لجريدة عمان:
2025-03-18@13:11:03 GMT

روح التراب الذي يوشك أن ينقرض

تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

حينما اشتريت أنا وشريكتي بيتنا في بورتلاند بولاية أوريجون قبل أربع سنوات، بدأنا على الفور في تصميم حديقة أحلامنا، عازمين على أن نستبدل بالمرج العشبي المهجور أحواضا واسعة من النباتات المعمرة المورقة التي تزهر لفترات طويلة. غير أنه سرعان ما تبين لنا أن التربة عندنا عنيدة ثقيلة الطين مليئة بالحصى.

كنت في السابق، مع حدائق أصغر حجما، أتغلب على مثل تلك المصاعب ببضعة أكياس من التربة عالية الجودة آتي بها من أحد المشاتل. أما استبدال تلك الكمية الكبيرة من التراب فلم يكن بالأمر العملي أو الممكن ماليا. ولذلك قررت بدلا من ذلك أن أصلح ما لدينا.

ولما تعلمت القيام بذلك تغير لدي ما هو أكثر كثيرا من حديقتنا، فقد غير ذلك تماما من الطريقة التي أفكر بها في التربة، بل وفي الكوكب بأكمله. فبت الآن لا أرى التربة محض وسيط للحياة، وإنما أراها كيانا حيا في حد ذاته، وفي طريقه بسرعة إلى الانقراض.

في بعض أجزاء العالم، تعمل الزراعة المكثفة والرعي الجائر وإزالة الغابات على تدمير التربة بسرعة تتجاوز ألف مرة سرعة معدل التآكل الطبيعي. وفي حال استمرار هذا المعدل فإن 90% من مناطق الأرض الصالحة للسكنى سوف تتدهور تدهورا كبيرا بحلول عام 2050، فتنخفض من جراء ذلك عائدات المحاصيل بمتوسط 10% ـ تصل إلى 50% في بعض المناطق ـ ويرجح أن يرغم ذلك ملايين البشر على الهجرة.

وقد يصل تآكل التربة إلى الذروة بانهيار الحياة الأرضية المركّبة، ما لم نعد التفكير في علاقتنا بالعالم الذي تطؤه أقدامنا.

التربة هي نتيجة عصور من التطور الكوكبي، أي مليارات السنين من العناصر التي تعمل على تآكل الصخور وأكثر من أربعمئة وخمسة وعشرين مليون سنة من التفاعلات القائمة داخل الحياة المعقدة، بحيث أن بوصة واحدة من التربة السطحية الخصبة تحتاج إلى مئات السنين لكي تتكون.

تقوم الميكروبات والفطريات والنباتات والحيوانات بتكوين التربة والحفاظ عليها عبر عمليات لا حصر لها، وذلك عن طريق تفتيت الصخور بالجذور والأحماض التي يتم إفرازها، ثم تقوم هذه الكائنات باستعمال بقاياها ومنتجاتها الثانوية في تخصيب الصخور المفتتة، ومن خلال تدويرها للهواء والماء والعناصر الغذائية عبر تحركاتها بالزحف والسعي والحفر.

وبرغم أن العلم لم يصل بعد إلى إجماع على تعريف الحياة، فإن الكتب المرجعية تبرز معايير تعد على نطاق واسع الفاصل بين الحي وغير الحي. وتتحقق في التربة كثير من هذه المعايير: فهي ذات بنية عالية التنظيم. وهي تنمو. وهي تتنفس. ويمكن أيضا أن تموت. وجميع أشكال الحياة هي عبارة عن أنظمة من المكونات الحية وغير الحية المترابطة في ما بينها. وتأملوا شجرة على سبيل المثال، وهي في الغالب تتألف من خشب ميت مخلوط بشرائح من أنسحة حية. وبهذا الاعتبار لا نرى التربة مختلفة. ثم إن التربة تظهر ما يتفق كثير من الخبراء على أنه الخصيصة الجوهرية من خصائص الحياة: أي القدرة على المحافظة على الذات بفعالية. فالتربة تحافظ على بقائها على قيد الحياة. بل إن الجمعية الأمريكية لعلوم التربة ووزارة الزراعة الأمريكية تصنفان التربة باعتبارها حية.

