التحليل السياسي: القوى الداخلية والخارجية وتأثيرها على مستقبل السودان
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
زهير عثمان
في ظل الصراع المستمر في السودان، تتشابك الديناميات الإقليمية والدولية مع القوى الداخلية بشكل معقد يؤثر على مستقبل البلاد. تتزامن جهود القوى المحلية في تحديد مصيرها مع ردود الفعل الدولية، وخصوصاً من الولايات المتحدة، التي تلعب دوراً هاما في تشكيل المشهد السياسي السوداني. في هذا الإطار، تبرز تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص، توم بيرييلو، كمؤشر مهم على السياسة الأمريكية تجاه الوضع في السودان.
تصريحات المبعوث الأمريكي توم بيرييلو
أشار توم بيرييلو، المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، إلى موقف حازم حول مستقبل قوات الدعم السريع والجيش السوداني بعد انتهاء النزاع. في تصريحاته، أوضح بيرييلو أن كلا الكيانين العسكريين سيواجهان تحديات كبيرة في المرحلة السياسية المقبلة. وقد ركز على النقاط التالية:
إعادة الهيكلة الأمنية:شدد بيرييلو على ضرورة إعادة هيكلة الجهاز الأمني والعسكري بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوداني. يتضمن ذلك إصلاحات لدمج أو حل الوحدات العسكرية التي قد تشكل تهديداً للاستقرار.
الدمج والتوحيد: أشار إلى أهمية دمج وتوحيد الفصائل العسكرية تحت قيادة مركزية واحدة وضمان خضوعها لرقابة مدنية صارمة. يتطلب هذا إجراء إصلاحات جذرية في تنظيم القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.
مستقبل الكيانات العسكرية: أكد بيرييلو أن استمرار وجود قوات الدعم السريع في المستقبل السياسي للسودان غير مرجح إذا لم يتم دمجها ضمن هيكل الجيش الوطني. شدد على الحاجة إلى تقليص دور الوحدات العسكرية ذات الطابع الخاص التي قد تعيق جهود السلام.
التزام المجتمع الدولي
أوضح أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، سيلعب دوراً حاسماً في دعم عملية إعادة الهيكلة وضمان تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بنجاح.
الانعكاسات على الصراع الداخلي والتحليل السياسي
تأتي تصريحات بيرييلو في وقت حساس يشهد فيه السودان انقسامات داخلية حادة، وخاصة بين الإسلاميين والقوى العسكرية. يظهر من تصريحات المبعوث الأمريكي مدى تأثير الموقف الدولي على الصراع المحلي وتحديد ملامح المستقبل السياسي للبلاد. بالنظر إلى هذه التصريحات، يمكن أن تتزايد الضغوط الدولية على الأطراف السودانية لتحقيق تسوية سلمية، مما قد يعزز من فرص السلام وإعادة بناء الدولة.
يشير بيرييلو إلى ضرورة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية لضمان الاستقرار والسلام المستدام في السودان. مع التأكيد على أن استمرار الكيانات العسكرية غير المدمجة في هيكل الدولة قد يكون غير مجدي سياسياً في المستقبل.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المبعوث الأمریکی
إقرأ أيضاً:
انقسام وشيك للسودان المنهك
زوايا
حمّور زيادة
مع بداية الشهر الثالث والعشرين للحرب في السودان، انقسمت القوى السياسية، وحلّت تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) نفسَها لتتحوّل الى جسميْن برؤيتين مختلفتين. الجانب الذي يضم أغلبية القوى المدنية، والتي كانت جزءاً من تحالف قوى الحرية والتغيير، أعلن برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك تكوين جسم جديد يسعى إلى محاولة وقف الحرب. بينما انحاز الجانب الذي يضم أغلبية الحركات المسلحة، ومعها بعض الذين هاجروا إليها بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول (2021)، لتكوين حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. وهكذا تمضي المجموعة الثانية بسرعة في طريق تقسيم السودان بشكل رسمي، بإحداث وضع حكومتين. ورغم الخسارة الوشيكة لهذه المجموعة العاصمة الخرطوم، التي يمكن أن يعلن الجيش استعادتها في أي لحظة في الأسابيع المقبلة، إلا أنها توجه أنظارها كما يبدو نحو مدينة الفاشر. المدينة المحاصرة منذ أكثر من عام ونصف العام، وتواجه استنزافاً شبه يومي، يوشك أن يتحوّل إلى مذبحة تحت أنظار العالم أجمع.
