لا يزال حجب منصة "إنستغرام" ساريا في تركيا لليوم الخامس على التوالي، حيث يدق صانعو محتوى وخبراء تجارة إلكترونية ناقوس الخطر، بناء على الأرقام والإحصائيات بشأن الخسائر والتداعيات الناجمة عن الحظر.

وبعد أن التقى بمسؤولين عن المنصة المملوكة لشركة "ميتا"، الاثنين، قال وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورا أوغلو، الاثنين، للصحفيين إنه "يوجد قوانين ولوائح تتعلق بمنصات التواصل الاجتماعي .

.. والمنصات ذات التمثيل في تركيا يجب أن تمتثل للقواعد".

وأشار الوزير إلى أن سلطات بلاده حذرت "إنستغرام" من جرائم يمكن تطبيق بعض تدابير الحماية لمنع وقوعها، وأضاف مستدركا أن قرار الحجب اتخذ لأنه "لم يكن هناك استجابة".

ورغم التصريحات التي أدلى بها أورا أوغلو، وهي الأولى من نوعها من جانب جهة رسمية، تواصل وسائل إعلام ربط قرار الحجب بالمنشورات الخاصة بالتعزية بمقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية.

حظر "إنستغرام" في تركيا يثير عاصفة من ردود الأفعال.. ماذا وراء القرار؟ أحدث الإجراء الذي اتخذته "هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التركية" (BTK) بحجب تطبيق التواصل الاجتماعي "إنستغرام" ضجة وحالة من الجدل في البلاد، حيث انعكس ذلك خلال الساعات الماضية عبر ردود أفعال لسياسيين ومستخدمين لمنصة "إكس".

ويسود اعتقاد بأن حجب المنصة جاء في أعقاب انتقاد وجهه رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، لـ"إنستغرام" بسبب حذف منشور له يقدم فيه التعازي بمقتل هنية في طهران. ومع ذلك، يؤكد المسؤولون في البلاد أن الأسباب تذهب باتجاه آخر.

وتحدث وزير العدل التركي، يلماز تونج، الثلاثاء، عن "قائمة جرائم"، بينها التحريض على الاعتداء الجنسي على الأطفال، وجرائم الإرهاب، والجرائم ضد مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى أتاتورك، والرهانات غير القانونية.

وقال في مؤتمر صحفي: "ستلتزم منصات التواصل الاجتماعي التي تبث في تركيا بقوانين بلدنا. لا يتمتع أحد بأي امتيازات. يتعين على الدولة أن تقوم بدورها في منع الجرائم على الإنترنت، واستخدمت هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات صلاحياتها".

والهيئة المذكورة تتبع لوزارة النقل، فيما ترك تونج الباب مفتوحا أمام "إنستغرام"، موجها رسالة مفادها: "إذا قامت شركة التواصل الاجتماعي (ميتا) بإلغاء تنشيط المنشورات التي ذكرتها الهيئة كسبب للإغلاق، فسيتم حل المشكلة".

"إردوغان على الخط"

في المقابل، نقلت وكالة "بلومبيرغ"، الاثنين، عن متحدث باسم شركة "ميتا" المالكة لمنصة إنستغرام قوله: "بسبب حظر الوصول إلى المنصة في تركيا، يُحرم ملايين الأشخاص من وسيلة التواصل اليومي مع عائلاتهم وأصدقائهم، بينما لا تستطيع الشركات الوصول إلى عملائها بنفس الطريقة".

وأضاف المتحدث: "سنواصل بذل قصارى جهدنا لجعل خدماتنا متاحة مرة أخرى".

ومنذ الكشف عن خطوة الحجب، صباح الجمعة الفائت، انقسمت ردود الأفعال في تركيا بين ضفتين.

وفي حين أيد مواطنون الإجراء بسبب ما وصفوه بـ"الرقابة الانتقائية" التي تفرضها المنصة، رفض آخرون ذلك واعتبروه "تدخلا في حرية التعبير".

