كان لافتا هروب الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلادش إلى الهند تحديدا عوضا عن التوجه إلى أي دولة أخرى من الدول المجاورة لبنغلادش، حيث توجهت إلى ولاية البنغال الغربية في الهند وفق وسائل إعلام هندية.

وكات الاحتجاجات الطلابية اشتعلت عقب إصدار المحكمة العليا في حزيران/يونيو الماضي، قرارا يتم بموجبه عودة العمل بنظام الحصص "الكوتا"، والذي يُخصص 56 في المئة من الوظائف الحكومية لفئات محددة، وهي عائلات قدامى المحاربين الذي شاركوا في حرب الاستقلال "الانفصال عن باكستان" في عام 1971.



والاثنين، أعلن رئيس أركان الجيش في بنغلادش، الجنرال واكر الزمان في مؤتمر صحفي، أن رئيسة وزراء بنغلاديش، الشيخة حسينة واجد استقالت من منصبها.


وأكد زمان أن  حسينة غادرت البلاد على متن مروحية عسكرية، وترافقها في رحلة الهروب هذه شقيقتها الصغرى الشيخة ريهانا٬ هربا من الاحتجاجات.

Arabi21 - عربي21

القُرب الثقافي
وكان من اللافت هروب  حسينة إلى الهند تحديدا عوضا عن التوجه إلى أي دولة أخرى من الدول المجاورة لبنغلادش، حيث توجهت إلى ولاية البنغال الغربية في الهند وفق وسائل إعلام هندية.

ظفر الإسلام خان رئيس تحرير "ملي غازيت" الهندية، يرى أن "الشيخة حسينة لن تقبل بها أية دولة أخرى في المنطقة، أيضا هي ستعيش في الهند في ولاية البنغال الغربية التي تتشارك وبنغلادش في الثقافة واللغة وبالتالي لن تشعر بالغربة".

وحول سبب عدم قبول الدول المجاورة استقبال الشيخة حسينة، أوضح خان لـ"عربي21"، أنه "لا يظن أن لبنغلادش علاقات جيدة مع أي من جيرانها مثل نيبال وسريلانكا وباكستان وبورما".

وتابع: "وعلى أي حال كل هذه الدول المجاورة لها مشاكلها الخاصة وهى ليست ملجأ مفضلا للاجئين السياسيين، أما الهند فهي كبيرة جدا ويمكن للاجئين أن يختفوا فيها، ولكن حتى هنا, هناك مشكلات أمنية ومن أمثلتها قتل نائب من بنغلادش خلال زيارته للهند في أيار/مايو الماضي، وقيل أن للجريمة علاقة بالسياسة الداخلية في بنغلادش".

رفض بريطاني
صحيفة "ذا إيكونوميك تايمز" الهندية، قالت في تقرير لها إن "خطط سفر رئيسة وزراء بنغلادش السابقة الشيخة حسينة قد واجهت عقبات كبيرة بسبب الشكوك "عدم اليقين"، ومن المتوقع أن تبقى في الهند خلال الأيام القليلة المقبلة، وفقًا لمصادر مطلعة على الوضع".

ووفقا للتقرير الذي ترجمته "عربي21"، "فقد تم نقل حسينة، التي وصلت إلى قاعدة هندون الجوية أمس الاثنين بعد وقت قصير من استقالتها من منصب رئيسة الوزراء، إلى مكان آمن غير معلن".

وأشارت الصحيفة إلى أن "الشيخة حسينة كانت تنوي السفر إلى لندن من الهند ولكنها تدرس الآن خططًا بديلة بعد أن اقترحت الحكومة البريطانية أنها قد لا تحصل على الحماية القانونية في المملكة المتحدة ضد التحقيقات المحتملة".

وتابعت الصحيفة، "كانت الشيخة حسينة تخطط للمرور عبر الهند في طريقها إلى لندن، حيث أبلغ مساعدوها السلطات الهندية مسبقًا، ومع ذلك، صرح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن بنغلادش شهدت "مستويات غير مسبوقة من العنف والخسائر المأساوية في الأرواح" في الأسابيع الأخيرة، وأكد على الحاجة إلى "تحقيق كامل ومستقل بقيادة الأمم المتحدة في الأحداث".


تأثير سياسي هندي
وكانت بنغلادش قد انفصلت عن باكستان في حرب 1971 بمساعدة الهند، التي تحدها من ثلاث جهات وهي الغرب والشمال والشرق.

وارتبطت بنغلادش بالهند تاريخيا، حيث حكمها بعض الحكام المغول الذين حكموا مناطق في الهند، حيث ظهرت بعد الفتح الإسلامي للإقليم مجموعة إمارات مستقلة، ثم توحدت خلال القرن 14 ميلادي على يد شمس الدين إلياس شاه، وهو قائد عسكري استولى على الإمارة في البنغال الغربية وتوسع نحو البنغال الوسطى والشرقية، قبل أن تخضع المنطقة لاحقا لحكم المغول.

وفي العصر الحديث بدءا من منتصف القرن التاسع عشر سيطرت شركة الهند الشرقية البريطانية على بنغلادش، بعد معركة بلاسي التي جرت عام 1757م، وهُزم فيها المغول بقيادة سراج الدولة أمام الإنجليز الذين كان يقودهم روبرت كلايف.

وبعد استقلال الهند انقسمت شبه القارة الهندية إلى دولتين هما الهند، وباكستان، وكانت بنغلادش ضمن الدولة الباكستانية رغما أنه لا يوجد تواصل جغرافي بينهما، وبقيت كذلك حتى نشوب حرب الاستقلال "الانفصال" عام 1971.

وهذا التاريخ الطويل المشترك بين الهند وبنغلادش، ومساعدة الأولى للأخيرة للانفصال عن باكستان يدفع للتساؤل عن مدى تأثيرها عليها.

ناريندرا سوبرامانيان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماكجيل الكندية، والخبير في سياسة جنوب آسيا، قال إن "الشيخة حسينة غادرت بنغلادش بسبب جهودها وحزبها الحاكم لقمع الاحتجاجات الواسعة النطاق ضد نظام حصص الوظائف".

وأوضح سوبرامانيان خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "نظام الحصص هذا مكن من توجيه الفوائد إلى أعضاء الحزب الحاكم، وبشكل عام إلى الاستبداد الحزبي الذي أسسته، على الرغم من الانتخابات المنتظمة ولكن المزورة على نطاق واسع".

وحول سبب اختيارها الهند كوجهة هروب، قال، "لا بد أنها اختارت أن تجعل الهند أول مكان تهبط فيه لأنها أقرب ونظامها أكثر موثوقية من دولة ميانمار المجاورة الأخرى لبنغلادش".

وفيما يخص النفوذ الهندي في بنغلادش، قال سوبرامانيان، إن "الحكومة الهندية قبلت الأنظمة المختلفة التي حكمت بنغلادش، ولكن تأثيرها على تلك الأنظمة كان محدوداً منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين عندما أدى تدخل الجيش الهندي لإحداث انفصال بنغلادش عن باكستان إلى زيادة شعبية الحكومة الهندية".

وتابع: "في الواقع الحزب القومي الهندوسي الحاكم في الهند خلال العقد الماضي كان يشتكي في كثير من الأحيان من الهجرة الجماعية المزعومة للمسلمين البنغلادشيين إلى ولاية في الهند، على الرغم من أن أغلب المسلمين الذين يعيشون هناك هم من السكان المحليين أو أولئك الذين انتقل أسلافهم إلى هناك في القرن التاسع عشر".

الكاتب والصحفي صلاح الدين شودري من دكا، قال إن "الشيخة حسينة كان عليها أن تغادر البلاد في غضون مهلة قصيرة، لذا اختارت أقرب وجهة لها، كما أنها كانت دائمًا صديقة وحليفة للهند".

وحول ما إذا كان هناك تأثير سياسي هندي على بنغلادش، أوضح شودري خلال حديثه لـ"عربي21"، أنه "في السياسة في بنغلادش، تتمتع الهند والولايات المتحدة والصين وروسيا بنفوذ كبير، وخلال الخمسة عشر عامًا والنصف الماضية، كان نفوذ الهند هائلاً لأن رابطة عوامي كانت في السلطة".

من جهته قال ظفر الإسلام خان لـ"عربي21"، إن "حسينة واجد أقرب حليفة للهند في المنطقة، وهى ربما تعاملت مع المعارضة بالغلظة وأيضا حظرت حزب الجماعة الإسلامية وجناحها الشبابي بنصيحة هندية".


