د. مزمل أبو القاسم: إلى بيريللو.. من دون تحية!
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
* قبل أن يحدثنا المبعوث الأمريكي عن أوجه الاختلاف بين منبري جدة وجنيف، عليه أن يوضح لنا أولاً لماذا أغلقت حكومته منبر جدة ابتداءً، بعد أن نجح في إحداث الاختراق الأوحد من بين كل المبادرات التي استهدفت إنهاء الحرب في السودان؟
* ما سبب تحويل التفاوض من جدة إلى جنيف؟
* قبل أن يتحدث بيريللو عن إلزامية مخرجات جدة في مفاوضات جنيف؛ عليه أن يوضح أولاً لماذا لم تعمل الحكومة الأمريكية على إلزام متمردي الدعم السريع بتنفيذ مخرجات جدة طيلة الفترة السابقة؟
* وطالما أنه علل عدم زيارته للسودان بتقيده بتعليمات الحكومة الأمريكية التي ألزمته بالبقاء في مطار بورتسودان، فعليه أن يعلم ابتداءً أن السودان لديه حكومة أيضاً، وأن تلك الحكومة متمسكة بسيادتها، ومتقيدة بعدم قبول أي شرط يمس تلك السيادة أو ينتهكها أو ينتقص من قدرها، وبالتالي فهي لا تقبل أن تتجاوزها الحكومة الأمريكية لمخاطبة الجيش مباشرةً، لأن الجيش يمثل واحدة من مؤسسات الدولة السودانية، سيما وأن تلك المخاطبة الفوقية تنتهك كل الأعراف الدبلوماسية والتقاليد الراسخة التي تحكم التعامل بين الدول.
* السودان لديه حكومة شرعية، يقودها رئيس مجلس سيادة معترف به دولياً بدليل أنه خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتلك الصفة، وبالتالي ليس مقبولاً من الخارجية الأمريكية أن تحاول تجريد الفريق البرهان من تلك الصفة مطلقاً.
* لو كانت الحكومة الأمريكية حريصةً على إقرار السلام في السودان كما يزعم بيريللو لما أغلقت منبر جدة، ولما حاول وزير خارجيتها صرف تعليمات فوقية للبرهان عندما طلب منه (بمنتهى الصفاقة) إرسال وفده إلى جدة خلال 48 ساعة في خواتيم شهر مايو الماضي.
* على المبعوث الأمريكي أن يفسر لنا أسباب التعامل الفوقي الذي تتبعه حكومته في التعامل مع السودان، عندما احتكرت تحديد موعد التفاوض، وموقع التفاوض، وأطراف التفاوض، وأجندة التفاوض، وهوية المشاركين في التفاوض، وهوية المراقبين للتفاوض، من دون أن تكلف نفسها عناء التشاور مع الحكومة السودانية حول تلك القضايا المهمة والحساسة.
* هل ينُمُّ ذلك النهج الاستعلائي المقيت عن أدنى رغبة في تحقيق السلام عبر مفاوضات جادة وبناءة؟
* هل يدل على أن الحكومة الأمريكية جادة في مساعيها التي تزعم أنها تستهدف بها إحلال السلام في السودان؟
* هل يحمل الحد الأدنى من الاحترام لحكومة السودان؟
* ثم.. ألا يجب على الحكومة الأمريكية ومبعوثها الذي زار كل دول المنطقة (ما خلا الدولة التي تم ابتعاثه إليها) أن تفسر للشعب السوداني سبب اختارها لدولة الإمارات العربية المتحدة كمراقب في مفاوضات جنيف؟
* يعلم بيريللو أن السودان اتهم الإمارات بدعم المتمردين بالسلاح والعتاد الحربي والمعلومات والإعلام، وأنه تجاوز مرحلة الاتهام بالكلام إلى تقديم شكوى ضد الإمارات لمجلس الأمن الدولي، (الشكوى التي عطلتها بريطانيا وأمريكا نفسها)، فكيف تريد أمريكا لخصم فاجر في خصومته ومتهم عند الحكومة السودانية بالمشاركة في جريمة العدوان على السودان أن يصبح مراقباً للتفاوض؟
* ادعاء بيريللو بأنهم يريدون تحويل الدور الإماراتي من سالب إلى موجب مضحك ومثير للسخرية، سيما وأن الاتهامات التي قذفها السودان في وجه الإمارات لم تصدر عنه وحده، بل وردت في تقرير لجنة الخبراء يالأمم المتحدة، ووردت في رسالة بعث بها عشرة من أعضاء الكونغرس الأمريكي للحكومة الإماراتية ممثلة في وزير خارجيتها عبد الله بن زايد، ووردت في تحقيق استقصائي نشرته واحدة من أهم وأكبر الصحف الأمريكية.. أكرر الأمريكية، ونقصد بها صحيفة نيويورك تايمز، كما تم نشرها في محطة CNN الأمريكية، بشهودٍ من أهل بيريللو وحكومته التي لم تتدخل مطلقاً للضغط على الإمارات كي تتوقف عن تزويد المتمردين بالسلاح وعن تسعير الحرب في السودان.
