لجريدة عمان:
2025-01-22@01:07:45 GMT

تحويل الرعاية الصحية في جنوب شرق آسيا

تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT

في حين يتصارع العالم مع العواقب التي خلفتها جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، وتغير المناخ المتسارع، والحروب، والإبادة الجماعية، تجد اقتصادات ناشئة عديدة نفسها متخلفة عن الركب في سعيها إلى الوصول العادل إلى الرعاية الصحية الميسرة العالية الجودة.

في الواقع، يفتقر ما يقرب من نصف سكان العالم إلى الوصول في الوقت المناسب إلى التشخيص الطبي الدقيق بتكلفة معقولة.

في مسقط رأسي في جنوب شرق آسيا، التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 700 مليون نسمة، تُـعَـد نفقات الرعاية الصحية المدفوعة من جيب الفرد من بين الأعلى على مستوى العالم. في ثماني من دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) العشر ــ كمبوديا، وإندونيسيا، ولاوس، وماليزيا، وميانمار، والفلبين، وسنغافورة، وفيتنام ــ شكلت هذه النفقات أكثر من 30% من إجمالي الإنفاق على الرعاية الصحية في عام 2022، مقارنة بمتوسط المعدل في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الذي يبلغ 20%.

أبرزت جائحة كوفيد-19 الحاجة الملحة لتحسين جهود الاستعداد والتأهب للجوائح الـمَـرَضية والاستثمار في الإنتاج المحلي لأدوات التشخيص والعلاجات واللقاحات في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا. عندما اندلعت الجائحة في عام 2020، واجهت ماليزيا وبقية دول آسيان نقصا حادا في الكاشفات التشخيصية، ومعظمها مستورد. وهذا بدوره أعاق التطوير المحلي لمجموعات الاختبار التشخيصي السريع.

على نحو مماثل، كانت أغلب لقاحات كوفيد-19 التي نشرتها دول آسيان مستوردة بالضرورة. ولكن أقل من 10% من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل حصلت على هذه اللقاحات المنقذة للحياة حتى بعد أن أصبحت متاحة على نطاق واسع في البلدان المرتفعة الدخل. وهذه فضيحة عالمية بكل المقاييس.

حتى قبل اندلاع الجائحة، كانت دول آسيان تكافح انتشار الأمراض المعدية وغير المنقولة بالعدوى، وخاصة السرطان. وفي حين أن التشخيص الدقيق للأمراض المعدية يكون غالبا مكلفا ويعتمد بشدة على مدخلات ومعدات مستوردة، فإن العلاجات المتقدمة للسرطان ــ مثل الأجسام المضادة وحيدة النسيلة وغيرها من العلاجات المناعية ــ تظل بعيدة عن منال معظم مرضى السرطان في المنطقة.

بعد عامين من انتهاء الجائحة فعليا، لا تزال معظم اقتصادات دول آسيان الناشئة تناضل لتوسيع نطاق القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية العالية الجودة. بوسعنا أن نعزو هذا جزئيا إلى الاحتكارات العالمية واستراتيجيات التسعير الـنَـهّـابة التي تدفع تكلفة التشخيصات والعلاجات الحيوية إلى الارتفاع.

للتصدي لهذه الاستراتيجيات وضمان حصول المجتمعات في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا والجنوب العالمي بالكامل على التشخيصات والعلاجات المنقذة للحياة، يتعين على دول آسيان أن تعمل على تسخير قوتها الجماعية. ويتطلب هذا بذل جهود متضافرة من جانب الحكومات، والمؤسسات الأكاديمية، والأطباء، والشركات، ومنظمات المجتمع المدني، فضلا عن رسم خريطة طريق واضحة للتنفيذ.

يتمثل أحد الحلول الواعدة، التي اقترحها الخبير الاقتصادي الكوري الجنوبي كيون لي، في تجاوز بعض مراحل التكنولوجيا قفزا. فمن خلال تطوير وتنفيذ سياسات الإبداع الاستراتيجي، يصبح بوسع اقتصادات دول آسيان تجاوز التكنولوجيات الأقدم عهدا وتبني أحدث التطورات، وخاصة في مجال الأدوية والأجهزة الطبية، وبالتالي تحسين القدرة على الوصول إلى العلاجات الـحَـرِجة.

من المؤكد أن هذا يتطلب نقل التكنولوجيا. لكن هذه الجهود يجب أن تمتد إلى ما هو أبعد من مرافق "الملء والتشطيب" والتجميع في المرحلة النهائية. يجب أن تساهم المشاريع الجديدة في رأس المال الفِكري للعلماء والمهندسين والأطباء والباحثين المحليين، وتحفيز التصميم التعاوني، وتعزيز الشراكات العادلة.

