ماء النيل سر الحياة .. ولغز يكشف بناء الأهرامات
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
كشفت دراسة علمية جديدة أن ماء النيل هي كلمة السر وراء بناء المصريين القدماء الأهرامات، وتأتي نتائج الدراسة مذيلة لاكتشاف نظام معقد من السدود والقنوات بالقرب من الهرم المدرج، الذي يقع إلى الشمال الغربي من أطلال ممفيس في هضبة سقارة .
وبحسب صحيفة "التغراف" البريطانية، يعتقد الخبراء أن هذه القنوات كانت مصممة لتوجيه المياه المضغوطة إلى عمود في موقع البناء، مما يؤدي إلى إنشاء مصعد هيدروليكي يمكنه رفع الأحجار الضخمة إلى الارتفاعات العليا للكتل الضخمة.
اخترع المصريون أنظمة الهيدروليك، وبنوا طواحين المياه وأنظمة الري المعقدة للحفاظ على رطوبة محاصيلهم، ولكن كان من المعتقد بشكل عام أنهم استخدموا سلسلة من المنحدرات والرافعات والبِكر لبناء الأهرامات.
وتشير الاكتشافات الجديدة إلى أن السد ربما كان يضم رافعات هيدروليكية عندما كانت المياه كافية لدعم عملية البناء، ويقع الهرم بالقرب من فرع مفقود منذ فترة طويلة من نهر النيل، وقد بُني السد على سهل فيضي.
وقال كزافييه لاندرو، رئيس معهد الحفريات القديمة في باريس، في مقال كتبه بمجلة "بلوس وان": "اشتهر المصريون القدماء بريادتهم وإتقانهم للهيدروليكا من خلال القنوات لأغراض الري والقوارب لنقل الأحجار الضخمة، ويفتح هذا العمل خطًا جديدًا من الأبحاث: وهي استخدام القوة الهيدروليكية لبناء الهياكل الضخمة التي بناها الفراعنة."
ويعرف الهرم المدرج، أيضًا باسم هرم زوسر، هو أقدم هرم في مصر، تم بناؤه حوالي عام 2600 قبل الميلاد للملك زوسر، من قبل المهندس المعماري الأول في العالم إمحوتب، وكان ارتفاعه في الأصل 205 أقدام، ومكسوًا بالحجر الجيري الأبيض المصقول.
كانت المقابر الملكية السابقة مصنوعة من الطوب اللبن، لذا فإن الهرم المدرج يمثل لحظة محورية في التاريخ المصري عندما أصبح الحكام أقوياء بما يكفي لممارسة سيطرة قوية على العمالة البشرية والثروة.
وسوف يشكل هذا المخطط الأساسي للأهرامات المستقبلية، مثل الهرم الأكبر في الجيزة ، الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من ضعف ارتفاع الهرم المدرج.
شرح نظرية استخدام ماء النيل لبناء الأهرامات وفقًا للدراسةوقال باحثون إن السد بني غرب الهرم في وادي أبو صير، ويمتد على مسافة 1.2 ميل بجدران يبلغ عرضها نحو 50 قدما، ويحتجز المياه عندما يكون نهر النيل في حالة فيضان.
وعمد المصريون القدماء إلى توجيه ماء النيل عبر خندق عميق يبلغ طوله حوالي 1300 قدم وعمقه 89 قدمًا والذي يحتوي على عدة أحواض حيث يمكن للرواسب أن تترسب في القاع وتمنع الانسدادات في النظام في الأعلى.
وبمجرد أن تصبح ماء النيل نظيفة، يتم توجيهها إلى أسفل الهرم باستخدام سلسلة من القنوات، إلى عمود، وكانت قوة المياه في العمود ستسمح للحجارة بالطفو إلى المستويات العليا في نظام يُعرف باسم "بناء البركان".
ويشير الخبراء إلى وجود عدة أعمدة داخل الهرم، بعضها متصل بخندق يحيط بالنصب التذكاري، وبعضها يحتوي على صناديق من الجرانيت ذات سدادة قابلة للإزالة ربما شكلت آلية مخرج المياه.
وأضاف السيد لاندرو قائلاً: "من الممكن ملء الأعمدة الجنوبية والشمالية بالمياه من الخندق الجاف، بعد ذلك، يمكن لعوامة ضخمة داخل العمود الشمالي أن ترفع الحجارة، مما يسمح ببناء الهرم من مركزه على شكل "بركان".
