توقعات أسعار البيتكوين لعام 2024: ازدهار أم انهيار؟

نشرت مجلة "فوربس" الأمريكية تقريرًا تحدثت فيه عن تطور سعر البيتكوين منذ إطلاقها في سنة 2009 حتى الآن، حيث جذبت اهتمام المستثمرين والمضاربين وأصبحت أساسًا لسوق العملات المشفرة، لكنها لا تزال عرضة للتقلبات.

وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي نشرته مجلة "فوربس"، إن عملة البيتكوين جذبت منذ نشأتها في سنة 2009 انتباه المعجبين والمستثمرين والمحتالين، ومؤخرًا جذبت انتباه كل من المؤسسات والجهات التنظيمية.

وبالنسبة للكثير من أنصارها، فهي ليست مجرد شكل جديد من أشكال العملات، بل هي تقنية رائدة عرّفت العالم بمفهوم العملات اللامركزية وأسست حجر الأساس لنوع جديد تمامًا من الاقتصاد: سوق العملات الرقمية. أما بالنسبة للآخرين، فقد كانت وسيلة لتحقيق الربح السريع. وفي حين أن بعض هؤلاء المستثمرين الأوائل نجحوا في الانضمام إلى زمرة مليونيرات البيتكوين، فقد خسر الكثيرون غيرهم مئات أو حتى آلاف الدولارات في محاولة التنبؤ بتحركات أسعارها.

لقد كانت عملة البيتكوين موضوعًا للعديد من التنبؤات المتعلقة بالأسعار، والتي قد يكون بعضها مُبالغًا فيه. فقد توقعت كاثي وود، الرئيس التنفيذي لشركة "أرك إنفست"، أن تصل عملة البيتكوين إلى سعر مذهل قدره 1.48 مليون دولار أمريكي بحلول سنة 2030. وقالت مؤخرًا إنها تعتقد أنها ستتجاوز حاجز المليون دولار أمريكي قبل ذلك بكثير. وقال مايكل سايلور، المؤسس المشارك ورئيس مجلس إدارة شركة "مايكروستراتيجي"، إنه يعتقد أن عملة البيتكوين ستصل إلى 13 مليون دولار أمريكي بحلول سنة 2045. ويشير كبير محللي شركة "كوليكتف شيفت" نيكولاس سكيبراس إلى أن هذا التوقع يعكس مفاجأة واسعة النطاق في الارتفاع الصاروخي للبيتكوين.

لقد قطعت البيتكوين شوطًا طويلاً منذ أول سعر مسجل لها بأقل من سنت واحد. واعتبارًا من 30 تموز/يوليو 2024، بلغت قيمة عملة البيتكوين الواحدة حوالي 66,700 دولار أمريكي. وفكرة أن عملة البيتكوين الواحدة يمكن أن تصل قيمتها يومًا ما إلى ملايين الدولارات، كما يشير سكيبراس، "تُظهر حقًا إلى أي مدى وصلنا". وبينما قد تكون الارتفاعات الكبيرة ممكنة، فإن الانخفاضات الكارثية ممكنة أيضًا.

تاريخ سعر البيتكوين
أوضحت المجلة أن رحلة البيتكوين بدأت في سنة 2009، مع إصدار مبتكرها ساتوشي ناكاموتو الورقة البيضاء الخاصة بالبيتكوين، وكانت قيمة البيتكوين في أيامها الأولى أقل من سنت واحد. اتسمت السنوات الأولى للبيتكوين بنمو مطرد وفترات من الارتفاع السريع في الأسعار، عُرفت باسم "الارتفاعات الثورية"، وشهدت واحدة من أكبر هذه الموجات ارتفاع سعر البيتكوين من 4,000 دولار إلى 69,000 دولار في تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وخلال الثمانية عشر شهرًا الماضية، ارتفع سعر البيتكوين من 16,000 دولار إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 73,000 دولار أمريكي. مع ذلك، كانت هناك أيضًا فترات من عدم اليقين، كما يشير سكيبراس.

