تحويل الرعاية الصحية في جنوب شرق آسيا
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
في حين يتصارع العالم مع العواقب التي خلفتها جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، وتغير المناخ المتسارع، والحروب، والإبادة الجماعية، تجد اقتصادات ناشئة عديدة نفسها متخلفة عن الركب في سعيها إلى الوصول العادل إلى الرعاية الصحية الميسرة العالية الجودة.
في الواقع، يفتقر ما يقرب من نصف سكان العالم إلى الوصول في الوقت المناسب إلى التشخيص الطبي الدقيق بتكلفة معقولة.
أبرزت جائحة كوفيد-19 الحاجة الملحة لتحسين جهود الاستعداد والتأهب للجوائح الـمَـرَضية والاستثمار في الإنتاج المحلي لأدوات التشخيص والعلاجات واللقاحات في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا. عندما اندلعت الجائحة في عام 2020، واجهت ماليزيا وبقية دول آسيان نقصا حادا في الكاشفات التشخيصية، ومعظمها مستورد. وهذا بدوره أعاق التطوير المحلي لمجموعات الاختبار التشخيصي السريع.
على نحو مماثل، كانت أغلب لقاحات كوفيد-19 التي نشرتها دول آسيان مستوردة بالضرورة. ولكن أقل من 10% من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل حصلت على هذه اللقاحات المنقذة للحياة حتى بعد أن أصبحت متاحة على نطاق واسع في البلدان المرتفعة الدخل. وهذه فضيحة عالمية بكل المقاييس.
حتى قبل اندلاع الجائحة، كانت دول آسيان تكافح انتشار الأمراض المعدية وغير المنقولة بالعدوى، وخاصة السرطان. وفي حين أن التشخيص الدقيق للأمراض المعدية يكون غالبا مكلفا ويعتمد بشدة على مدخلات ومعدات مستوردة، فإن العلاجات المتقدمة للسرطان ــ مثل الأجسام المضادة وحيدة النسيلة وغيرها من العلاجات المناعية ــ تظل بعيدة عن منال معظم مرضى السرطان في المنطقة.
بعد عامين من انتهاء الجائحة فعليا، لا تزال معظم اقتصادات دول آسيان الناشئة تناضل لتوسيع نطاق القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية العالية الجودة. بوسعنا أن نعزو هذا جزئيا إلى الاحتكارات العالمية واستراتيجيات التسعير الـنَـهّـابة التي تدفع تكلفة التشخيصات والعلاجات الحيوية إلى الارتفاع.
للتصدي لهذه الاستراتيجيات وضمان حصول المجتمعات في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا والجنوب العالمي بالكامل على التشخيصات والعلاجات المنقذة للحياة، يتعين على دول آسيان أن تعمل على تسخير قوتها الجماعية. ويتطلب هذا بذل جهود متضافرة من جانب الحكومات، والمؤسسات الأكاديمية، والأطباء، والشركات، ومنظمات المجتمع المدني، فضلا عن رسم خريطة طريق واضحة للتنفيذ.
يتمثل أحد الحلول الواعدة، التي اقترحها الخبير الاقتصادي الكوري الجنوبي كيون لي، في تجاوز بعض مراحل التكنولوجيا قفزا. فمن خلال تطوير وتنفيذ سياسات الإبداع الاستراتيجي، يصبح بوسع اقتصادات دول آسيان تجاوز التكنولوجيات الأقدم عهدا وتبني أحدث التطورات، وخاصة في مجال الأدوية والأجهزة الطبية، وبالتالي تحسين القدرة على الوصول إلى العلاجات الـحَـرِجة.
من المؤكد أن هذا يتطلب نقل التكنولوجيا. لكن هذه الجهود يجب أن تمتد إلى ما هو أبعد من مرافق "الملء والتشطيب" والتجميع في المرحلة النهائية. يجب أن تساهم المشاريع الجديدة في رأس المال الفِكري للعلماء والمهندسين والأطباء والباحثين المحليين، وتحفيز التصميم التعاوني، وتعزيز الشراكات العادلة.
تقدم ماليزيا نموذجا واعدا لغيرها من دول آسيان التي تسعى إلى ابتكار إبداعات تشخيصية وعلاجية لمكافحة أمراض مثل سرطان عنق الرحم والتهاب الكبد الوبائي سي. منذ عام 2018، قطعت ماليزيا خطوات كبيرة في مكافحة فيروس الورم الحليمي البشري من خلال تزويد النساء بمجموعات اختبار بسيطة يمكنهن تجميعها بأنفسهن. وقد أدى هذا البرنامج المبدع، الذي تقوده وزارات الصحة والمرأة، والأسرة، وتنمية المجتمع في ماليزيا، إلى جانب مؤسسات محلية مثل ROSE، إلى زيادة معدلات فحص عنق الرحم، وخاصة بين النساء غير الخاضعات للاختبار بالقدر الوافي في المناطق الريفية.
