عبدالله مكاوي
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
يبدو ان جزء اساس من استراتيجية هذه الحرب، اذا صدقنا ان هنالك استراتيجية من الاصل، هو الغموض والتناقضات والتصريحات المجانية وسيل الاكاذيب من كل الاتجاهات. وهذا الغياب او التغييب للمعلومات والحقائق والاهداف، هو ما جعل التحليلات المتصلة بهذه الحرب، تعتمد علي التخمين والاحتمالات والقراءات المتناقضة.
وغالبا هذا الارتباك والخسائر والاداء السيئ للجيش في هذه الحرب، يرجع اما لغياب الرؤية لدي القادة، او لعدم الدراية بقدرات الجيش الحقيقية، والاستعاضة بدلا عن ذلك بالتصريحات الرغبوية. او ان هنالك مشروع شخصي يختص بالبقاء في سدة السلطة غض النظر عن الثمن المدفوع، وهذا بالطبع اذا كان هنالك امكانية لحدوث ذلك من الاساس؟!
وغياب الرؤية والاصرار علي المصلحة الخاصة رغم التبعات الكارثية، شديد الارتباط بغياب المؤهلات لهؤلاء القادة، وبما في ذلك المؤهلات العسكرية رغم ما يحملونه من رتب عليا! وهو ما جعل الجيش يتراجع امام مليشيا مأجورة، عمادها القتلة واللصوص وقطاع الطرق. لتُسيطر علي نصف البلاد، وتهدد النصف الآخر بالويل والثبور وعظائم الامور، والمحصلة ضياع الدولة وتشريد اهلها. وبعد كل ذلك يجد هؤلاء القادة من الجرأة ما يدفعهم للتصريحات الجوفاء عن قرب الانتصار الساحق، وطرد المليشيا وووو غيره من هُراء، يطلقونه من مواقعهم الآمنة وليس من قلب ساحة القتال (الفاشر او سنار) المحاصرات، او المدن المهددة بغزو التتار الجدد.
وليس هنالك ادل علي ان ما حدث للجيش من تهميش وانحراف عن دوره، وتعريضه لمواجهة المليشيا المُعدة جيدا من غير استعداد! وما تبع ذلك من انتهاكات مريعة طالت المواطنين الابرياء، والدمار الذي شمل البلاد وقضي علي مستقبلها المنشود. يرجع بالاساس لهؤلاء القادة الفاشلين، بداءً من قوش الذي جعل من هذه المليشيا مشروعه الخاص للسيطرة علي السلطة. ومرورا بالبشير الذي حاول ان يجعل من هذه المليشيا البربرية قواته الخاصة، لحماية ملكه العضوض، ليُمكن لها في الارض ويفتح لها خزائن البلاد. وانتهاءً بالبرهان الذي سلمها السلطة وحرية اتخاذ القرار. وكل ذلك تحت بصر بقية القادة والاركان، الذين انخرطوا بدورهم في دنيا المال والاعمال، خاصة بعد زواج المتعة الذي عقده الاسلامويون بين السلطة والعسكرة والمال.
كما تاتي في هذا الاطار التصريحات المتضاربة بين ثلاثي كابينة القيادة البرهان والعطا والغائب الحاضر الكباشي، وغض ان النظر عن اسباب التضارب سواء كانت خلافات في وجهات النظر، او منافسة علي كرسي القيادة، او تبادل ادوار بغرض التضليل، إلا انها جميعا تؤدي الي نتيجة في غاية الخطورة. وهي عدم الدراية بمتطلبات القيادة وحساسية ومسؤولية ما يشغلونه من مناصب غير مستحقة، وما ينجم عنها من اخطاء وقرارات كارثية، ومن ثمَّ انعكاس ذلك علي اداء الجيش البائس وقيادة البلاد الي الهلاك.
اما العامل الاساس في الفوضي الضاربة باطنابها البلاد، فهي لا تتعلق بالعطا ولو انه ابرز تجلياتها، ولكنه وثيقة الصلة بالبرهان! الذي وجد نفسه في موقع من غير توقع منه او استعداد له! فهو مجرد تكليف صادف غير اهله، ومن بعدها صدق الاكذوبة و(ساق فيها، لدرجة الافتراء علي ابيه، بعد ان سرق القصة المختلقة من قدوته السيسي). ولكن قبل ذلك هنالك عامل آخر، سمح للبرهان وهو بهذه القدرات المتواضعة، ان ينال هذه الرتب الرفيعة. وهو غياب اسس الترقيات والرتب داخل منظومة عمل الجيش، بعد ادلجته اسلاموين. الشئ الذي جعل هذه الرتب العليا نفسها محل تندر وسخرية بعد ان نالها كل من هب ودب من غير تاهيل ومعرفة وخبرة وانجازات عسكرية، بدلالة ما يسمي خبراء استراتيجيون يطغي عليهم الجهل والعبط، او جنرلات الخلاء الذين لا يتقيدون بقوانين الحرب واخلاقياتها. وهذا ناهيك عن الافراط في منح الرتب والترقيات من غير مسوغات! وكانها مجرد مظهر اجتماعي ومدخل لنيل الامتيازا المجانية. رغم ما يعنيه ذلك من مخاطر يتعرض لها الامن القومي الذي لا يقبل المجاملة او التلاعب او الاستهتار، وهو عين من ندفع ثمنه الآن اضعافا مضاعفة علي مستوي الحاضر المهلك والمستقبل المظلم.
