أربعة أسباب وراء حذر الصين إزاء "طريق التنمية" العراقي
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
يتمتع العراق جغرافياً بنعمة ونقمة، فهو يقع عند مفترق الطرق بين آسيا وأوروبا، وتحده المملكة العربية السعودية وإيران، وهما قوتان إقليميتان كبيرتان. ولكن على الرغم من احتياطياته النفطية الهائلة، فإن ساحل العراق الذي لا يزيد طوله على 36 ميلا (58 كيلومترا) يحد من وصوله المباشر إلى المياه الدولية. ولتصدير الطاقة، يعتمد العراق على تمرير نفطه في شبه الجزيرة العربية عبر الخليج العربي والبحر الأحمر وقناة السويس للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط.
وهذا يجعل السلام في المياه المحيطة والعلاقات الطيبة مع الدول المجاورة أمرا بالغ الأهمية لشريان الحياة الاقتصادي للعراق. ولتوسيع التجارة وتنويع اقتصاده، يخطط العراق لتطوير "طريق التنمية" بطول 1200 كيلومتر، وهو ممر مزدوج يجمع بين السكك الحديدية والنقل البري. ويبدأ من ميناء الفاو على الخليج العربي، فيمر عبر البصرة والمناطق الغنية بالنفط، ويمتد شمالا إلى الحدود التركية.
وبدعم من إيران وتركيا، يهدف هذا المشروع إلى إنشاء مسار أوراسي بديل، يتجاوز قناة السويس ويكمل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) قيد الإنشاء. ولا ريب في أن تنفيذ مشروع "طريق التنمية" بنجاح سيعزز فرص العمل المحلية، ويسهل التجارة عبر القارات، ويُنشئ مناطق اقتصادية خاصة ومدنا جديدة تركز على التنمية الخضراء، وبالتالي سيدعم واقعا جديدا يمثل الرافعة الاقتصادية ومشاريع أخرى غير النفط.
غير أن مشروع طريق التنمية يصطدم بجملة من التحديات الأمنية والاقتصادية، فقد تضافرت عقود من الحرب لتضعف التماسك السياسي للعراق. ولأن "طريق التنمية" سيكون ممرا محتملا للتجارة الأوراسية، فلا بد من ضمان التدفق الحر للبضائع من خلال هيكل أمني قوي. فمن الذي سيقدم مثل هذا الضمان الأمني؟ ومن الذي سيضمن استمرار الإرادة السياسية في تنفيذ مثل هذا المشروع الضخم عبر القيادات والإدارات المتعاقبة؟ وفوق ذلك، يعتمد النجاح المستقبلي لطريق التنمية على نمو تجاري قوي بين آسيا وأوروبا، وخاصة بين الصين وأوروبا، سوى أن الانقسام التجاري الحالي بين الغرب والصين، جعل أوروبا تشرع في تطبيق مخططات التعريفة الجمركية على بعض المنتجات الصينية وعلى رأسها السيارات الكهربائية الصينية، وتحويل سلاسل التصنيع والإمداد التجارية بعيدا عن الصين إلى دول آسيوية أخرى. ولا يُتوقع في العقد القادم أن ينمو حجم السلع المتبادلة بين الصين وأوروبا بشكل كبير. وهذا أمر إشكالي لأن طريق التنمية يعتمد على أحجام تجارية عالية لتعويض تكاليف البناء والتشغيل، وتقلص التبادل بين المنطقتين لا يبشر بالخير في ما يتعلق بالجدوى المالية والاستدامة الاقتصادية لمثل هذا المشروع الضخم للبنية التحتية.
طريق التنمية كمكمل لمبادرة الحزام
ثمة كثرة ممن يتساءلون عما إذا كان طريق التنمية في العراق بديلا لمبادرة الحزام والطريق الصينية أم مكملا لها. تهدف مبادرة الحزام والطريق إلى تحديث التجارة الأوراسية من خلال إنشاء روابط بنية تحتية وممرات تجارية لم تكن موجودة من قبل. وبالفعل، تربط شبكات السكك الحديدية القارية الأوراسية اليوم التجارة من الساحل الشرقي للصين عبر آسيا الوسطى إلى أوروبا الغربية. وتربط مبادرة الحزام والطريق أيضا الممرات البرية من جنوب غرب الصين إلى ميناء جوادر في باكستان، حيث تبحر البضائع المتداولة عبر قناة السويس إلى أوروبا الغربية. ولأن "كل الطرق تؤدي إلى روما"، فلا يوجد طريق حصري، ولذلك فإن وجود ممر نقل محتمل بين العراق وتركيا، يمكن للبضائع الصينية أن تشحن من ميناء جوادر في باكستان مباشرة عبر الخليج إلى ميناء الفاو في العراق. وهذا الطريق سيجعل الشحن الصيني أسرع وأقل تكلفة من البضائع المماثلة التي تصدرها منافستها الدولية– الهند، وبالتالي فهو يقدم ميزة كبيرة للصين.
