لجريدة عمان:
2025-01-30@23:05:29 GMT

روح التراب الذي يوشك أن ينقرض

تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

حينما اشتريت أنا وشريكتي بيتنا في بورتلاند بولاية أوريجون قبل أربع سنوات، بدأنا على الفور في تصميم حديقة أحلامنا، عازمين على أن نستبدل بالمرج العشبي المهجور أحواضا واسعة من النباتات المعمرة المورقة التي تزهر لفترات طويلة. غير أنه سرعان ما تبين لنا أن التربة عندنا عنيدة ثقيلة الطين مليئة بالحصى.

كنت في السابق، مع حدائق أصغر حجما، أتغلب على مثل تلك المصاعب ببضعة أكياس من التربة عالية الجودة آتي بها من أحد المشاتل. أما استبدال تلك الكمية الكبيرة من التراب فلم يكن بالأمر العملي أو الممكن ماليا. ولذلك قررت بدلا من ذلك أن أصلح ما لدينا.

ولما تعلمت القيام بذلك تغير لدي ما هو أكثر كثيرا من حديقتنا، فقد غير ذلك تماما من الطريقة التي أفكر بها في التربة، بل وفي الكوكب بأكمله. فبت الآن لا أرى التربة محض وسيط للحياة، وإنما أراها كيانا حيا في حد ذاته، وفي طريقه بسرعة إلى الانقراض.

في بعض أجزاء العالم، تعمل الزراعة المكثفة والرعي الجائر وإزالة الغابات على تدمير التربة بسرعة تتجاوز ألف مرة سرعة معدل التآكل الطبيعي. وفي حال استمرار هذا المعدل فإن 90% من مناطق الأرض الصالحة للسكنى سوف تتدهور تدهورا كبيرا بحلول عام 2050، فتنخفض من جراء ذلك عائدات المحاصيل بمتوسط 10% ـ تصل إلى 50% في بعض المناطق ـ ويرجح أن يرغم ذلك ملايين البشر على الهجرة.

وقد يصل تآكل التربة إلى الذروة بانهيار الحياة الأرضية المركّبة، ما لم نعد التفكير في علاقتنا بالعالم الذي تطؤه أقدامنا.

التربة هي نتيجة عصور من التطور الكوكبي، أي مليارات السنين من العناصر التي تعمل على تآكل الصخور وأكثر من أربعمئة وخمسة وعشرين مليون سنة من التفاعلات القائمة داخل الحياة المعقدة، بحيث أن بوصة واحدة من التربة السطحية الخصبة تحتاج إلى مئات السنين لكي تتكون.

تقوم الميكروبات والفطريات والنباتات والحيوانات بتكوين التربة والحفاظ عليها عبر عمليات لا حصر لها، وذلك عن طريق تفتيت الصخور بالجذور والأحماض التي يتم إفرازها، ثم تقوم هذه الكائنات باستعمال بقاياها ومنتجاتها الثانوية في تخصيب الصخور المفتتة، ومن خلال تدويرها للهواء والماء والعناصر الغذائية عبر تحركاتها بالزحف والسعي والحفر.

وبرغم أن العلم لم يصل بعد إلى إجماع على تعريف الحياة، فإن الكتب المرجعية تبرز معايير تعد على نطاق واسع الفاصل بين الحي وغير الحي. وتتحقق في التربة كثير من هذه المعايير: فهي ذات بنية عالية التنظيم. وهي تنمو. وهي تتنفس. ويمكن أيضا أن تموت. وجميع أشكال الحياة هي عبارة عن أنظمة من المكونات الحية وغير الحية المترابطة في ما بينها. وتأملوا شجرة على سبيل المثال، وهي في الغالب تتألف من خشب ميت مخلوط بشرائح من أنسحة حية. وبهذا الاعتبار لا نرى التربة مختلفة. ثم إن التربة تظهر ما يتفق كثير من الخبراء على أنه الخصيصة الجوهرية من خصائص الحياة: أي القدرة على المحافظة على الذات بفعالية. فالتربة تحافظ على بقائها على قيد الحياة. بل إن الجمعية الأمريكية لعلوم التربة ووزارة الزراعة الأمريكية تصنفان التربة باعتبارها حية.

يعيد الاعتراف بالتربة بوصفها شكلا من أشكال الحياة تأطير فهمنا لنظام آخر مترابط ومنظم ذاتيا، هو كوكب الأرض. ونحن مدينون لكوكب الأرض بالعديد من السمات المميزة للحياة ـ ومن تلك غلافها الجوي الذي يسمح بالتنفس، وسماؤها الزرقاء، والتنوع المعدني، وكيمياء المحيطات، وحرائق الغابات. بمرور الزمن، شكلت الأرض والحياة ـ شأن التربة والكائنات التي تحافظ عليها ـ نظاما تطوريا واحدا دام لمليارات السنين. فالأرض الحية من تحت أقدامنا تعكس صورة كوكبنا الأكبر الحي.

وإذن فإن التحدي الذي يواجهنا لا يقتصر ببساطة على إصلاح تربة الأرض، وإنما يتمثل في إعادة إحيائها قبل أن تضيع إلى الأبد. لا بد للزراعة الحديثة أن تحترم التربة وتقدر إعجازها وتقدر أيضا أنها كيان ضعيف. وبوسع مبدأين جوهريين أن يكونا هاديين في هذا التحول: تقليل إزعاج الأرض والتأكيد على تنوعها الحيوي. ويقتضي هذا عمليا تقليلا كبيرا للحرث، ومناوبة بين المحاصيل، وإعطاء الأولوية للمدخلات العضوية على الأسمدة المركبة والدمج بين المحاصيل والأشجار والماشية، وحماية التربة من التآكل عن طريق المحاصيل وغيرها من العوامل.

لقد حاولت أنا وشريكتي أن نطبق هذه الطرق في حديقتنا. ففي المناطق التي لم يكن فيها من قبل غير العشب، حفرنا بركة، وأقمنا حديقة صخرية ومرجا من الزهور البرية، وزرعنا مجموعات من النباتات المعمرة المزهرة المقاومة للجفاف، وأقمنا أحواضا للخضراوات. قمنا بتركيب نظام للري بالتنقيط وصندوقا للتسميد. وصرنا نزرع محاصيل الغطاء الشتوي ونترك الخضراوات تذبل وتتحلل في مكانها. وجئنا بتنويعة كبيرة من النباتات التي تقي التربة من عوامل التعرية وتعيد تنشيط أوساطها البيئية.

في الشهر الماضي، قررت نقل نبات مزهر يسمى البنستيمون بعد أن كبر كثيرا على المساحة المخصصة له. كانت التربة في هذا الجزء من الحديقة من قبل مضغوطة للغاية لدرجة أنني كنت بحاجة إلى معول للحفر فيها. فإذا بي أجدها مفككة ولينة. وفيما كنت أرفع النبات، ظهرت شتى أشكال الحياة، فتدلت الديدان الأرضية من الجذور، وسارعت حشرة تجري إلى الأمان، ولمحت أسفل النبات شبكة بيضاء دقيقة من الفطريات.

وفيما أخذت أمرر أصابعي في التربة، فهمت، على نحو أوضح مما كنت أفهم من قبل، أنها لم تكن قط محض طبقة تقع أعلى سطح الكوكب، ولكنها جزء من الأرض نفسها وامتداد للكوكب، فهمت أن التربة شأن الحياة كلها ليست محض مقيمة في الكوكب بقدر ما هي تعبير عن العالم الحي.

• فيريس جابر مؤلف الكتاب حديث الصدور بعنوان "أن نتحول إلى الأرض: كيف جاء كوكبنا إلى الحياة".

** خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ألمانيا وإسبانيا يختاران المغرب لتشكيل تحالف ثلاثي لتعزيز الأمن المشترك

زنقة 20. الرباط

أجرى المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، زيارة عمل لمملكة إسبانيا، خلال يومي الثلاثاء والأربعاء 28 و29 يناير الجاري، وذلك على رأس وفد أمني هام يضم مدراء ومسؤولين بالمصالح المركزية لقطب المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.

وذكر بلاغ للقطب أن هذه الزيارة جاءت بطلب من المدير العام للشرطة الوطنية الإسبانية، للمشاركة في اجتماعات ثنائية لتوسيع مجالات التعاون الأمني وتعزيز تبادل الخبرات في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، فضلا عن المشاركة في اجتماعات أمنية ثلاثية تضم كلا من المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني بالمملكة المغربية، والمدير العام للشرطة الوطنية بإسبانيا، بالإضافة إلى رئيس الشرطة الفيدرالية بدولة ألمانيا الاتحادية.

اجتماعات ثنائية لتقوية التعاون الأمني المغربي الإسباني

تميز الشق الأول من أشغال هذه الزيارة بعقد اجتماع ثنائي بين المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني والوفد المرافق له، مع المدير العام للشرطة الوطنية الإسبانية الذي كان مصحوبا بالمفوض العام للاستعلامات، والمفوض العام للهجرة والحدود، والمفوض العام للشرطة القضائية، والمفوضة الممتازة المسؤولة عن التعاون الأمني الدولي.

وقد تناولت المباحثات المنجزة في إطار هذا الاجتماع تقييم مستوى الشراكة الأمنية بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف ومختلف صور الجريمة العابرة للحدود الوطنية، بما فيها الهجرة غير الشرعية والاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية والجرائم المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة وبالأمن الرياضي، وكذا استعراض التحديات والتهديدات المحدقة بأمن البلدين وسبل مكافحتها من منظور مشترك.

كما أشاد الجانبان بمستوى وحجم التعاون الثنائي في المجال الأمني، وبنجاعة العمليات المشتركة والمتزامنة التي تباشرها المصالح الأمنية المغربية والإسبانية لتحييد مخاطر التنظيمات الإرهابية والعناصر المتطرفة التي تهدد أمن البلدين، كما شدد الطرفان على ضرورة وأهمية تدعيم هذا التعاون في ظل الرهانات والتطلعات المشتركة بين البلدين.