ميتا تعلن رفع قيود على حسابي ترامب على فيسبوك وإنستغرام قريبا قالت شركة ميتا، الجمعة، إنها ستنهي قيودا فرضت على حسابي الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، على فيسبوك وإنستغرام في الأسابيع المقبلة.

وبعد سلسلة مواقف منتقدة أبداها مسؤولون معارضون لما اتخذته "هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات"، اتهم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، منصات التواصل الاجتماعي بـ"الفاشية الرقمية"، بسبب الرقابة على صور قتلى فلسطينيين في الحرب بقطاع غزة.  

وبعث الرئيس التركي برسالة من مقر حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، مفادها أن حظر الوصول المفروض على "إنستغرام" سيتم رفعه إذا تم تلبية "مطالب تركيا العادلة".

وقال: "في هذه المرحلة، نشهد شخصيا أن شركات التواصل الاجتماعي تتصرف مثل المافيا في كل أمر يمس مصالحها. نحن نواجه فاشية رقمية لا يمكنها حتى أن تتسامح مع صور الشهداء الفلسطينيين وحظرهم على الفور، وتسويق ذلك على أنه حرية".

وفي انتقاده للمعارضة، أضاف الرئيس التركي: "أولئك الذين لا ينتقدون عار منصات التواصل الاجتماعي وأولئك الذين لا يتحدثون عن الفاشية التي يروجون لها، هم في قائمة الانتظار للشكوى من تركيا للغربيين".

أضرار اقتصادية

وفقا لبيانات موقع "Statista"، فإن هناك ما يقرب من 58 مليون مستخدم لمنصة "إنستغرام" في تركيا، وذلك حتى شهر فبراير لعام 2024. وبالاستناد إلى تلك البيانات، تعد تركيا خامس دولة من حيث عدد مستخدمي المنصة في العالم.

وبينما تحتل الهند المرتبة الأولى بعدد مستخدمين يبلغ 363 مليون مستخدم، تأتي الولايات المتحدة المرتبة الثانية بعدد مستخدمين يبلغ 167 مليون مستخدم، فيما جاءت البرازيل ثالثة بواقع 101 مليون مستخدم.

ويوضح تقرير توقعات التجارة الإلكترونية للشركات الصغيرة والمتوسطة في تركيا، الذي تم إعداده بالتعاون بين "أمازون تركيا" و"برايس ووترهاوس كوبرز تركيا"، أنه من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي وسائل التواصل في البلاد إلى 76.59 مليونا بحلول العام 2027.

وفي هذا الصدد، قال رئيس وكالة تخطيط إسطنبول (IPA)، بورا غوكشه، عبر منصة "إكس"، الثلاثاء، إن التكلفة اليومية لإغلاق إنستغرام في البلاد تبلغ 1.9 مليار ليرة تركية (56.5 مليون دولار).

وقال إن "الشركات تصل إلى عملائها عبر إنستغرام وتقدم خدمات المبيعات وما بعد البيع. وبالتالي في كل يوم تظل فيه المنصة معطلة، تواجه هذه الجهات مشكلة في تقديم خدمات المبيعات وما بعدها".

وبالنظر إلى وجود ما يقرب من 50 مليون مستخدم للمنصة في تركيا، فإن ذلك يعني أن "أكبر سوق في البلاد على الإنترنت هو إنستغرام"، ويضيف غوكشه: "لهذا السبب تخصص مواقع التجارة الإلكترونية ميزانيات كبيرة للتسويق عبره".

وتنفذ العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تستثمر في التجارة الإلكترونية أنشطة التسويق والمبيعات الخاصة بها من خلال إعلانات إنستغرام بدلا من دفع العمولات لمواقع التجارة الإلكترونية.

ويؤكد رئيس وكالة تخطيط إسطنبول أن "تركيا تدفع ما قيمته 1.9 مليار ليرة بسبب انخفاض حجم التجارة الإلكترونية، وفي كل يوم يتم فيه إغلاق المنصة".

