فيصل محمد صالح: سنة أولى صحافة
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
دخلت إلى مكاتب صحيفة “الصحافة” ذات يوم أحمل صورا من شهاداتي أبحث عن العمل. كان زميلنا في الجامعة عثمان نمر قد سبقنا للعمل الصحفي، رغم أنه خريج كلية الزراعة. لم تكن لدي معرفة قوية به، لكن قررت المحاولة. دلفت لمكاتب صحيفة الصحافة في شارع علي عبد اللطيف وسألت عن عثمان، أدخلوني له بعد دقائق. وقفت أمامه مترددا وبدأت في سرد كلام كنت قد حفظته مسبقا، رفع وجهه من الورق، قال لي بسرعة: إنت فلان اتخرجت وجايي تشتغل في الصحافة، ثم سكت.
كدت أولي هاربا، فما تخيلت أنه سيتركني في هذا الموقف ويخرج، سكت دون أن أنطق حرفا، رفع الاستاذ عينيه ونظر لي، قال كلمتين: نحن بنجرب الزول بعد ذلك نقرر يشتغل معانا أم لا، خلي عثمان يوديك لعراقي.
أومأت برأسي وخرجت مضطربا عائدا لعثمان نمر، عرفت أن الأستاذ بابكر العراقي هو رئيس قسم التحقيقات، قلت لعثمان أني لا أريد العمل في التحقيقات، أساتذنا من جهابذة الإعلام المصري الذين تتلمذنا على أيديهم، سواء مباشرة في الجامعة أو عبر المتابعة والقراءة، أجمعوا كلهم أن المدخل للعمل الصحفي هو في قسم الاخبار ,,,,,, وصرفت عربي كتير. أقنعني عثمان بعد جدل طويل بأن العمل في التحقيقات لا يمنع التعاون مع قسم الاخبار…وقد كان
كانت تجربة العمل مع أستاذ عراقي في بداية العمل الصحفي أقصى ما يتمناه الصحفي المبتدئ، كان بالقسم عدد كاف من الصحفيين لتغطية عمل القسم خلال الاسبوع، لهذا كان لدىه الوقت ليقرأ ويصحح ويناقش، ثم يعيد لك ما كتبته لتراجعه وتعيد كتابته مرة أخرى. لم يعد هذا هو الامر في السنوات الأخيرة، إما أن يتم نشر ما يجلبه الصحفي المبتدئ كما هو، وأما أن يحال لمحرر عام ليعيد صياغته بسرعة ويتم نشره.
كانت الجريدة خلية نحل وملتقى رموز وأعيان المجتمع، مدير التحرير الاستاذ شريف طمبل، سكرتير التحرير الاستاذ نور الدين مدني، رئيس قسم الاخبار الاستاذ توفيق صالح جاويش أشهر مخبري الصحافة السودانية وملك الطرافة والنكتة الحاضرة، في المنوعات الاستاذ فؤاد عباس، في الرياضة أحمد محمد الحسن ودسوقي وحسن عز الدين، في الاخبار الخارجية الاستاذ الكبير محمود بابكر جعفر “عمو”، في الاقتصاد الأستاذ حسن أبو عرفات، ومجموعات من الصحفيين من أجيال مختلفة في مختلف الاقسام، مجرد محادثة أحدهم في أي يوم أو ملاحظة عابرة تكسبك معلومة وخبرة. كنا مجموعة من خريجي الإعلام غزونا الصحيفة في وقت متزامن، وكان العاملون بالصحافة خريجي كليات مختلفة، وأكثر من نصفهم لم يدرس في أي جامعة، لكننا كنا نعلم يقينا أنهم اساتذة و”أسطوات” في العمل الصحفي ويجب أن نتواضع ونتعلم منهم.
كان الحماس يدفعنا لمزيد من العمل، تحقيقين في الاسبوع، ثلاثة أو أربعة أخبار لقسم الاخبار، مساهمات في المنوعات والشؤون الحارجية وحتى الرياضة. دخلنا في وقت واحد ، شخصي وراشد عبد الرحيم وعطيات عبد الرحيم ولحق بنا محمد الشيخ حسين، وسبقنا الصديق محمد محمود راجي. وجدنا مجموعة من الأساتذة الصحفيين والصحفيات سبقونا بفترات متفاوتة وكانوا خير عون لنا، عدا واحد كان يقابلنا بالسخرية ” هي الصحافة بيدرسوها..؟ الصحفي بيولدوه من بطن أمه صحفي”. هذا طبعا اعتقاد شائع ولا أجد غرابة فيه، ما زال البعض يستنكر دراسة الموسيقى والدراما تمثيلا وإخراجا وبقية الفنون.