ولكن لـ"طريق التنمية" منافس آخر. إنه ممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا الاقتصادي (IMEC) الذي يتميز بالطموح ذاته، ولكن بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. ويهدف ممر النقل المتعدد الوسائط هذا إلى تعزيز الروابط التجارية بين الهند، التي تبرز اليوم كمركز تجاري عالمي والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين تتمتعان بفوائض تجارية كبيرة وتخضعان لتحولات اقتصادية كبيرة، وإسرائيل، حليفة الولايات المتحدة الرئيسة وإحدى رائدات التكنولوجيا العالمية، وأوروبا، سوق المستهلك النهائي. ونظرا لأهمية الهند المتزايدة في التصنيع العالمي والتكامل الاقتصادي بين البلدان المشاركة، فإن ممر الهند- الشرق الأوسط-أوروبا على استعداد لخلق نموذج جديد للتجارة العالمية.
وبالتوازي تقريبا، سيصبح "طريق التنمية" وممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا في موقع المنافسة المباشرة. وفي ظل المشهد الجيوسياسي الحالي، صُمم طريق الهند- الشرق الأوسط- أوروبا على النحو الأمثل لتسهيل التجارة من الهند إلى أوروبا، في حين سيدعم "طريق التنمية" في المقام الأول التجارة من روسيا والصين.
الصين حذرة إزاء "طريق التنمية" العراقي
لقد جمعت الصين، طوال العقد الماضي، أكثر الخبرات تطورا في مجال هندسة البنية الأساسية والعمران في العالم. ورأينا أثر ذلك في قيام العاصمة الإدارية الجديدة في مصر في وسط الصحراء الكبرى في زمن قياسي، وفي الأنفاق وناطحات السحاب في "نيوم"، المدينة المستقبلية في المملكة العربية السعودية، وهي أدلة حية على الإنجاز الهندسي للصين.
ولم تتخلف الصين عن المشاركة بنشاط في إعادة إعمار العراق بعد الحرب. وهي أكبر بانٍ لمحطات الطاقة العراقية، حيث توفر طاقة تزيد على 6200 ميغاواط، بما في ذلك محطة الطاقة في البصرة. وطورت الشركات الصينية مرافق النفط والغاز الطبيعي المسال ومصانع معالجة المياه والمطارات والمدارس. وتعد الصين، إلى ذلك، أكبر شريك تجاري للعراق، وقد رفع البلدان علاقاتهما الدبلوماسية إلى شراكة استراتيجية.
الجدوى المالية للمشروع غير مؤكدة، فقد رفعت الميزانية الأصلية لبناء ميناء الفاو عند إنشائه وتأخر موعد الانتهاء منه إلى عام 2025
ومع ذلك، وعلى الرغم من كونها شريكا حيويا في البنية التحتية والتجارة، فإنها اتخذت موقفا حذرا بشأن مبادرة "طريق التنمية" العراقية البالغة 17 مليار دولار لأربعة أسباب رئيسة:
أولا، يواجه المشروع مشكلة محتملة بسبب اختلاف معايير البناء والهندسة. فقد حصلت شركة "دايو" الكورية الجنوبية على عقد بناء بقيمة 2.6 مليار دولار لميناء الفاو للمياه العميقة، والذي يشكل نقطة انطلاق "طريق التنمية"، بينما أجرت شركات أوروبية معظم دراسات الجدوى الأولية لـ"طريق التنمية". ومن المحتمل أن تؤدي التفاوتات في معايير البناء والهندسة بين الغرب والصين إلى تكاليف إضافية للمشروع وتأخيرات.
عدم كفاءة الحكومة وفسادها سيعيقان التنفيذ
ثانيا، الجدوى المالية للمشروع غير مؤكدة. فقد رفعت الميزانية الأصلية لبناء ميناء الفاو عند إنشائه وتأخر موعد الانتهاء من المشروع إلى عام 2025. وتتضمن خطط "طريق التنمية" الحالي بناء خمس عشرة محطة على طول الطريق، وهو مسعى ضخم. والصين غير مقتنعة بأن عائدات النفط الحكومية ستكون كافية لتغطية التمويل اللازم، عند بناء نظام نقل مزدوج للسكك الحديدية والطرق البرية عبر العراق.
ثالثا، لا تزال الأخطار السياسية والأمنية المحيطة بمشروع البنية التحتية الضخم قائمة. فعدم كفاءة الحكومة وفسادها سيعيقان تنفيذ مشروع عملاق كهذا، كما أن السعي وراء الريع سيعيق تنفيذ الخطة، الأمر الذي يتطلب الشفافية في عمل الحكومات الإقليمية وخضوعها للمساءلة. كما أن عدم الاستقرار داخل الحكومة، ولا سيما التطرف العنيف في إقليم كردستان حيث يمر طريق التنمية، قد يؤدي إلى شل النقل على الطريق إذا اندلعت أعمال العنف.
رابعا، الصين ليست متحمسة لأنها ببساطة تتوفر على بدائل. ففي يونيو/حزيران الماضي، اتفقت الصين وأوزبكستان وقرغيزستان على بناء خط للسكك الحديدية يربط كاشغار في شينجيانغ، مع شرق أوزبكستان مرورا بجنوب قرغيزستان. وسيرتبط خط السكك الحديدية الجديد، الذي تبلغ تكلفته خمسة مليارات دولار، بشبكات السكك الحديدية الحالية في تركيا وأوروبا الغربية. كما يتخطى الممر البري الجديد الممتد من غرب الصين إلى أوروبا الغربية، كلا من روسيا والبحر الأحمر المثيرتين للجدل من الناحية الجيوسياسية، وهذا يمثل اختراقا كبيرا في مجال البنية التحتية للنقل بين أوروبا وآسيا. يبدو هذا البديل، مقارنةً بالمرور عبر العراق إلى تركيا، أكثر جدوى من الناحية المالية وأقل اضطرابا من الناحية الجيوسياسية وأكثر قابلية للتحكم فيه مع اكتمال البناء.
أخيرا، لعل الافتراض بأن الصين ستدعم "طريق التنمية" تلقائيا بسبب علاقاتها التجارية والاستثمارية المتزايدة مع العراق وانحيازها المعلن إلى الجنوب العالمي، قد لا تكون في محلها تماما، كما يبدو.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار السکک الحدیدیة أوروبا الغربیة طریق التنمیة الشرق الأوسط میناء الفاو إلى أوروبا الصین إلى
إقرأ أيضاً:
تحالف الفتح يكشف عن القرار الاستثنائي.. قطع طريق الشر على حدود العراق - عاجل
بغداد اليوم - بغداد
أكد القيادي في تحالف الفتح عدي عبد الهادي، اليوم السبت (21 كانون الأول 2024)، أن قرارا استثنائيا قطع "طريق الشر" على حدود العراق مع سوريا.
وقال عبد الهادي لـ"بغداد اليوم"، إن "العراق عقب سقوط مدينة حلب في قبضة الجماعات المسلحة أدرك بأن الوضع سيذهب باتجاهات متعددة واتخذ قرارا استثنائيا بتعزيز أمن الحدود بشكل فوري من خلال ارسال المزيد من القطعات مع إعطاء الأمر اولوية استراتيجية".
وأضاف، أن "قرار بغداد الاستثنائي في التعامل مبكرا مع ملف أمن الحدود بكل تحدياته قطع طريق الشر على حدود العراق مع سوريا لانه لا يمكن الوثوق بتعهدات تنظيمات تحمل افكارا متطرفة ولو تأخرنا قليلا لحصل تسلل بعض الخلايا النائمة للعمق بهدف إثارة الفوضى".
وأشار الى أن "إبقاء زخم خطوط النار على الشريط الحدودي مع سوريا، قرار استراتيجي يجب عدم التساهل به لانه ملف أمن قومي ويجب الانتباه كون التحديات كبيرة"، مؤكدا، أن "مسك الحدود بقوة هو من أوقف مخططات واجندة خبيثة كان يراد تطبيقها ونقلها الى العراق".
وبينما تتعاظم مخاوف العراق من اختراق حدوده، بدأت بغداد في تحصين الحدود المشتركة مع سوريا، في ظل تسارع سيطرة الفصائل المسلحة على الأراضي في داخل سوريا.
العراق رفع حالة التأهب العسكري ونشر تعزيزات عسكرية شملت 3 ألوية من الجيش ولواءين من قوات الحشد الشعبي على طول الحدود مع سوريا.
وعززت الحدود التي تمتد لأكثر من 620 كم، بخطوط دفاعية متلاحقة، شملت موانع تعتمد على أسلاك منفاخية وشائكة وسياج بي آر سي وجدار كونكريتي وخنادق، فضلا عن العناصر البشرية وكاميرات حرارية، لرصد وصد أي هجمات أو تسلل حدودي.