ما بين 2014 و2017، حدثت العديد من "الانقسامات الصعبة" للبيتكوين التي أدت إلى انقسام مجتمع البيتكوين. والانقسامات الصعبة هي تغييرات في البروتوكول الأساسي لشبكة البلوكتشين التي تقسم العملة المشفرة إلى قسمين. وعلى الرغم من المناقشات الساخنة وعدد من الانقسامات، فقد استمرت عملة البيتكوين في شكلها الحالي. وحسب سكيبراس، فإن نجاة البيتكوين من محاولات تغييرها هو أحد العوامل الأساسية التي ساهمت في المكانة التي وصلت إليها الآن، مما زاد من الثقة فيها ومرونتها. 

في حزيران/يونيو سنة 2023، قدّمت "بلاكروك"، أكبر مدير للأصول في العالم، خططًا لبدء صندوق متداول في البورصة (ETF) خصيصًا لعملة البيتكوين وحذت العديد من المؤسسات الأخرى حذوها. وفي كانون الثاني/يناير من هذه السنة، تمت الموافقة على 11 طلبًا من طلبات صناديق المؤشرات المتداولة للتداول في الولايات المتحدة، مما دفع سعر البيتكوين إلى أعلى مستوى له على الإطلاق تجاوز 73,000 دولار.  ومنذ إنشائها، شهدت هذه الصناديق المتداولة في البورصة بعضًا من أكبر التدفقات في تاريخ الصناديق المتداولة، مما يجعلها واحدة من أنجح عمليات إطلاق صناديق المتداولة على الإطلاق.

ومن السمات الأخرى المميزة لتاريخ أسعار البيتكوين هو حدث التنصيف الذي يحدث كل أربع سنوات تقريبًا، ويقلل من معدل إنشاء العملات الجديدة. وقد حدثت أحدث عملية تنصيف للبيتكوين في 20 نيسان/أبريل 2024 حيث تجاوزت سلسلة البلوكتشين الخاصة بالبيتكوين 840,000 كتلة، وانخفض معدل إصدار عملة البيتكوين الآن إلى 3.125 بيتكوين لكل كتلة، مما يجعل التضخم السنوي لعملة البيتكوين أقل بكثير من 1 بالمائة.

وأشارت المجلة إلى أن العديد من المستثمرين يرون  أن حدث التنصيف هو أحد أهم العوامل التي تؤثر على سعر البيتكوين. ومع ذلك، فإن سكيبراس يتوخى الحذر. ومنذ تنصيف نيسان/أبريل، تراجعت سوق العملات الرقمية إلى النصف، ويعزو الكثيرون هذا التراجع إلى أحجام التداول المنخفضة عادةً خلال أشهر الصيف في نصف الكرة الشمالي، عندما يبتعد المتداولون غالبًا عن شاشاتهم لقضاء الإجازة.
مع ذلك، ظل سعر البيتكوين قويًا بشكل ملحوظ، وهو يتجه نحو أعلى مستوياته عند 70,000 دولار أمريكي مرة أخرى. وبينما يُرجع بعض المستثمرين هذه القوة  إلى التنصيف، فإن سكيبراس ليس متأكدًا من ذلك. وقد أشار إلى أن هناك نظرية مفادها أن التنصيف الذي يحدث كل لأربع سنوات ليس بالأهمية التي يعتقدها الكثيرون، وأن ما يجعله يبدو وكأنه محفز لحركة السعر الصعودية هو توافقه مع دورات السيولة الخارجية. 

كيف سيكون أداء البيتكوين في النصف الثاني من 2024؟
أوضح الموقع أن أداء البيتكوين خلال الفترة المتبقية من سنة 2024 يعتمد على مجموعة متنوعة من المحفزات الصعودية والهبوطية المحتملة مثل التبني المؤسسي، والتصنيف، والتغيرات التنظيمية، واتجاهات الاقتصاد الكلي. 

اهتزت صناعة العملات الرقمية خلال سنة 2023 بسبب سلسلة من الإجراءات التنظيمية. فقد رفعت هيئة تداول السلع الآجلة للسلع الأمريكية (CFTC) دعوى إنفاذ مدنية ضد بورصة العملات الرقمية "باينانس" ومؤسسها ورئيسها التنفيذي تشانجبينج تشاو. مع ذلك، توصلت "باينانس" في تشرين الثاني/نوفمبر من السنة الماضية إلى تسوية مع وزارة الخزانة الأمريكية ووزارة العدل حيث وافق تشانغبنغ تشاو على التنحي وتسليم مقاليد الأمور كجزء من الصفقة.  

