أسرى غزة.. حكايات الإخفاء القسري والموت تحت التعذيب بسجون إسرائيل
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
غزة- صبيحة يوم الخميس الأول من أغسطس/آب الجاري، تلقى عبد العزيز جنيد اتصالا من رقم يحمل مقدمة شركة خليوية إسرائيلية، وهو ما أثار قلقه. جاء صوت المُتصل مرتبكا، وبِنبرة مواساة قال "يؤسفنا إخبارك أن ابنك عُمر توفي بسبب التعذيب داخل السجن، يوم 17 يونيو/حزيران الماضي".
انفطر قلب جنيد، عقب الاتصال الذي تلقاه من مؤسسة "هموكيد" الحقوقية الإسرائيلية التي تتابع قضايا المعتقلين الفلسطينيين من غزة، داخل سجون الاحتلال، فكان يُمنّي نفسه بنبأ سار يبشره بمكان ابنه المفقود منذ اعتقاله على يد جيش الاحتلال في 24 ديسمبر/كانون الأول 2023، من منزله في بلدة جباليا شمالي قطاع غزة.
آنذاك، اعتقل جيش الاحتلال ولدَيْ عبد العزيز، الشهيد عمر، وياسر الذي أفرج عنه في 25 فبراير/شباط الماضي لكنه أبعده إلى جنوبي القطاع المفصول إلى شطرين. وأخبر ياسر والده أنه افترق عن شقيقه الشهيد عمر داخل السجن، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، ومن وقتها لم يعلم عنه أي شيء.
وتلقت والدة عمر النبأ بألم مُضاعف، حيث كانت تجهّز لحفل زفافه يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول المنقضي، لكن اندلاع الحرب في السابع من الشهر ذاته، أجبر الأُسرة على تأجيله. حاملة بطاقة دعوة حفل الزفاف في يدها، تقول الأم المكلومة للجزيرة نت "أجّرنا له شقة، وجهزنا له الأثاث، وعقَدَ قرانه على فتاة، حتى جاءت الحرب.. حسبنا الله ونعم الوكيل".
حينما أعلنت هيئة الأسرى والمحررين الفلسطينية (رسمية) الخميس الماضي، نبأ استشهاد الأسير إسلام السرساوي (42 عاما)، لم يفاجئ هذا الأمر عائلته، فقد كانت على علم بالخبر منذ نحو 4 شهور.
في ذلك الوقت، كان أفراد العائلة يستمعون إلى مقابلة صحفية مع أسير سابق عبر أثير إحدى الإذاعات، قال فيها إن السجانين قتلوا أسيرا من عائلة السرساوي. ولاحقا، تأكدت الأُسرة من الخبر من أسير سابق.
وحول تفاصيل الحدث، قال الأسير السابق للعائلة، إن السرساوي طلب الذهاب إلى المرحاض، فرفضت إحدى السجّانات، وقالت له "تبوّل على نفسك"، فرد قائلا "حسبنا الله ونعم الوكيل"، وهو ما أثار غضب جنود الاحتلال وانهال عليه نحو 8 سجّانين بالضرب المبرح، ثم أطلقوا عليه الكلاب المتوحشة لتنهش جسده حيا، حتى لفظ أنفاسه.
وصرح ابن عمه بدران السرساوي -للجزيرة نت- بأن إسلام اعتُقل في اجتياح مستشفى الشفاء نهاية مارس/آذار الماضي، وضربوه وهو مقيّد، وكسّروا عظامه بوحشية، "ثم أطلقوا الكلاب لتأكل لحمه وهو حي".
والشهيد السرساوي متزوج من سيدتين، وأب لـ 7 بنات و3 أولاد. وتقول زوجته الأولى ريهام للجزيرة نت "لم نتوقع أبدا استشهاده داخل السجن، كان طيب القلب". أما زوجته الثانية سمر فتضيف للجزيرة نت "قتلوه لأنه قال فقط: حسبي الله ونعم الوكيل، هذه هي جريمته".