القصّر على إنستغرام.. نتائج اختبارات صادمة للمحتوى الجنسي كشفت اختبارات أجرتها صحيفة وول ستريت جورنال أن منصة إنستغرام تقدم "مقترحات" بمقاطع فيديوهات "جنسية" لحسابات المراهقين الذين تبلغ أعمارهم 13 عاما وأكثر.

ويتابع: "إذا لم تهيمن العدالة والكفاءة والجدارة والعقل والمنطق على الإدارة، فإن تركيا ستصبح فقيرة. يجب على الجميع أداء واجباتهم بشكل صحيح".

"الحقيقة أعمق بكثير"

وفي غضون ذلك، اعتبر منشئ المحتوى الرقمي في تركيا، أوزان سيهاي، في تدوينة عبر "إكس" أن "الحقيقة أعمق بكثير" عندما ننظر إلى الآثار السلبية التي يخلفها الحجب على العديد من القطاعات والأفراد.

واستعرض سيهاي قائمة من المتأثرين بقرار الحجب وهم:

-    المعلنون: الذين دفعوا آلاف الليرات لإعداد منشورات دعائية قبل الحجب.
 -    الفنانون والمهنيون: يعد إنستغرام واجهة عرض مهمة للمجموعات المهنية، مثل ممثلي المسلسلات التلفزيونية/الأفلام ومصممي الجرافيك والمهندسين المعماريين.
 -    الشركات الصغيرة: إنستغرام بوابة جادة للتجارة الإلكترونية، وخاصة لأولئك الذين يقومون بأعمال تجارية مثل المنتجات المصنوعة يدويا.
 -    العلامات التجارية الكبرى: يعتبر تطبيق إنستغرام أكبر وسيلة إعلانية للعلامات التجارية الكبرى.
 -    المؤسسات العامة: إنستغرام هي منصة يتم فيها إصدار الإعلانات المهمة.
 -    قطاع السياحة: تستخدم شركات السياحة والفنادق إنستغرام بشكل فعال للوصول إلى العملاء. 
 -    الفن والثقافة: المنصة تتيح للموسيقيين والرسامين وغيرهم من الفنانين فرصة تقديم أعمالهم إلى جماهير كبيرة.
 -    التعليم والمعلومات: يقدم المعلمون والاستشاريون المعلومات والمحتوى لمتابعيهم عبر إنستغرام.
 -    الجمعيات الخيرية: كان إنستغرام وسيلة رئيسية لجمع التبرعات والتوعية لمشاريع المسؤولية الاجتماعية وحملات المساعدات. 
 -    الرياضيون ومدربو اللياقة البدنية: كانت المنصة تقدم التحفيز من خلال مشاركة البرامج التدريبية لهؤلاء ونجاحاتهم مع متابعيهم.

ويضيف صانع المحتوى الرقمي، سيهاي، أن استمرار حجب إنستغرام "سيوجه ضربة خطيرة للاقتصاد" في تركيا.

بدوره، يشير نائب رئيس مجلس إدارة "جمعية مشغلي التجارة الإلكترونية"، إمري إكمكجي، إلى أن 10 بالمئة من إجمالي التجارة الإلكترونية في البلاد تتم على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأضاف لوسائل إعلام تركية بينها قناة "TELE1" أن "منصة إنستغرام هي أحد أهم القنوات في تركيا"، وأن الاقتصاد الجدي في البلاد يتطور عبرها.

وزاد: "هناك نماذج أعمال واستثمارات تدور حول هذه المنصة ... وقرار الحجب لا يخلق بيئة إيجابية".

ماذا عن أرقام الحكومة؟

بحسب "تقرير توقعات التجارة الإلكترونية في تركيا"، الذي نشرته وزارة التجارة بتاريخ 27 يونيو 2024، وصل حجم التجارة الإلكترونية في تركيا إلى 1.85 تريليون (57.5 مليار دولار) ليرة عام 2023.