ولكن ازمة القيادة تمتد بجذورها لابعد من ذلك لتتعدي الجيش الي صلب الدولة. وهي جذور تضرب عميقا في تربة الانقلابات العسكرية، التي يتولي كبرها الضباط المغامرون، الذين لا يضعون اعتبار للضبط والربط واحترام القوانين والمعايير وتقاليد المهن واصول العمل. وبوصول هؤلاء المنفلتون الي السلطة، يصبح ما يحكُم فعليا هو مزاجهم ومصلحتهم وليس اللوائح والقوانين. وهكذا تختل المعايير التي تحكُم الدولة ويختلط الحابل بالنابل، ويُقرب من يمدح السلطة والسلطان ويُستبعد من يرفض السير مع التيار، والنتيجة تدهور مطرد يطال كل اوجه الحياة. وبما ان الفساد الذي لازم نظام الانقاذ ترافق مع خراب غير مسبوق وجرائم بلا حصر وفوضي بلا حساب، فهذا ما جعل هذه الحرب الانتقامية التدميرية الهمجية، بمثابة تصفية حساب لكل هذا الميراث المتعفن، لشركاء من المجرمين السفهاء.
وبالعودة للبرهان الذي يتحمل وزر كل ما يحدث منذ ظهوره المشؤوم علي سطح المشهد في العام 2019م. فهو قد ظلم نفسه بهذا الظهور الباهت والصورة المهزوزة، قبل ان يتسبب في اجهاض الثورة وتدمير البلاد وتشريد اهلها. لان مشكلة البرهان ليس انه غير مؤهل فحسب، ولكن الاسوأ انه غير مسؤول، بقدر ما يتمسك بالسلطة كميراث عائلي او وهم وصاية عسكرية! ومن هنا برزت المشكلة الكبري، وهي تنازله عن مسؤولياته للآخرين دون ان يتخلي عن منصبه! وهكذا تم انتاج فراغ سلطوي علي مستوي القيادة، يشغله الكباشي حين وياسر العطا حين آخر وآخرون خلف الكواليس في كل الاحيان! وتاكيدا لذلك نجد البرهان هو من اتي بحميدتي، ومنحه منصب غير دستوري كنائب له، ومن حينها اصبح حميدتي الكل في الكل ويتمتع بكافة السلطات والصلاحيات، مع بقاء البرهان كالضيف في رئاسة مجلس السيادة وقيادة الجيش! وما يحير ان هكذا وضع استمر رغم تصريح حميدتي مُعرِضا بالبرهان (بانو ما كارب قاشو!!) وهو من يعاشره ويعرفه حق المعرفة.
والجانب الآخر الكارثي في شخصية البرهان، هو افتقاده للهيبة والمصداقية والجدية، ومن ثمَّ تاثير ذلك علي ما يشغله من مناصب سواء في الجيش او الدولة، والتي بطبعها تتصف بذات صفات من يشغلها، او هو تجسيد لها علي المستوي العملي! فهل بعد هذا يمكن السؤال عما اصاب الجيش من هزائم والدولة من تدهور وعلي راسها امثال هؤلاء؟!
ويضاف الي اداءهم المتواضع ومواقفهم المخجلة، ذلك البرود الذي يقابلون به معاناة شعبهم وما يصيب الدولة من دمار! فهم في سبيل ارجاع الاوضاع الي سابقها، حيث يعيشون كما يهوون، مترفعون كفرعونات. يلجأون بكل صفاقة الي بث الوعود الكاذبة والامنيات المستحيلة للبسطاء، وبدل الانجازات علي ارض المعركة، يكتفون بالتصريحات العنترية والتهديدات الجوفاء. وهذا باختصار ما يجسده ياسر عطا الذي يمثل كثير من الجنرالات وجل الكيزان، اي حالة من انكار الواقع ورفض الوقائع التي لا تستهويهم، ومن ثمَّ خداع الذات والآخرين ان الوصول الي ما يرغبون قد اقترب، فقط المراهنة علي الزمن المفتوح علي مائة عام وكافة دماء السودانيين! وفي سبيل هذه الاوهام والرغبات الطفولية، يتم الرفض لاي حلول تفاوضية قد تمس بعجل تلك الرغبات المقدس. خاصة وان التفاوض الجاد المثمر، كعمل عقلاني وواقعي لا يعترف إلا بالوقائع علي الارض والمعقول من الحلول، وتاليا يتصادم مع كل الدعايات المضللة والاكاذيب المستشرية ويكشف المستور. ولهذا يحتاج لقادة اكفاء يتحلون بالمسؤولية والمصداقية والتجرد، والاهم يكترثون لعذابات شعبهم ومستقبل بلادهم، وقبل كل شئ يوازنون بين الامكانات والرغبات ولا يخوضون في الجهالات والمغالطات وسيرة المسيرات اي كان مصدرها. وكل هذا للاسف ما لا يتوافر في الطغمة المتسلطة منذ انقلاب الانقاذ.
