حرب السودان: النساء يدفعن الثمن
اللاجئات: بين قسوة الحياة وحلم العودة إلى الوطن
القاهرة :8 أغسطس 2024
منتدي الا علام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
إعداد وتحرير: مركز الألق للخدمات الصحفية
كان اللجوء إلى مصر واحدًا من خيارات العائلات السودانية في أعقاب الحرب التي اندلعت بالبلاد في الخامس عشر من أبريل العام الفائت، وانطوت رحلات اللجوء لا سيما النساء السودانيات إلى مصر على العديد من المخاطر أبرزها رحلات السفر القاسية عبر طرق صحراوية وعرة وبطريقة غير قانونية لمعظمهن إلى هذا البلد الذي استقبل آلاف السودانيات.
وكشفت دراسة أجراها مركز الألق للخدمات الصحفية وسط اللاجئات السودانيات في مصر، أن 68% من العينة الإحصائية دخلن مصر عن طريق التهريب، فيما حصلت 32% منهن على تأشيرات دخول قانونية. قامت 78% منهن بتسجيل أنفسهن كطالبات لجوء لدى مفوضية اللاجئين، حتى لا يتعرضن للطرد أو الملاحقة، وحصلت خمسة فقط (21%) على إقامة قانونية حتى الآن.
واستهدفت الدراسة 300 امرأة من أعمار مختلفة تتراوح بين 25 إلى 50 سنة، وغطت 4 مناطق في القاهرة الكبرى وهي: فيصل، أرض اللواء، بدر، و6 أكتوبر، وهي مناطق تتميز بوُجود أعداد كبيرة من السودانيين.
وفيما يتعلق بالحالة الاجتماعية- وفقا للدراسة- بلغت نسبة النساء المتزوجات من جملة العينة المبحوثة 67%، ونسبة غير المتزوجات 13%، والمطلقات 10%، وضمت العينة 9% من الأرامل.
قرار اللجوء:
وأشارت الدراسة إلى أن قرار الفرار إلى مصر اتخذ من قبل الأسرة بأكملها في 37% من الحالات، واتخذت القرار الزوجة بمفردها في 32% من الحالات، وكان القرار للزوج في 19% من الحالات، وقامت الأسرة الممتدة (الأشقاء والأعمام) باتخاذ القرار حسب إفادة 13% من المبحوثات.
رغم حرص هذه الفئة على التسجيل في المفوضية، تمكنت 37% منهن فقط من الحصول على الكرة الأصفر، وذلك بسبب الصعوبات التي واجهتهن في التعامل مع مفوضية اللاجئين عند التسجيل، بسبب كثرة المتقدمين والاستغلال من قبل السماسرة بدعوى تسريع عملية التسجيل، مما أدى إلى إطالة أمد المدة بين زمن التسجيل والمقابلة.
أسباب اللجوء:
أوضحت معظم المبحوثات أن أهم أسباب اللجوء إلى مصر هو الخوف من العنف والاغتصابات من قبل جنود الدعم السريع. فيما أشارت بعضهن إلى تعرضهن للطرد من منازلهن بواسطة قوات الدعم السريع. وهناك من قالت إن البحث عن الخدمات التعليمية والصحية هو سبب السفر إلى مصر لضمان مستقبل أبنائهن. وأكدت بعضهن أن ارتفاع قيمة الإيجارات في الولايات وافتقارها إلى الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وارتفاع أسعار السلع هو السبب المباشر في تركهن للسودان.
مخاطر ومخاوف
واجهت هذه المجموعة من النساء العديد من المخاطر، أبرزها المسافة الطويلة التي قُطِعَت في الصحراء مع نقص المياه والطعام، وارتفاع تكلفة التهريب، والحمولة الزائدة للركاب، وتعطل السيارات، والابتزاز من قبل المهربين، والاحتيال لإجبارهم على دفع مبالغ إضافية. كما عانت النساء من الإرهاق الجسدي والنفسي، وصعوبات للمرضى وذوي الأمراض المزمنة وذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب التعرض للابتزاز من قبل السلطات على الحدود السودانية ومحاولة مكافحة التهريب المصرية مطاردتهم. فقدان الحقائب والأوراق الثبوتية أعاق حصول البعض على الكرت الأصفر- اللجوء-.
