلة للاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك اغتيال هنية واعتداء "إسرائيل" على سيادة إيران.
وأوضحت أن الاجتماع الاستثنائي سيعقد غدا الأربعاء في مقر الأمانة العامة للمنظمة بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية، مشيرة إلى أن الاجتماع هذا يأتي "في ظل استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ولاسيما في قطاع غزة".
وسبق أن عقدت المنظمة اجتماعا وزاريا في أوائل كانون الثاني /يناير الماضي، من أجل بحث العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
يشير الباحث علوش، أن "منظمة التعاون الإسلامي على غرار المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية لا يتجاوز حدودها وتأثيرها الموقف السياسي"، معتبرا أن وظيفة المنظمة "أصبحت في مثل هذه القضايا والمحطات المفصلية في العالم الإسلامي تقتصر على التعبير عن موقف سياسي لا أكثر".
ويوضح أن "هناك مجموعة من الأسباب التي تفسر هذا الأمر. على رأسها أن هذه المنظمة تضم عدد كبير من القوى الفاعلة في العالم الإسلامي التي لديها تنافس فيما بينها على الزعامة ومشاكل فيما بينها، وبالتالي هذا الأمر ينعكس بشكل واضح على قدرة منظمة التعاون الإسلامي على لعب دور مهم في قضايا مصيرية تواجه العالم الإسلامي، لا سيما القضية الفلسطينية".
و"هناك إجماع في الموقف العربي والإسلامي على الحاجة لإنهاء هذه الحرب والحد من مخاطرها الإقليمية، لكن نرى هوة بين هذا الموقف السياسي وبين السياسات الممارسة لمختلف الدول الإسلامية والعربية في هذا السياق"، حسب علوش.
قبل ذلك، احتضنت السعودية قمة طارئة مشتركة بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربي في 11 تشرين الثاني /نوفمبر عام 2023، لمناقشة العدوان إسرائيلي الذي اندلع في السابع من تشرين الأول /أكتوبر من العام ذاته ضد قطاع غزة.
وكان البيان الختامي الصادر عن القمة العربية الإسلامية المشتركة الطارئة، طالب زعماء الدول العربية والإسلامية بـ"وقف الحرب على قطاع غزة، ورفض توصيف الحرب الانتقامية الإسرائيلية على أنها دفاع عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة".
ودعا البيان "الزعماء إلى كسر الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية إلى القطاع"، كما أنه طالب جميع الدول "بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل".
كما صدر عن القمة حينها، قرار يقضي بتشكيل "مجموعة اتصال" من وزراء خارجية الدول الأعضاء من أجل دفع الدول الفاعلة حول العالم للضغط لصالح وقف الفوري لإطلاق النار على قطاع غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق سلام دائم وشامل.
ولتحقيق هذه الأهداف، أجرت المجموعة الوزارية الإسلامية بالفعل جولة واسعة على العديد من الدول، مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا وإسبانيا وبريطانيا.
وفي حديثه عن جهود المجموعة التي كان جزء منها، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في حديث له، الثلاثاء، مع مجلة "Stav" البوسنية، إنه "بعد تأسيس المجموعة عقدنا لقاءات مع نظرائنا في عواصم عديدة مهمة، ما أظهر أننا متحدون".
وأضاف "وكما رأينا في الاجتماع الذي عقدناه مع وزراء خارجية مجموعة الـ8 في إسطنبول في شهر حزيران /يونيو الماضي، فإننا نطرح قضية غزة على كافة المنصات".
وبين القمة العربية الإسلامية الطارئة العام الماضي والاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي غدا الأربعاء، يرى علوش أن المنظمة المشار إليها "نجحت في بداية الحرب في محاولة أن تلعب دورا مؤثرا في مسار الصراع الذي هو الدبلوماسي طبعا، من خلال تشكيل اللجنة الوزارية التي سعت للضغط في العواصم الغربية والعالمية من أجل وقف إطلاق نار لإنهاء هذه الحرب".
إلا أن علوش يستدرك في حديثه لـ"عربي21"، "لكن هناك خطوات سيتعين على منظمة التعاون الإسلامي القيام بها من أجل ممارسة قدر أكبر من التأثير في مسار وديناميكيات الحرب والسياسات الإقليمية والدولية".
ويستبد الباحث "إمكانية أن تلعب منظمة التعاون الإسلامي دورا قويا في هذا الصراع لاعتبارات عديدة أهمها عدم وجود انسجام بين القوى الفاعلة داخل المنظمة حول مقاربة القضايا العالم الإسلامي".
