(صحيفة).. تفاقم عمالة الأطفال في صنعاء والحوثيون يوقفوا أنشطة الحماية
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
يمن مونيتور/ الشرق الأوسط
سلط تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط”، على تفاقم عمالة الأطفال في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، مع توقفت الجهات الرسمية المعنية بالطفولة عن تقديم خدماتها بعد سيطرة الجماعة على المدينة ومحافظات شمال البلاد ذات الكثافة السكانية.
وتنقل الصحيفة في تقريرها، قصة طه فؤاد المدرسة، الذي لم يعد في المدرسة، ولا يعلم عنها سوى أن عدداً من أقرانه اليمنيين في العاصمة المختطفة صنعاء يرتادونها، فيما يتشارك هو وأصدقاء كُثر في مثل عمره الحياة التي يقضونها في عدد من الأعمال والمهن المختلفة، وليست لديهم نية للالتحاق بالمدارس.
منذ عام تقريباً يعمل فؤاد المولود في 2016 في بيع المياه المعدنية لسائقي السيارات في تقاطعات الشوارع والإشارات المرورية وسط صنعاء، وقبلها كان يعمل في كافتيريا وسط حي تجاري غربي المدينة، ومهمته نقل طلبات الأغذية والمشروبات إلى المحلات التجارية، وهو يعيل والدته وشقيقه الأصغر منه بعد وفاة والده.
وتشير قصة فؤاد إلى توسع عمالة الأطفال في صنعاء بسبب الأوضاع المعيشية المتردية بفعل الانقلاب الحوثي والحرب، إذ تتضاعف حاجة العائلات إلى استخدام أطفالها في كسب الرزق، خصوصاً بين أطفال العائلات النازحة، أو تلك التي فقدت معيلها، مع تراجع المعونات المقدمة من الجهات المحلية والدولية والأممية وغياب الحماية القانونية والاجتماعية للأطفال، والافتقار إلى المساعدة لإلحاقهم بالمدارس.
وتصنف عدد من الجهات المحلية والأممية اليمن في المرتبة الأولى عربياً في عمالة الأطفال، والتي تتركز في البيع المتجول وغسيل السيارات وأعمال البناء والميكانيكا والنظافة والزراعة، وبحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية منذ ثلاثة أعوام فإن نسبة عمالة الأطفال في اليمن بلغت 13.6 في المائة، متفوقة على السودان والعراق ومصر.
ويتحسر وهبي علوان، وهو معلم ممن توقفت رواتبهم منذ ما يقارب الثمانية أعوام، لاضطراره إلى منافسة الأطفال في عدد من المهن التي عمل فيها خلال السنوات الماضية، فبينما يسعى هو إلى توفير الطعام لأطفاله، يجد نفسه يزاحم أطفالاً آخرين، لم ينعموا بطفولتهم، ولم يكتسبوا خبرات حياتية.
وينوه في شهادته لـ”الشرق الأوسط” إلى أن الأطفال في صنعاء باتوا يعملون في مختلف الأنشطة، خصوصاً تلك الشاقة والمرهقة، ويفضلهم أصحاب الأعمال على غيرهم من الشباب والمتقدمين في السن، لسهولة اقتناعهم بفتات الأجور، وإمكانية خداعهم أو معاقبتهم، إلى جانب طاعتهم العمياء، في غياب حماية القانون، واستغلال سلطات الجماعة الحوثية لهم.
نهب الموارد
طبقاً لتقارير وإحصائيات منظمات أممية خلال الأعوام الماضية؛ تبلغ نسبة الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاما 11 في المائة، وتزيد النسبة مع التقدم في العمر إلى 28.5 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً و39.1 في المائة لمن هم دون الثامنة عشرة، حيث يقدر عدد الأطفال في الفئة السنية ما بين 5 أعوام و18 عاماً، بأقل من 8 ملايين طفل وطفلة.
ويحظر قانون حقوق الطفل اليمني عمل الأطفال دون سن الرابعة عشرة، كما يمنع استخدامهم في أعمال شاقة وخطرة، مثل الأعمال الصناعية، بعد هذه السن، إلا أن مخالفة هذا القانون كانت شيئاً معتاداً قبل الانقلاب، بحسب المحامي مجيب الشرعبي الذي أشار إلى أنه لم تتوفر الآليات والوسائل لحماية الأطفال وفق هذا القانون.
ويؤكد الشرعبي لـ”الشرق الأوسط” أن ما بعد الانقلاب لا يمكن مقارنته بأي شكل مع ما قبله، فعمالة الأطفال تحولت إلى سلوك إجباري لغالبية العائلات نتيجة الظروف المعيشية القاسية التي خلفتها الحرب، وبعد أن كانت المنظمات المحلية والدولية تبحث في كيفية معالجة المشكلة، أصبحت تهتم، وبشكل طفيف، بمساعدة الأطفال العاملين والتخفيف من معاناتهم.