وأكد لاندرو: "نفترض أن المصعد الهيدروليكي، وهو عبارة عن عوامة ضخمة ربما كانت مصنوعة من الخشب وتزن عدة أطنان، يجب أن يعمل ببطء داخل العمود لمنع عدم الاستقرار والاحتكاك مع الجوانب."
وتشرح النظرية الجديدة الغرض من بناء الجسر، وهو بناء لم يتمكن الباحثون من تفسيره من قبل ويقع على بعد خمس ميل من الهرم، ويُعتقد أن البناء كان يعمل بمثابة "سد حاجز" لالتقاط المياه والرواسب.
وأشار الباحثون إن وجود حاجة إلى مزيد من البحث لفهم كيفية تدفق المياه عبر الأعمدة، وكذلك كمية المياه المتوفرة في المناظر الطبيعية عندما تم بناء الهرم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ماء لحظة محورية لأهرامات حسب صحيفة مقابر دراسة المصريين المصريون الطوب اللبن ماء النیل
إقرأ أيضاً:
مدرسة الحياة !
ظلت منصة الفـيسبوك على مدى سنوات عديدة وجهة لكثير من المثقفـين، وكانت تدور فـيه نقاشات مثرية ومثيرة، وفـي هذه المنصة؛ كانت هنالك خانة عن المكان الذي تعلم فـيه المرء، أو المدرسة التي درس فيها وتخرج منها، فكان البعض يكتبون «مدرسة الحياة» إما سخرية من أهمية الموضوع، أو لشعورهم بأنه أمر خاص بهم لا علاقة للعامة به.
تراجعت مكانة منصة الفـيسبوك، واستحوذت منصةX -تويتر سابقا- على مكانتها كوجهة ثقافية، وظلت هاتان الكلمتان مثالا للسخرية والتندر؛ لكن أليست الحياة أعظم مدرسة حقًا؟!.
طوال قرابة العام ونصف العام من الإبادة الحية على مرأى ومسمع العالم، ظلت العصابات الصهيونية النظامية تقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وكانت الدروس والعبر تتوالى علينا نحن المبتلين بوجودنا فـي بقعة جغرافـية مليئة بالثروات الطبيعية، وتقع فـي قلب العالم الواصل بين الشرق والغرب، وهي المنطقة التي أكلت مليارات الأجساد البشرية طوال الحقب التاريخية المتعاقبة مذ بدأ الإنسان معرفة الحضارة واكتشاف الثروات والمصالح فـي أرض أخيه الإنسان.
فكانت الدروس الكثيفة التي تعلمناها فـي هذه الفترة القصيرة؛ كفـيلة بأن نراجع ما أنسانا إياه الزمن، أو ما أنستنا إياه لقمة العيش المؤقتة، وبأن نعيد استكشاف أراضٍ بدا أنها درست وانمحت أو استحالت أطلالًا كأطلال خولة «تلوح كباقي الوشم فـي ظاهر اليد»، فجاء الطوفان كاسمه، طوفان مقاومة وتغيير فـي شتى مناحي الحياة، مقاومةً جسدية وأخرى عقلية ونفسية.
وما بين السابع من أكتوبر قبل سنتين، حتى وقت الهدنة؛ أطل علينا مفكرون كما لو كانوا على أعراف الزمن، يراقبوننا ويراقبون رؤاهم وأرواحهم الحية التي ضمّنوها كتبهم وهي تعود حيَّةً ماثلة للعيان مرة أخرى، فأطل مالك بن نبي ليذكرنا بأن «القابلية للاستعمار» ما زالت موجودة، وأن من شروط النهضة أن تكون الشعوب الحرة غير قابلة للاستعمار رأسا، وذلك قبل أن تتحرر بفعل السلاح؛ فهي غير قابلة للاستعمار لغويًا وعقليًا وثقافيًا وجسديًا.
وأطل غسان كنفاني ليذكرنا بأن «موت سرير رقم 12» شيء لازم لأنه وكما يقول: «لكنني كنت أعيش من أجل غد لا خوف فـيه.. وكنت أجوع من أجل أن أشبع ذات يوم.. وكنت أريد أن أصل إلى هذا الغد.. لم يكن لحياتي يوم ذاك أي قيمة سوى ما يعطيها الأمل العميق الأخضر بأن السماء لا يمكن أن تكون قاسية إلى لا حدود.. وبأن هذا الطفل، الذي تكسرت على شفتيه ابتسامة الطمأنينة، سوف يمضي حياته هكذا، ممزقا كغيوم تشرين، رماديا كأودية مترعة بالضباب، ضائعًا كشمس جاءت تشرق فلم تجد أفقها..».
