بقلم محمد ماهر الغنام، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة أفالون فارما:

بينما يتصارع العالم مع تحديات الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والابتكار فيها، برزت المملكة العربية السعودية مؤخراً كلاعب مهم في مجال البحث والتطوير الدوائي. ومع نمو قطاع الرعاية الصحية والتزام الحكومة بتنويع الاقتصاد، كرست المملكة استثمارات مهمة لإنشاء منظومة مزدهرة للابتكار الدوائي.

وسرعان ما أصبحت المملكة مركزاً رائداً لاكتشاف الأدوية وتطويرها في الشرق الأوسط، سواء على صعيد المرافق البحثية المتقدمة أو الشراكات التعاونية المبرمة مع أهم الشركات العالمية. وثمة العديد من العوامل المساعدة في تحقيق هذا الزخم، ولكل منها آثار مهمة على مستقبل الرعاية الصحية في المنطقة.

ثقافة التطوير

يعد البحث والتطوير العصب الأساسي لقطاع الأدوية، حيث يدفع عجلة الابتكار، ويحسن فعالية الرعاية الصحية، ويعزز النمو الاقتصادي. ومن هنا، يعد البحث والتطوير أمراً بالغ الأهمية لقطاع الأدوية المزدهر في المملكة العربية السعودية. وقد أظهرت الحكومة السعودية التزاماً بتعزيز منظومة قوية للبحث والتطوير في مجال الأدوية من خلال إطلاق العديد من المبادرات والاستثمارات.

وكان إنشاء الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية (SFDA) في عام 2009 بمثابة منعطف مهم في هذه الرحلة. تتولى الهيئة العامة للغذاء والدواء تنظيم قطاع الأدوية والإشراف عليه، مما يضمن الامتثال للمعايير الدولية وأفضل الممارسات. علاوة على ذلك، تهدف رؤية السعودية 2030 إلى تنويع الاقتصاد، وتشجيع الابتكار، وتعزيز القدرة التنافسية العالمية للمملكة. وفي قطاع الأدوية، أثمرت هذه الرؤية عن مبادرات عديدة مثل البرنامج الوطني لتطوير الصناعة الدوائية، الذي يسعى إلى زيادة الأدوية المصنعة محلياً، وتعزيز قدرات البحث والتطوير، وجذب الاستثمار الأجنبي. وقد دعمت هذه الجهود نمو قطاع الأدوية السعودي والابتكار فيه.

البنية التحتية من أجل الابتكار

شهدت المملكة العربية السعودية استثمارات كبيرة لتطوير البنية التحتية، الأمر الذي مهد لإطار شامل للبحث والتطوير الدوائي. كما تشهد المملكة في الآونة الأخيرة طفرة في إنشاء المرافق البحثية والمختبرات ومراكز الابتكار فائقة الحداثة، مما يوفر البنية التحتية اللازمة للعلماء والباحثين وخبراء القطاع من أجل التعاون والابتكار.

وبرزت مدينة الملك عبدالله للعلوم والتقنية كمركز بحثي رائد، حيث تستضيف العديد من مراكز التميز في مجالات مثل التكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو، والمواد المتقدمة. وبالمثل، ساهمت الخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار (STIP) في المملكة العربية السعودية بإنشاء مؤسسات بحثية مثل المعهد السعودي للعلوم البحثية (SRSI) والشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني (تقنية).

كما أدى تنفيذ مبادرات مثل الإستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية، بالتوازي مع تطوير وادي الرياض للتقنية ومدينة المعرفة الإقتصادية، إلى تعزيز ثقافة التعاون وريادة الأعمال والابتكار، مما أسهم في توفير بيئة مثالية تساعد على ازدهار البحث والتطوير الدوائي في المملكة العربية السعودية

علاوة على ذلك، فإن الشراكات مع المؤسسات الخارجية، مثل مستشاري براءات الاختراع، ومنظمات البحوث التعاقدية السريرية، ومختبرات الفحص المتقدمة، ساهمت في تعزيز قدرات البحث والتطوير. وتضمن هذه الجهود التعاونية تطوير منتجات عالية الجودة وتبسيط عملية تسويق الأدوية المبتكرة. وتشمل التحديات التي تعترض تطوير المنتجات الجديدة، الدراسات السريرية لأشكال الجرعات المختلفة وتطوير المنتجات غير الدوائية. ويتم دوماً تزويد مختبرات الأبحاث بأدوات جديدة وقوى عاملة متمرسة لمعالجة هذه التحديات.