وتلفت محامية عملت في عدد من برامج حماية الطفولة قبل الانقلاب، وفضلت عدم ذكر اسمها، إلى أن الجهات الحكومية والمنظمات سعت في السابق إلى تطوير القانون وتوفير حماية واسعة للأطفال من مختلف الانتهاكات التي تطالهم، لكن الوضع الحالي يدفع باتجاه حماية الأطفال من انتهاكات الحرب وغياب الدولة فقط.
فبحسب المحامية توقفت الجهات الرسمية المعنية بالطفولة عن تقديم خدماتها بعد سيطرة الجماعة الحوثية عليها، وهي المتهم الرئيسي بتجنيد الأطفال واستغلالهم، ونهبت التمويلات والموارد الخاصة بحماية الطفولة، بينما توقفت التمويلات الدولية أو تراجعت إلى حد بعيد للتركيز على برامج الإغاثة.
توقف التمويل
تبرز صنعاء كأكثر مدينة يمنية تتوسع فيها عمالة الأطفال، وحيثما وجه المرء عينيه يجد صغاراً يفنون طفولتهم في مساعي كسب القوت لعائلاتهم، ويتوزعون على مختلف المهن، وساهم النزوح في مفاقمة الظاهرة، بعد أن استقبلت المدينة خلال الأعوام الماضية نازحين من مناطق نزاع مشتعلة في عدد من المحافظات.
وبعد أن كانت العائلات تظن نزوحها مؤقتاً وطارئاً، اضطرت لاحقاً لمواجهة قساوة المعيشة بكل الوسائل المتاحة، بما فيها عمالة أطفالها.
وتقول الناشطة أمل عبد النور إن المنظمات المحلية أو الدولية تعجز فعلياً عن التعاطي مع عمالة الأطفال في مختلف مناطق اليمن، لكن هذا العجز يظهر بشكل واضح في صنعاء، حيث يصعب إجراء إحصائيات شاملة، كما يبدو من غير الممكن تحديد نسب الأطفال العاملين وتقسيمهم بحسب الأعمار أو المهن التي يزاولونها.
وتوضح عبد النور، وهي موظفة سابقة في عدد من المنظمات، لـ«الشرق الأوسط» أن الجهات الدولية والأممية، على كثرتها، لم تعد تعطي عمالة الأطفال اهتماماً كافياً نظراً لتعقد الوضع الإنساني في اليمن، واضطرارها لمواجهة الكثير من الاحتياجات المضاعفة للسكان.
ويبين محمد العدني، وهو ناشط في منظمة إغاثية في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، أن تراجع المنظمات الدولية والأممية عن التركيز على هذه القضية قد يكون راجعاً إلى أن عمالة الأطفال تساهم في التقليل من الحاجة إلى خدماتها، كما أن عمالة الأطفال تخفف عنها المطالب بتغطية الاحتياجات الإنسانية للكثير من العائلات.
ويذهب العدني إلى أن الكثير من العائلات باتت تفضل أن يلتحق أطفالها بسوق العمل في سن مبكرة نظراً لعدم وجود جدوى مباشرة وسريعة من التعليم، لكنها في نفس الوقت ترى أن العمل يبعدهم كثيراً عن إمكانية استغلال الجماعة الحوثية لهم في مشاريعها بغسل أدمغتهم وتجنيدهم للقتال في صفوفها.
وقبل عامين عزت منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (فاو) اتساع عمالة الأطفال إلى انخفاض دخل الأسرة، وقلة البدائل المتاحة لكسب العيش، وسوء فرص الحصول على التعليم، ومحدودية إنفاذ قانون العمل.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: أنشطة الحماية الحوثيون اليمن صنعاء عمالة الأطفال عمالة الأطفال فی لـ الشرق الأوسط فی المائة فی عدد من فی صنعاء إلى أن
إقرأ أيضاً:
التغيرات المناخية.. أزمة تُعرقِل التنمية
د. أسماء حجازي **
في الفترة الأخيرة شهد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موجة شديدة من التغيرات المناخية التي تمثل تحديًا يهدد بتفاقم حالة الهشاشة والنزاعات، النزوح، التهميش وكذلك الفساد، حيث من المتوقع ان تشهد المنطقة درجات حرارة أعلى بنسبة 20% من المتوسطات العالمية. وهي بالفعل المنطقة الأكثر ندرة في المياه في العالم ومن المتوقع أن تؤدي درجات الحرارة المتزايدة إلى المزيد من الجفاف الحاد والمستمر.