ويشير سكيبراس إلى أن الأهم من ذلك أن "باينانس" لم تُتهم بإساءة استخدام أموال العملاء ولم تشهد البورصة أي هروب بنكي. وأكد أن هذه كانت واحدة من أفضل النتائج التي كان من الممكن أن يأملها السوق، وقد ارتفعت أسعار العملات الرقمية نتيجة لذلك. 

وأضافت المجلة أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، أشار إلى أن البنك المركزي ربما يكون قد وصل إلى ذروة دورة رفع أسعار الفائدة، وهو ما يعتقد سايبراس أنه قد يكون حافزًا لارتفاع البيتكوين في سنة 2024. وعندما تستقر أسعار الفائدة أو تنخفض، يمكن للعملات الرقمية مثل البيتكوين أن توفر ملاذًا جذابًا للمستثمرين لإيداع رأس المال بسبب تحوطها ضد انخفاض قيمة العملات الورقية التقليدية.

والآن بعد أن تمت الموافقة على إدراج 11 صندوق تداول بيتكوين فوري في البورصة، كانت هناك تدفقات كبيرة من رؤوس الأموال إلى البيتكوين حيث تجمع المؤسسات الإدارية عملة البيتكوين للاحتفاظ بها كدعم لأسهم صناديق المؤشرات المتداولة. ويمكن أن توفر تدفقات رأس المال هذه ضغط شراء ثابت للبيتكوين مع استمرار تدفق رأس المال إلى صناديق الاستثمار المتداولة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع سعر البيتكوين.

ما الذي يحمله المستقبل للبيتكوين؟
عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بمستقبل البيتكوين، فهناك نتيجتان محتملتان يجب مراعاتهما: حالة الصعود وحالة الهبوط. 

حالة الصعود
حسب سكيبراس، فإن المستقبل الصاعد لعملة البيتكوين قد يعتمد على متانة الأطر المصرفية التقليدية أو عدمها. وأضاف أن هناك مشاكل خطيرة في الاقتصاد العالمي إذ تواجه الولايات المتحدة أزمة مصرفية والتزامات ديون متزايدة. وكانت هناك العديد من حالات فشل البنوك في سنة 2023، ولكن ينسى الكثيرون أن المشكلة الأساسية لهذه الإخفاقات لا تزال قائمة.

وإذا استمرت حالات الفشل المصرفي في سنة 2024، فقد تضطر الحكومة إلى التدخل لتوفير التحفيز أو طباعة المزيد من الأموال، ومن شأن ذلك أن يزيد من انخفاض قيمة الدولار الأمريكي، على غرار ما حدث أثناء جائحة كوفيد-19. ويمكن أن يساعد ارتفاع الطلب والفائدة والرسوم على المُعدِّنين في تخفيف المخاوف بشأن ميزانية أمان البيتكوين على المدى الطويل. وقد يؤدي الاعتماد المتزايد على شبكة "لايتننغ"، وهي طبقة على البيتكوين تتيح إجراء معاملات أسرع، إلى أن تصبح البيتكوين وسيلة دفع أكثر من كونها مجرد مخزن للقيمة.

ووفقًا لسكيبراس، فإنه إذا تمكنت البيتكوين من الاستمرار في إحراز تقدم واعتمادها في مجال الدفع، فقد تزيد فائدتها الإجمالية وتصبح أكثر شبهاً بالمال، مما يساعدها على الوصول إلى تلك الأهداف السعرية المرتفعة. 

يستشهد سكيبراس أيضًا بالموافقة على صناديق البيتكوين الفورية المتداولة في البورصة كعامل رئيسي يؤثر على سعر البيتكوين في سنة 2024. فهي لم تستلزم فقط عمليات شراء البيتكوين الفعلية، وإنما أضافت أيضًا جوًا كبيرًا من الشرعية للعملة الرقمية على نطاق أوسع. ويمكن أن تؤدي الموافقة إلى ضخ ما بين 30 مليار دولار أمريكي إلى 300 مليار دولار أمريكي في البيتكوين. واعتبارًا من تموز/يوليو 2024، شهدت صناديق الاستثمار المتداولة الجديدة بالفعل ضخ 36 مليار دولار أمريكي من أموال المستثمرين في أكبر الأصول الرقمية في العالم.