كانت العديد من هؤلاء النساء يعتمدن على مصادر دخل من أعمالهن في السودان، ولكن الآن يعتمدن على مساعدات الأشقاء والأقارب خارج السودان. ونجحت 52% منهن في إلحاق أبنائهن بالمدارس، بينما عجز 48% عن ذلك؛ بسبب عدم توفر الموارد المالية.
بالنسبة للحصول على المعلومات حول الخدمات المتوفرة للاجئين السودانيين بعد الحرب، تبين من خلال الدراسة أن الاعتماد الأكبر كان على الأقارب بنسبة 58%، ثم الأصدقاء بنسبة 33%، ووسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 28%، في حين اعتمد 7% فقط على المصادر الرسمية.
إفادات لاجئات يحاولن النجاة وتجاوز الخوف
- (م. ن): "الاندماج في المجتمع السوداني سهل وجميل، ولكن لم أندمج في المجتمع المصري لاختلاف الثقافات وعدم رغبتي في الاندماج، وإحساسي بعدم الاستقرار. أشعر أنني سأعود إلى السودان في أي وقت، فلا أشعر أنني أحتاج إلى الاندماج والعيش والتعايش."
- (س. ع) تحكي تجربتها مع الخوف قائلة "تركنا مدينة عطبرة في منطقة سيدون، وكنا 18 راكبًا، وانتظرنا أربعة أيام حتى يكتمل عدد الركاب الذي كان مقررًا له أن يصل إلى 24 شخصًا بعربة البوكس، ثم انطلقنا إلى منطقة التخزين الأولى، ومنها إلى الحدود المصرية. انتظرنا أربعة أيام في خيمة في العراء، وسط برد وحشرات، ولا يوجد اتصال ولا حياة فيها. الحمولة الزائدة للبوكس جعلتنا في توتر طيلة الطريق خوفًا من الحوادث، بالإضافة للسرعة العالية للعربة وسوء الأحوال الجوية. التوتر الملازم للمهربين في أثناء الرحلة دفع سائق العربة إلى إخراج بندقية من درج عربته وصوبها إلى صدر شاب من الركاب لمجرد نقاش لم يتفقا فيه، ولولا تدخل الركاب لقتله."
- (ى. ن) وهي أرملة تتحسر على ما لحق بها من جراء الحرب "كان وضعي جيدًا، لكن عند اندلاع الحرب بعت كل ممتلكاتي، وقررت الذهاب إلى مصر للحفاظ على أرواح بناتي. لكن المدخرات كلها انتهت، فاتجهت إلى العمل في المصانع باليومية، وواجهت مشكلة في الحصول على قيمة الإيجار. هناك جهة وعدتنا بدفع الإيجار، ونأمل أن تفي بوعدها."
- (م. أ): "المعيشة في مصر صعبة جدًا. أعاني الإيجار المكلف والتنقل المستمر لإيجاد شقة، وأعاني أمراضاً مثل الغضروف وارتفاع ضغط الدم، حتى إنني لم أستطع الذهاب للطبيب بسبب ضيق ذات اليد. طُلِّقْت هنا في مصر، فقد أرسل لي زوجي ورقة الطلاق بعد أن جئت إلى مصر. طليقي الآن لا يساهم في تكاليف أبنائه من تعليم أو سكن أو علاج، ويقيم في دنقلا، وما زال يعمل موظفًا. ذهبنا لمنظمة كريتاس من أجل دعمنا، وعُمِلَت مقابلة مع موظف من المنظمة حضر إلينا في الشقة من أجل تقييم وضعنا ومنح المساعدات، ولكن حتى الآن لم نتلق أي دعم. الآن نقيم في شقة، ورفض صاحب العقار عمل عقد إيجار لنا، وطلب منا إخلاء الشقة يوم 15 من هذا الشهر، مع العلم أننا لم نكمل عامًا وعشنا في الشقة لشهرين فقط."