واخيرا
وبناء علي خبراتنا مع المستبدين ومن في طريقهم وتشوقهم للاستبداد امثال العطا، فهم اكثر من يدعي بلسانه علي ما ليس في قلبه. ولذلك عندما يتحدث احدهم بلسان مبين عن عدم رغبته في السلطة، فهذا بمثابة اعلان عن بقاءه فيها الي ان يتوفاه الله، او تاخذه داهية من جنس عمله. وبما ان العطا تربية كيزان مخادعين ومؤسسة عسكرية جُبلت علي تخريج الانقلابيين والاستيلاء علي السلطة بقوة السلاح، فتاليا حديثه عن عدم رغبتهم في السلطة يندرج تحت شعارات هي لله الكيزانية، التي رُفعت عاليا، وتحتها عقدوا تحالفهم مع الشيطان. والذي يبدو انه ندم علي هذا الحلف اشفاقا علي السودانيين، ولكن الكيزان كعهدنا بهم لا يندمون ولا يتورعون عن ارتكاب كافة المنكرات كلما دانت لهم السلطة، وبصورة اشد اذا ما افتقدوها.
وعليه العقبة الحقيقية امام التفاوض والحوار، انه سلوك حضاري، ومن دُعي له من الطرفين المتقاتلين هم اكثر مكونات المجتمع عنف وهمجية واخذ السلطة وحقوق الناس بالقوة المسلحة. وهذا ما يجعلنا نضع ايدينا علي قلوبنا ليس من عدم انعقاد تفاوض جنيف كفرصة اخيرة للنجاة فحسب، ولكن من وضع العصا في دواليب اي حلول موضوعية تطرح من الوسطاء لتُجنب البلاد وشعبها مزيد من الاهوال والكوارث. ولله الامر من قبل ومن بعد. ودمتم في رعايته.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذه الحرب من غیر ومن ثم
إقرأ أيضاً:
واشنطن ترد على تصريحات إيران النووية
جددت وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة، التزامها بعدم السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي، بعد تصريحات لمسؤول إيراني بأن طهران يمكن أن تراجع عقيدتها النووية.
وتعليقاً على تصريحات كمال خرازي، مستشار الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للحرة "لقد أوضح الرئيس بايدن أننا ملتزمون بعدم السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي مطلقاً ونحن مستعدون لاستخدام كل عناصر القوة الوطنية لضمان هذه النتيجة."
وأضاف المتحدث "لا نزال نشعر بقلق عميق إزاء الأنشطة النووية الإيرانية وسنواصل مراقبتها بحذر". واستطرد قائلاً "لا يزال مجتمع الاستخبارات يعتقد أن المرشد الأعلى لم يتخذ قراراً باستئناف برنامج الأسلحة النووية الذي علقته إيران في عام 2003. ومع ذلك، فإننا نأخذ أي تصعيد نووي من جانب إيران على محمل الجد وسنرد بالشكل الملائم".
وكان خرازي مستشار علي خامنئي قال، الجمعة، إن من المرجح أن تزيد طهران نطاق صواريخها الباليستية.
وأضاف أن من الممكن أيضا مراجعة عقيدة إيران النووية وسط توتر متزايد مع عدوها اللدود إسرائيل وتبادل الضربات الجوية معها.
وعندما سألته قناة الميادين الموالية لإيران عما إذا كانت إيران على استعداد لمواجهة احتمال اتساع نطاق الصراع بعد الضربات الأخيرة، قال خرازي إن من المرجح أن تزيد طهران مدى صواريخها الباليستية إلى ما يتجاوز الحد الذي فرضته على نفسها وهو 2000 كيلومتر.
وقال إنه على الرغم من أن إيران تملك القدرة من الناحية الفنية على إنتاج الأسلحة النووية، فإنها مقيدة حاليا بفتوى أصدرها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ودائما ما نفت طهران محاولة صنع أسلحة نووية وتصر على أن عملها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط.