أزمات متتالية: إلى أين تسير العلاقات التركية الإسرائيلية؟
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
مع استمرار العدوان على غزة، تتكرّر التوترات والأزمات بين تركيا و"إسرائيل" بشكل متصاعد، وآخرها تصريح أردوغان بخصوص إمكانية التدخّل العسكري لبلاده والتي ردّ عليها وزير خارجية الاحتلال بتهديده بمصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ثم حداد تركيا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي تحول لأزمة إضافية بين الجانبين.
خلال حديثه بين كوادر حزبه وأنصاره، وفي معرض رده على انتقادات بعض أحزاب المعارضة على موقف الحكومة الرسمي تجاه حرب الإبادة في غزة والعلاقة مع دولة الاحتلال، أكد الرئيس التركي قبل أيام أنه وجه دعوة للرئيس الفلسطيني محمود عباس لإلقاء خطاب أمام مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان) كردٍّ على خطاب نتنياهو أمام الكونغرس.
بيدَ أن التصريح الأكثر إثارة للاهتمام كان حديث أردوغان عن أن على بلاده أن تصبح قوية جدًا "حتى لا تفعل إسرائيل ما تفعله بالفلسطينيين"، وأنه "ليس ثمة ما يمنع" أن تتدخل بلاده في فلسطين – أي عسكريًا – كما فعلت في كل من ليبيا وإقليم ناغورني قره باغ بعد أن تتقوى.
ورغم أن التصريح لا يتحدث عن نية أنقرة التدخل العسكري وإنما ينظّر لأهمية قوة تركيا والصناعات الدفاعية فيها تحديدًا لمنع تكرار العدوان على الفلسطينيين، أو لنقل إنه علق سبب عدم التدخل على عدم امتلاك القوة الكافية، إلا أنه استفز ردات فعل غاضبة وحادة من المسؤولين "الإسرائيليين".
فقد هدّد وزير الخارجية يسرائيل كاتس أردوغان بـ "مصير صدام حسين" داعيًا إياه إلى أن "يذكر ما حصل وكيف انتهى الأمر"، كما دعا حلف شمال الأطلسي (الناتو) لطرد تركيا منه موجّهًا سفراءه في الدول أعضاء الحلف للضغط بهذا الاتجاه، كما دعا زعيم المعارضة يائير لبيد أعضاء الحلف لإدانة تصريحه "وإجباره على إنهاء دعمه لحماس". وهي تصريحات ردت عليها الخارجية التركية بأن "مصير مرتكبي الإبادة الحالية لن يختلف عن مصير مرتكب الإبادة السابقة، هتلر".
وإذا كان من اللافت غياب أي تعقيب من الأمانة العامة للحلف وأي عضو فيه، بينما أيّدها السياسي الهولندي المتطرف خيرت فيلدرز، فإن السؤال الأهم يدور حول الدافع لها، ولا سيما في هذا التوقيت. ومن الواضح أن "إسرائيل" سعت لهدفين رئيسيين من هذا التصريح، أولهما إرسال رسالة تحذير وتهديد لتركيا بإمكانية "معاقبتها" في مساحة يمكنها الإضرار بها، وهي العلاقة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو.
وأما الثاني فهو انزعاجها من خطوات تركيا التي كانت سدّت أمامها مسارات للتعاون مع الحلف والتي يمكن أن تتكرر مستقبلًا. فقد كانت أنقرة استخدمت "الفيتو" أمام مشاركة "إٍسرائيل" في أنشطة الحلف بما فيها المناورات بعد أزمة سفينة مرمرة في 2010، قبل أن ترفع تلك القيود تدريجيًا بعد عودة العلاقات، وصولًا لفتح "إسرائيل" مكتب ارتباط في بروكسل كدولة شريكة للحلف.
الأهم، أن الرئيس التركي كان هدد في قمة الناتو الأخيرة بأن بلاده لن توافق على "مبادرات التعاون بين إسرائيل والناتو، حتى تأسيس سلام شامل ومستدام على الأراضي الفلسطينية".
ولئن كان من غير المتصور تجاوب الحلف مع هذا التحريض، لحاجته لأنقرة في عدد من الملفات الحيوية المتعلقة في المنطقة والحرب الروسية – الأوكرانية وغيرها، إلا أن ذلك مما يزيد في حالة التوتر غير المعلنة بين أنقرة وبروكسل. كما أنه لا يلغي مستوى الوقاحة في تهديدات الساسة "الإسرائيليين"، بما في ذلك "التذكير بمصير صدام حسين" والذي يُعدُّ تهديدًا مزدوجًا لأردوغان كشخص بمصير مشابه (أي الإعدام)، ولتركيا كدولة بإذكاء الصراعات الداخلية، وتفعيل سيناريوهات التشتت والفوضى والضعف.
تأبين هنيةوجاءت الأزمة التالية سريعًا جدًا مع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والذي أدانه أردوغان ووصفه بـ "الهجوم الشنيع" و"الهمجية الصهيونية" والاغتيال الغادر "لأخي إسماعيل هنية".
كما شارك العديد من السياسيين والشخصيات العامة التركية في تشييع الشهيد لمثواه الأخير في الدوحة، مع وفد رسمي يتقدمه رئيس البرلمان نعمان كورتولموش، ونائب الرئيس جودت يلماظ، ووزير الخارجية هاكان فيدان، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين، ورئيس لجنة الصداقة الفلسطينية – التركية في البرلمان حسن توران، إضافة لرؤساء عدد من الأحزاب السياسية.
كما أعلنت تركيا يوم الجمعة الماضي يوم حدادٍ وطنيٍّ على هنية، ونكّست الأعلام في البلاد، بما في ذلك العلم التركي على السفارة التركية في تل أبيب. وردًا على ذلك، استدعت الخارجية "الإٍسرائيلية" نائب السفير التركي "لتوبيخه" على ذلك، وقال كاتس؛ إن على طاقم السفارة "الذهاب لتركيا والحزن مع رئيسهم" إذا كانوا يريدون الحداد.
كما دعا وزيرُ الأمن القومي بن غفير، السفيرَ التركي لإنزال العلم والعودة لبلاده علمًا أنه في أنقرة منذ أشهر، وقال رئيس حزب "إٍسرائيل بيتنا" ليبرمان؛ إن "تنكيس العلم التركي وصمة عار كبيرة" رافضًا وجود سفارة في تل أبيب "لدولة وقفت منذ بداية الحرب إلى جانب المنظمات الإرهابية".
أزمات متتاليةتثبت الأزمات المتتالية، والمتعاظمة مع الوقت، بين أنقرة وتل أبيب أن العلاقات بينهما لا تقف على أرضية صلبة. فرغم أن حرب "طوفان الأقصى" أتت في سياق أفضل علاقات ثنائية بينهما منذ 15 عامًا وفي ظل رغبة الجانبين بتطويرها، فإنّ الحقائق فرضت نفسها بشكل لم يمكن تجاهله.
لقد أظهرت الحرب الوجه القبيح الحقيقي للاحتلال، ولم يمكن لتركيا التغاضي عن الجرائم والمجازر المتكررة وفق ما كانت تنوي سابقًا، أي الفصل بين علاقاتها مع تل أبيب وسياسات الأخيرة تجاه الفلسطينيين، لا سيما مع موقف الشارع التركي وأحزاب المعارضة ذات الخلفية الإسلامية والمحافظة.
وقد أعاد ذلك تذكير تركيا بأن مصالحها الجوهرية متناقضة مع "إسرائيل" على عكس ما ادعت بعض التصريحات الدبلوماسية المُجاملة خلال مسار المصالحة والتقارب، من شرق المتوسط للصراع مع اليونان ومن دعم المنظمات الانفصالية إلى التحريض على تركيا في الغرب. كما أعادت الحرب أنقرة لحقيقة أن المشكلة ليست محصورة في شخص نتنياهو، وإنما تنسحب على مجمل النخبة السياسية والعسكرية والأمنية بل ومعظم المجتمع في دولة الاحتلال.
إن توصيف أنقرة لما تقترفه قوات الاحتلال في غزة على أنها إبادة جماعية صحيح ودقيق ونابع من الحقائق والوقائع، وليس مجرد ردة فعل أو خطاب ضاغط عليها، كما أن التصريحات العدائية لأنقرة في دولة الاحتلال بعد الأزمات الأخيرة تظهر موقفها الحقيقي من تركيا وقيادتها وخصوصًا أردوغان.
يضاف لكل ما سبق أن تركيا باتت تنظر إلى حكومة نتنياهو على أنها تسعى لزعزعة الاستقرار في المنطقة بشكل ممنهج ومقصود ومتصاعد. وقد قال أردوغان؛ إنها "خطر على الإنسانية جمعاء" محذرًا من أنه لا أحد يمكن أن يضمن أن "من وضعوا أعينهم على لبنان لن يمدّوا أياديهم القذرة لأماكن أخرى".
وعليه، ينبغي على أنقرة أن تتصرف وفق هذه التوصيفات والقناعات والمستجدات التي أكدت حقائق تم تجاهلها سابقًا لحسابات سياسية مفهومة في سياق التقارب مع تل أبيب. تستطيع تركيا، وينبغي عليها، اليوم وضع كل ما وعدت أو هدّدت به موضع التفعيل، مثل المشاركة في قضية الإبادة أمام محكمة العدل الدولية، والقطع الكامل والنهائي للعلاقات التجارية مع "إسرائيل"، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها.
كما ينبغي، تناغمًا مع توصيف الأخيرة كدولة إرهاب وفعلها كإبادة وحماس كحركة مقاومة لا منظمة إرهابية، تعميق العلاقات مع فصائل المقاومة، وتقديم الدعم الذي يتجاوز الموقف السياسي الحالي – على أهميته – نحو مجالات أخرى، والضغط باتجاه إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع رغمًا عن كل المانعين والممانعين والمماطلين.
ويضاف لكل ما سبق مسارات أخرى لا تقلّ أهمية، مثل التنسيق مع الدول ذات السقف الأعلى ضد الإبادة، والدول ذات التأثير على الساحة الدولية، وتثبيت الفيتو على أي مشاركة لدولة الاحتلال، في، ومع الناتو، وغير ذلك من خطوات تساهم في عزلة الأخيرة والضغط عليها، حيث لا يساهم ذلك فقط في حقن دماء الفلسطينيين وإمكانية وقف العدوان عليهم، ولكن كذلك – وفق قناعة أنقرة الصحيحة مؤخرًا – في حماية المنطقة من مغامراتها التدميرية التي لن تكون تركيا نفسها بمعزل عن ارتداداتها السلبية إن حصلت.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تل أبیب
إقرأ أيضاً:
كيف ينعكس فوز ترامب على العلاقات الأمريكية-التركية؟
أنقرة (زمان التركية) – لا تؤثر الانتخابات الرئاسية الأمريكية على أمريكا فحسب، بل تؤثر أيضًا على التوازنات في جميع أنحاء العالم. وتتابع تركيا عن كثب نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وقد يؤدي إعادة انتخاب دونالد ترامب إلى تغييرات كبيرة في العلاقات مع تركيا بسبب السياسات التي اتبعها في الماضي.
وعلى الرغم من أن رئاسة ترامب السابقة عُرفت بالحفاظ على حوار دافئ مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، فإنها ارتبطت أيضًا بالعديد من الأزمات بسبب النزاعات مع البيروقراطية الأمريكية والكونغرس.
الأحداث الرئيسية في العلاقات التركية الأمريكية خلال عهد ترامبلفت ترامب الانتباه بخمسة عقوبات ضد تركيا خلال فترة رئاسته الأولى. وقد خلقت قضية برونسون، وشراء تركيا لنظام الدفاع الجوي إس-400، وسياسات سوريا العديد من التوترات الدبلوماسية بين البلدين. وعلى الرغم من أن ترامب استمر في إقامة علاقة دافئة مباشرة مع الرئيس أردوغان فإنه لم يستطع منع السياسات القمعية للكونغرس الأمريكي وبيروقراطيته تجاه تركيا.
على وجه الخصوص، كان الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب في سوريا أحد القضايا الرئيسية التي تسببت في مخاوف تركيا الأمنية. وصرح ترامب بأنه يريد سحب القوات الأمريكية من سوريا، لكنه لم يتمكن من تنفيذ هذا القرار بالكامل بسبب البيروقراطية والمقاومة داخل الجيش.
واستمر تعاون الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب، التي تعتبرها تركيا تهديدًا في سوريا، خلال عهد ترامب.
أزمة منظومة إس-400 والعقوباتدفع شراء تركيا لنظام الدفاع S-400 من روسيا الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على تركيا في ظل إدارة ترامب. وجادلت تركيا بأن هذا الاتفاق لا يشكل تهديدًا في إطار الناتو، بينما وضع الجانب الأمريكي بعض العقوبات في نطاق عقوبات CAATSA مدعياً أن هذه الخطوة تهدد أمن الحلف.
وألقى إقصاء تركيا من برنامج مقاتلات F-35 بظلاله على محاولات ترامب لإقامة علاقة إيجابية مع تركيا.
السياسات السورية: التخلي عن الوعود وعملية نبع السلامووعد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا في عام 2018، لكن القرار لم ينفذ بسبب الضغوط السياسية والعسكرية داخل الولايات المتحدة. وأدى الوجود الأمريكي في سوريا ودعمها لوحدات حماية الشعب إلى إطلاق تركيا عملية نبع السلام. وخلال هذه العملية، أعلن ترامب أنه سيسحب القوات الأمريكية من منطقة العمليات، لكن الوجود الأمريكي في سوريا استمر واستمر التعاون مع وحدات حماية الشعب.
وجهة نظر ترامب عن تركيا: البراغماتية والمشاكلعلى الرغم من وصف ترامب بأنه زعيم براغماتي فإنه لم يتمكن من حل المشاكل في العلاقات مع تركيا خلال فترة رئاسته.
ولم تستجب الولايات المتحدة في عهده لمطالب الجانب التركي بتسليمه زعيم حركة الخدمة، فتح الله كولن.
بالإضافة إلى ذلك، أدى دعم ترامب لإسرائيل إلى اختلاف بين تركيا والولايات المتحدة في سياساتهما في الشرق الأوسط، كما برزت قضايا مثل انتقاد الشؤون الداخلية لتركيا وقضية بنك الشعب التركي خلال عهد ترامب مما أدى إلى تعقيد العلاقات بين البلدين.
التطورات المحتملة التي تنتظر تركيا بعد انتخاب ترامبقد تتراجع العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في بعض القضايا بعد انتخاب ترامب. على الرغم من أن ترامب حاول إقامة علاقة وثيقة مع تركيا في فترة ولايته السابقة فإنه هذه المرة قد يحظى بدعم أقوى من البيروقراطية الأمريكية.
يمكن الترحيب بخطوات مثل خفض أو سحب الوجود العسكري الأمريكي في سوريا من حيث أمن الحدود التركية، لكن لا يُتوقع حدوث تغيير جدي في المقاربات العامة في الولايات المتحدة بشأن الموضوعات المسببة للأزمات مثل قضية منظومة إس-400 الروسية.
خلال ولاية ترامب الثانية، لا يزال من الممكن تشكيل حل كل هذه القضايا في ظل تأثير الكونغرس الأمريكي والبنتاغون.
نهج تركيا المحتمل لرئاسة ترامبيمكن لتركيا أن تأمل في تحقيق نتائج إيجابية من سياسات ترامب القائمة على البراغماتية. على سبيل المثال، يمكن النظر في نهج أكثر تعاونًا بشأن قضايا مثل الحد من الدعم لوحدات حماية الشعب والعمل على إقامة مناطق آمنة في سوريا. ومع ذلك، فإن التطورات المحتملة في السياسة الداخلية الأمريكية ونوع الموقف الذي سيتبعه ترامب، خاصة في السياسة الداخلية، ستكون مواضيع مهمة تعني تركيا.
ومن بين العوامل الحاسمة في هذه العلاقات هو رد فعل تركيا على سياسات الدعم الأمريكية تجاه إسرائيل أو موقفها من قضايا مثل قبرص.
كيف سينعكس انتخاب ترامب على تركيا؟قد توفر رئاسة ترامب فرصًا لتركيا في بعض النواحي، غير أنها قد تجعل من الصعب حل الأزمات المستمرة في بعض المناطق. وستحاول تركيا الاستفادة من رياح التغيير التي أطلقها ترامب في السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، لكن سكون أحد أهم العوامل التي ستحدد كيفية تشكيل العلاقات بين البلدين هو ما إذا كانت الرئاسة ستجر ترامب مرة أخرى إلى نفس الأزمات.
Tags: الانتخابات الرئاسية الأمريكيةالعلاقات الأمريكية التركيةدونالد ترامبرجب طيب أردوغان