زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن التعليق الصوتي للدكتور الواثق كمير على "مفاوضات جنيف" الذي طالب فيه أن يكون مدخلا لحوار بين المهتمين بقضايا السياسة، و المحلليين السياسيين، و حتى قيادات القوى السياسة، و يعتبر محاولة ذكية و جيدة؛ أن ينقل الحوار من حالة الاستقطاب الحاد في المجتمع، إلي حوار فكري يساعد على تقديم آراء و تصورات ليست فقط توقف الحرب حتى تتعدها لما بعد الحرب.
يوضح دكتور الواثق أن هناك ثلاثة عوامل هي التي جعلت أمريكا تسرع بعقد " مفاوضات جنيف" و الاسراع نفسه هو عرضة للخطأ و عدم تجويد الأجندة بالصورة المطلوبة، و العوامل هي :-
1 – الحسابات الأمنية خاصة إلي إثيوبيا، و التي جعلت الميليشيا تحاول الزحف إلي الحدود السودانية الأثيوبية.
2 – تحولات القيادة السودانية العسكرية في المجال الدولي إلي روسيا و إيران و هي بالفعل سوف تؤرق الإدارة الأمريكية.
3 – الدورة الانتخابية المقبلة في أمريكا، و هي تتعلق بموقف الحزب الحاكم الآن " الديمقراطي" معنى أن يتم استغلالها في الدعاية الانتخابية.
أشار الواثق إلي دور المبعوث السويسري للقرن الأفريقي، و الذي زار بورتسودان و التقي بالقيادات فيها السياسية و العسكرية، و أيضا زار السعودية، و يعتقد الواثق ربما تكون " مفاوضات جنيف" هي من ترتيب المبعوث السويسري بما فيها فكرة نقل المفاوضات من جدة إلي جنيف، و ربما هذه الترتيبات هي التي جعلت أمريكا تعتمد على الترتيبات السويسرية لذلك لم تنظر للأجندة بشكل موضوعي انما نظرت للمشاركين، و ماهية شروط نجاح المفاوضات.. و بخصوص حضور الأمارات " لمفاوضات جنيف" باعتبارها من المراقبين في المحادثات هل حضور موفق.. يعتقد دكتور كمير مادام الأمارات تعتبر هي كفيل للميليشيا و تقدم لها الدعم، لذلك يجب أن يكون الحديث معها مباشرة لأنهاء دورها بالصورة المطلوبة.
بعد ما قدم الدكتور كمير تصوره المقرون بتحليل لمجريات الأزمة، طرح سؤالأ مهما: هل لقاء الجنرالين سوف يفلح في وقف الحرب؟ خاصة أن أمريكا و المبعوثين الأوروبين يعتقدون أن المفاوضات بين الجنرالين وجها لوجه هو الطريق الأمثل الذي سوف يؤدي إلي وقف الحرب خاصة أن الميليشيا قد فقدت السيطرة على قواتها على الأرض، و بالتالي تحتاج إلي قائدها لكي يساعد على السيطرة عليها.. هل هذه رغبة الميليشيا أم رغبة الأمارات؟
الحوار بصوت عال مسألة ضرورية بين مثقفي التيارات الأخرى إلي جانب النخب السياسية بحثا عن الحلول للأزمات المتلاحقة للمشكل السوداني.. لكن السؤال نفسه هل أمريكا نفسها وسيطا نزيها يمكن الاعتماد عليه؟ أن تاريخ العلاقة بين السودان و أمريكا يشير لعدم الثقة في علاقة البلدين، ليس فقط في مرحلة الإنقاذ، و لكن قبل الانقاذ و خاصة في الديمقراطية الثالثة. التجارب تؤكد أن أمريكا دائما تبحث عن مصالحها الذاتية في المقام الأول، دون مراعاة لمصالح الآخرين، و هل أمريكا نفسها هي بعيدة عن محاولة الانقلاب التي قامت بها الميليشيا و فشله الانقلاب كان سببا في الحرب المستمرة الآن.. و هل أمريكا ليس لها علم أن الأمارت هي التي تدعم الميليشيا بالسلاح و كل العتاد المطلوب في الحرب؟ و لماذا أمريكا همها الأول هو إيجاد مخرجا للأمارات حتى لا تقع تحت طائلة القانون الدولي..