- (س. ع): "في يوم من الأيام خرجت وأبنائي الثلاثة في رحلة استمرت لمدة اثنتي عشرة ساعة مشيًا على الأقدام هروبًا من الموت، عندما اشتبك الدعم السريع مع الجيش بعدما دخل الدعم السريع عمارتنا وتمركز فيها. كان خلاصنا بسبب هذا الاشتباك، حيث تسللنا خفية إلى حيث المجهول هروبًا من الموت. نزحنا إلى أربع مدن، وفي مخيلتي أحداث دخول حركة العدل والمساواة الخرطوم (ديسمبر 2011) عندما أصابت عربتنا قذيفة أدت إلى وفاة والدهم، وما زالت دماء أحشائه على يدي وأنا أجمعها قطعة قطعة. هربنا ثانية إلى مصر بحثًا عن الأمان، وتركنا خلفنا كل شيء مرغمين.
تجولت في المدينة أيامًا وأيامًا أبحث عن مصدر عمل وفق مؤهلاتي الأكاديمية وخبراتي، وعندما لم أجد اضطُررت أخيرًا إلى أن أضع كل مؤهلاتي وخبراتي جانبًا، وأعمل عاملة في مصنع بلاستيك كي أحفظ ماء وجهي، وأفي بالتزاماتي الأسرية، ولا أحتاج إلى أحد. كانت هذه أصعب تجربة تمر بي في حياتي، شعرت حينها بانكسار وضيق وضعف، ولكن في الكفة الأخرى كنت أحمل هم أولادي واحتياجاتهم... لا للانكسار، مثلما كنت قوية طيلة تلك السنوات الماضية فلن أضعف أمام هذا الامتحان."
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
#ساندوا_السودان
#Standwithsudan
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع إلى مصر من قبل
إقرأ أيضاً:
الاغتصاب سلاح حرب في السودان.. حالات انتحار واسترقاق وضحايا يعانين في صمت
"الموت أحسن من الاغتصاب".. صرخة ضحية عنف جنسي في الحرب الدائرة في السودان وصلت إلى الأسماع بخلاف صرخات أخرى تقدر منظمات أنها أكبر بكثير من المعلن لم تجد منقذين من أيدي المغتصبين ولا أياد رحيمة تعتني بها بعد الفاجعة لتواجه معاناتها في صمت يضجّ أحيانا بكوابيس تصل حد التفكير في الانتحار للتخلص من الآلام والهروب من الوصم الاجتماعي لضحايا الاغتصاب.
وتحول الاغتصاب إلى سلاح حرب منذ بدء الاشتباكات بالسودان في أبريل/نيسان 2023. ولا يتوقف العنف الجنسي في حرب السودان على الاغتصاب، بل يشمل كذلك الاستعباد الجنسي والاتجار في البشر والحمل القسري على غرار 331 حالة وثقتها وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان، بحسب ما أكدته رئيسة الوحدة سليمى إسحاق لـ"عربي21".
ورغم صعوبات الرصد والتوثيق في ظل استمرار الحرب، فقد وثقت المبادرة الاستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي ما لا يقل عن 300 حالة حتى الآن.
وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة، هالة الكارب، في تصريح خاص لـ"عربي21"، إن 33 من هذه الحالات الموثقة سجلت في ولاية الجزيرة خلال الفترة الممتدة من الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى بداية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري "عقب الحملات الانتقامية الأخيرة لـ"قوات الدعم السريع" في الولاية.
المأساة أكبر من المعلن
ورغم أن وزارة الخارجية السودانية أكدت، في بيان أصدرته يوم الأحد الماضي، توثيق "ما لا يقل عن 500 حالة اغتصاب بواسطة الجهات الرسمية والمنظمات المختصة ومنظمات حقوقية"، إلا أنها نبهت إلى أن هذه الأرقام لا تعبر عن الواقع، بل "تقتصر على الناجيات من المناطق التي غزتها مليشيا قوات الدعم السريع"، منبهة إلى أن هناك أعدادا كبيرة من الحالات غير موثقة، ومنها " مئات من المختطفات والمحتجزات كرهائن ومستعبدات جنسيا وعمالة منزلية قسرية، مع تقارير عن تهريب الفتيات خارج مناطق ذويهن وخارج السودان للاتجار بهن"، وفقا للخارجية السودانية.
وعن أسباب عدم رصد هذه الجرائم وسط استمرار الحرب، تتحدث سليمى إسحاق، في تصريحها الخاص لـ"عربي21" عن "معيقات كثيرة للإحاطة بحالات العنف والاغتصاب منها عدم التبليغ من طرف الضحايا، وضعف خدمات الدعم والمتابعة وتشتتها بين الولايات بسبب النزوح". كما أن خبراء كثيرين وناشطين سودانيين نبهوا إلى أن التطورات في السودان، بما في ذلك الانتهاكات التي تطاول الفئات الأكثر هشاشة، وفي مقدمتها النساء، لا تحظى بتغطية إعلامية كافية رغم زيادة ملموسة في الاهتمام في بعض المناسبات على غرار اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء الذي يحل في 25 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام.