الخبير في السياسة الخارجية الهندية، هابيمن جاكوب، قال في تغريدة له على منصة "إكس": " ماذا ينبغي للهند أن تفعل حيال التطورات الجارية في بنغلادش؟ لا شيء، لا شيء حتى الآن، لا يزال الأمر جارياً، والأمر لا يتعلق بالهند؛ بل يتعلق بالسياسة في بنغلادش. دعهم يكتشفون الأمر بأنفسهم".
What should India do about the unfolding developments in Bangladesh?

NOTHING.

Nothing for now.

It’s still unfolding.

And, it’s not about India; it’s about politics in Bangladesh. Let them figure it out. — Happymon Jacob (@HappymonJacob) August 5, 2024
شبكة "بي بي سي" البريطانية، قالت في تقرير لها إن "الشيخة حسينة واجد زارت الهند خلال حكم رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي ثلاث مرات أولها كانت لحضور حفل أدائه اليمين الدستورية".

وأشار التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "الهند دعمت القوميين البنغاليين في حرب الاستقلال عام 1971، وأن لها علاقات وروابط اقتصادية ولغوية وثقافية مع بنغلادش".

ويبلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين حوالي 16 مليار دولار (12 مليار جنيه استرليني)، وتعتبر الهند الوجهة الأولى لصادرات بنغلادش في آسيا".

إلا أنه من المؤكد أن العلاقات بين البلدين ليست مثالية، حيث تنشأ الخلافات حول علاقة بنغلادش الوثيقة مع الصين، وأمن الحدود، وقضايا الهجرة، وانزعاج بعض المسؤولين في بنغلادش من سياسات مودي القومية الهندوسية، وفقا لتقرير شبكة "بي بي سي".

وأوضحت الشبكة في تقريرها أن "هناك بعض المشاعر المعادية للهند في بنغلادش، بسبب دعم الهند حكومة الشيخة حسينة، ويرى المنتقدون أنها تتدخل في السياسة الداخلية. كما تساهم المظالم التاريخية والاتهامات بالتجاوز في بعض التصورات السلبية".

وقال علي رياض، وهو أستاذ علوم سياسية أمريكي من أصل بنغلادشي في جامعة ولاية إلينوي، لـ "بي بي سي": "إن صمت الهند "ليس مفاجئًا لأنها كانت الداعم الرئيسي لحكومة حسينة على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية وساهمت عمليًا في تآكل الديمقراطية في بنغلادش".

وأضاف، "لقد عمل الدعم غير المشروط للشيخة حسينة كحصن ضد أي ضغوط عليها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لقد استفادت الهند اقتصاديًا ورأت السيدة حسينة باعتبارها السبيل الوحيد للحفاظ على البلاد ضمن نطاق نفوذ الهند".
http://pic.twitter.com/zoOFwOv7Zt — عربي21 (@arabi21news ) August 6, 2024
من هي الشيخة حسينة؟
والشيخة حسينة واجد هي ابنة الشيخ مجيب الرحمن، والذي قاد حرب الاستقلال "الانفصال" عن باكستان في عام 1971، ليصبح أول رئيس لبنغلادش، وولدت حسينة عام 1947.

وفي فترة حرب الاستقلال كانت الشيخة حسينة زعيمة طلابية في جامعة دكا، ومن خلال ذلك اكتسبت شهرة واسعة.

إلا أنها عاشت في وقت لاحق "مأساة" عائلية، حيث اغتيل والدها مجيب الرحمن ومعظم أفراد أسرتها في انقلاب عسكري عام 1975، إلا أنها نجت هي وأختها الصغرى من هذا المصير الدموي.


وأصبحت الشيخة حسينة أيقونة وطنية بعد أن تعاونت مع أحزاب سياسية، للخروج بمظاهرات مناصرة للديمقراطية في شوارع بنغلادش أثناء حكم الجنرال حسين محمد إرشاد.

وتم انتخابها ووصلت للسلطة أول مرة في عام 1996، ويُنسب لها الفضل في توقيع اتفاق لتقاسم المياه مع الهند وكذلك اتفاقية سلام مع متمردين قَبَليين في جنوب شرقي البلاد.