أن إصرار الرباعية التي كانت تقودها أمريكا الرهان على مجموعة بعينها في فترة "الإتفاق الإطاري" دون النظر ألي المكونات الأخرى، إليست هي التي قادت إلي الحرب، هنا يأتي الخوف، أن تكون مجهودات أمريكا الهدف منها الوصول لعملية " تسوية " بين الجيش و الميليشيا لكي تعيد أجندة " الاتفاق الإطاري" بذات الكيفية التي كان عليها.. و هذا هو الذي تريده دولة الأمارات و ساعية إليه، و لا يمكن أن تعتبر دولة أحد الفاعلين الذين قادوا للحرب و في نفس الوقت أن تكون وسيطا نزيها..
المشكل يا دكتور الواثق في القوى السياسية التي تنتظر دائما الخارج أن يأتي لها بالحلول. كان " الإتفاق الإطاري" فكرة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي " مولي في" و لم تستطيع القوى السياسية إدارته بجدارة، نظرت إليه بأنه يمث آليتها للسلطة.. و بعد الحرب أكتشفت أمريكا و الاتحاد الأوروبي أن قيادات الإطاري أصبحت غير مقبولة شعبيا، فجاءت وزارة الخارجية الأمريكية بفكرة "تقدم" و قيادات مستقلة، و أيضا فشلوا في إدارتها بتوقيعهم على إعلان سياسي مع الميليشيا في أديس أبابا.. و مجموعة أخرى مغايرة عينها أيضا على السلطة بديلا لمجموعة " تقدم و قحت المركزي" إذا التفاوض سوف يكون محصورا في العمل العسكري بعيدا عن السياسي، و بالتالي مستقبل العمل السياسي يتحدد مساره بنتائج التفاوض إذا تم بين الجانبين. و لا اعتقد أن هناك قوى سياسية تستطيع أن تدخل حوارا كما تطالبهم و هؤلاء لا يملكون أي تصورات للحل غير الصعود للسلطة. نسأل الله حسن البصير.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هی التی
إقرأ أيضاً:
الأردن: متى حوار المخاطر؟
تحول طرح السؤال إلى حالة هوس جماعي، ما الذي يتوجب علينا كأردنيين أن نفعله؟
بكل بساطة وصراحة لا تخلو جلسة أو ندوة أو لقاء أو سهرة عشاء اليوم في عمان من طرح هذا السؤال الذي يربطه طارحوه بفكرة المخاطر التي لم يعد من الحكمة إنكارها في مواجهة برنامج تصاعدي لليمين الإسرائيلي، يريد الاستثمار في فروقات غياب الضمير الإنساني عما يجري في غزة ولبنان والضفة الغربية لصالح تصفية القضية الفلسطينية.
الأهم من طرح السؤال هو الإصرار على طرحه مرة تلو الأخرى وبلا كلل أو ملل، الأمر الذي نعتقد أنه يتوجب أن تقف الدولة ومراكز القرار لتوفير إجابة من أي صنف قائمة ليس فقط على الخطاب الرسمي المساند للشعب الفلسطيني ولكن على الثوابت المعلنة.
الأكثر أهمية التفصيل في الإجابة على الأسئلة، بمعنى رسم خارطة طريق حول كيفية الوصول إلى الالتزام بتلك الثوابت.
الإصرار هنا مؤشر فعلي على أن المنشغلين بالهم الوطني جميعا لا يستمعون للإعلام الرسمي ولا يثقون بوجود سردية أو رواية حكومية حتى الآن، لا بل يتصورون بأن النص الرسمي غائب في مرحلة حرجة جدا وحساسة.
ذلك بدون مواربة يعني أن الناس تبحث عن جواب وتريد إجراءات ملموسة ومحسوسة في طريق طرح الأجوبة.
يمكن احترام وجهة النظر التي تقول بأن الزوايا الأردنية حصرا ينبغي أن لا تنشغل بالمزيد من النقاشات والحوارات بقدر ما ينبغي أن يتم التركيز على دعم المقاومة في غزة وفي الضفة الغربية وفي لبنان باعتبار معركتها الحالية مع الكيان والعدو ونهاياتها ونتائجها تؤثر سلبا أو إيجابا على كل ما يتصل بمصالح الأردن.