في عام 2021، طورت وزارتا الصحة في ماليزيا وتايلاند، بالتعاون مع مبادرة الأدوية للأمراض الـمُهمَلة وشركاء الصناعة من ماليزيا ومِـصر، عقار رافيداسفير، وهو عقار رائد لعلاج التهاب الكبد الوبائي سي، والذي خفض تكلفة دورة علاج مدتها 12 أسبوعا من 80 ألف دولار إلى أقل من 500 دولار.
تقود ماليزيا أيضا الجهود الرامية إلى تطوير التشخيصات والعلاجات عند نقطة الرعاية لمكافحة حمى الضنك الشديدة، ويعكس هذا قوة النظام البيئي القوي للابتكار والإبداع هناك. كما أنشأت منظمات عديدة، بقيادة مركز البحوث السريرية الماليزي، ومعهد البحوث الطبية، ومعهد البحوث السريرية، منصة لإجراء التجارب السريرية والبحوث التطبيقية.
كجزء من الخطة الرئيسية الصناعية الجديدة لعام 2030 في ماليزيا، والتي تحدد الأدوية والأجهزة الطبية باعتبارهما اثنتين من "الركائز الصناعية" الخمس للاقتصاد، أقامت وزارة العلوم والتكنولوجيا والإبداع شراكة مع حاضنات التكنولوجيا مثل مسرع البحوث الماليزي للتكنولوجيا والإبداع بهدف تعزيز البحوث التطبيقية.
في الوقت ذاته، يسعى التحالف الدولي للتشخيص والعلاج الـمُـيَـسّـر (IA-DATA) الذي تَشَـكَّل حديثا في ماليزيا إلى جمع أصحاب المصلحة في مختلف دول آسيان لمعالجة احتياجات الرعاية الصحية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومن خلال التركيز على التشخيص عند نقطة الرعاية، وإعادة استخدام الأدوية، وتكنولوجيات المنصات الإبداعية، مثل الزراعة الجزيئية النباتية، فإن هذه المبادرة قادرة على تقليل تكاليف الأجسام المضادة وحيدة النسيلة وعلاجات السرطان المناعية.
تقدم رئاسة ماليزيا لرابطة أمم جنوب شرق آسيا في عام 2025 فرصة فريدة لتشييد بنية أساسية قوية للتشخيص والعلاج بتكلفة ميسورة. ومن خلال تعزيز التعاون المفتوح، والبحث والتطوير المنسق، والتنظيم الفعال، والدعم الحكومي الثابت للتصنيع المحلي المستدام، يصبح بوسعنا تحقيق هذا الهدف الطموح وضمان قدر أعظم من العدالة في الوصول إلى الرعاية الصحية العالية الجودة في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا.
نور العزة أنور عضو سابق في البرلمان الماليزي، وناشط سياسي ورئيس مبادرة البحوث الاجتماعية والاقتصادية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الرعایة الصحیة جنوب شرق آسیا فی مالیزیا دول آسیان فی مختلف من خلال فی عام
إقرأ أيضاً:
ترامب يختار محمد أوز لمنصب مدير الرعاية الصحية.. «أول مسلم في إدارته»
أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يوم الثلاثاء أنه اختار الطبيب والشخصية التلفزيونية الشهيرة الدكتور محمد جنكيز أوز، لتولي منصب مدير مراكز الرعاية الطبية والخدمات الطبية (CMS).
دكتور أوز مديرًا لمراكز الرعاية الطبية والخدمات الطبيةواختار ترامب الدكتور محمد أوز لتولي منصب مدير مراكز الرعاية الطبية والخدمات الطبية، وهي وكالة تابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية، ويتطلب هذا المنصب موافقة مجلس الشيوخ، حسبما أعلن موقع «أكسيوس».
وأشار ترامب إلى أن الدكتور أوز سيعمل بشكل وثيق مع وزير الصحة روبرت ف. كينيدي جونيور لمواجهة الأمراض المزمنة.
دكتور أوز كان يعمل كجراح للقلبولم ينجح أوز، جراح القلب السابق في الترشح لمجلس الشيوخ في ولاية بنسلفانيا في عام 2022، حيث خسر أمام السيناتور جون فيترمان الذي تحول إلى مضيف برنامج حواري تلفزيوني.
ومحمد جنكيز أوز الشهير بدكتور أوز هو مواطن أمريكي مسلم متصوف من أصول تركية ويبلغ من العمر 62 عاما، وهو أول مسؤول مسلم يتولى منصب مهم في إدارة ترامب.
ولد دكتور أوز في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو لأسرة تركية مسلمة، حيث ينتمي والده لمقاطعة قونية في تركيا، وكان يعمل جراحًا، أما والدته والدته فكانت من أصل شركسي ومن عائلة ثرية في إسطنبول، وهو حاصل على عدد من الجوائز وبراءات الاختراع.