سودانايل:
2025-02-02@06:34:33 GMT

نحن و هُم : أزمة الضمير في السودان (2)

تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT

• جبير بولاد

( ما دام ثمة أغنياء و فقراء بالولادة، فأنه لا يمكن أن يوجد عقد عادل، و لا توزيع عادل للشروط الإجتماعية )
إميل دوركايم

.. نستمر في هذه السلسلة في حلقتها رقم (2) الي السير في تتبع البنيات الأولية لأزمة الضمير في السودان، و بدأنا ببنيات الوعي الأولي للنشأة داخل حواف الأسرة ثم المحيط المسؤولان عن تشكلات تصوراتنا عن الآخر ، و كانت بأستمرار تُغذي هذه التصورات عن الآخر في المخيال حول الاختلافات و التمايزات، بالرغم من أن الناظر الي مجتمعات السودانيين من الخارج فأنه لا يري فروقات كبيرة في طبائع حياتهم و أمثالهم و نشاطاتهم و قوانينهم الإجتماعية و في مواسم الزراعة و ما يتبعها من علاقات الأرض او سير الرعي في احزمته الممتدة او طرائق الزي شمالا أو وسطا او شرقا او غربا مع اختلافات طفيفة هنا و هناك اقتضتها اختلافات المناخ و تواريخ تطور الأزياء نفسها .


.. ايضا قلنا ان المجاورة في السكن التي فرضتها المدن حظيت بمزاحمة و شيئا فشيئا نبتت فكرة المعايشة من غير ان يتبعها مشروع ثقافي/ اجتماعي ترعاه الدولة و لكن في نهاية المطاف، قانون الصدفة و الذي يلعب دورا كبيرا في الحياة السودانية، لعب دوره و نبتت الوشائج في المدن و الاحياء الشعبية و أقصد بقانون الصدفة هو الأمر الذي يقود الي أشكال جديدة في الحياة دون التخطيط لها، و كان يلزمنا هذا التخطيط في مجتمعات حديثة التكوين تتخلق لتكون فكرة و صُرة لُحمة الشعب فيما بعد ، و كما هو معلوم أن المجتمعات قديمة و لكن فكرة الشعب نفسها حديثة نوعا ما في تاريخ العالم (مقارنة مع تاريخ الدولة الحديثة) ناهيك عن تاريخنا كسودانيين ، إذ أن فكرة الشعب و العمل علي خلق مركزية لها هي عمل منظم و مخطط يقوم به آباء التأسيس (السياسي و الثقافي و الاجتماعي ) من مكونات المجتمعات ككل و بالذات في المجتمعات ذات التعدد اللغوي و الثقافي و الآثني كمثل ما عندنا في السودان .
.. أول نخبة حاولت صياغة مضمون فكرة الشعب كانت في النصف الثاني من حكم المستعمر الإنجليزي ( جمعية اللواء الابيض ) لذلك طبيعيا ان يحدث هذا التساؤل و الذي ما زال مُشتعل حتي الآن حول الهوية، و عدد من المثقفين السودانيين يرونه سؤالا جدليا انصرافيا، أخذ من وقت السودانيين الكثير دون طائل و لكنهم لم يستصحبوا معهم ضرورات نشأته المنطقية، و لا العقبات السياسية و السلطوية التي حالت دون حسمه من وقت مبكر، و لذلك تفجّر فيما بعد السؤال بقوة لتقوم عليه ايدولوجيات سياسية (قومية) و كيانات مقاتلة ( حركات التمرد) .
.. عندما نتحدث عن الوطن، فلكل ذات تولد ( الفرد أو المجموعة) تصورها عن الوطن بطبيعة الحال، هذا التصور يتمرحل مع سنوات العمر و تفتحات الوعي المستمرة، و لكنه يأخذ معناه الاسمي في الوطن الكبير ، الذي يمثل الشراكة في الأرض التي تجمع بين مجتمعاتها فكرة المواطنة و حقوقها و شعور الذات بتمثل كل ذلك عن رضا و قناعة و وشيجة محبة و هذه التوليفة لا تأتي مجانا، بل يلزمها عمل دؤوب من قادة الدولة و مثقفيها و سياسيها و رموز مجتمعاتها و ينطوي كل ذلك تحت مشروع ثقافي/ اجتماعي يعلي بأستمرار من الشعور تجاه الوطن و ينمي روح الإنتماء إليه بدءا من الاسرة كأول نواة للذات ، حينها يكون الشعب له دلالته الحية في رحم دالة الوطن و هذا بطبيعة الحال لم يحدث عندنا بهذا النسق الذي أشرنا إليه، فقد كان دوما الوطن مفصّل علي شاكلة و عقلية من قادوا الدولة السودانية في حقبها المتلاحقة و صغروا و قزموا صورة الوطن منذ تقسيمة ال(نحن) و ال(هُم) والتي ظلت توسع الفجوة بأستمرار في مخيال الذات في أولي تشكلاتها و هذا الأمر تمظهر لاحقا في خلق تراتبية اولاد البلد و الآخرون التُبّع مما أسفر عن ظاهرة حركات التمرد كحركات حركتها مخاوف المستقبل من المستعمر المحلي الجديد ، لذلك كانت أولي دفوعات تمردها هي تحرير السودان! و هنا يأتي السؤال الذي يازور عنه العقل السوداني الصفوي الذي تحّكم و تسّيد المشهد السياسي و الثقافي و الاجتماعي السوداني، ممن يكون التحرير الذي ينادي به شركاء الوطن ؟ و لماذا التمرد لم يكن شعاره التغيير فقط، أي تغيير السلطة و دلف مباشرة الي مفردة التحرير ؟!
.. للإجابة علي هذه الاسئلة تلزم شجاعة قوية لم تسعف توليفة السلطة(سياسية / ثقافية/ اجتماعية ) حيث جِبن الضمير لديهم عن الإجابة و اختاروا البقاء في حضن الامتيازات التي تمثلت في حق التمثيل الثقافي و الرأسمال الإجتماعي و ضمان الوظائف المتعلقة بأحتكار السلطة من خلال ضمير أضمر أبعاد الآخرين من شركاء الوطن و قليلي الحيلة في تلك الأوقات المبكرة من عمر الدولة السودانية و كان الذي يتمشق عناء الإجابة من هذه الصفوة، تأتي إجابته مثل افعي تتلوي في الاحراش لا تكاد تستبين رأسها من ذيلها .
نواصل

