حتى إن تحرر الجيش من قبضة الإسلاميين، فكيف يتحرر من عار الهزائم؟
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
كتب إبراهيم سليمان
تأسست أول نواة للجيش السوداني عام 1925م، إبان فترة الاحتلال البريطاني لمصر والسودان، وكانت تسمّى آنذاك "قوة دفاع السودان"، مآل هذا الجيش بعد قرن من الزمان، أقل ما يوصف به أنه، أصبح أضحوكة في نظر الشعب السوداني، ومهزلة بين جيوش العالم. هذا الجيش الذي ظل يتأسّد على الحكومات المدنية مراراً منذ بواكير الاستقلال، الكل مندهش كيف له إن ينقاد لشرذمة معدودة ومعزولة من قيادات الحركة الإسلامية، المجرمة والفاسدة؟ حتى إن كان "الحال من بعضه"، فالقيادات الحالية للقوات المسلحة السودانية، هم شركاء بالإصالة لأولياء نعمتهم الحركة الإسلامية في الإجرام في حق الشعب والفساد في حق الدولة السودانية.
من الممكن تحت ضغط الهزائم العسكرية، أن يحدث انقلاب عسكري، يحرر القيادة الحالية من قبضة الإسلاميين، كما حدث في 11 أبريل عام 2019م حيث انحازت اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ شكلياً إلى خيار الشعب، وعزلت الرئيس المخلوع عمر البشير، رغم أن نوايا تلك اللجنة كانت كذوبة. فقد انقلبت مرة أخرى على الحكومة الانتقالية، عندما دنى أجل تسليم رئاسة المجلس القيادي الانتقالي للمدنيين. وقفزت مرة أخرى قفزة هوجاء إلى الأمام، بإشعالها الحرب الحالية في 15 أبريل 2023م عندما تم محاصرة الانقلابيين، بما عُرف بالمشروع الإطاري للدستور الانتقالي، والذي كان سيعيد السلطة للمدنيين مرة أخرى، بصورة سلسلة، ويضع حداً لعشم عودة الإسلاميين للسلطة، وإلى الأبد.
يبدو أن هنالك سباقاً محموما، لاحتمالين من الانقلابات، احتمال حدوث انقلاب للتخّلص من الفريق البرهان، الذي بدأ يتململ من التدخل السافر من قيادات الحركة الإسلامية وكتائبها الجهادية المتشددة بشأن الاستمرار في الحرب الخاسرة، واحتمال حدوث انقلاب آخر، ينفذه ضباط من خارج منظومة القيادة الحالية للجيش السوداني، للتخلص من سطوة الحركة الإسلامية، والشروع الفوري في مفاوضات سلام مع قوات الدعم السريع، يحفظ لما تبقّ للجيش السوداني، ماء وجه.
ورغم عدم ظهور بوادر لهذا السيناريو، إلا أنه غير مستبعد، وهو ما يتمناه قطاع عريض من الشعب السوداني، بما فيها تيارات إسلامية، يتزعمها د. إبراهيم غندور.
انعتاق القوات المسلحة السودانية، من قبضة الحركة الإسلامية المتشرذمة، يمكن حدوثه، بل يعتبر بمثابة ضرورة مرحلية، يمليه مآل هذا الجيش، ولكن إن حدث هذا الانعتاق، من المستبعد، إن يكون ذلك كافياً، لقلب الطاولة ميدانياً، وتحقيق انتصارات كاسحة، لتسترد ما استولت عليها قوات الدعم السريع، طيلة أشهر الحرب الماضية، لأسباب معنوية، وهيكلية في تركيبة الجيش السوداني بصورته الحالية.
فالجندي في صفوف الجيش السوداني، مدرك جيداً أنه يقاتل من أجل عودة الحركة الإسلامية المجرمة والفاسدة إلى سدة الحكم، وهي ذات المنظومة، التي أهمل الجندي السوداني، وركّز على رفاهية كبار الضباط، ناهيك عن العزلة النفسية بين الجنود وضباطهم، سببها تعقيد تركيبة مكونات المجتمع السوداني، التي تم إعادة صاغيتها منذ الغزو التركي للبلاد بدايات القرن التاسع عشر.