وفي أعقاب هذا الاجتماع، تم عقد سلسلة لقاءات موضوعاتية، شارك فيها الخبراء والمسؤولون الأمنيون المغاربة والإسبان المكلفون بقطاعات أمنية محددة، وبحثوا خلالها آليات توطيد التعاون المتقدم بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمفوضية العامة للاستعلامات بإسبانيا، في المواضيع المرتبطة بتقوية التعاون المشترك لمكافحة خطر التهديد الإرهابي وتجفيف منابع التجنيد والاستقطاب لفائدة التنظيمات المتطرفة.

كما ناقش الخبراء المغاربة والإسبان سبل تدعيم التعاون الثنائي في مجال البحث الجنائي والشرطة القضائية ومكافحة مختلف صور الجريمة المترابطة التي تتقاطع مع الحدود الوطنية لكلا البلدين، لاسيما جرائم الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية والاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية ومختلف صور الجريمة الاقتصادية والمالية، وكذا الجرائم المعلوماتية الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات.

وفي نفس السياق، اتفق الطرفان على توسيع نطاق التعاون ليشمل مضاعفة عمليات التسليم المراقب للمخدرات، وإحداث فرق مشتركة لمواجهة مختلف التهديدات الإجرامية الناشئة، فضلا عن التفكير في خلق لجنة أمنية مشتركة لاستشراف مختلف التحديات الأمنية المرتبطة بالتنظيم المشترك لكأس العالم في سنة 2030.

كما تباحث المسؤولون عن قطبي التعاون الأمني في البلدين آليات تيسير التنسيق الأمني المشترك، وسبل الدفع قدما بمستويات التعاون في مجال المساعدة التقنية والتكوين الشرطي، فضلا عن تقييم مردودية ضباط الاتصال العاملين في كلا البلدين، والإمكانات المتاحة لتطوير وتدعيم دورهم في تبسيط وتسريع التعاون الثنائي بين المصالح الأمنية في كلا البلدين.

ائتلاف ثلاثي مغربي إسباني ألماني لتعزيز التعاون المشترك في المجال الأمني

تميزت هذه الزيارة أيضا بعقد اجتماع ثلاثي ضم كلا من المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني بالمملكة المغربية، والمدير العام للشرطة الوطنية الإسبانية، بالإضافة إلى رئيس الشرطة الفيدرالية بدولة ألمانيا الاتحادية.

وقد تناولت أشغال هذا الاجتماع الثلاثي دراسة آليات توسيع مجالات التعاون المشترك ليشمل الأجهزة الأمنية في البلدان الثلاثة، وسبل تقوية التنسيق الثلاثي في مجال المساعدة التقنية وفي ميدان التعاون الأمني العملياتي.

وانصبت المباحثات المنجزة في إطار هذا الاجتماع المتعدد الأطراف على ضرورة تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومختلف صور الجريمة ذات الامتدادات العابرة للحدود، لاسيما شبكات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين والهجرة غير الشرعية، وعصابات الإجرام المنظم التي تنشط في الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية وغسيل الأموال، وكذا الجرائم المستجدة المرتبطة بالتهديدات السيبرانية والابتزاز المعلوماتي.

كما تناولت المباحثات الثلاثية المنجزة أهمية تبادل الخبرات والتجارب والممارسات الفضلى الكفيلة بتأمين التظاهرات الرياضية الكبرى، وتوفير الأجواء الآمنة لإنجاح هذه الأحداث الكروية الدولية، خصوصا في ظل استعداد المغرب وإسبانيا لتنظيم كأس العالم لكرة القدم في سنة 2030 بمشاركة البرتغال.

وقد تميزت أشغال هذه الاجتماعات بتطابق وجهات نظر الوفود الأمنية الثلاثة، وتأكيدها على أهمية وضرورة تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات الأمنية، بما يسمح بتحييد ودرء سائر المخاطر والتهديدات المتنامية على الصعيدين الإقليمي والدولي.

مقالات مشابهة

  • تأشيرة أمريكا.. نظام جديد للجزائريين 
  • كيف وصلت الحياة إلى كوكب الأرض؟.. علماء يكشفون نتائج مثيرة
  • اكتشاف كويكب قريب من الأرض يحمل عناصر الحياة
  • تحذير من صدمة حرارية تهدد المحاصيل
  • ألمانيا وإسبانيا يختاران المغرب لتشكيل تحالف ثلاثي لتعزيز الأمن المشترك
  • السيسي يهيل التراب على مقترح ترامب ومخططات الصهيونية بـ19 رسالة حازمة.. فيديو
  • الفاو: الاحتلال دمر 75% من حقول المحاصيل الزراعية في غزة
  • الزعاق يوضح سر ارتباط الحياة البشرية بالكائنات الحية والرياح .. فيديو
  • في ذكرى محمد عبد الحي (2/2)
  • إعصار العدوان دمّر القطاع الزراعي في الجنوب والبقاع