ولم تقتصر تأثيرات التغيرات المناخية فحسب على درجات الحرارة والموارد المائية فحسب، وانما لها العديد من التأثيرات حيث تهدد بتزعزع استقرار الدول الاقتصادي والسياسي والأمني وكذلك الاجتماعي، حيث ان منطقة الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة مرشحة لتكون من أكثر الدول شحًا بالموارد المائية حول العالم جراء التغيرات المناخية.
والعديد من الدول في الشرق الأوسط شهدت حروبًا وصراعات كثيرة، بسبب ما نتج عن التغيرات المناخية من جفاف واوبئة وجوع وفقر وغيرها من المظاهر الأخرى مثل دولة جنوب السودان، ولم يتوقف الأمر عند ذلك ولكن كابوس التغيرات المناخية يحد من قدرة الأجيال في الحاضر والمستقبل على التمتع بالحق في الحياة، والحق في التعليم والحق في المسكن نتيجة النزوح المستمر في الدول التي تشهد موجات عارمة من الفيضانات والسيول وارتفاع درجات الحرارة والتي ينتج عنها بطبيعة الأمر جفاف وانعدام في الأمن الغذائي.
ففي تونس، على سبيل المثال، شهد مطلع مارس 2024 ارتفاعًا في أسعار مياه الشرب بنسبة تصل إلى 16 بالمئة في مواجهة الشح المائي نتيجة جفاف طيلة السنوات الخمس الماضية. وفرضت الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، منذ العام الماضي، نظام الحصص في مياه الشرب، وحظرت استخدامها في الزراعة، وبدأت قطع المياه ليلًا.
وفيما يتعلق بمعدلات النزوح "تؤكد أرقام البنك الدولي على خطورة تغير المناخ، حيث يتوقع أن يدفع ملايين الأشخاص، بما في ذلك 19.3 مليون في شمال أفريقيا، إلى النزوح داخل بلدانهم بحلول عام 2050. هذه الأرقام تسلط الضوء على العواقب الوخيمة لتغير المناخ على المجتمعات والاقتصادات."
وفي هذا الإطار تظهر في الشرق الأوسط ثلاث أزمات مياه تعتبر الأكثر حساسية وإلحاحًا، لاسيما وأنها ترتبط بالأمن المائي لأكثر من نصف مليار إنسان موزعين على الدول المعنية بهذه الأزمات، وهي: أزمة مياه دجلة والفرات بين العراق وتركيا وإيران، أزمة نهر النيل بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأزمة المياه المشتركة بين الأردن وإسرائيل.
قامت إيران بقطع روافد نهر دجلة بشكل كامل مثل نهر الزاب، وروافد سد "دربندخان"، مما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن المائي للعراق. وقطع تلك الروافد وتسببها في جفاف حوض ديالى بنسبة 75%، مما أدى إلى معاناة شرق العراق وجنوبه من أزمة جفاف خانقة لاسيما عام 2021 وصيف عام 2023، حيث بلغت إطلاقات المياه من الجانب الإيراني صفرًا
وتشير التقديرات إلى أن 71% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة مهدد بشدة بسبب ندرة المياه، بينما قد تشهد الغابات زيادة في مساحة الاحتراق بنسبة تصل إلى 87% و187% مع ارتفاع درجة حرارة الأرض درجتين أو ثلاث درجات مئوية على التوالي، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ورغم مواجهة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتحديات جمة، إلا أنها تمتلك إمكانات هائلة لقيادة التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة والابتكار. ويمكن لدول المنطقة، من خلال جذب الاستثمارات وتسهيل نقل التكنولوجيا، أن تتبوأ مكانة رائدة في التنمية الخضراء. تسعى هذه المقالة إلى استكشاف كيفية استغلال هذه الإمكانات لمواجهة التغيرات المناخية، وتسليط الضوء على الآثار المتعددة لهذه التغيرات على المنطقة على الصعيد السياسي والاجتماعي والحقوقي والاقتصادي.
وبالتالي.. لا بُد من اتخاذ إجراءات لمواجهة تغير المناخ في بدايته. وبالتالي، يجب على الحكومات في الشرق الأوسط أن تكثف أهدافها للتكيف مع تغير المناخ وخفض مساهمتها في الاحترار العالمي على حد سواء. ووفق أحدث دراسات أجراها صندوق النقد الدولي عن التكيف وتخفيف الآثار، يتعين استثمار ما يصل إلى 4% من إجمالي الناتج المحلي سنويًا لتعزيز الصمود في مواجهة تغير المناخ بالقدر الكافي وتحقيق أهداف خفض الانبعاثات بحلول 2030.
** مدرس مساعد بالبحث العلمي وباحثة حقوقية ومتخصصة في الشأن الأفريقي