كونت ثنائيا مع الصديق محمد محمود راجي، كان راجي قد تم تعيينه قبل وصولنا، وكنت أنا تحت الاختبار والتدريب. وخلال الستة أشهر الاولى حققنا ثلاث خبطات صحفية كبيرة في مجال الاخبار الخارجية، بمقاييس تلك الايام التي لم تكن فيها فضائيات أو انترنت وموبايل. كان الاعتماد على الإذاعات وما تقدمه لنا وكالة السودان للانباء “سونا”.
قصفت الطائرات الاسرائيلية مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، حين تم إعداد ماكيت الصفحة الأولى كانت التفاصيل قليلة، لذلك كان خبرا صغيرا في ركن الصفحة الأولى. كان لدينا عمل يبقينا في الصحيفة حتى المساء، تابعنا التطورات ووسعنا الخبر من الإذاعات ومن أخبار سونا، ولم يكن سهلا التواصل مع رئيس ومدير التحرير، لذلك أخذنا الماكيت من الدرج المخصص له، وأعددنا ماكيت جديد وضعنا فيه هذا الخبر رئيسيا، ووضعنا الماكيت الجديد في الدرج. المهم بعد غضب محرر السهرة وتهديده لنا، لم يجد بدا من تنفيذ الماكيت الجديد بعد أن أشهد كل من بالدار.حضرت صباح اليوم التالي متخوفا من المساءلة، ومر اليوم عاديا والذي بعده. في اليوم الثالث كان الاستاذ فضل الله يتحدث عن ضرورة المبادرة في العمل الصحفي وعدم انتظار التكليف، ثم ختم حديثه بالقول ” الولدين ديل عملوا حاجة ما بطالة قبل يومين”. تلقينا التهاني بعدها من الزملاء الصحفيين الذين قالوا لنا أن أعظم إشادة يقدمها الاستاذ فضل الله هي وصف “ما بطال”..!. بعد مبادرات متشابهة طالب الأستاذ حسن أبو عرفات من رئيس التحرير بضرورة تعييننا لأننا اثبتنا وجودنا، وفوجئنا بقيادات الصحيفة يردون ” هم ما معينين، والله افتكرناهم اتعينوا زمان” وتم تعييني في نفس اليوم مع عدد من الزملاء.
الصور: فضل الله محمد، حسن أبوعرفات، طلحة الشفيع
فيصل محمد صالح
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قسم الاخبار فضل الله
إقرأ أيضاً:
ندوة قانونية بباريس دفاعا عن حقوق الإنسان المنتهكة في العراق.. صور
أقيمت في قاعة ال AGECA بباريس ندوة دولية هامة تحت شعار " الندوة القانونية الدولية لحقوق الإنسان المنتهكة في العراق" يوم السبت 2 نوفمبر 2024 و هي من تنظيم مركز ذرا للدراسات والأبحاث بفرنسا و بالتعاون مع اللجنة القانونية لحقوق الإنسان في العراق.
شهدت الندوة حضور العديد من الشخصيات الأكاديمية و القانونية العراقية والعربية والأجنبية.
وافتتحت الندوة الساعة العاشرة صباحا بالنشيد الوطني العراقي، ثم اعقبه قراءة سورة الفاتحة وقوفا على ارواح شهداء العراق والامة العربية.
جلسة الافتتاح بدأت بكلمة ترحيب من الاستاذ علي المرعبي المشرف العام لمركز ذرا للدراسات والأبحاث بفرنسا حيث رحب بالحضور و اكد على اهمية القانون للدفاع عن حقوق الإنسان في العراق الذي يعاني من القتل و التهجير و التغيير الديموغرافي و الاعدامات الكيفية.
و أكد على الوقوف الى جانب المواطن العربي في كل الدول العربية خاصة في فلسطين و الأحواز.