إذا، غسل عار الهزائم الساحقة، الذي التصق بالجيش السوداني، رغم عراقة التأسيس، ورغم نياشين قادة أركان الحرب، ورغم الميزانية السخية التي استقطعتها القوات المسلحة من خزانة الدولة قسراً لصالحها، تلك الهزائم المرة على أيدي أشاوس الدعم السريع، رغم حداثة تكوينها، وبدائية تدريبها، تلك الفضائح لا يمكن إزالتها من أسوار قيادة الجيش السوداني، ولكن يمكن التقليل من تفاقمها، بالجلوس الفوري للتفاوض غير المشروط بشأن إحلال السلام في البلاد، ولا نظن إن ذلك ممكنا، إلا بتنفيذ انقلاب على القيادة الحالية، والتخلص من قبضة الحركة الإسلامية، والتي لا تمانع من استمرار الحرب مئة عام، طالما هم وأسرهم، في مأمن من ويلاتها.
ebraheemsu@gmail.com
//أقلم متّحدة ــ العدد ــ 161//
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة الجیش السودانی من قبضة
إقرأ أيضاً:
تجارة أميركا والصين تربو على 600 مليار دولار.. فكيف ستُدار حرب الرسوم؟
في ظل تصاعد التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، تبدو الحرب التجارية بين البلدين مرشحة للدخول في مرحلة أكثر حدة وعمقًا.
فقد هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة تصل إلى 50% على واردات بلاده من الصين، ما لم تتراجع بكين عن تعريفاتها الانتقامية، في تصعيد قد يحمل تداعيات ثقيلة على الاقتصاد العالمي برمته.
واشنطن تصعّد في "يوم التحرير الاقتصادي"وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض رسوم جديدة بنسبة 34% على جميع الواردات الأميركية من الصين، تُضاف إلى رسوم سابقة بنسبة 20%، لترتفع بذلك الرسوم الجمركية المفروضة إلى 54%.
الرئيس الأميركي وصف هذا اليوم بـ"يوم التحرير"، في إشارة رمزية إلى ما اعتبره تحررًا من التبعية الاقتصادية.
وفي حال مضى ترامب قدمًا في تنفيذ تهديداته بفرض 50% إضافية، فإن إجمالي الرسوم الجمركية على البضائع الصينية سيصل إلى 104%، وهو مستوى غير مسبوق في تاريخ العلاقات التجارية بين البلدين. وتثير هذه النسبة القلقة تساؤلات جدية حول قدرة الاقتصاد الصيني على الصمود أمام هذا النوع من الضغوط.
وردًّا على الإجراءات الأميركية، أعلنت الحكومة الصينية فرض رسوم جمركية مقابلة بنسبة 34% على جميع الواردات الأميركية، اعتبارًا من العاشر من أبريل/نيسان الجاري.
إعلانوفي بيان رسمي، وصفت وزارة التجارة الصينية التهديدات الأميركية بـ"الخطأ الفادح" و"الابتزاز العلني"، مؤكدة أن بكين لن تتردد في الدفاع عن مصالحها.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين صينيين قولهم إن الرسوم الأميركية الجديدة تضغط بشدة على المصدرين الصينيين، وقد تؤدي إلى اختناق هوامش الربح لديهم.
ويرى بعض المحللين أن استراتيجية ترامب تعكس رغبة واشنطن في تقليص نفوذ الصين داخل أكبر سوق استهلاكية في العالم، حتى لو كلّفها ذلك تصعيدًا اقتصاديا مفتوحًا.