ووفقا للتقرير ذاته، فمن المتوقع أنه بحلول نهاية عام 2024، سيتضاعف حجم التجارة الإلكترونية تقريبا ليصل إلى 3.4 تريليون ليرة (ما يقرب من 105 مليارات دولار)، وما يقرب من 7 مليارات معاملة.

ومع ذلك، وفي تصريح أدلى به لوكالة "الأناضول" في الخامس من أغسطس الحالي، أكد وزير التجارة، عمر بولات، أن المبيعات التي تتم من خلال العروض الترويجية على إنستغرام ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى "لا تعتبر تجارة إلكترونية".

وقال الوزير بولات إنها تسبب انخفاضا في عائدات الضرائب.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: التجارة الإلکترونیة التواصل الاجتماعی ملیون مستخدم ما یقرب من فی البلاد فی ترکیا

إقرأ أيضاً:

معلومات الوزراء: تغير المناخ يؤثر عالميا على الأمن الغذائي ويدفع بالملايين إلى النزوح

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله مفهوم تغيُّر المناخ ومسبباته وتداعياته على مختلف المناطق، كما استعرض تأثيره على الأفراد والشركات، مع توضيح أبرز مقترحات مواجهته.

أشار التحليل إلى أن تغيُّر المناخ يُعد أحد أخطر التحديات البيئية الأكثر إلحاحًا في العصر الحديث، حيث يؤثر بشكل مباشر على الأفراد، من خلال مظاهر هذا التغيُّر التي تشمل ارتفاع درجات الحرارة، والتي تهدد الصحة العامة، لا سيما لدى الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال وكبار السن، كما يؤدي إلى تراجع الموارد الطبيعية، مثل المياه والغذاء، نتيجة لاختلال أنماط هطول الأمطار، مما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي، ويهدد الأمن الغذائي، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة الأعباء المعيشية، بالإضافة إلى ذلك، تتسبب الكوارث الطبيعية المتزايدة، مثل الفيضانات والجفاف، في فقدان المنازل وتشريد الملايين، مما يؤدي إلى أزمات إنسانية واجتماعية، كما تتأثر سبل العيش، حيث يواجه العاملون في الزراعة والصيد والسياحة تحديات تهدد استقرارهم الاقتصادي.

أوضح التحليل أن تغيُّر المناخ يُشير إلى التغيُّرات طويلة الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس، والتي قد تحدث بشكل طبيعي نتيجة للتقلبات في النشاط الشمسي أو الانفجارات البركانية الكبرى، ومع ذلك، فمنذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية هي العامل الأساسي وراء تغيُّر المناخ، وقد أكد علماء المناخ أنها مسؤولة بشكل كامل عن الاحترار العالمي خلال القرنين الماضيين، إذ تؤدي الأنشطة البشرية إلى انبعاث الغازات الدفيئة التي تُسهم في رفع درجة حرارة الأرض بمعدل أسرع من أي وقت مضى، وذلك خلال الألفي عام الأخيرة على الأقل.

أضاف التحليل أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض أصبح الآن حوالي 1.1 درجة مئوية أكثر دفئًا مما كان عليه في أواخر القرن التاسع عشر، أي قبل الثورة الصناعية، ويُعد العقد الماضي (2011-2020) الأكثر دفئًا على الإطلاق، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز. وينتج عن احتراق هذه المصادر انبعاثات الغازات الدفيئة (غازات الاحتباس الحراري)، التي تعمل كغطاء يحيط بالأرض، مما يؤدي إلى احتباس حرارة الشمس، وارتفاع درجات الحرارة العالمية.

ذكر التحليل أن ثاني أكسيد الكربون والميثان يُعدوا من الغازات الدفيئة الرئيسة المسؤولة عن تغيُّر المناخ، حيث تنتج هذه الغازات من استخدام البنزين في وسائل النقل أو حرق الفحم لتدفئة المباني، كما أن إزالة الغابات تُسهم في إطلاق كميات إضافية من ثاني أكسيد الكربون، وتُعد الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي، من بين القطاعات الرئيسة المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وعند وصول الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، ستصبح موجات الحر أكثر شدة، وستمتد الفصول الدافئة لفترات أطول، بينما ستتقلص الفصول الباردة، أما في حال ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 2 درجة مئوية، فستصل موجات الحر المتطرفة بشكل متكرر إلى مستويات حرجة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للزراعة والصحة.