أما كلمة اللجنة التحضيرية ألقاها الدكتور عادل الخفاجي حيث شرح الأهداف من هذه الندوة الهامة، ثم كلمة نائب امين عام اتحاد الكتاب والصحفيين العرب في اوربا الأستاذ محمد الأسباط من السودان قال فيها أن حقوق الإنسان تنتهك في السودان كما تنتهك في العراق و طالب بالتضامن مع الشعب السوداني.
وجاءت كلمة الاستاذ موسى الهايس عضو منظمة حقوق الانسان العربية والتي أكد بها ان غزو العراق واحتلاله تلاه كل مآسي انتهاك حقوق الإنسان. بعد ذلك كلمة الاستاذ هاني الملاذي نائب امين عام اتحاد الصحفيين والكتاب العرب، حيث استعرض بالتفاصيل و الأرقام جرائم انتهاك حقوق الإنسان في العراق منذ احتلاله.
الجلسة الأولى:
افتتحت الجلسة الاولى برئاسة الدكتور عادل الخفاجي تحدث بها ثلاثة باحثين:
الاول الاستاذ الدكتور المحامي محمد الشيخلي مدير المركز العربي للعدالة حيث تناولت ورقته ثلاثة محاور هي العدالة الانتقالية للاحتلال الامريكي، وواقع السجون العراقية في ظل حكومات الاحتلال، والتعديلات الطائفية المشبوهة لقانون الاحوال الشخصية.
ثم تحدث الاستاذ علي المرعبي مشرف عام مركز ذرا للدراسات والأبحاث بفرنسا ورئيس تحرير مجلة كل العرب في بارس وعنوان ورقته لماذا انتهاك حقوق الإنسان في العراق بعد الاحتلال، حيث طالب بتشكيل لجنة متابعة لإعداد ملف قانوني لتقديم دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، و محكمة العدل الدولية ضد امريكا و بريطانيا و أستراليا و ايران بسبب غزو العراق و احتلاله دون قرار من الأمم المتحدة، و لم يكن العراق حينها في حالة حرب مع هذه الدول، و ان مبررات الغزو كانت كلها كاذبة.
واختتمت الجلسة الاولى بورقة الاستاذ صباح المختار رئيس جمعية المحامين العرب في لندن، و كانت بعنوان: إمكانية تفعيل العمل الوطني العراقي بعد ما يقارب الربع قرن من الاحتلال الأمريكي.
بعدها كانت هناك استراحة لمدة نصف ساعة.
الجلسة الثانية:
بدأت الجلسة الثانية برئاسة الاستاذ صباح الخزاعي تحدث فيها اولا رئيس منظمة المغتربين العراقيين الدولية الاستاذ الدكتور فارس المهداوي وعنوان ورقته دور المغترب العراقي في ملاحقة الانتهاكات القانونية في العراق. ثم تلته الدكتورة جيهان جادو عضوة المجلس البلدي لمدينة فرساي، حيث تناولت ورقتها، معاناة المرأة العراقية بين النزوح والاغتراب، فيما اختتمت الجلسة الثانية بمحاضرة قيمة للأستاذ الدكتور محمد طاقة التي ربط خلالها بين الاقتصاد وحقوق الإنسان كعلاقة جدلية واستغلال ممنهج.
وفي نهاية الجلسة وزعت ورقة مهمة كتبها الاستاذ الدكتور ضرغام الدباغ رئيس المركز العربي الألماني في برلين بعنوان حقوق الإنسان بعد الاحتلال.
اختتمت الندوة الساعة الرابعة و النصف عصرا، حيث تم توزيع شهادات شكر وتقدير للمشاركين و المتحدثين، ثم تم تقليد ميداليات خاصة من مركز ذرا للدراسات والأبحاث بفرنسا للمشاركين الذين أتوا من خارج فرنسا.
في الختام تم قراءة البيان الختامي للندوة، حيث سيتم توزيعه على وسائل الإعلام.
الندوة قامت بتقديمها الأستاذة وداد عبدالعزيز، حيث تخللتها العديد من المداخلات من الحضور، وحوارات مع الباحثين التي أغنت الندوة بخبرة الحاضرين ودقة وموضوعية طروحاتهم.