الميزان التجاري يميل لبكينوتشير بيانات مكتب التمثل التجاري الأميركي (USTR) إلى أن حجم التبادل التجاري في السلع بين الولايات المتحدة والصين عام 2024 بلغ نحو 582.4 مليار دولار، موزعة على النحو التالي:
الصادرات الأميركية إلى الصين: 143.5 مليار دولار، بانخفاض قدره 2.9% مقارنة بعام 2023. الواردات الأميركية من الصين: 438.9 مليار دولار، بزيادة قدرها 2.8% عن العام السابق. العجز التجاري لصالح الصين: 295.4 مليار دولار، ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 5.8% عن عام 2023.ويؤكد هذا العجز الكبير أن محاولات واشنطن لخفض اعتمادها على السلع الصينية لم تُحقق نتائج ملموسة حتى الآن، ما يعكس تعقيدات العلاقة الاقتصادية بين القوتين.
أهم 10 واردات أميركية من الصين (2023):
الإلكترونيات الاستهلاكية: 96 مليار دولار المنسوجات والملابس: 68 مليار دولار المواد الكيميائية: 42 مليار دولار آلات ومواد بناء: 33 مليار دولار المعدات الكهربائية (باستثناء أشباه الموصلات): 30 مليار دولار المعادن الأساسية: 28 مليار دولار الأجهزة المنزلية: 24 مليار دولار معدات النقل: 24 مليار دولار الطاقة النظيفة والبطاريات: 15 مليار دولار الأجهزة البصرية والطبية: 12 مليار دولارأهم 10 صادرات أميركية إلى الصين (2023):
الحبوب والبذور الزيتية: 18.5 مليار دولار النفط والغاز: 17.6 مليار دولار التعليم والوسائل التعليمية: 13 مليار دولار الأدوية: 11.3 مليار دولار قطع غيار ومعدات الطيران: 6.8 مليارات دولار أدوات الملاحة: 6.8 مليارات دولار أشباه الموصلات: 6 مليارات دولار المركبات الآلية: 6.1 مليارات دولار الآلات الصناعية: 5 مليارات دولار منتجات اللحوم: 4.5 مليارات دولار إعلان الصين.. ثاني أكبر اقتصاد وأكبر مصدر عالميورغم الضغوط، ما زالت الصين تحتفظ بمكانتها كقوة اقتصادية عظمى. فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2024 حوالي 134.91 تريليون يوان (18.8 تريليون دولار أميركي)، لتبقى في المرتبة الثانية عالميًا بعد الولايات المتحدة، بحسب بيانات منصة تشاينا بريفينغ.
توزيع الناتج المحلي الإجمالي في الصين (2024) لأبرز القاطاعات:
القطاع الصناعي: 30.1% تجارة الجملة والتجزئة: 10.2% الوساطة المالية: 7.3% الزراعة والغابات وتربية الحيوانات وصيد الأسماك: 7.2% البناء: 6.7% العقارات: 6.3% البرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات: 4.7% النقل والتخزين والشحن: 4.4% خدمات التأجير والأعمال: 4.2% الفنادق والمطاعم: 1.8% فائض تجاري ضخم واستراتيجية تصديرية ثابتةوتُعد الصين حاليًا أكبر دولة مصدّرة في العالم، وتُقيم علاقات تجارية نشطة مع أكثر من 150 اقتصادًا. وقد بلغت قيمة صادراتها في عام 2024 نحو 3.58 تريليونات دولار، بزيادة 5.9% عن العام السابق، بحسب ستاتيستا.
أما وارداتها فبلغت 2.59 تريليون دولار، ما يعني تحقيق فائض تجاري تجاوز 822.1 مليار دولار أميركي.
وتُشكل رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة أبرز شركاء الصين التجاريين.
وسط هذا التصعيد، لا يبدو أن أياً من الطرفين يملك نية التراجع. واشنطن تراهن على الخنق الاقتصادي، وبكين تراهن على الصمود وتعزيز التحالفات التجارية البديلة. ومع تزايد تعقيد المشهد العالمي، يظل السؤال مطروحًا:
هل تنجح الحرب التجارية في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي؟
أم أنها مجرّد حلقة جديدة في صراع النفوذ بين القوتين الأعظم؟