أوضح التحليل أن تأثيرات تغيُّر المناخ لا تقتصر على ارتفاع درجات الحرارة فقط، بل تمتد لتشمل تغييرات واسعة في مختلف الأنظمة البيئية والمناطق الجغرافية، والتي ستزداد حدتها مع استمرار الاحترار، وتشمل هذه التأثيرات:

-تغيُّر أنماط هطول الأمطار: حيث من المتوقع أن تزداد نسبة الهطول في المناطق الواقعة عند خطوط العرض العليا، بينما ستنخفض بشكل ملحوظ في أجزاء واسعة من المناطق شبه الاستوائية، كما ستتغير أنماط الأمطار الموسمية وفقًا لكل منطقة، مع حدوث فيضانات متكررة بالتزامن مع موجات جفاف أكثر حدة بعدد من المناطق.

-ارتفاع مستوى سطح البحر: سيستمر مستوى سطح البحر في الارتفاع على مدار القرن الحادي والعشرين، مما سيؤدي إلى تفاقم الفيضانات الساحلية في المناطق المنخفضة، وزيادة معدلات تآكل السواحل، ومن المتوقع أن تتحول الأحداث المتطرفة لارتفاع مستوى سطح البحر، التي كانت تحدث مرة كل 100 عام، إلى ظواهر سنوية بحلول نهاية القرن.

- ذوبان الجليد وفقدان الغطاء الثلجي الموسمي: سيؤدي الاحترار المستمر إلى تسارع ذوبان التربة الصقيعية، واستمرار فقدان الجليد البحري في القطب الشمالي خلال فصل الصيف، إلى جانب تراجع الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية.

-تغيُّرات في المحيطات: حيث يشهد المحيط ارتفاعًا في درجة حرارة مياهه، وزيادة في موجات الحرارة البحرية، وتحمضًا متزايدًا، وانخفاضًا في مستويات الأكسجين، وهي تغييرات مرتبطة بالنشاط البشري، ومن المتوقع أن تؤثر هذه التحولات على النظم البيئية البحرية والمجتمعات التي تعتمد عليها، وستستمر على الأقل حتى نهاية هذا القرن.

-تأثيرات على المدن: حيث ستتفاقم بعض جوانب تغيُّر المناخ في المناطق الحضرية، لا سيما ارتفاع درجات الحرارة، حيث تكون المدن عادة أكثر دفئًا من المناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى زيادة مخاطر الفيضانات الناتجة عن الأمطار الغزيرة، وارتفاع مستوى سطح البحر في المدن الساحلية.

علاوةً على ذلك، تُسهم الظواهر المناخية المتطرفة مثل الأعاصير وحرائق الغابات في تدمير المنازل والبنية التحتية، مما يجبر الكثيرين على النزوح من مناطقهم، كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد المدن الساحلية، مما يجعل السكان أكثر عرضة لفقدان مساكنهم ومصادر رزقهم، ولا تقتصر التأثيرات على الصحة والاقتصاد فحسب، بل تمتد إلى الجوانب النفسية والاجتماعية، حيث يزيد القلق بشأن المستقبل مما يتسبب في زيادة مستويات التوتر والاكتئاب بين الأفراد.