تقدم ماليزيا نموذجا واعدا لغيرها من دول آسيان التي تسعى إلى ابتكار إبداعات تشخيصية وعلاجية لمكافحة أمراض مثل سرطان عنق الرحم والتهاب الكبد الوبائي سي. منذ عام 2018، قطعت ماليزيا خطوات كبيرة في مكافحة فيروس الورم الحليمي البشري من خلال تزويد النساء بمجموعات اختبار بسيطة يمكنهن تجميعها بأنفسهن. وقد أدى هذا البرنامج المبدع، الذي تقوده وزارات الصحة والمرأة، والأسرة، وتنمية المجتمع في ماليزيا، إلى جانب مؤسسات محلية مثل ROSE، إلى زيادة معدلات فحص عنق الرحم، وخاصة بين النساء غير الخاضعات للاختبار بالقدر الوافي في المناطق الريفية.

في عام 2021، طورت وزارتا الصحة في ماليزيا وتايلاند، بالتعاون مع مبادرة الأدوية للأمراض الـمُهمَلة وشركاء الصناعة من ماليزيا ومِـصر، عقار رافيداسفير، وهو عقار رائد لعلاج التهاب الكبد الوبائي سي، والذي خفض تكلفة دورة علاج مدتها 12 أسبوعا من 80 ألف دولار إلى أقل من 500 دولار.

تقود ماليزيا أيضا الجهود الرامية إلى تطوير التشخيصات والعلاجات عند نقطة الرعاية لمكافحة حمى الضنك الشديدة، ويعكس هذا قوة النظام البيئي القوي للابتكار والإبداع هناك. كما أنشأت منظمات عديدة، بقيادة مركز البحوث السريرية الماليزي، ومعهد البحوث الطبية، ومعهد البحوث السريرية، منصة لإجراء التجارب السريرية والبحوث التطبيقية.

كجزء من الخطة الرئيسية الصناعية الجديدة لعام 2030 في ماليزيا، والتي تحدد الأدوية والأجهزة الطبية باعتبارهما اثنتين من "الركائز الصناعية" الخمس للاقتصاد، أقامت وزارة العلوم والتكنولوجيا والإبداع شراكة مع حاضنات التكنولوجيا مثل مسرع البحوث الماليزي للتكنولوجيا والإبداع بهدف تعزيز البحوث التطبيقية.

في الوقت ذاته، يسعى التحالف الدولي للتشخيص والعلاج الـمُـيَـسّـر (IA-DATA) الذي تَشَـكَّل حديثا في ماليزيا إلى جمع أصحاب المصلحة في مختلف دول آسيان لمعالجة احتياجات الرعاية الصحية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومن خلال التركيز على التشخيص عند نقطة الرعاية، وإعادة استخدام الأدوية، وتكنولوجيات المنصات الإبداعية، مثل الزراعة الجزيئية النباتية، فإن هذه المبادرة قادرة على تقليل تكاليف الأجسام المضادة وحيدة النسيلة وعلاجات السرطان المناعية.

تقدم رئاسة ماليزيا لرابطة أمم جنوب شرق آسيا في عام 2025 فرصة فريدة لتشييد بنية أساسية قوية للتشخيص والعلاج بتكلفة ميسورة. ومن خلال تعزيز التعاون المفتوح، والبحث والتطوير المنسق، والتنظيم الفعال، والدعم الحكومي الثابت للتصنيع المحلي المستدام، يصبح بوسعنا تحقيق هذا الهدف الطموح وضمان قدر أعظم من العدالة في الوصول إلى الرعاية الصحية العالية الجودة في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا.

نور العزة أنور عضو سابق في البرلمان الماليزي، وناشط سياسي ورئيس مبادرة البحوث الاجتماعية والاقتصادية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الرعایة الصحیة جنوب شرق آسیا فی مالیزیا دول آسیان فی مختلف من خلال فی عام

إقرأ أيضاً:

الصحة القابضة تنظم 19 جلسة حوارية بحضور 25 متحدثًا محليًا وعالميًا في "نموذج الرعاية الصحية"

 