وقد ساهمت تطورات البنية التحتية والشراكات الاستراتيجية هذه في تعزيز القدرات البحثية للمملكة العربية السعودية، وجذب الشراكات والاستثمارات والمواهب الدولية إليها، مما جعلها مركزاً إقليمياً للابتكار بمجال الأدوية.

تطوير المواهب

يعد تطوير المواهب المحلية جانباً بالغ الأهمية لدعم مستقبل البحث والتطوير في مجال الأدوية بالمملكة العربية السعودية. وانطلاقاً من أهمية الخبرات المحلية، أطلق القطاعان الحكومي والخاص مبادرات تهدف إلى الارتقاء بمهارات الباحثين والعلماء السعوديين، وتمكينهم من دفع عجلة الابتكار والتقدم بمجال صناعة الأدوية.

وهناك برامج، مثل الصندوق السعودي للتنمية (SFD) والمعهد السعودي للعلوم البحثية (SRSI)، تقدم منحاً دراسية وفرصاً تدريبية للطلاب والمتخصصين السعوديين من أجل الحصول على درجات علمية متقدمة، وإجراء أبحاث في مؤسسات دولية مرموقة. وتعمل هذه المبادرات على دعم المواهب المحلية وتعزيز أطر التعاون الدولي. وبالإضافة إلى ذلك، تقدم مؤسسات، مثل مركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية (KAIMRC) والهيئة العامة للغذاء والدواء (SFDA)، برامج تدريب وتطوير للباحثين والعلماء السعوديين، مع التركيز على مجالات متخصصة مثل التجارب السريرية، والشؤون التنظيمية، والتكنولوجيا الدوائية.

علاوة على ذلك، فإن تطوير المنتجات المحلية والخبرة بمجال تسجيل المنتجات في الأسواق السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي يضمن التقدم في مجال الرعاية الصحية فائقة الجودة. ومن خلال مواءمة جهود البحث والتطوير مع الاحتياجات الصحية المحددة للمستهلكين في مختلف الأسواق، تضمن المملكة العربية السعودية تطوير منتجات شاملة وفعالة. وتؤثر آراء المرضى ونتائج التجارب السريرية على عملية البحث والتطوير ودورة تطوير المنتج، مما يضمن منتجات عالية الجودة وإجراء التعديلات اللازمة بناءً على هذه الآراء.

ومن خلال تطوير المواهب المحلية، يمكن للمملكة العربية السعودية تقليل اعتمادها على الخبرات الأجنبية، وتعزيز عملية الاحتفاظ بالمعرفة، وبناء منظومة مستدامة للبحث والتطوير قادرة على دفع نمو صناعة الأدوية والمساهمة في التنويع والتنمية الاقتصادية للمملكة.

حقبة جديدة

يستعد قطاع الأدوية في المملكة العربية السعودية لطفرة نمو كبيرة، مدفوعاً بمنظومة قوية للبحث والتطوير، والبنية التحتية المبتكرة، ووجود نخبة من الباحثين والعلماء المحليين. ومع استمرار المملكة في الاستثمار بقطاع الأدوية، فمن الضروري الحفاظ على هذا الزخم من خلال تعزيز أطر التعاون الدولي، وتشجيع تبادل المعرفة، وحفز الابتكار. ويرتكز هذا النمو على الامتثال للمعايير التنظيمية الدولية، والتي يتم الحفاظ عليها من خلال المرافق البحثية المبتكرة التي تدعم كلاً من لوائح الممارسات المخبرية الجيدة (GLP) وممارسات التصنيع الجيد الحالية (cGMP). وسيجعل هذا النهج المملكة العربية السعودية مركزاً إقليمياً للابتكار الدوائي، مما يساهم في التنويع الاقتصادي وتحسين سبل الرعاية الصحية فيها. وإذ يقف قطاع الأدوية في المملكة العربية السعودية على عتبة مستقبل مشرق، من الضروري مواصلة دعم هذا القطاع الحيوي لاستكشاف كامل إمكاناته.