استعرض التحليل تأثير تغير المناخ على الأفراد من خلال تسليط الضوء على عدة جوانب رئيسية وهي:

أولاً: تأثيرات تغيُّر المناخ على الصحة: تصف منظمة الصحة العالمية تغيُّر المناخ بأنه أكبر تهديد صحي يواجه البشرية، إذ تُقدر أنه سيتسبب في نحو 250، 000 وفاة إضافية سنويًّا بين عامي 2030 و2050، وستكون معظم هذه الوفيات ناتجة عن سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، على أن الحرارة هي أخطر أنواع الطقس القاسي، حيث تُسهم درجات الحرارة المرتفعة في وفيات العمال الذين يعملون في الهواء الطلق، والسياح، والحجاج الدينيين، والأشخاص الذين يعانون من التشرد، لكن تأثير الحرارة لا يقتصر على ذلك، بل يؤثر أيضًا على الصحة الجسدية والعقلية بطرق مختلفة:

1- تسببت فصول الشتاء الأقصر والأكثر دفئًا في انتشار أكبر للأمراض المنقولة عبر الحشرات، مثل داء لايم، وزيكا، والملاريا، وحمى الضنك، وفيروس غرب النيل، وشيكونغونيا.

2- تؤدي موجات الحر، خاصةً عند اقترانها بتلوث الهواء الناتج عن حركة المرور، إلى ارتفاع مستويات الأوزون، مما يُسهم في تفاقم العديد من المشكلات الصحية، مثل: الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن.

3- زيادة تركيزات حبوب اللقاح وإطالة مواسم الحساسية، فوفقًا لمؤسسة الربو والحساسية الأمريكية، فإن ارتفاع درجات الحرارة في الولايات المتحدة أدى إلى تمديد موسم حبوب اللقاح بين 11 و27 يومًا خلال الفترة من 1995 إلى 2011.

وأضاف التحليل أن تغيُّر المناخ يزيد احتمال حدوث جائحة جديدة، حيث إن ارتفاع درجات الحرارة سيجبر الحيوانات البرية على تغيير موائلها (بيئاتها)، ووفقًا لتقرير نُشر في المجلة العلمية Nature، فقد يؤدي ذلك إلى دفع هذه الحيوانات إلى العيش بالقرب من المناطق المأهولة بالسكان، مما يزيد فرص انتقال الفيروسات وحدوث جائحة جديدة.

ويشير التقرير إلى أن "تغيُّر النطاق الجغرافي" سيؤدي إلى تفاعل الثدييات مع بعضها بعضًا لأول مرة، مما قد يتسبب في تبادل آلاف الفيروسات. ويؤكد العلماء أنه حتى في حال الحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية هذا القرن، فإن ذلك "لن يقلل من انتقال الفيروسات في المستقبل".

وأوضح التحليل أنه بالرغم من أن التغيُّر المناخي يؤثر على الجميع، فإن بعض الفئات أكثر عرضة للمخاطر الصحية، وتشمل:

1-الأطفال: بسبب جهازهم المناعي غير المكتمل، يكونون أكثر عرضة للإجهاد الحراري والجفاف، كما أنهم أكثر حساسية لتلوث الهواء ودخان حرائق الغابات.

2-النساء الحوامل: يواجهن خطرًا متزايدًا من الإجهاد الحراري أثناء موجات الحر بسبب التغيُّرات الفسيولوجية المرتبطة بالحمل، كما أنهن وأجنتهن أكثر حساسية لتلوث الهواء ودخان الحرائق.

3-كبار السن والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة: يكونون أكثر عرضة للجفاف، والإجهاد الحراري، والالتهابات، وتفاقم أمراض القلب والجهاز التنفسي.

4-السكان في المناطق الريفية والنائية وسكان الشعوب الأصلية والأشخاص ذوي الدخل المنخفض: يواجهون مخاطر أكبر بسبب قلة الخدمات الصحية، وزيادة التعرض للكوارث الطبيعية، مثل: حرائق الغابات والجفاف والعواصف وارتفاع مستوى سطح البحر.

ثانياً: التأثير الاقتصادي لتغيُّر المناخ على الأفراد والشركات: أشار التحليل إلى أن موجات الحرارة المرتفعة، والجفاف الطويل الأمد، والفيضانات الشديدة تُسهم في ارتفاع تكاليف المعيشة وجعل الناس أكثر عرضة للمخاطر.