إلا أنها واجهت انتقادات بسبب ما قيل عنه أنه فساد اقتصادي وحكمها للبلاد بقبضة حديدية وفق معارضيها، حيث استهلت حكمها بحملة إعدامات طالبت عدد من قادة الجماعة الإسلامية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية حسينة بنغلادش الهند مودي الهند بنغلادش مودي حسينة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدول المجاورة حرب الاستقلال الشیخة حسینة رئیسة وزراء فی بنغلادش حسینة واجد عن باکستان فی الهند إلا أنه عام 1971

إقرأ أيضاً:

عام على أعنف زلزال بتاريخ المغرب.. عربي21 تكشف واقع المناطق المُتضرّرة (شاهد)

"هناك مناطق تمّ بنائها دون انتظار الدّعم الحكومي، خاصّة ممّن تعلّق الأمر عندهم ببناء جزئي فقط، فيما لا يزال أغلب الناس، في جُل القرى المُتضرّرة تقطن الخيام، وتتكبّد عناء تقلّبات الطقس، من حرارة مُفرطة أو برد قارس" هكذا وصفت ليلى، وهي واحدة من سكّان قرية أمندار، المتواجدة بإقليم الحوز (على مقربة من بؤرة الزلزال) الحالة التي آلت إليها وضعية الساكنة.

وتحلّ اليوم، عند الساعة الحادية عشر ليلا، الذكرى السّنوية الأولى، لأعنف هزّة أرضية حلّت على المغرب؛ إذ عشرين ثانية فقط، بتاريخ الـ8 من أيلول/ شتنبر 2023، كانت كافية لتسوية قرى بأكملها بالأرض، وأودت بحياة أزيد من 3000 شخص، فيما خلّفت دمارا لا يزال جزء مهم من ركامه، لم يُراوح مكانه، على الرغم من مرور عام كامل على الحدث. وذلك وسط تسارع أماني الناجين بتعجيل عجلة إعادة الحياة (الإعمار).



وتوصّلت "عربي21" خلال زيارتها لمنطقة أمندار، المتواجدة في إقليم تارودانت، بجهة سوس ماسّة في جنوب المغرب، بعدّة شكاوى شفهية، ترتبط جُلها بتأخير أو الحرمان من الاستفادة من الإعانات المالية الاستعجالية، التي أمر بها الملك المغربي، محمد السادس، لفائدة المتضرّرين، وكذا الدعم المخصّص لترميم أو إعادة بناء المساكن المتضررة.

الخيام.. الطقس فاقم المُعاناة
في الوقت الذي كانت تستبشر فيه ساكنة عدّة مدن مغربية، بالتساقطات المطرية والثلجية؛ كانت "عربي21" مُستمرّة في رصد شكاوى الأهالي القابعة في الخيام، من قلب المناطق التي مسّها ما وصف بـ"الخراب" جرّاء الهزّات الأرضية العنيفة؛ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعدد من المواقع الإعلامية المحلّية، التي كانت تبثّ أصوات المُتضرّرين، بين الفينة والأخرى، على مدار عام كامل.


كذلك، كانت تصريحات وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، بخصوص توفير الدولة مبلغ 2500 درهم لفائدة الساكنة المتضررة من الزلزال، لغرض البحث عن خيارات أخرى غير العيش داخل الخيام، قد أثارت موجة انتقادات عارمة، أبرزها استفسار تسارع تداوله بين السّاكنة المتضررة: "كيف نبتعد عن أصلنا، وهل المبلغ كافي للاستقرار داخل المدن، ومن سيُفّر لنا القوت اليومي". 

وفيما قالت المنصوري، من داخل البرلمان، إنّ "بقاء بعض من المتضررين من الزلزال داخل الخيام، مسألة اختيارية، خاصة وأن الدولة توفر لهم شهريا مبلغ 2500 درهم، وخيارات الكراء موجودة"؛ أبرز عدد من المُتضرّرين، في حديثهم لـ"عربي21" أن "سومة الكراء في عدد من المدن، بات يتجاوز قيمة الدّعم المادي المُخصص للغرض".



وأشار عدد من المتحدّثين لـ"عربي21" إلى أنّ جُل قوتهم اليومي المُعتاد، قبل أن يُغيّر الزلزال العنيف روتينهم، كان يعتمد أساسا على الزراعة، بالإضافة إلى جُملة من المعاملات المعيشية البسيطة، مُعضمها غير متوفر في الوسط الحضري.

إعمار يسير ببطء
إزالة الرّكام وتحديد الملكية، ناهيك عن غلاء أسعار مواد البناء الرئيسية.. هذه جُملة من المشاكل، التي تُلاحق جُل ساكنة المناطق المتضررة من زلزال الحوز، ولا تزال تتصدّر المشهد، على الرغم من مرور عام كامل على الفاجعة.

وفي حديثها لـ"عربي21" تقول ليلى: "رُخص البناء لا تزال معطّلة، جرّاء جُملة من الأسباب، أبرزها خلافات بين أعضاء الجماعات القروية أنفسهم"، مردفة "كذلك هو الأمر بالنسبة للدّعم المالي المخصّص للأهالي، هناك تخبّط واضح في توزيعه، ناهيك عن مشكل أراه مُضاعفا وهو أن المساحات التي تمّ تقديرها من السلطات المختصّة للبناء، هي أصغر من المُتوقّع". 



"مساحة 55 م لمن له هدم جزئي، و70 م لمن له هدم كلّي، هي مساحات غير كافية، بالنسبة لأسر، أقلّ مساحة كانت تسكن فيها هي 120 م؛ قبل أن تحلّ الفاجعة، التي غيّرت ملامح الحياة هنا، وجعلت الاستقرار يتحوّل بين ليلة وضحايا لتفكير لا نهاية له" أوضحت ليلى، وهي تعود بذاكرتها للوراء، وتقول إنه قبل المأساة كانت الأهالي تعيش في مساحات كبرى، حيث كان داخل كل منزل كبير، إسطبل، ومكان لتربية المواشي، وهو ما يشكّل جزء مهم من مصدر عيشهم.

وأكّدت: "هناك من ينتظر، وهناك من قرّر رفع شكاية، غير أن الواقع هو نفسه لكلا الطّرفين، كأنّ النّاس هنا اعتادوا الوضع"، مردفة، أنّ: "الأهالي لا حق لهم في تغيير أو رفض المساحة الأرضية المُقرّرة لهم، إلا بدفع 800 درهم (ما يُناهز 80 دولار) بطريقة أو بأخرى، وهو ما لا يقدر عليه جُل الناس في هذه المناطق المتضرّرة بشكل كبير، وجرّاء كل هذا فإن إعادة التعمير تتّخد خطوات جد بطيئة".

وبالتزامن مع انطلاق بعض الساكنة في عمليات إعادة البناء، سواء ممّن تمكّنوا من الحصول على الدعم أو ممّن اعتمدوا على مالهم الخاص؛ أكّد عدد من المُتضرّرين، ارتفاعا في أسعار مواد البناء الأساسية في العديد من مناطق إقليم الحوز، أبرزها: الإسمنت والرمال.. على الرّغم من إبرام صفقات بين عدّة مسؤولين محلّيين، مع مقاولين، لجلب مواد البناء وبيعها في مراكز محدّدة بأسعار معقولة، بحسب مصادر لـ"عربي21".



وبحسب عدد من المتحدّثين لـ"عربي21" فإن ساكنة عدّة مناطق متضرّرة، قد رأت في التوّجه نحو اعتماد مواد البناء العصرية، بما فيها "الخرسانة والقوالب الاسمنتية الجاهزة، عوضا عن الطين والحجر كما كان معمولا في السابق" هو خيار أنسب، مُبرّرين الأمر بكون "البناء التقليدي جد مكلّف ويتطلب ميزانية تفوق تلك التي تمنحها الدولة"، وهو ما أثار نقاش آخر، بين خصوصية المناطق والمساحات المُخصصة لبناء المنازل، وبين القيمة المادية المُخصّصة لإعادة البناء. 

ومنذ مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كانت الحكومة المغربية، التي يرأسها، عزيز أخنوش، قد أمرت بصرف أولى دفعة من المُساعدات المالية للأسر المتضررة من زلزال الحوز والأطلس، مقدارها 2500 درهم (ما يُناهز 250 دولار). غير أن عدّة أشخاص قابلتهم "عربي21" تقول إن: "الإهمال طالهم".

ودعا رئيس الحكومة المغربية، قبل أشهر، مختلف القطاعات الحكومية، إلى "تسريع تأهيل مُختلف المرافق الحيوية للسّاكنة، خصوصا المدارس والمرافق الصحية"، مشيرا إلى ضرورة تنفيذ التعليمات الملكية لـ"تحقيق تطلّعات الساكنة المحلية المتضررة من زلزال الحوز، مع الحرص على احترام معايير الهندسة المعمارية، واستخدام مواد بناء ذات جودة التزاما بمعايير السلامة". 

هل عاد التّلاميذ لمدارسهم؟
تبقى أحلام الصّغار قبل الكبار، بمُواصلة مسيرة التّعليم، صامدة، حيث شدّوا الرّحال، على طول عام دراسي، نحو الخيّام المُخصّصة للدراسة؛ ورغم ظروفهم المعيشية الصعبة، ناهيك عن إضراب طويل شل القطاع لشهور، واصلوا تحصيلهم واستعدادهم للامتحانات.



من بينهم، تلاميذ البكالوريا، ممّن واجهوا المطر وهو يحوم حولهم في فصل الشتاء، وكذا تكبّدوا عناء الحرارة القاسية في آخر أيام التحصيل الدراسي؛ وفيما كانت السلطات التعليمية بإقليم الحوز تخصّص مبادرات للدعم النفسي لفائدة التلاميذ، وفق ما تناقله تلفاز الإعلام العمومي. فإن أشخاص متفرّقين، من قلب المناطق المتضررة، أكدوا عدم استفادتهم من المواكبة.

وكان البلاغ الصادر عن رئاسة الحكومة، قال إن "التكلفة التقديرية لإنجاز برنامج تأهيل وإعادة بناء مختلف المؤسسات التعليمية المتضررة تقدر بحوالي 3.5 مليارات درهم”؛ غير أن الأمر أثار حفيظة الأهالي وعدّة فعاليات محلية، حيث وصفوا الاهتمام الحكومي بالتعليم في مناطق الزلزال بـ"الضعيفة والمقلقة"، في إشارة إلى افتتاح 111 مدرسة فقط على مدار عام كامل، بالضعيف جدا.


وبحسب أرقام رسمية، صادرة عن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، فإن عدد المؤسسات التعليمية التي لحقت بها أضرار جرّاء الزلزال، ناهزت 1730 مؤسسة تعليمية، بما فيها الفرعيات المدرسية، منها 258 مؤسسة تستلزم إعادة البناء كليا، و688 مؤسسة تستلزم التأهيل وإعادة البناء جزئيا، و784 مؤسسة تستلزم التأهيل.

أصوات المُتضرّرين علت.. هل من مُستجيب؟ 
رصدت "عربي21" جُملة مقاطع فيديو، تم تداولها بشكل مُتسارع على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأشهر القليلة الماضية، توثّق لاحتجاجات، المُتضرّرين، في عدد من المناطق المُتفرّقة التي مسّها الزلزال، ممّن أكّدوا عدم تمكينهم من الدعم المالي المُخصّص لهم.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎Hawamich | هوامش‎‏ (@‏‎hawamich.info‎‏)‎‏
إلى ذلك، خرج عدد من السكّان، المنتمين لعدد من المناطق المُتضرّرة (نواحي مدن: تارودانت وأكادير، وشيشاوة ومراكش وورزازات وأزيلال، جنوب المغرب)، في مسيرات نهارية وأخرى ليلية، استنكروا خلالها ما وصفوه بـ"استثنائهم من الدعم المادّي المخصص"، فيما طالبوا في الوقت ذاته، بضرورة "التدخل الفوري للجهات المختصّة، لإعادة الاعتبار لهم، عقب كارثة زلزال 8 شتنبر الماضي".