وقد أكد المحامي السوداني معز حضرة، في تصريح لـ"عربي 21"، أن أعداد حالات العنف الجنسي التي رُصدت أقل بكثير من الأعداد الحقيقية، مسلطاً الضوء على سبب رئيسي يعوق الرصد والتوثيق على غرار ظروف الحرب وتدهور أوضاع البلاد. ويتمثل هذا السبب في "الطبيعة المحافظة للمجتمع السوداني" التي لا تسهل طريق الضحايا نحو البوح بما تعرضن له من جرائم وانتهاكات، ما يدفع حضرة للقول "إننا نعتقد بأن الحالات المسكوت عنها أكبر بكثير مما جرى رصده".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
سلاح حرب
تتهم السلطات السودانية "قوات الدعم السريع" بشكل صريح باستخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب بهدف "إجبار المواطنين على إخلاء قراهم ومنازلهم لتوطين مرتزقتها"، وهو ما جدد الخارجية السودانية التعبير عنه في بيان سالف الذكر. وفي هذا الإطارـ، تؤكد رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان أن "العنف الجنسي المتصل بالنزاع يُوظّف من أجل التطهير العرقي والتهجير القسري من مختلف المناطق".
ومن المؤشرات على استخدام قوات الدعم السريع الاغتصاب سلاحا في الحرب أن "هذه الانتهاكات تستهدف مجموعات إثنية بعينها، حيث تقتل كل الذكور من تلك المجموعات وتغتصب النساء والفتيات بغرض إنجاب أطفال يمكن إلحاقهم بالقبائل التي ينتمي إليها عناصر المليشيا"، وفقا لبيان الخارجية السودانية الذي أوضح أن "تلك الفظائع تشمل جرائم الاغتصاب، والاختطاف، والاسترقاق الجنسي، والتهريب، والزواج بالإكراه، وأشكال أخرى من العنف والمعاملة غير الإنسانية والمهينة والقاسية والحاطّة للكرامة للنساء وأسرهن ومجتمعاتهن".
غير أن الحالات الموثقة من العنف الجنسي لا تحمل بصمات عناصر "الدعم السريع" فقط، بل تكشف كذلك عن تورط أطراف أخرى في هذه الانتهاكات. وفي هذا الصدد، يؤكد المحامي السوداني معز حضرة "أن العدد الكبير من جرائم العنف الجنسي التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، لا يعني أن الأطراف الأخرى غير متورطة في هذا النوع من الجرائم.
ويتحدث عن "رصد ارتكاب جرائم اغتصاب وعنف جنسي من أطراف أخرى، بما فيها أفراد من القوات المسلحة السودانية، وبعض الحركات المسلحة والقبائل التي تدعم الطرفين".
أكثر من ذلك، "تم توثيق حالات استغلال في ظروف الحرب والمجاعة والنزوح من أجل ابتزاز النساء وتقديم الطعام مقابل الجنس"، بحسب المحامي حضرة، الذي نبه إلى أن استخدام الاغتصاب سلاح حرب من جرائم الحرب ومخالف للقوانين الجنائية السودانية والقانون الدولي الإنساني، وكذلك "نظام روما الأساسي" الذي أُنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية.
وتواصلت "عربي21" مع الخارجية السودانية، ولم تتلقى ردا، حتى وقت نشر هذا التقرير، وفي حال أرسلت الرد سوف يتم تعديل هذا النص ليتضمن موقفها.
ضحايا من مختلف الأعمار
دقت الأمم المتحدة جرس الإنذار في عدة تقارير من أن "حوالي سبعة مليون امرأة وفتاة في السودان تواجه خطر الاغتصاب والعنف الجنسي". ورغم أن الحالات الموثقة تعد بالمئات، إلا أن سليمى إسحاق تنبه إلى أن "حالات العنف الجنسي التي تم توثيقها بشعة جدا" بعضها طاول طفلات دون الست سنوات. أما كبر الناجيات الموثقة حالتها فيناهز عمرها 76 عاما".
