حث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على المشاركة في المحادثات المقرر عقدها الأسبوع المقبل في سويسرا، في حين أفادت منظمة "أطباء بلا حدود" والتنسيقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور بأن مخيم زمزم للنازحين في دارفور قد استُهدف بغارات جوية ليلة.

وفي مكالمة هاتفية مع البرهان، أكد بلينكن على ضرورة مشاركة الجيش في المحادثات، وكرر دعوته إلى "إنهاء القتال بشكل عاجل".

وقال بلينكن لقائد الجيش السوداني إن "إجراء محادثات وطنية لوقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لوضع حد للنزاع ومنع تفشي المجاعة واستعادة العملية السياسية المدنية"، وفق تصريح أدلى به لصحافيين المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر.

يذكر أنه تم تعليق غالبية عمليات الإغاثة بسبب العنف الذي خلّف ما وصفته الأمم المتحدة بـ"واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة".

غارات على مخيم زمزم

في غضون ذلك، قالت منظمة "أطباء بلا حدود" والتنسيقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور إن مخيم زمزم للنازحين في دارفور قد استُهدف بغارات جوية ليلة الأحد.

وبحسب المنسقية، دمرت ضربات الطيران الحربي 20 منزلا وجرحت 4 أطفال، مما تسبب في حالة من الخوف والهلع بين النازحين في المخيم، الذي يقطنه ما بين 300 و500 ألف نازح.

وحذّرت المنظمة من أن مخزون فرقها العاملة في المخيم من العلاجات الخاصة بالأطفال المصابين بسوء التغذية يغطي أسبوعين فقط.

وحثت المنظمة الأطراف المتحاربة على تسهيل إدخال المساعدات الإنسانية، محذرة من أن عرقلة ذلك تُهدد حياة آلاف الأطفال.

وأشار تقرير صادر عن هيئة تدعمها الأمم المتحدة إلى أن النزاع وعدم القدرة على إيصال المساعدات الإنسانية هما العاملان الرئيسيان وراء استمرار المجاعة في المخيم.

واندلعت الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وأمس الاثنين، دعا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان مجلس الأمن للنظر في طرق لوقف دائرة العنف بالسودان، مؤكدا أن الأزمة لا تتغذى فقط من السياسة والأسلحة، بل أيضا من شعور عميق بالإفلات من العقاب. وشدد على الضرورة الملحة للعمل الجماعي لإنهاء هذه الأزمة الإنسانية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی دارفور

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني: صناعة الفشل والاستبداد أم مشروع للإصلاح المستحيل؟

هل كان الجيش السوداني يومًا مؤسسة وطنية تعمل لصالح الشعب، أم أنه ظل منذ الاستقلال أداة في يد النخب الحاكمة، يُستخدم لقمع الثورات وإعادة إنتاج الاستبداد؟

على امتداد التاريخ السوداني الحديث، لم يكن الجيش مجرد قوة نظامية تحمي حدود الدولة، بل كان لاعبًا سياسيًا رئيسيًا يقود الانقلابات، ويصنع الأنظمة، ويفرض سلطته عبر العنف، متحولًا من مؤسسة يُفترض أن تحمي الوطن إلى كيان يخدم مصالح قادته، ويؤمن بقاءهم في السلطة.

لكن المشكلة أعمق من مجرد حكم العسكر؛ فالجيش السوداني لم يكتفِ بالسيطرة على السياسة، بل ساهم في إنتاج نخب فاشلة. صُمّمت عقيدتهم العسكرية ومنهجهم التدريبي منذ عهد الاستعمار البريطاني بحيث يكرّسون الطاعة العمياء، ويصبحون أداة طيّعة لخدمة أجندات داخلية وخارجية.

المناهج التي وضعها الإنجليز لم تُنتج قادة يمتلكون بصيرة استراتيجية، بل صنعت جنودًا مسلوبي الإرادة، منفذين ميكانيكيين لأوامر عليا، لا يملكون رؤية تتجاوز حدود الثكنات، ويعتقدون أن الحكم ليس عقدًا اجتماعيًا، بل امتياز مقدس لا يحق انتزاعه.

الانقلابات العسكرية: دائرة مفرغة من الفشل

هذا التكوين لم يكن وليد الصدفة، بل امتداد لعلاقة معقدة بين الجيش والسياسة بدأت حتى قبل الاستقلال. فمنذ حركة “اللواء الأبيض” في عشرينيات القرن الماضي، كان هناك وعي بدور المؤسسة العسكرية كأداة للتغيير السياسي.