وأخيراً، يستشهد سكيبراس بقواعد الإبلاغ عن الأصول الرقمية الجديدة لمجلس معايير المحاسبة
المالية، التي ستخفف القواعد المتعلقة بالإبلاغ عن العملات الرقمية والاحتفاظ بها للشركات، وتزيل عقبة كبيرة أمام الشركات التي تحتفظ بالبيتكوين في ميزانيتها العمومية.

حالة الهبوط
كل استثمار له جوانب سلبية محتملة، والبيتكوين ليست استثناءً. ويفيد سكيبراس بأن هناك مخاوف بشأن أمان البيتكوين على المدى الطويل، نظرًا لأن مكافأة الكتلة ستستمر في الانخفاض. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضغوط البيع قصيرة الأجل قد تؤثر سلبًا على سعر البيتكوين.

ثم هناك الجدل حول "النقوش" على بلوكتشين البيتكوين، وهي مخازن للبيانات، مثل مقاطع الفيديو والصوت والملفات النصية. وبينما يُقرّ سكيبراس بإمكانياتها في توليد رسوم مستدامة، خاصةً مع تداول المزيد من عملات البيتكوين وزيادة اعتماد المُعدِّنين على الرسوم، إلا أنه يشير أيضًا إلى الآراء المنقسمة داخل المجتمع فيما يتعلق بتأثيرها على وظائف الشبكة.

والجدير بالذكر أن أحد مطوري البيتكوين الأصليين المحترمين، وهو لوك داش جر، يعتبر النقوش بمثابة رسائل غير مرغوب فيها، ويرى أنها تؤدي إلى ازدحام الشبكة، مما يعقد عملية التعدين والدعم الكلي للشبكة، وهذا الاختلاف في المنظور يمهد الطريق لصدام أيديولوجي محتمل داخل مجتمع البيتكوين.

وتابعت المجلة بأن التداعيات البيئية والسياسية تعد مصدر قلق آخر. أوضح سكيبراس أن هناك هجمومًا مستمرًا على التأثيرات البيئية لعملة البيتكوين حيث اقترح البيت الأبيض فرض ضريبة تصل إلى 30 بالمائة على مُعدِّني البيتكوين في الولايات المتحدة. وإذا استمرت عمليات تعدين البيتكوين في مواجهة ضغوط من الحكومات على مستوى العالم، فقد يهدد ذلك سعر البيتكوين. وقد يؤدي أيضًا تأرجح المشاعر ضد البيتكوين والعملات الرقمية من قبل الحكومات إلى انخفاض الأسعار. ويؤكد سكبيراس أن الولايات المتحدة أصبحت معادية بشكل لا يصدق تجاه العملات الرقمية والبيتكوين.

وأضافت المجلة أنه إذا هددت عملة البيتكوين احتكار الدول للأموال، فقد تتحرك الحكومات لتقييدها - وهو ما حدث بالفعل في دول مثل الصين. كما أن الآثار المترتبة عن قوانين مكافحة غسيل الأموال، وقوانين معرفة العملاء تقلق المستثمرين أيضًا، ويخص سكيبراس بالذكر التحديات المحددة المتمثلة في فرض متطلبات الإبلاغ العالية على التحويلات إلى المحافظ الخاصة ذاتية الاستضافة.

وحسب سايبراس، فإن قوانين مكافحة غسيل الأموال تظل ساحة معركة كبيرة ويمكن أن تهدد الصناعة لأن الامتثال لها قد يكون صعبًا للغاية. ورغم الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها عملة البيتكوين، إلا أنها تنطوي أيضًا على مخاطر كبيرة. لذا، ينبغي للمستثمرين أن يدرسوا بعناية مدى تحملهم للمخاطر وأهدافهم الاستثمارية قبل الخوض في عالم البيتكوين. وكما هو الحال مع جميع الاستثمارات، فمن الحكمة أن تجري بحثك الخاص، وإذا أمكن، استشر مستشارًا ماليًا.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

المصدر: عربي21