يعيد الاعتراف بالتربة بوصفها شكلا من أشكال الحياة تأطير فهمنا لنظام آخر مترابط ومنظم ذاتيا، هو كوكب الأرض. ونحن مدينون لكوكب الأرض بالعديد من السمات المميزة للحياة ـ ومن تلك غلافها الجوي الذي يسمح بالتنفس، وسماؤها الزرقاء، والتنوع المعدني، وكيمياء المحيطات، وحرائق الغابات. بمرور الزمن، شكلت الأرض والحياة ـ شأن التربة والكائنات التي تحافظ عليها ـ نظاما تطوريا واحدا دام لمليارات السنين. فالأرض الحية من تحت أقدامنا تعكس صورة كوكبنا الأكبر الحي.

وإذن فإن التحدي الذي يواجهنا لا يقتصر ببساطة على إصلاح تربة الأرض، وإنما يتمثل في إعادة إحيائها قبل أن تضيع إلى الأبد. لا بد للزراعة الحديثة أن تحترم التربة وتقدر إعجازها وتقدر أيضا أنها كيان ضعيف. وبوسع مبدأين جوهريين أن يكونا هاديين في هذا التحول: تقليل إزعاج الأرض والتأكيد على تنوعها الحيوي. ويقتضي هذا عمليا تقليلا كبيرا للحرث، ومناوبة بين المحاصيل، وإعطاء الأولوية للمدخلات العضوية على الأسمدة المركبة والدمج بين المحاصيل والأشجار والماشية، وحماية التربة من التآكل عن طريق المحاصيل وغيرها من العوامل.

لقد حاولت أنا وشريكتي أن نطبق هذه الطرق في حديقتنا. ففي المناطق التي لم يكن فيها من قبل غير العشب، حفرنا بركة، وأقمنا حديقة صخرية ومرجا من الزهور البرية، وزرعنا مجموعات من النباتات المعمرة المزهرة المقاومة للجفاف، وأقمنا أحواضا للخضراوات. قمنا بتركيب نظام للري بالتنقيط وصندوقا للتسميد. وصرنا نزرع محاصيل الغطاء الشتوي ونترك الخضراوات تذبل وتتحلل في مكانها. وجئنا بتنويعة كبيرة من النباتات التي تقي التربة من عوامل التعرية وتعيد تنشيط أوساطها البيئية.

في الشهر الماضي، قررت نقل نبات مزهر يسمى البنستيمون بعد أن كبر كثيرا على المساحة المخصصة له. كانت التربة في هذا الجزء من الحديقة من قبل مضغوطة للغاية لدرجة أنني كنت بحاجة إلى معول للحفر فيها. فإذا بي أجدها مفككة ولينة. وفيما كنت أرفع النبات، ظهرت شتى أشكال الحياة، فتدلت الديدان الأرضية من الجذور، وسارعت حشرة تجري إلى الأمان، ولمحت أسفل النبات شبكة بيضاء دقيقة من الفطريات.

وفيما أخذت أمرر أصابعي في التربة، فهمت، على نحو أوضح مما كنت أفهم من قبل، أنها لم تكن قط محض طبقة تقع أعلى سطح الكوكب، ولكنها جزء من الأرض نفسها وامتداد للكوكب، فهمت أن التربة شأن الحياة كلها ليست محض مقيمة في الكوكب بقدر ما هي تعبير عن العالم الحي.

• فيريس جابر مؤلف الكتاب حديث الصدور بعنوان "أن نتحول إلى الأرض: كيف جاء كوكبنا إلى الحياة".

** خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الزراعة تنظم ندوات إرشادية حول تعزيز دور التعاونيات في تسويق المحاصيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

عقدت الدكتورة هدي رجب رئيس مركز الزراعات التعاقدية بوزارة الزراعة جلسة مناقشة مع مديرين الجمعيات الزراعية في محافظتي بني سويف والمنيا، وتناولت الجلسة دور التعاونيات في الزراعة التعاقدية وتسويق المحاصيل.