لكن مع الاستقلال، وجدت الأحزاب السياسية نفسها تستخدم الجيش لتحقيق مكاسب قصيرة الأمد، مثلما حدث مع حكومة عبد الله خليل التي سلّمت السلطة للجيش في انقلاب 1958، ما فتح الباب أمام عسكرة الدولة.

هذا التكوين جعل كل الانقلابات العسكرية في السودان، منذ إبراهيم عبود عام 1958 وحتى عبد الفتاح البرهان في 2021، مجرد حلقات في مسلسل طويل من الفشل المؤسسي.

لم تقدّم الأنظمة العسكرية نموذجًا ناجحًا للحكم، بل زادت الأزمات الاقتصادية، وأشعلت الحروب الأهلية، وعمّقت القمع السياسي، وأنتجت دولًا هشة غير قادرة على الاستقرار.

وعلى الرغم من التغيير المتكرر في قادة الانقلابات، إلا أن المنهج ظل واحدًا: حكم يعتمد على القوة لا الشرعية، واقتصاد تديره المافيات العسكرية، وتحالفات تُبنى على المصالح الضيقة لقادة الجيش.

الطاعة العمياء: كيف تُنتج الكليات العسكرية عقيدة استبدادية؟

لم يكن هذا الفشل عشوائيًا، بل هو نتيجة مباشرة لعقيدة عسكرية ترى في الطاعة قيمة عليا، وفي الولاء للأفراد بديلًا عن الولاء للوطن.

التدريبات داخل الكلية الحربية لا تؤهل الضباط للتفكير النقدي أو اتخاذ قرارات مستقلة، بل تكرّس نمطًا من التنشئة العسكرية التي تُقصي أي شكل من أشكال المساءلة، وتجعل العسكري يرى نفسه فوق المدنيين.

يتم تلقين الضباط، منذ دخولهم الكلية، أن الأوامر لا تُناقش، حتى لو كانت غير عقلانية أو غير أخلاقية، ويتم تغذيتهم بأيديولوجيا سلطوية تجعلهم مقتنعين بأن السودان لا يمكن حكمه إلا بـ “القبضة المطلقة، حيث يصبح القهر هو المعادل الموضوعي للنظام، ويغدو السلاح لغة الدولة الوحيدة”.

هذه القناعة تجعل الجيش بطبيعته معاديًا لأي مشروع ديمقراطي.

الجيش كأداة إقليمية ودولية

لم يكن الجيش السوداني مستقلاً في قراراته، بل ظل خاضعًا لنفوذ قوى إقليمية ودولية.

فلطالما لعبت مصر دورًا رئيسيًا في اختراق الجيش السوداني لضمان عدم وصول قوى ديمقراطية إلى السلطة، خوفًا من تأثير ذلك على الداخل المصري.

بينما تعاملت بعض دول الخليج معه كوسيلة لحماية استثماراتها في السودان، خاصة في مجالات الزراعة والذهب.

ومع صعود روسيا، دخلت مجموعة “فاغنر” على الخط، مستغلة حاجة الجيش للدعم الأمني، مقابل تسهيلات في تجارة الذهب وصفقات أمنية سرية.

أما القوى الغربية، فقد لعبت دورًا متذبذبًا، حيث دعمت في فترات معينة بعض النخب العسكرية، مثلما حدث خلال الحرب الباردة عندما دعمت واشنطن نظام جعفر نميري لمواجهة النفوذ السوفيتي في القرن الإفريقي.

الجيش والشعب: علاقة مبنية على القمع

تسببت هذه العقيدة العسكرية في عزلة الجيش عن الشعب، حيث ينظر العسكريون إلى المدنيين باعتبارهم تهديدًا أو قُصّرًا يحتاجون إلى توجيه.

هذه الرؤية ترسخت خلال عقود من الاستبداد العسكري، جعلت الجيش لا يرى نفسه خادمًا للدولة، بل وصيًا عليها.

انعكس هذا في تعامل الجيش مع الاحتجاجات الشعبية، حيث كانت الردود دائمًا دموية، دون أي اعتبار لمطالب الجماهير.

لم يكن ذلك مجرد قرارات فردية، بل سياسة ممنهجة ترى أن “الرصاصة تسبق الكلمة، وأن القوة هي المنطق الوحيد الذي لا يقبل الجدال”.