1- التأثير على الأمن الغذائي والأسعار: تؤثر الأحوال الجوية القاسية على إنتاج العديد من المحاصيل الأساسية، مثل الأرز، والقمح، والذرة، والقهوة، والكاكاو، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الجودة.

2- تراجع استقرار شبكة الكهرباء وارتفاع التكاليف: حيث تصبح شبكة الكهرباء أكثر عرضة للاضطرابات، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة الضغط عليها، خاصة مع تزايد الاعتماد على أجهزة التبريد، كما يواجه مزودو الخدمات أضرارًا متزايدة بسبب الظواهر المناخية المتطرفة، مثل حرائق الغابات والعواصف العنيفة، وفي النهاية، تنعكس هذه التحديات على المستهلكين من خلال ارتفاع تكاليف الكهرباء.

3- ارتفاع حرارة المحيطات يهدد حياتنا واقتصادنا: يشكل ارتفاع مستوى سطح البحر خطرًا غير مسبوق على سلاسل التوريد العالمية، فقد يؤدي إلى تعطيل الموانئ والبنية التحتية الساحلية، كما أن ارتفاع درجات حرارة المياه يُسهم في زيادة شدة العواصف في المناطق الاستوائية، مما يعرض الأرواح والممتلكات للخطر، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن المحيطات تعد موطنًا لغالبية التنوع البيولوجي في العالم، كما يعتمد عليها 3 مليارات شخص في كسب رزقهم، ومع ذلك، تؤدي انبعاثات الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية إلى ارتفاع حرارة المحيطات، وزيادة حموضتها، ونقص مستويات الأكسجين، مما يهدد مستقبل الوظائف والصناعات المرتبطة بالبحار.

4- تغيُّر المناخ يدفع بالملايين إلى النزوح: يُعد تغيُّر المناخ أحد العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى الهجرة الداخلية، حيث يؤثر سلبًا على سبل العيش، ويجعل بعض المناطق غير صالحة للسكن بسبب تعرضها الشديد للظواهر المناخية القاسية، وتشير التوقعات إلى أن 216 مليون شخص قد يضطرون للنزوح بسبب تغيُّر المناخ بحلول عام 2050، وذلك عبر ست مناطق حول العالم، وستكون أكبر أعداد النازحين في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (86 مليون شخص)، تليها شرق آسيا والمحيط الهادي (49 مليون شخص)، ثم جنوب آسيا (40 مليون شخص).

5- تغيُّر المناخ قد يجعل تأمين الممتلكات أكثر تكلفة: ففي عام 2021 تسببت الكوارث الجوية المتطرفة في خسائر مؤمَّنة بلغت 105 مليارات دولار، وهو رابع أعلى مستوى منذ عام 1970، وذلك وفقًا للتقديرات الأولية لشركة Swiss Re، إحدى الشركات الرائدة عالميًّا في التأمين وإعادة التأمين، ولا يؤدي هذا فقط إلى ارتفاع تكاليف التأمين للجميع، بل قد يجعل بعض الأصول غير قابلة للتأمين تمامًا. ووفقًا لمجلس المناخ الأسترالي، فإن واحدًا من كل 25 منزلًا في أستراليا قد يصبح غير قابل للتأمين بحلول عام 2030.

6- تكاليف باهظة للشركات بسبب المخاطر البيئية: أشارت دراسة صادرة عن منظمة CDP غير الربحية في عام 2021، التي تدير أكبر نظام عالمي للإفصاح البيئي، إلى أن الشركات قد تتحمل ما يصل إلى 120 مليار دولار من التكاليف المرتبطة بالمخاطر البيئية في سلاسل التوريد بحلول عام 2026، وتشمل هذه التكاليف ارتفاع أسعار المواد الخام، بالإضافة إلى تغييرات تنظيمية مثل فرض ضرائب الكربون، وذلك في إطار الجهود العالمية للتصدي للأزمات البيئية.