وشرحت مبادرة التمويل الزراعي بالإشتراك مع البنك الزراعي المصري، ومناقشة التحديات التي تواجه المزارعين في مصر، وخاصة في محافظتي بني سويف والمنيا من أجل تحسين الإنتاج الزراعي، وتطوير التعاقدات الزراعية، ودور الدولة والجمعيات في دعم الفلاح. 
واضافت رجب ان الندوة تضمنت مناقشة كيفية دعم الجمعيات الزراعية للفلاحين من خلال توفير التمويل، والبذور، والمخصبات وكذلك الإشارة الي أهمية وجود عقود زراعية تضمن حقوق المزارعين وتسهل عمليات البيع والتسويق مع التأكيد على ضرورة تحسين موارد الجمعيات لتقديم خدمات أكثر كفاءة للمزارعين.
بالإضافة إلى تناول مبادرات البنك الزراعي المصري، مثل القروض منخفضة الفائدة (5%) ومناقشة بدائل التمويل الأخرى، مثل القروض الموسمية بفوائد مخفضة لمساعدة الفلاحين في زراعة المحاصيل.
ودور بعض البنوك مثل التجاري الدولى 
في تقديم حلول تمويلية للمشروعات الزراعية 
رئيس مركز الزراعات التعاقدية اشارت كذلك الى جهود تسويق المنتجات الزراعية وفتح أسواق جديدة، مع أهمية العقود المسبقة مع الشركات المصدرة لتسويق المنتجات الزراعية مثل الطماطم، التوم، والبصل.
كما تناولت بعض التحديات المحلية والدولية التي تواجه تسويق المحاصيل، خاصة مع المنافسة الخارجية وأهمية إنشاء مصانع محلية لتعليب المحاصيل وتحويلها إلى منتجات قابلة للتخزين والتصدير.
وفي سياق الجلسة تم الإشارة الي مشروعات التصنيع الزراعي مثل إنشاء مصانع لإستخلاص الزيوت من النباتات الطبية والعطرية وتطوير مصانع لمعالجة الذرة وتصنيع الطماطم، وتحسين عمليات التخزين والتجفيف.
والإستثمار في معدات حديثة مثل المجففات والمحاصيل العضوية لضمان جودة الإنتاج.
وانتهت الندوة  إلى التوصية بضرورة تعزيز دور الجمعيات الزراعية، من خلال توفير دعم تقني وفني للجمعيات لضمان تقديم خدمات أفضل للمزارعين، وإدخال التكنولوجيا في الزراعة، عن طريق استخدام تطبيقات إلكترونية للإرشاد الزراعي، وتحليل البيانات لتحسين الإنتاجية، وتحفيز الزراعة المستدامة عن طريق دعم زراعة المحاصيل العضوية وتوفير الدعم التقني للمزارعين لإستخدام الأسمدة الطبيعية.

1000179492 1000179504 1000179502 1000179494 1000179500 1000179498 1000179496

مقالات مشابهة

  • اللون الأخضر يغمر التراب الوطني.. صور فضائية تظهر تأثير الأمطار على الغطاء النباتي
  • دراسة مثيرة: البرق وقطرات الماء وراء نشأة الحياة على كوكب الأرض
  • البرق الصغير.. نظرية جديدة عن نشأة الحياة في الأرض فما علاقة الكهرباء؟
  • إفطار المطرية.. عرض أزياء بالشارع يثير الجدل بين أبناء الحي الشعبي بالقاهرة
  • شهر البركات يوشك على الرحيل.. موعد أول أيام عيد الفطر المبارك 2025
  • الزراعة تنظم ندوات إرشادية حول تعزيز دور التعاونيات في تسويق المحاصيل
  • الزراعة تواصل توعية المزراعين ومتابعة المحاصيل الاستراتيجية في الدقهلية
  • جامعة الشارقة و"دافاس برايم" تتعاونان لتحسين التربة الصحراوية
  • «الزراعة الدقيقة».. خيار مستقبلي لتحسين إدارة المحاصيل العمانية وزيادة الإنتاج
  • الداعية الإسلامي عبد الحي يوسف يطلق فتوى بشأن ممتلكات المواطنين المسروقة