وتُلقي قصتا جنيد والسرساوي الضوء على مأساة أسرى غزة الذين تخفيهم إسرائيل قسريا، وتمارس ضدهم أبشع الانتهاكات، وهو ما قد يُفضي إلى وفاتهم تحت التعذيب أو بسبب الإهمال الطبي، وسوء أوضاعهم المعيشية.
وبسبب سياسة الإخفاء القسري، لا تملك السلطات الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية معلومات دقيقة حول أعداد أسرى القطاع، وعدد الشهداء الذين قضوا منهم داخل السجون.
لكنّ صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، كانت قد كشفت يوم 29 يوليو/تموز الماضي أن 36 أسيرا من غزة، قُتلوا داخل سجون الاحتلال منذ بداية الحرب. كما ذكرت في تحقيق نشرته في الرابع من أبريل/نيسان الماضي، أن العديد من أسرى غزة فقدوا بعض أطرافهم بسبب تقييدهم لساعات طويلة وسوء الرعاية الطبية.
تصف المحامية جنان عبده، من لجنة مناهضة التعذيب (مؤسسة حقوقية إسرائيلية)، أحوال أسرى قطاع غزة داخل السجون بالصعبة للغاية، موضحة أن ممارسات الاحتلال بحقهم "تعدت مفهوم الوحشية". وقالت للجزيرة نت إنها أجرت آخر زيارة لأسرى غزة، في 22 يوليو/تموز الماضي، وكانت في سجن عوفر العسكري.
وذكرت أن السجانين يقيدون الأسرى، ويعصبون عيونهم، ويجبرونهم على المكوث في وضعيات غير مريحة طوال الوقت، عدا حوالي 5 إلى 6 ساعات يوميا، هي ساعات النوم، ويمنعونهم من الحديث، أو تغيير شكل جلستهم.
وأضافت عبده أن الأسرى يصابون بأمراض عديدة جراء العنف الجسدي والعقاب الجماعي، والتنكيل المتواصل، وتؤكد "أي أسير يقوم بأي حركة، حتى لو كانت غير إرادية كأن يغفو مثلا، يتم عقابه من خلال الشبح وقوفا أو الجلوس على ركبتيه لساعات طويلة".
كما لفتت إلى أن السجانين يستخدمون الكلاب المتوحشة بشكل مفرط، للتنكيل بالأسرى. وتقول "الأمثلة على التعذيب كثيرة جدا، وما يميزها الوحشية المفرطة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت أسرى غزة
إقرأ أيضاً:
بتعليمة مصنفة “سري للغاية”.. أوامر فرنسية بتعميم التعذيب ضد الشعب الجزائري
كشفت يومية “ميديا بارت” الفرنسية اليوم الأحد أن التعذيب الذي مورس ضد الشعب الجزائري خلال ثورة التحرير الوطني كان قد عمم بموجب تعليمة للجنرال المجرم راوول سالان مصنفة “سري للغاية”, وجهت إلى جميع الضباط السامين لجيش الابادة الفرنسي.
وأشار التحقيق المعنون: “حرب الجزائر: أوامر عسكريين لتعميم التعذيب”, والذي استند إلى وثيقة أرشيفية مؤرخة في 11 مارس 1957 إلى أن “التعذيب قد أمرت به القيادة العسكرية الفرنسية في الجزائر بموافقة السلطة السياسية”.
وأضافت الوسيلة الاعلامية أنه “بعد تجربته (التعذيب) في الجزائر العاصمة سنة 1957 أوصى الجنرالات بتعميمه”.
وذكر صاحب التحقيق فابريس ريسيبوتي بشكل واضح وصريح اسم الجنرال راوول سالان, كونه صاحب التعليمة والتي كان موضوعها “استنطاق المشتبه بهم”.