استعرض التحليل طرق مواجهة تغيُّر المناخ ومنها:

-التمويل المتعلق بالمناخ: يلعب الدعم الاقتصادي دورًا كبيرًا في معالجة تغيُّر المناخ، حيث تحتاج الدول النامية إلى 127 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2030، و295 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2050 للتكيف مع تغيُّر المناخ، في الوقت الحالي، يبلغ تمويل التكيف مع المناخ نحو 50 مليار دولار سنويًّا، مما يشكل فجوة كبيرة في تلبية الاحتياجات المتزايدة لمواجهة التحديات البيئية.

-التخفيف والتكيف: يجب أن تضمن جهود التخفيف والتكيف مع تغيُّر المناخ عدم تضرر أي فئة بشكل غير عادل، خلال مسيرة الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، ويجب أن تلعب السياسات الحكومية دورًا حاسمًا في الحد من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال، يمكن دعم إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، من خلال برامج تأهيل العمال لاكتساب مهارات جديدة تلائم الوظائف المستدامة، كما يمكن توجيه العائدات الناتجة عن تطبيق سياسات مثل ضرائب الكربون لدعم المجتمعات منخفضة الدخل.

-الأمن الغذائي والمائي: يعد تطوير نظم إنتاج الغذاء وتحسين كفاءة استخدام الموارد المائية من الخطوات الأساسية للتكيف مع الواقع الجديد الذي يفرضه تغيُّر المناخ. ومع ذلك، هناك تفاوتات كبيرة في استهلاك المياه بين الدول الغنية والدول منخفضة الدخل، وكذلك بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية داخل كل دولة. لذا، فإن ضمان توزيع عادل ومستدام للموارد أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

وأكد التحليل في ختامه أن مواجهة أزمة تغيُّر المناخ، تتطلب تعزيز الوعي واتخاذ تدابير جادة للتخفيف من آثاره والتكيف معها، حيث إن المسؤولية مشتركة بين الحكومات والمجتمعات والأفراد، فالتغيير يبدأ من السياسات البيئية المستدامة، مرورًا بالاستثمارات في الطاقة النظيفة، وصولًا إلى تبني سلوكيات صديقة للبيئة. كما يلعب التعاون الدولي دورًا أساسيًّا في وضع سياسات فعالة للحد من الانبعاثات الكربونية، وتعزيز التحول نحو الطاقة النظيفة، لضمان مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.

اقرأ أيضاً«معلومات الوزراء» يصدر تحليلًا بعنوان الصحة والسلامة في العمل حق وضرورة

معلومات الوزراء: يستعرض تطورات ارتفاع أسعار المواد الغذائية بأمريكا والأسواق الأوروبية

مقالات مشابهة

  • أحمد سعد يشعل مواقع التواصل الاجتماعي بـ التواشيح والابتهالات
  • كيف أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي واجهةً لحبوبٍ مزيفةٍ قاتلة؟.. خبراء يحذرون
  • طرابلس تحتضن مباحثات مع تركيا لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري
  • ‏خبير قانوني يكشف شروط العقود التجارية الإلكترونية
  • الحويج: نهدف إلى زيادة حجم التجارة مع تركيا إلى 10 مليارات دولار سنويا
  • العجمي يوضح الأشياء السلبية التي قد يورثها الآباء لأبنائهم .. فيديو
  • مش مجرد ممر مائي.. روان أبو العينين: قناة السويس شريان التجارة العالمية
  • تركيا تعلن أسماء الشركات التي ستقدّم خصومات للشباب المقبلين على الزواج! القائمة تضم 20 علامة تجارية
  • معلومات الوزراء: تغير المناخ يؤثر عالميا على الأمن الغذائي ويدفع بالملايين إلى النزوح
  • المكتب الإعلامي في وزارة الداخلية: في ظل الأحداث الراهنة، وعلى خلفية انتشار مقطع صوتي يتضمن إساءةً لمقام النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وما تلاه من تحريض وخطاب كراهية على مواقع التواصل الاجتماعي، شهدت منطقة جرمانا اشتباكات متقطعة بين مجموعات لمسلح