وجهة النظر تلك تقول: لا حوارات ولا منتديات ولا نقاشات والخيار الوحيد أمام الشعب الأردني ومؤسساته هو ترك الفرجة، وإضفاء خاصية الإصغاء والتريث والتحرك أمس وليس اليوم أو غدا نحو دعم صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني، حيث لا حلول وفقا لوجهة النظر تلك أمام الأردني إلا الصمود لا بل انتصار المقاومة، فيما يمكن لاحقا مناقشة الملاحظات على مكونات العمل والفعل الفلسطيني ومناقشة القضايا الهامشية الفرعية التي تجيب على أسئلة الهوية والمستقبل.
«ماذا نحن فاعلون»؟ يطرح الأردنيون هذا السؤال منذ يوم 7 أكتوبر
صحيح أن مثل هذا الرأي تتبناه قطاعات عريضة من المثقفين والسياسيين الأردنيين. ولكن الصحيح أيضا أن الاتجاه الأفقي قد يكون ذلك الذي يقترح المبادرة فورا للإجابة على سؤال «ماذا نحن فاعلون»؟
يطرح الأردنيون هذا السؤال منذ يوم 7 أكتوبر.
يختلفون في القراءة والتوقع والتكهن وأحيانا في الموقف، لكن يتفقون تماما على أن وجدان الشعب بكل طاقته يتجه نحو ما يحصل في غزة ويجتاحه التوجس والقلق على المستقبل، بعدما أسقط العدو الإسرائيلي في جرائمه العلنية بحماية الحليف والصديق الأمريكي كل الاعتبارات الأخلاقية والقانونية وحتى الحربية والعسكرية.
لا مجال للقول الآن بأن الأردن معني قبل الشعب الفلسطيني بأي فعل معاكس للجرائم الإسرائيلية.
لكن لا مجال إطلاقا بالمقابل لإنكار حاجة الأردنيين الملحة للدفاع عن مؤسساتهم ودولتهم وأرضهم بعد ارتفاع حاد في منسوب إحساسهم بالمخاطر التي لا ندري كيف يتجرأ بعض كتاب التدخل السريع أو «الباص السريع» على إنكارها.
الوقت يمضي كالسيف والأحداث تتدحرج وكل الاحتمالات واردة، ولا توجد صيغ للدفاع عن الأردن واحتواء مشاعر القلق إلا بتدشين حوار وطني عميق لم يعد من اللائق ولا حتى الأخلاقي عمليا لا مهاجمته دون أن يبدأ ولا تأخيره بدون مبرر.
الحوار الوطني السريع والعميق ضروري جدا، وخطوة ملحة لتوحيد فهم الأردنيين لفكرة المخاطر، وبالتالي لتوحيد الرؤية في مجال ترسيم استراتيجية وطنية شاملة لدرء تلك المخاطر.
كل الشعارات والهتافات المطروحة ومن كل الألوان ووجهات النظر اليوم، لا يمكن تأطيرها إلا بحوار وطني عميق بين مؤسسات الدولة والقوى المدنية والشعبية، بما في ذلك خطابات الأردن أولا، وشعارات صلابة الجبهة الداخلية وتوحيدها وبما في ذلك هتافات الحرص على الأمن والاستقرار بصرف النظر عن هوية من يطرحها من موظفي الدولة والحكومة أو من قادة الإخوان المسلمين.
كل ما يقال الآن في المساحة الحيوية لمقتضيات الحرص على الوطن يحتاج إلى حوار معمق لا يقف عند تعريف المخاطر والاتفاق على تعريفها بل يتجه نحو تعريف تقنيات وأساليب وبرامج مواجهة تلك المخاطر ولو بالحد الأدنى من التوافق الاجتماعي.
نضم صوتنا للقائلين بأن سلامة مصالح المستقبل الأردني مرتبطة مع كرامة الأمة كلها بصمود المعذبين في غزة وجنوب لبنان.
ونضم صوتنا أيضا لمن قال بأننا فعلناها بالأردن حيث تم تدشين حوار وطني ولجان استشارية في قضايا أقل أهمية بكثير من مخاطر المرحلة وأطماع وهجمات اليمين الإسرائيلي، لماذا لا نفعلها اليوم؟
بالتوازي يتوجب أن لا ننسى أن الدولة لها حساباتها على طاولة أي حوار.
القدس العربي