وقد رصدت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل التي ترأسها سليمى أن "النساء الكبيرات في السن رفضن الخدمات والمتابعة بعد تعرضهن للعنف، إذ كان ذلك ثقيلا عليهن نفسيا بشكل كبير".
حالات الاغتصاب لا تنسى بحسب سليمى إسحاق، ومنها جريمة تتذكرها بحزن ضحيتها فتاة من العاصمة الخرطوم، اقتحمت قوات الدعم السريع منزل أسرتها، واستفراد أحد العناصر بها محاولا اغتصابها، فكان "مغتصبها" يزيد من تعنيفها وضربها كلما لهجت بالدعاء ومناجاة الله، مبديا امتعاضه من رفضها بدعوى أنها فتاة من العاصمة حيث "التحرر" يفترض أن ترحب بما يحدث لها، ثم نهرها بقوله: "ما في لطيف في بس أنا"، ثم تناوب سبعة عناصر على اغتصابها.
وما زالت "هذه الفتاة مازالت تعاني من آثار هذه الجريمة" حتى الآن وقد لا تتعافى منها قريبا لأن "التعافي النفسي منها صعب خاصة أن الاغتصاب داخل المنزل يحوّله من مصدر أمان وذكريات الطفولة إلى ذكرى أليمة تركت ندوبا عميقة في نفسية الضحية"، وفقا لسليمى إسحاق.
كما روت هالة الكارب حكايات "جدّات" من جنوب أم درمان تتراوح أعمارهن بين 70 و80 سنة، كنّ قبل الحرب يعملن في وخدمة المجتمع تحت إشراف المبادرة التي ترأسها الكارب، وبعد الحرب تعرضن لـ"الاسترقاق"، حيث "أجبرن على القيام بأعمال التنظيف والطبخ وحمل آليات وأسلحة لقوات الدعم السريع"، ويرافق ذلك "تعرضهن للسخرية والحط من كرامتهن وتهديدهن بالسلاح". وقد وثقت الكارب قصة ناجية من هؤلاء الجدات استطاعت أن تبوح بجانب من مأساتها قبل أن تتوفى بعد وقت قصير من تحريرها. ومن ذلك، أن محتجزي النساء كانوا يطلبون منهن الرقص وهم سكارى ويطلقون النار عشوائيا في الهواء، إضافة إلى انتهاكات أخرى جعلت الكارب تقول إنها "لا تستطيع تصور درجة القسوة وانعدام الإنسانية هذه تجاه الجدات التي نسميهن في السودان الحبوبات".
مغتصبات ينتحرن هروبا من الوصم
تستمر المعاناة والندوب الناجمة عن الاغتصاب طويلا، وقد لا تزول أبدا حتى إن الحياة تضيق ببعض الضحايا إلى حد التفكير في وضع حد لحياتهن. واقع وثقه صندوق الأمم المتحدة للسكان عبر ممثله في السودان، محمد الأمين، الذي صرح في يوليو/تموز الماضي أن "بعض النساء وصلن إلى مرحلة من اليأس دفعتهن إلى محاولة الانتحار". وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جرى توثيق "انتحار 3 نساء في ولاية الجزيرة وحدها"، بحسب ما كشفت عنه هالة الكارب في تصريحات صحافية.
كما أن أغلب حالات الانتحار كانت لضحايا جرائم الاغتصاب الجماعي، بحسب هالة الكارب. إذ تتعرض الضحايا من النساء والفتيات الصغيرات للتعذيب والاحتجاز ونتيجة لذلك يقررن إنهاء حياتهن. كذلك ترتفع مخاطر محاولة الانتحار في صفوف ضحايا الاغتصاب أمام أفراد الأسرة لما له من آثار عميقة على الضحية ومحيطها. وفي هذا السياق، قال المحامي السوداني معز حضرة، لـ"عربي 21"، إن الانتحار لم يطاول فقط ضحايا الاغتصاب، "بل تم توثيق انتحار أفراد من أسر الضحايا خاصة ممن شهدوا جريمة الاغتصاب". وهنا، تشير هالة الكارب إلى ضحايا توفين قهراً بعد عودتهن إلى أسرهن لتُدفن معهن تفاصيل معاناتهن، خصوصا أن من بينهن من تعجز عن البوح بمأساتها حيث تعانين في صمت بلا علاج إلى أن يلفظن أنفاسهن. وتستحضر هالة الكارب من الحالات قصة فتاة أكد أهلها أنها تعرضت للاختطاف والاغتصاب الجماعي لشهور من قبل "الدعم السريع"، وقد توفيت قهرا بعد بضعة أيام من عودتها إلى أسرتها.