jebeerb@yahoo.com
//////////////////////  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الاعيسر: ندين بشدة الهجوم الإرهابي الغادر الذي شنته ميليشيا الدعم السريع المتمردة على سوق صابرين

‏ندين بشدة الهجوم الإرهابي الغادر الذي شنته ميليشيا الدعم السريع المتمردة على سوق صابرين في مدينة أم درمان اليوم، والذي أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين الأبرياء، بينهم أطفال ونساء وكبار السن، بالإضافة إلى دمار واسع في الممتلكات الخاصة والعامة.‏يُضاف هذا العمل الإجرامي إلى السجل الدموي لهذه الميليشيا، بعد قصفها لمدينة الفاشر ومعسكرات النازحين والأحياء السكنية في مدينة أم درمان ومناطق أخرى من السودان، ما يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني.‏إن حكومة السودان تقف إلى جانب أسر الضحايا وكل المتضررين من هذا الهجوم الإرهابي، وكذلك الهجمات السابقة في مناطق أخرى، وتدعو المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى تصنيف هذه الميليشيا كمنظمة إرهابية، ومحاسبة المسؤولين عن القتل الجماعي وهذه الجريمة البشعة، وعلى رأسهم المتمرد الهارب محمد حمدان دقلو، وكذلك الدول التي تمده وميليشياته والمرتزقة بالأسلحة التي أودت بحياة المدنيين الأبرياء.‏وفي الوقت ذاته، نؤكد على ضرورة حماية المدنيين في جميع الأوقات وفي كافة مناطق السودان، وضمان عدم تعرضهم لأي تهديدات. كما نجدد التزام حكومة السودان الكامل بحماية شعبها، ودعم المؤسسة العسكرية الشرعية ممثلة في القوات المسلحة السودانية، لمواصلة تضحياتها في الدفاع عن الشعب السوداني، والعمل على إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد.‏خالد الإعيسر‏وزير الثقافة والإعلام‏الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • قيادية بحماة الوطن: أرضنا لا تقبل المساومة.. والشعب سطّر ملحمة في دعم فلسطين
  • الاعيسر: ندين بشدة الهجوم الإرهابي الغادر الذي شنته ميليشيا الدعم السريع المتمردة على سوق صابرين
  • خارجية النواب: احتشاد المصريين أمام معبر رفح رسالة للعالم برفض فكرة تهجير الفلسطينيين
  • مدير «أطباء بلا حدود»: أزمة السودان الإنسانية كارثية
  • «المفتي»: الأمن في الأوطان هو المظلة التي تحفظ المقاصد الشرعية
  • مستجدات أزمة الجوع في السودان
  • عود العُشر !!الارض تتململ تحت اقدام الجيش !!
  • نهيان بن مبارك يكرم خريجي برنامج “مستقبلي” الذي نظمه صندوق الوطن
  • تحيةٌ لمن ثبتوا في أوقات الشدة!
  • الأوطان والأماكن كلها تشتاق لك