العقلية العسكرية: بين جنون العظمة والتحجر الوجداني

على المستوى النفسي، أدى هذا النمط السلطوي إلى تكوين شخصية الضابط السوداني بطريقة تجعله يعاني من عدة اضطرابات، أبرزها “وهم الألوهية المؤسسية”، حيث يرى نفسه الحامي الوحيد للوطن، ويعتبر أي محاولة لمساءلته تهديدًا وجوديًا.

كما أن الانخراط في القمع والتعذيب أفقد العديد من الضباط حسّهم الإنساني، فصاروا يعانون من “التحجر الوجداني”، متعاملين مع العنف كأداة حكم أساسية.

وكما يقول الفيلسوف أنطونيو غرامشي:

 “الاستبداد العسكري لا يبتكر، بل يعيد إنتاج نفسه بوسائل أكثر تخلفًا.”

وهو ما يظهر في تكرار نفس أخطاء الحكم العسكري عبر العقود، دون محاولة جادة للتغيير أو التعلم من الماضي.

ويعزز هذا ما أشار إليه عالم النفس إريك فروم، حين وصف السلطويين بأنهم:

 “شخصيات مريضة نفسيًا، تعوّض خوفها من الحرية عبر فرض السيطرة العنيفة.”

وهي ظاهرة تنطبق على العديد من الجنرالات الذين يرون في أي تحول ديمقراطي تهديدًا مباشرًا لوجودهم.

هل يمكن إصلاح الجيش السوداني؟

في ظل هذه المعطيات، يبرز السؤال الأساسي: هل يمكن إصلاح الجيش السوداني، أم أن تفكيكه وإعادة بنائه من الصفر هو الحل الوحيد؟

التجربة أثبتت أن أي محاولة للإصلاح من الداخل ستبوء بالفشل، لأن المشكلة ليست في الأفراد، بقدر ما هي في بنية المؤسسة نفسها.

الجيش السوداني، كما هو اليوم، ليس مؤسسة وطنية، بل كيان يخدم مصالح قادته، ويعمل وفق أجندات داخلية وخارجية.

لا يمكن إصلاحه إلا عبر تغييرات جذرية تشمل:
•تفكيك المنظومة العسكرية الحالية.
•حل الأجهزة الأمنية.
•إنهاء سيطرة الجيش على الاقتصاد.
•إعادة بناء مؤسسة عسكرية جديدة تقوم على عقيدة وطنية، وتكون خاضعة لسلطة مدنية منتخبة.
•إعادة هيكلة المناهج العسكرية، بحيث يتم تدريب الضباط على الاحترافية العسكرية بدلًا من الطاعة العمياء.

لكن أي عملية إصلاح حقيقية تستلزم أيضًا إنهاء النفوذ الخارجي على الجيش، وإعادة بناء علاقة جديدة بين المدنيين والعسكريين، بحيث يصبح الجيش مؤسسة دفاعية حقيقية، لا أداة لحكم البلاد بالقوة.

التجربة التاريخية تقول:

“السودان لن يعرف الاستقرار طالما ظل الجيش لاعبًا سياسيًا.”

والسؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم ليس: “كيف نصلح الجيش؟” بل:

“كيف نكسر الحلقة الجهنمية التي جعلت من الجيش لعنة أبدية على الدولة السودانية؟”


zoolsaay@yahoo.com
 

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني: صناعة الفشل والاستبداد أم مشروع للإصلاح المستحيل؟
  • السودان.. الجيش يتقدّم على محاور القتال وعقوبات تستهدف طرفي النزاع
  • كندا تفرض عقوبات على البرهان وحميدتي وقائد طيران الجيش
  • ماذا بعد الإعلان عن تسلم الجيش السوداني مسيرات “بيرقدار TB2” تركية
  • مؤتمر دولي بلندن منتصف أبريل لـ«السلام وحماية المدنيين» في السودان .. وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: زيارة وفد بريطاني للتشاور
  • 6 قتلى بقصف نفذته الدعم السريع على مخيم للنازحين في دارفور
  • السوداني يتلقى دعوة لحضور المنتدى الدولي للسلام
  • «شرق النيل» في قبضة الجيش السوداني
  • المقاتلات الروسية تستهدف مواقع الجيش الأوكراني في زابوروجيه بغارات دقيقة
  • الجيش السوداني يتقدم شرقي الخرطوم