والمسيري الذي لا تشعر بأنه توفـي قبل قرابة العقدين من الزمن، يكرر اليوتيوب كلامه كما لو كان حيًا يحاضر بيننا قراءته للمشهد والواقع؛ فما بدا أنه صلابة داخلية لكيان الاحتلال، تبيّن أن المسيري برؤيته الثاقبة قد أدركه مسبقًا ووضع المقصل على المفصل، فطفت على السطح الخلافات الداخلية للكيان الصهيوني، والتراشقات والفضائح والمعارك السياسية، التي ستخدم قضية التحرر من آخر الجيوب الاستعمارية فـي الكرة الأرضية، فكما لو أن الزمن يتيح له أن يسخر ممن ظل أعمى عن شمس رآها المسيري بوضوح، ونفاها آخرون لشدة سطوعها أو لفقدانهم القدرة على الرؤية، أو لتماهيهم معها.
أما صاحب الشوك والقرنفل، فلقد خلّد التاريخ مشهد حياته الأخير كما لو كان مشهدًا سينمائيًا لبطل خارق دافع عن مبدئه وكرامته وحرية أرضه وشعبه، فـي سبيل شعب وأرض القرنفل والبرتقال والزيتون.
رحل هؤلاء المفكرون والأدباء والمناضلون، وظهر آخرون بفكر تحرري نضالي تفاؤلي حر؛ لكن هؤلاء رُفدوا للمرة الأولى بمفكرين وفلاسفة وأدباء لا يتحدثون لغتهم، ولا يعتنقون دينهم، ولا يربطهم رابط بالقضية الفلسطينية سوى الإنسانية لا غير، بل هم من المفكرين اليهود فـي كثير من الأحيان، لتخبرنا الحياة بأن الدروس المريرة اللاذعة، هي ما تغير التاريخ، وليخبرنا هؤلاء المفكرون المتفائلون؛ بأن الحياة وإن بدت كالحة كئيبة، إلا أن الأدوات التي يستعملونها لا علاقة لها بالأمل الذي يبدو كقشة تحاول أن تمسك السقف كيلا يسقط، بل هي أدوات يرون عبرها هشاشة الكيان رغم أن جسده يعجب الرائي، وقوامه يعجب الزراع، وهو فـي حقيقته كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
هذه الحياة ذاتها، وهذا الأمل المنطقي الذي يثبت بأن ما بُني على باطل فهو باطل، وبأن الظالم إلى الهلاك لا محالة؛ هي ما يجعل المرء يستمر فـي نضاله، ويستمر فـي كدحه وكده، وصحيح قول طرفة بن العبد:
وَإِلّا فَما بالي وَلَم أَشهَدِ الوَغى
أَبيتُ كَأَنّي مُثقَلٌ بِجِراحِ
إلا أن بيتيه الآخرين، يدلان على مدرسة الحياة التي وإن تغيرت ظروف المعيشة وأدواتها؛ إلا أن روحها وقوامها ومبدأها ثابت لا يتغير:
فَالهَبيتُ لا فُؤادَ لَهُ
وَالثَبيتُ ثَبتُهُ فَهَمُه
لِلفَتى عَقلٌ يَعيشُ بِهِ
حَيثُ تَهدي ساقَهُ قَدَمُه
فالجبان مخلوع الفواد فاقده، ولكن الشجاع ثابت القلب والعقل بفهمه، فذلك الفهم وتلك البصيرة هما ما يثبتانه ويصبّرانه على ما يقاسي ويواجه، وأما البيت الأخير فهو كما قال الآخر فـي الحماسة:
قَدِّر لرجلك قبلَ الخطوِ مَوضِعهَا
فَمن عَلا زَلَقًا عَن غِرَّة زَلَجَا
فهل سيقدّر العرب مواضع أقدامهم كي لا تعصف بهم رياح ترامب أو يغرقهم تسونامي شي بينج؟ وهل سنتخذ الحياة وما يحدث فـيها مثالًا ومدرسة نستقي منها العبر بعقل ثبيت يعيننا على تجنب الدوس على ألغامها؟ أم سنظل نتندر إلى أن ندرك معنى الآية الكريمة «فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ»!.