أكملت الصحة القابضة استعداداتها لتنظيم ملتقى نموذج الرعاية الصحية الحديث 2025 خلال الفترة من 28 إلى 29 يناير الجاري بمدينة الرياض تحت عنوان "رعاية وأثر"، والمعرض المصاحب له، برعاية معالي وزير الصحة رئيس مجلس إدارة الصحة القابضة الأستاذ فهد بن عبدالرحمن الجلاجل.
ويشتمل الملتقى، الذي تشارك فيه نحو 80 جهة عارضة، على برنامج علمي يتكون من أكثر من 10 جلسات حوارية و9 محاضرات علمية يقدمها أكثر من 25 متحدثًا محليًا ودوليًا، من بينهم وزير الصحة السابق بالمملكة المتحدة لورد نيك ماركام، والمدير العام الدولي لشركة ماساتشوتيس جينيرال بريجهام للاستشارات الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية الدكتور لويس لوبون، والرئيس التنفيذي السابق لمنظمة أطباء مستشفى ماساتشوستس العام بالولايات المتحدة الأمريكية والمدير السابق للتحول في هيئة الخدمات الصحية NHS بالمملكة المتحدة الدكتور تيم فيريس، ورئيس مجلس إدارة صحة الابتكار بمانشستر والمدير العام السابق لوزارة الصحة بالمملكة المتحدة البروفيسور مارك بريتني.
وتبدأ فعاليات اليوم الأول من الملتقى بكلمتين رئيسيتين بعنوان "رحلة التحول لنموذج الرعاية الحديث في المملكة العربي السعودية"، و"المنظور العالمي: دور الابتكارات العالمية في تحول نموذج الرعاية الصحية"، وعقد جلسات حوارية تحت عنوان "المنظور المحلي لنموذج الرعاية الصحية"، و"القيادة الفعالة لتعزيز التحول للرعاية المتكاملة"، و"الدروس المستفادة على مستوى القطاع الصحي"، و"قياس الأداء لضمان تنفيذ نموذج الرعاية بشكل ناجح"، و"تمكين القوى العاملة في الرعاية الصحية: لتلبية احتياجات الرعاية المتكاملة"، ومحاضرتين بعنوان: "أهمية الوقاية: ودورها في الرعاية الصحية"، "الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة ودورها في الرعاية المتكاملة". وفي اليوم الأخير، يُقدم الملتقى جلسة بعنوان "تعزيز التعاون: الدور المحوري للرعاية الأولية" يُشارك فيها مجموعة من المتحدثين المحليين، وجلسة بعنوان "إدارة الصحة السكانية ونموذج الرعاية الصحية"، تليها محاضرات بعنوان "الوصول إلى الرعاية الصحية ومعالجة الفجوات في تقديم الخدمات الصحية"، و"تعزيز القيمة عبر نموذج الرعاية الصحية"، و"التحول لإطالة العمر الصحي للإنسان"، وجلسة حوارية بعنوان "فن إدارة الأمراض المزمنة"، وحلقتي نقاش تحت عنوان "الصحة الرقمية ودورها في تمكين نموذج الرعاية الصحية"، و"مستقبل نموذج الرعاية الصحية".
وسيشهد الملتقى الذي يقام في قاعة الملفى بمدينة الأمير محمد بن سلمان غير الربحية بالرياض، تتويج الفائزين بجائزة ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025 بحضور معالي وزير الصحة رئيس مجلس إدارة الصحة القابضة ضمن 3 مسارات أساسية، تشمل: الرعاية الصحية، الاستدامة، الابتكار، وذلك للحصول على 36 جائزة تستهدف تقدير الجهود المتميزة التي تبذلها التجمعات الصحية وكافة الجهات الحكومية والخاصة ضمن نطاق أنظمة ومسارات نموذج الرعاية الصحية الحديث لتسهيل تقديم الخدمات الصحية وفق أعلى معايير الجودة، إلى جانب تعزيز مواصلة المنشآت لتميزها في خدمة المستفيدين تحقيقًا لمستهدفات برنامج التحول في القطاع الصحي - أحد برامج رؤية المملكة 2030. يُذكر أن الصحة القابضة هي شركة وطنية تتولى تقديم الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة من خلال 20 تجمعًا صحيًا يستهدف خدمة السكان في جميع مناطق المملكة، عبر تقديم نموذج الرعاية الصحية الحديث الذي يضع الإنسان في محور اهتمامه عن طريق التحول في الطريقة التي تقدم بها الرعاية الصحية لأفراد المجتمع، وتفعيل الوقاية قبل العلاج، وتقديم مستويات خدمة جديدة تسهل وصول المستفيدين إلى الخدمات الصحية للارتقاء بخدمات الرعاية الصحية

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي في الطب: الثورة الحديثة في الرعاية الصحية
  • الصحة القابضة تنظم 19 جلسة حوارية بحضور 25 متحدثًا محليًا وعالميًا في "نموذج الرعاية الصحية"
  • «الرعاية الصحية»: خطة لوضع الدولة على خريطة السياحة العلاجية العالمية بـ«نرعاك في مصر»
  • الرعاية الصحية: مشروع السياحة العلاجية استقطب وافدين من 50 دولة حول العالم
  • أحمد السبكي: 12 ألف وافد تلقوا العلاج في منشآت الرعاية الصحية خلال 2024
  • الرعاية الصحية: 12 ألف وافد من 50 دولة تلقوا العلاج في منشآت الهيئة خلال 2024
  • إطلاق برنامج تدريبي لتعزيز تجربة المريض والابتكار في الرعاية الصحية بالإسماعيلية
  • رئيس هيئة الرعاية الصحية: اعتماد منشآت الإسماعيلية بنسبة 100%
  • برلمانية: توجيهات «مدبولي» بشأن مخصصات الأدوية تضمن استدامة الرعاية الصحية
  • إيهاب أبو عيش: نقل صورة واقعية عن"حلم المصريين" في الرعاية الصحية الشاملة