ويوضح أنه حتى مع وجود إجماع حول موقف من القضية الفلسطينية، لكن دعم القضية الفلسطينية شيء ومقاربة القوى الفاعلة داخل المنظمة للإبعاد الإقليمية للحرب الراهنة شيء مختلف تماما". و"بالتالي هذا الأمر يحد من قدرة منظمة التعاون الإسلامي على القيام بدور يتجاوز حدود الموقف السياسي"، حسب علوش.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية مصر غزة أردوغان الاحتلال تركيا مصر تركيا أردوغان غزة الاحتلال المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة منظمة التعاون الإسلامی الاحتلال الإسرائیلی القضیة الفلسطینیة العالم الإسلامی الشعب الفلسطینی الموقف السیاسی القوى الفاعلة الإسلامی على على قطاع غزة حرب إقلیمیة فی قطاع غزة فی المنطقة هذه الحرب فی حدیثه من أجل
إقرأ أيضاً:
حروب التطبيقات الرقمية
الحروب المستقبلية بين الدول ستكون حروبًا إلكترونية قائمة على امتلاك التقنيات والتطبيقات الذكية، ففـي هذا العصر الذي أصبح فـيه كل شيء متصلًا رقميًا، فإن الصراع اليوم لا يتعلق فقط بالقوة العسكرية أو السيطرة على الموارد الطبيعية، بل أصبح صراعًا حقيقيًا حول البيانات والمعلومات، فالدول التي تمتلك أقوى التطبيقات الذكية تكون هي المنتصرة؛ لأن هذه التطبيقات باتت تشكل مفتاح القوة والنفوذ فـي العالم.
هذا الصراع يتجلى بوضوح بين الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين اللتين تخوضان حربًا علنية للسيطرة على التطبيقات الرقمية. على سبيل المثال، تهدد الولايات المتحدة بحظر تطبيق «تيك توك» الصيني وتطبيق «وي تشات»، بينما تقوم الصين من جانبها بحظر تطبيقات أمريكية شهيرة مثل «واتساب» و»فـيسبوك» و«إنستجرام». لكن القضية ليست مجرد خلافات تجارية أو أيديولوجية، بل هي حرب استراتيجية على الهيمنة الرقمية.
الهيمنة المستقبلية على العالم ستتم عن طريق الهيمنة الإلكترونية، ووسيلتها الأساسية هي السيطرة على التطبيقات الذكية بكل أنواعها، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، أو حتى تلك التي تتعلق بالتواصل والدردشة، أو التسوق والسفر، أو الألعاب؛ فامتلاك أقوى التطبيقات والتقنيات يعد عاملًا حاسمًا فـي تحديد قوة الدول وقدرتها على التأثير الجيوسياسي. فـي عالمنا اليوم، أصبحت الصراعات التقليدية بين الدول تتجاوز السيطرة على الثروات الطبيعية، لتركز أكثر على السيطرة على المعلومات والبيانات التي باتت تمثل المصدر الرئيسي للقوة الاقتصادية، والسياسية، والأمنية.
من هنا، تتفق القوى العظمى فـي العالم على أن البيانات الرقمية هي سلاح فتاك يمكن أن يغير مجريات الأمور السياسية والاقتصادية. إن تطبيقات الهواتف الذكية اليوم لا تعد مجرد أدوات للتسلية أو التواصل الاجتماعي، بل أصبحت بمثابة مراقب ذاتي لكل فرد، حيث تجمع المعلومات من جميع الأنشطة اليومية، وتعالجها بسرعة وكفاءة. وفـي هذا السياق، فإن السيطرة على هذه التطبيقات يعني التحكم فـي تدفق المعلومات وتحليلها، مما يتيح للدول والشركات الكبرى القدرة على التأثير فـي سياسات الدول الأخرى.
وهنا يأتي دور الشركات التقنية العملاقة التي تمتلك هذه التطبيقات، هذه الشركات ليست مجرد كيانات تكنولوجية، بل هي قوى اقتصادية تحدد توجهات السياسة العالمية، وتهندس التفاعلات الدولية فهي تسيطر على المعلومات وتدفقها، مما يمنحها قوة هائلة فـي العصر الرقمي. على سبيل المثال، تتربع أكبر أربع شركات تكنولوجية فـي العالم على قمة الشركات الأكثر قيمة سوقية، على رأس القائمة تأتي شركة «أبل»، التي تبلغ قيمتها السوقية أكثر من 2.7 تريليون دولار أمريكي، تليها «مايكروسوفت» بقيمة سوقية تقدر بحوالي 2.5 تريليون دولار، ثم «جوجل» التي تبلغ قيمتها السوقية 1.7 تريليون دولار أمريكي، وأخيرًا «أمازون» التي تقدر قيمتها بحوالي 1.4 تريليون دولار. هذه الشركات تمثل العمود الفقري للاقتصاد الرقمي، وتستحوذ على معظم أسواق التكنولوجيا فـي العالم.
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن هناك شركات تقنية غير أمريكية تبرز فـي الساحة العالمية، مثل شركة «بايت دانس» الصينية المالكة لتطبيق «تيك توك»، التي تبلغ قيمتها السوقية حوالي 300 مليار دولار أمريكي.
بات من الواضح أن الحرب المقبلة لن تكون على الأرض أو البحر، بل ستكون حربًا إلكترونية تتسارع فـيها الدول للسيطرة على المعلومات. الشركات التكنولوجية الكبرى باتت تتحكم فـي مفاتيح هذه الحرب، ومن يمتلك السيطرة على البيانات فسيكون هو الفائز فـي معركة الهيمنة الرقمية، التي أصبحت المحرك الرئيسي للقوة فـي هذا العصر.