المصدر: صحيفة عاجل

كلمات دلالية: أخبار السعودية أخر أخبار السعودية فی المملکة العربیة السعودیة البنیة التحتیة للبحث والتطویر البحث والتطویر الرعایة الصحیة قطاع الأدویة فی مجال من خلال

إقرأ أيضاً:

“أكاديمية 42 أبوظبي”.. دور رائد في تمكين الشباب وتزويدهم بمهارات البرمجة

 

تضطلع “أكاديمية 42 أبوظبي”، “أكاديمية البرمجة المبتكرة” بدور رائد في تمكين الشباب وتزويدهم بمهارات البرمجة والمعرفة اللازمة للإسهام في تحقيق رؤية الدولة لبناء مستقبل أكثر ابتكاراً وتقدماً في مجال التكنولوجيات الحديثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وتهدف الأكاديمية ، التي تعد إحدى مبادرات دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي، إلى دعم جهود التنمية المتواصلة في الإمارة عبر تعزيز منظومة التعليم النوعي وتوفير فرص تعلم البرمجة للجميع، خاصة مع تطبيقها منظومة تعليمية تشاركية ومبتكرة تقوم على نظام تعليم الأقران؛ حيث يتعلم الطلبة من بعضهم البعض دون وجود معلمين أو صفوف دراسية.
وقال الدكتور أحمد الشعيبي، الرئيس التنفيذي بالإنابة لأكاديمية 42 أبوظبي، في تصريح لوكالة أنباء الإمارات “وام”، إن الأكاديمية شهدت منذ تأسيسها إقبالاً كبيراً من الطلبة، ونجحت في بناء شبكة شراكات إستراتيجية قوية، وإنها تواصل أداء دور محوري في دعم أهداف تطوير مدرسة حاضنة للمواهب، وترسيخ ثقافة الابتكار في المجتمع، لافتا إلى أن برامج شهادات الدبلوم استقبلت منذ إطلاقها أكثر من 900 طالب، بينما استقطبت برامج ومنافسات برنامج التقييم لقبول الطلبة “البيسين” أكثر من 10 آلاف طالب.
وأشار إلى أن تركيز أكاديمية 42 أبوظبي يتمحور حول تمكين المبرمجين والمفكرين والطلاب الشغوفين، بغض النظر عن خلفياتهم، من الارتقاء بمهاراتهم في مجال البرمجة عبر التعلم القائم على الممارسة التطبيقية، حيث يتم استخدام أحدث التقنيات وأساليب التفكير الابتكاري للمساعدة في رعاية أفضل المواهب في مجال البرمجة.
وأوضح أن الأكاديمية تعتمد على نهج أكاديمي رائد يشجع الطلاب على العمل الجماعي والتعلم من بعضهم البعض، ما يوفر منصة للتبادل الثقافي والمعرفي، ويعزز لديهم قيم التسامح والتعايش، وهو ما يسهم في إعداد جيل من الخريجين القادرين على العمل بفعالية في بيئات متعددة الثقافات، ودعم رؤية الدولة في بناء مجتمع متماسك ومزدهر.
وذكر أن مبادرات ومسابقات الهاكاثون وورش العمل التي تنظمها الأكاديمية تستقبل طلاباً من 58 جنسية، لديهم خلفيات متنوعة منهم المهندسون، والمعلمون، والأطباء النفسيون، وعلماء الآثار، ورواد الأعمال، وطلاب الجامعات وغيرهم من فئات المجتمع.
كما يحمل طلاب الأكاديمية درجات أكاديمية مختلفة، فمنهم 3% من حملة درجة الدبلوم، و10% يحملون درجة الماجستير، و49% من حملة درجة البكالوريوس، و37% من طلبة الجامعات، و1% من حاملي درجة الدكتوراه.
وأكد أن مبادرة “عام المجتمع” تشكل دفعة قوية في مساعي الأكاديمية لإعداد أجيال وقادة المستقبل، وتحفزها على تطوير برامج ومبادرات تعزز مشاركة الطلاب في خدمة المجتمع والعمل التطوعي، منوها إلى أن أكاديمية 42 أبوظبي تقدم في هذا السياق، برامج تعليمية مجانية تعتمد على التعلم القائم على المشاريع، ما يتيح للطلاب فرصة تطبيق مهاراتهم في مشاريع حقيقية تخدم المجتمع.
وأشار إلى أن الأكاديمية تفتح أبوابها لفئات المجتمع كافة، حتى وإن لم تكن لديهم خبرة سابقة في مجال البرمجة أو التكنولوجيا، وأن مؤشراتها تظهر أن 56% من الطلاب لا يمتلكون أي خبرات سابقة في مجال البرمجة.
وأوضح أن “عام المجتمع” يشكل فرصة ذهبية لتعزيز ثقافة الابتكار بين الطلاب، وأن جهود الأكاديمية تركز فيه على تشجيع الطلاب على تطوير حلول تقنية تخدم المجتمع وتعزز روح المبادرة لديهم، وهو ما تعمل على تحقيقه من خلال مبادراتها المتنوعة، والتي تشمل تنظيم التحديات ومسابقات “الهاكاثون” التي تستهدف الفئات العمرية المختلفة وجميع التخصصات المهنية في المجتمع.
وأشار الدكتور الشعيبي أن الأكاديمية تستعد للتوسع في الفعاليات والمبادرات المجتمعية التي تعزز روح الابتكار وريادة الأعمال، وتسهم في بناء مجتمع قائم على المعرفة والتكنولوجيا، كما ستعمل على توظيف خبراتها وشراكاتها لدعم ريادة الأعمال وتشجيع رواد الأعمال في مجال التقنيات الذكية والبرمجيات، فضلاً عن طرح المزيد من البرامج التعليمية المتخصصة في مجال البرمجة.
ولفت إلى إبرام الأكاديمية 17 شراكة مع مؤسسات رائدة على المستويين المحلي والعالمي في القطاعات المجتمعية الحيوية المختلفة، وتعاونها مع أكثر من 31 جهة لتوظيف طلابها.وام


مقالات مشابهة

  • “أكاديمية 42 أبوظبي”.. دور رائد في تمكين الشباب وتزويدهم بمهارات البرمجة
  • وزير النقل: تأهيل مطار الخرطوم الدولي بالتفاهم مع المملكة العربية السعودية
  • وزير العمل يستقبل مدير عام الأكاديمية العربية السعودية لبحث التعاون
  • العمل تبحث إنشاء فرع للأكاديمية العربية السعودية بمصر لتاهيل الشباب لسوق العمل
  • أكاديمية 42 أبوظبي.. دور رائد في تمكين الشباب وتزويدهم بمهارات البرمجة
  • إطلاق Galaxy S25 Edge قد يتأخر.. سعر أنحف رائد في تاريخ سامسونج
  • وزير الصناعة استقبل وفد نقابة مصانع الأدوية.. وهذا ما تمّ بحثه
  • إعلان مهم من وزارة الخدمة المدنية والتطوير الإداري بصنعاء
  • جناح المملكة في بولونيا يقدم ندوة “التفكير الفلسفي في السعودية”
  • هل تفادى قطاع الأدوية رسوم ترامب الجمركية؟ الاتحاد الأوروبي ليس متأكداً من ذلك