المدينة التي تشهد وقفة القوات المشتركة لحركات دارفور المسلحة، الخصم القديم والرئيسي لقوات الدعم السريع، تضم مئات آلاف من النازحين، وتقف عقبة أمام إعلان الحكومة الموازية. ورغم المناشدات الدولية والعقوبات، تمضي قوات الدعم السريع في استهداف المدينة، منذرةً بإبادة تواجهها أعراق دارفورية، في استكمالٍ لحرب الإبادة التي دعمها نظام عمر البشير السابق وجنرالات الجيش الحاكمون.
يبدو العالم كما لو ترك الفاشر لمصيرها. تقرّر عن نفسها وعن آخر شكل لوحدة سياسية هشة خرّقتها ثقوب الرصاص. فامتناع المدينة عن قوات الدعم السريع ربما يعيق قليلاً إعلان الحكومة الموازية. وهو ما يبقي السودان، اسمياً فقط، تحت سلطة عسكرية واحدة تحكم من العاصمة البديلة. بينما تُظهر التقارير الإعلامية كيف تحوّلت العاصمة القديمة إلى ركام. استطاعت حربٌ لم تكمل العامين بعد تدمير المدينة التي عاشت حوالي 200 عام، وتوشك أن تدمّر وحدة البلد المنهك بالحروب الأهلية أكثر من نصف قرن.
انقسام القوى السياسية التي اتحدت تحت شعار محاولة وقف الحرب يبدو منطقياً، بعدما تجاوزت الحرب خانة المخاوف، فكل ما تحذّر منه القوى السياسية حدث. وعربة الحرب المندفعة داست على حلم التحوّل الديمقراطي، وأصبح البلد المناضل منذ العام 1958 للخروج من نار الحكم العسكري مندفعاً لمنح السلطة للجيش مقابل الأمان في جانبٍ منه، ومهرولاً لتقسيم البلاد بحكومة محمية ببندقية متهمة بارتكاب جرائم الحرب والتطهير العرقي في جانب آخر.
صادرت البندقية العملية السياسية. وحدثت جرائم الاستهداف العرقي. وزادت قوة المليشيات القديمة والجديدة التي حلّت مكان مليشيا "الدعم السريع" في التحالف مع الجيش. ونظّم قادة الجيش والحركة الإسلامية أكبر عملية غسيل سمعة ليتحول من اعتُبروا سنواتٍ "أعداء الشعب وطغاته" إلى منقذيه وأبطاله.
في الوقت نفسه، يمضي الجيش السوداني في تأكيد احتكاره السلطة المستقبلية، فقائده الذي أعلن، السبت، أن "القوى المساندة للجيش لن تختطف السلطة بعد الحرب"، عاد ليؤكّد، الخميس، أن "الجيش لن يتخلى عن الذين حملوا السلاح وقاتلوا بجانبه، وأنهم سيكونون جزءاً من الترتيبات السياسية المقبلة". تُخبر هذه التصريحات بأن السلطة للجيش، وهو من يحدّد من يشارك معه فيها، وهو من يطمئن القلقين على حصّتهم. يحدُث هذا مع تنامٍ غير مسبوق لتيار شمولي يؤيد بلا تحفظ استمرار الحكم العسكري ظنا أنه جالب الأمان والمظهر الأخير لوحدة السودان.
ما بدأ باشتباكات مسلحة في قلب الخرطوم قبل حوالي عامين تحوّل اليوم إلى أكبر أزمة نزوح في العالم، وحرب تهدّد تماسك البلاد. ولم تنجح القوى السياسية في وقف الحرب، إنما كانت ضحيتها الأولى. تاركة البلاد تواجه مصيرها المحتوم بين بنادق المتقاتلين.
قسّمت الحرب الأهلية الأطول في تاريخ القارّة الأفريقية (1955 – 2005)، السودان إلى بلدين، شمال وجنوب. وتبدو الحرب الأهلية الحالية ماضية إلى تقسيم جديد، شرق وغرب. وهو تقسيم قد لا يصمد سياسياً وقتاً طويلاً، لكن أثره المباشر سيكون مدمّراً على البلاد التي لم يبق فيها ما يُدمّر.
نقلا عن العربي الجديد