ورغم أن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان لم توثق من جهتها حالات انتحار لضحايا الاغتصاب، إلا أن رئيستها سليمى إسحاق لا تستبعد لجوء بعض ضحايا العنف الجنسي للانتحار، خاصة مع "حالة الوصم ولوم الضحية التي تلاحق النساء دائما"، منبهة في هذا الصدد إلى أن آثار الاغتصاب على تتوقف عند الضحايا فقط، بل إنه يسبب ندوبا عميقا في المجتمع كله. ووضعت سليمى إسحاق إصبعها هنا على قصور في معالجة هذه الجرائم وكبح تداعياتها يتمثل في أن "أن الاهتمام غالبا ما ينصب على السياسة والأرقام دون الالتفات إلى نتائج هذه الانتهاكات التي ستؤثر على أجيال كاملة"، ومنها منها الآثار النفسية، ومخاطر انتشار الأمراض الجنسية، وولادة أطفال نتيجة الاغتصاب، وغيرها من التداعيات الخطيرة التي تستمر طويلا ويتجاوز تأثيرها الضحايا إلى محيطهن.
حالات حمل جراء الاغتصاب
يعتبر الحمل نتيجة التعرض للاغتصاب إحدى النتائج الخطيرة، التي تعرض الضحايا لآثار جسدية ونفسية واجتماعية وخيمة. فقد شددت "هيومن راتس ووتش في مايو/أيار 2023 على أن "الندوب الجسدية والعاطفية والاجتماعية والنفسية التي تعرضت لها الضحايا هائلة".
ورصدت المنظمة حالات الوصم الاجتماعي، منها لإحدى الضحايا "طردها زوجها وأخذ أطفالهما منها، وتُركت في الشوارع" حين اكتشف حملها نتيجة تعرضها للاغتصاب.
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن قوات الدعم السريع متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين في ولاية الجزيرة وسط #السودان، شملت القــتل والاحتجاز التعسفي واغتـصاب النساء والفتيات، مؤكدة على أن تصاعد هذه الهجمات الشنيعة مؤخرا ينهي الآمال المتبقية بإيقاف جـرائم الدعم السريع بدون رد… pic.twitter.com/26dgMuJYco — عربي21 (@Arabi21News) November 11, 2024
كما أكدت سليمى إسحاق لـ"عربي 21" توثيق 31 حالة ولادة من حمل ناتج عن الاغتصاب.
هذا إجمالي الحالات التي امتلكت ا لشجاعة وتوفر لها الدعم والسند للوصول إلى الوحدة، إذ تؤكد رئيسة الوحدة أن عددا أكبر من الضحايا لا يبلغن بسبب ظروف الحرب والسكن في الأرياف البعيدة، قبل أن تخلص مجددا إلى أن " الأرقام الحقيقية أكبر مما هو موثق بكثير".
وفي حين تستمر معاناة النساء اللواتي يضعن أولادا جراء الاغتصاب، يُسلّم مواليدهن في الغالب إلى مؤسسات ترعى الأطفال فاقدي السند في مختلف ولايات السودان. وأحيانا لا تلتقي الأم طفلها بعد ذلك، إذ تفضل معظم الأمهات عدم التواصل مع أطفالهن بسبب "الوصم وتجريم النساء" الذي يشكل عبأ ثقيل علي الضحايا، على حد تعبير هالة الكارب، ما يضاعف معاناة النساء في صمت جراء ندوب العنف الجنسي وانقطاع الاتصال بفلذات أكبادهن، ما يجعلهن في أمسّ الحاجة إلى الدعم والمساعدة.
غير أن الضحايا لا يحصلن على الرعاية والدعم اللازمين في ظل معاناة السوداني عموما من ضعف كبير في الخدمات الصحية زاده الحرب والنزوح الكثيف تفاقما. وفي هذا الإطار، تتحدث هالة الكارب عن "قصور في الاستجابة وتوفير بروتوكول التعامل مع حالات العنف الجنسي"، بالإضافة إلى انعدام الدعم النفسي والخدمات الصحية المجانية، ولا سيما ضحايا الاغتصاب الجماعي اللواتي يحتجن أحيانا إلى تدخل جراحي لا يكون متاحاً ظل انهيار المنظومة الصحية. كما تحتاج العديد من الناجيات للعون المادي لمواصلة حياتهن وفي الغالب لا يحصلن على أي نوع من الدعم، بحسب الكارب.
وكان خبراء أمميون قد حذروا، في أغسطس/ آب الماضي، من نقص كبير للرعاية والخدمات الصحية والدعم النفسي، وخدمات ما قبل الولادة التي "أصبحت نادرة وغير آمنة أو غير متاحة على الإطلاق بالنسبة للناجيات اللاتي أكملن حملهن حتى نهايته".
ومع ذلك، تقول سليمى إسحاق إن هناك رعاية، لكن جودتها سيئة بسبب الحرب والنزوح، حيث يتم توفير الدعم النفسي للضحايا عن بعد، وكن صعوبات الاتصال وانقطاع خدماته، تؤثر على وصول النساء إلى الدعم النفسي. وفي السياق نفسه، أشادت إسحاق "بمبادرات شجاعة أنشأت غرف طوارئ لتقديم المساعدة والدعم النفسي رغم أنها لا تستطيع الوصول إلى الجميع". كما أن خدمات الرعاية تختلف من ولاية إلى أخرى. فقد أدى اجتياح "الدعم السريع" ولاية الجزيرة إلى انهيار كبير في المنظومة الصحية ليحرم الأهالي من الخدمات الطبية.
لا غنى عن الدعم الدولي
طالبت سليمى إسحاق بضرورة بذل المجتمع الدولي جهودا من أجل وقف هذه الانتهاكات، وتحسين أوضاع النساء وتسهيل وصولهن إلى العدالة، وتمكينهن نفسيا وجسديا واقتصاديا، لأن سلامة النساء من صميم سلامة المجتمع كله. وفي هذا الإطار، أطلقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل عن "مبادرة 16 يومًا من النشاط النضاليّ ضد العنف الجنسانيّ" برسالة مفادها أن "نساء السودان وفتياته بأنهن لسن وحدهن". وقد صارت الحملة حدثا سنويا، إذ تنطلق في 25 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وتستمر حتى اليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر/كانون الأول.
غير أن نسخة هذا العام من المبادرة تأتي "في خضم أوضاع مأساوية تعاني فيها النساء والفتيات في السودان جراء الحرب والانتهاكات المروّعة التي ارتكبتها –وما تزال ترتكبها– عناصر "الدعم السريع" في الجزيرة ودارفور والخرطوم ومناطق أخرى في البلاد"، بحسب بيان للوحدة شددت فيه كذلك على ضرورة "حماية النساء في معسكرات النزوح ومراكز الإيواء من مختلف الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها".
ومن هذا المنطلق، شددت المديرة التنفيذية في المبادرة الاستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي، في تصريحاتها لـ"عربي21"، على الحاجة إلى "قوانين داخلية صارمة تتصدي لكافة أشكال العنف، بالإضافة إلى التعاون مع المحكمة الجنائية ومنظومة حقوق الانسان الدولية وتسليم الجناة للعدالة"، مع "تبني وتفعيل القوانيين الدولية والإقليمية لمكافحة العنف ضد النساء"، لأن ما يحدث في السودان وفقا لهالة الكارب "ليس وليد اللحظة، بل نتاج أربعة عقود أو أكثر من الحصانة والإفلات من العقاب".
أما المحامي معز حضرة فقد لفت النظر إلى أهمية الجهود الداخلية من أطراف الحرب جميعها، وأول هذه الجهود السماح بدخول أعضاء لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها جنيف، وتسهيل وصولهم إلى المواقع من كل الأطراف المتحاربة، من أجل كشف الحقيقة والوصول إلى الضحايا. وفي انتظار ذلك ستبقى البيانات التي تصدرها أطراف الصراع، بحسب حضرة، غير ذات جدوى ما لم تقترن بجهود حقيقية لإنهاء النزاع "لأن الحرب هي أكبر جريمة".