مسيرات المُحتجين المُتضرّرين، التي كانت تتزامن مع قرب الذكرى السنوية لأعنف زلزال يمسّ المغرب، وعقب ما يُناهز ثمانية أشهر، من بلاغ لرئاسة الحكومة، أشار إلى أن الاجتماع العاشر للّجنة المكلّفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، أكّدت "استفادة 56.607 أسر إلى غاية متمّ شهر ماي الماضي من مبلغ 20.000 درهم كدفعة أولى لإعادة بناء وتأهيل منازلها المتضررة بشكل كلي أو جزئي من الزلزال، وذلك بقيمة مالية تقدر بـ 1.1 مليار درهم، وبنسبة إنجاز تبلغ 95 في المئة".

"التأكيد على توصّل6.927 أسرة بالدفعة الثانية من الدعم لإعادة بناء وتأهيل المنازل المتضررة بقيمة تفوق 122 مليون درهم، واستفادة 872 أسرة من الدفعة الثالثة بقيمة مالية تتجاوز 11 مليون درهم" بحسب البلاغ ذاته، الذي وصل "عربي21" نسخة منه، آنذاك. وهو ما أتت المسيرات الغاضبة المُتتالية، لتنفي شُموليته.

وفيما كانت اللجنة قد أكّدت "حصول 63.363 أسرة على مبلغ 2.500 درهم المخصصة كدعم شهري إلى متم ماي 2024، بقيمة مالية تناهز 1.2 مليار درهم"، تحدّث عدد من الأشخاص لـ"عربي21" عن عدم توصّلهم بالدعم المالي، رغم مرور عام كامل من الحدث الذي هزّ المغرب.


كذلك، فيما كانت البلاغات الحكومية، تتحدّث عن مواكبة السلطات المُختصّة لـ"إصدار 51.031 ترخيصا لإعادة البناء لفائدة الأسر المتضررة من أصل 53.084 طلبا تم إيداعه، لتبلغ بذلك نسبة الإنجاز في هذا الإطار 86 في المئة" أكّد عدد من ساكنة دوّار أمندار، الذي زارته “عربي21” بحلول الذكرى السنوية الأولى للفاجعة، عدم حصولهم بعد عن الترخيص. 

أين وصل تضامن المغاربة؟ 
“منسوب التضامن بات ضعيفا جدا، حتى مع حلول كل من عيد الأضحى وشهر رمضان المبارك؛ كانت هناك بعض المبادرات لتوزيع الأضاحي أو قفف المؤونة، لكن لم تصل للجميع” هكذا قال أحمد، وهو من ساكنة الخيام، بدوار أمندار.

وأوضح أحمد في حديثه لـ"عربي21" أنّ: "جلّ العائلات هنا، واجهت صعوبات جمّة في تدبير معيشتها، على مدار سنة كاملة؛ وتلك الهبّة الشعبية التي عايشناها في أيام الفاجعة الأولى، سرعان ما خفّت"، مردفا: "قليلة هي القوافل الإنسانية التي باتت تصل إلينا". 

إلى ذلك، تقول الساكنة هنا: "إن الدعم الحكومي وإجراءات الدولة غير كافية، ونرجوا من الشعب المغربي كافة أن لا ينسانا، نحن هنا مازلنا نعاني، ولا نزال بحاجة إلى المساندة والمساعدة".

مقالات مشابهة

  • ولي عهد أبوظبي يبحث مع رئيسة الهند علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين
  • هل سقوط حكومة حسينة في بنغلادش يعيد للجماعة الإسلامية حضورها؟
  • عام على أعنف زلزال في تاريخ المغرب.. عربي21 تكشف واقع المناطق المُتضرّرة (شاهد)
  • عام على أعنف زلزال بتاريخ المغرب.. عربي21 تكشف واقع المناطق المُتضرّرة (شاهد)
  • رئيس “سدايا” يكشف عن تقرير يتضمن سبع ركائز رئيسة ترتبط بتقدم المملكة في الذكاء الاصطناعي خلال خمسة أعوام
  • لماذا يتجاهل نتنياهو ملف الأسرى؟!!
  • ‏⁧‫درس اخلاقي ووطني‬⁩ ل الطبقة السياسية ⁧‫العراقية‬⁩ !
  • تأكيدا لما نشرته عربي21.. تشييع شهداء مصريين سقطوا في سيناء (شاهد)
  • البيئة تشارك في الدورة العاشرة الخاصة لمؤتمر وزراء الأفارقة
  • محافظ سوهاج خلال جولته الميدانية: نقل رئيسة مجلس مدينة طما وإقالة نوابها