وأضاف الصحفي ذاته, ان هذه المذكرة تبرر اللجوء الى التعذيب “بالتجارب الأخيرة المجراة في بعض المناطق حيث أبرزت الفائدة التي يمكن تحقيقها خاصة في المدن عبر عمليات الاستنطاق الشديدة والتي يتم استغلالها على الفور”.
كما اشارت الوثيقة إلى أن قادة الفرق العسكرية والفيالق ومصالح أقاليم الجنوب مطالبين حسب “هذه المذكرة الملزمة” بتنفيذ الأوامر في الوحدات التي يشرفون عليها في كل الجزائر والقيام بذلك “شفهيا”, حيث تم اسداء التعليمات “بعدم نشر هذا الأمر الشخصي كتابيا بأي شكل من الأشكال”.
وأكد صاحب التحقيق ” تلك هي الحال بالنسبة للعديد من تعليمات الجنرال سالان غير أن هذه التعليمة بالتحديد كان من الصعب كشفها” مشيرا إلى ” تمويه لغوي محكم” قبل أن يوضح أن المذكرة قد تضمنت علاوة على استجواب “المشتبه بهم”, ” طريقة الاستنطاق”.
من جهة أخرى, أشار التحقيق أيضا إلى أن الكلمات “تم اختيارها بعناية لتجنب الاتهامات المشينة والملاحقات القضائية إذا حدث وأن تغير الإطار السياسي”.
وعليه كان يجب, حسب صحفي ميديا بارت, القيام باستجوابات “حادة وشديدة إلى أبعد حد ممكن”, إذ كان الأمر يتعلق بالتسبب بالألم الشديد ل+المشتبه به+ لكسر مقاومته للكلام” مذكرا باستخدام الجيش الفرنسي لهذه الأساليب منذ حرب الهند الصينية باستخدامه أجهزة الصدمات الكهربائية بالإضافة إلى الإيهام بالغرق.
كما يكشف التحقيق أنه ” بتاريخ 10 مارس 1957 أي عشية نشر هذه التعليمة من قبل سالان, أصدر الجنرال ماسو مذكرة أخرى حول نفس الموضوع وجهها للفرقة العاشرة للمظليين التي كان يقودها في الجزائر”. و بعد أيام قليلة اي “في 23 مارس, جاء الدور هذه المرة على الجنرال ألار, قائد الفيلق العسكري في الجزائر العاصمة الذي تابع تنفيذ أوامر ماسو وسالان المتعلقة بتعميم الأساليب المستخدمة في الجزائر العاصمة”.
كما تم توثيق عمليات “الاختطاف المؤقت و المفاجئ لبعض السكان عن طريق الانتقاء العشوائي أو تحديدهم كمشتبه بهم بهدف استجوابهم” معتبرين أن ” كل جزائري يمكن استغلاله ” لاحتمال معرفته بنشاطات المجاهدين إن لم يكن هو نفسه متورطا فيها.
ويقر التحقيق بأن المسؤولية الفرنسية “ثابتة” في ممارسة التعذيب و أن هذه الممارسة كانت ” مرخصة من قبل السلطة السياسية ممثلة بحكومة الاشتراكي غي موليه أي من الجمهورية الفرنسية نفسها”.
في هذا السياق, تحدث صاحب التحقيق عن ما يعرف ب “قانون السلطات الخاصة” الذي تمت المصادقة عليه بأغلبية ساحقة في مارس 1956 و الذي, بموجبه, منح العسكريين ” السلطة المفرطة في تصنيف أي شخص على أنه مشتبه به، واحتجازه و استجوابه حسب رغبتهم “.
وخلص موقع ” ميديا بارت” بالقول “و بسبب هذا القرار السياسي, بلغ عدد الضحايا, دون تمييز في الجنس أو العمر أو الأصل, عشرات الآلاف حتى سنة 1962, إلا ان الدولة الفرنسية بقيادة دي غول أصدرت بعد اتفاقيات إيفيان مرسوما تم بموجبه العفو الذاتي عن هذه الجرائم “.