* يعلم بيريللو والإدارة الأمريكية أن حركات الكفاح المسلح في دارفور اضطرت لدخول الحرب بجانب الجيش سعياً منها لحماية حواضنها الاجتماعية من بطش المتمردين والمليشيات المتحالفة معهم، فلماذا تجاهلوا دعوتها لمفاوضات جنيف؟
* وكيف ينتظرون منها أن تتقيد بنتائج مفاوضات لم يتم إشراكها فيها؟
* ستستجيب (حكومة) السودان (وليس الجيش وحده) لدعوتكم للتفاوض عندما تحترموا سيادة السودان أولاً، وتتوقفوا عن صرف التعليمات الفوقية للحكومة السودانية وكأنها تابع ذليل لكم، يفترض فيه أن يأتمر بأمركم بلا نقاش.
* ستتم الاستجابة عندما يتم التعامل مع رمز سيادة السودان بصفته الشرعية، وبالاحترام الذي يستحقه، وعندما تتوقف الإدارة الأمريكية عن وضع الجيش السوداني في مرتبة واحدة مع مليشيا مجرمة تمردت عليه وقتلت وجوعت وشردت وأذلت ملايين السودانيين، ونهبت ممتلكاتهم واغتصبت نساءهم ودمرت بلادهم.
* سيصدق السودانيون أنكم جادون في سعيكم لإنهاء الحرب ومجتهدون لمساعدتهم على تخفيف بلاوي وآلام الحرب عندما يرون منكم إجراءات واضحة وصارمة تتخذونها ضد الدول التي تعتدي على السودان وتسعِّر الحرب في السودان، وتقتل أهل السودان، وتنتهك سيادة السودان، وعندما تكفون عن ترديد العبارة اللقيطة المقيتة التي وضعها عملاء الداخل على أفواهكم (طرفي النزاع)، لأن هذه الحرب لا تدور بين الجيش السوداني والدعم السريع كما تزعمون، بل تشنها مليشيات متمردة ومجرمة ضد الشعب السوداني كله، ولعلكم تعلمون وتتابعون جرائم التطهير العرقي وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والاغتصاب والعنف الجنسي واسترقاق النساء التي ارتكبتها تلك المليشيات ضد ملايين السودانيين.. فلماذا لم تتعاملوا معها بما تستحق؟
* ما الذي منعكم من تصنيفها جماعةً إرهابية طالما أنها ارتكبت كل موبقات الدنيا في حق المدنيين بالسودان؟
* على المبعوث الأمريكي أن يجيب على كل تلك الأسئلة الصعبة، لأنها تتردد على ألسن كل أهل السودان حالياً، ممن يرفضون تسلطكم وفوقيتكم وتغاضيكم المستمر عن الجرائم المنكرة التي ترتكبها ضده المليشيات المتمردة، وعليه أن يعلم حقيق مهمة مفادها أن تحقيق السلام يتطلب وجود وسطاء جادين تتوافر فيهم شروط الحياد وحسن النوايا والرغبة الأكيدة في تحقيق السلام العادل الذي يلبي طموحات ورغبات أهل السودان ويحترم سيادة واستقلالية السودان ويحمي السودانيين من بطش المليشيات المجرمة.. فهل توافرت فيكم ولديكم تلك الشروط؟
* الإجابة لا.. بلا كبير عناء!
د. مزمل أبو القاسم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الحکومة الأمریکیة فی السودان
إقرأ أيضاً:
السودان... تعثّر مخطط الحكومة «الموازية»
الحكومة «الموازية» التي يجري طبخها هذه الأيام في نيروبي هي حكومة «قوات الدعم السريع» مهما حاول المنتسبون إليها، والملتفون حول مشروعها، إنكار ذلك، أو الالتفاف عليه بعبارات فضفاضة. فمن دون بندقية هذه القوات وأموالها لم يكن مخطط الحكومة سينشأ، ومن دون مناطق سيطرتها لن تجد مكاناً يؤويها إن رأت النور.
ولادة المشروع جاءت متعثرة، بدءاً بانقسام في تنسيقية القوى المدنية «تقدم» وحلها، سواء كان الطلاق بين الجناحين حقيقياً أم تكتيكياً. جاء بعد ذلك تأجيل الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «التأسيس» لهذه الحكومة 24 ساعة، ثم بتأجيل التوقيع على ميثاقها 3 أيام، وحتى بعد هذا التأخير فإن تشكيل الحكومة وهياكلها يبقى معلقاً حتى إشعار آخر.
قيل إن سبب تأجيل توقيع الميثاق كان بطلب من عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية - شمال لإتاحة الفرصة لمشاركة عدد من ممثلي مؤسسات حركته، مع أن الرجل كان موجوداً في القاعة وخاطبها بكلمة ركز فيها على مطالبته بالعلمانية وتضمينها في ميثاق تأسيس المنصة الجديدة وحكومتها.
الحقيقة أن لعنة الخلافات والانقسامات بقيت ملازمة لفكرة هذه الحكومة من انقسام «تقدم»، إلى تبرؤ حزب الأمة من رئيسه اللواء متقاعد فضل الله برمة ناصر الذي مضى في طريق المشاركة في ترتيبات إعلانها. كذلك أدت الخلافات بشأنها إلى انقسام ضد سليمان صندل في حركة العدل والمساواة، تبعه انقسام في حركة الحلو بإعلان أحد أعضاء مكتبها في واشنطن استقالته احتجاجاً على موقف رئيسه ومشاركته في تجمع نيروبي وظهوره إلى جانب قيادة «قوات الدعم السريع»، على الرغم من التاريخ المرير بين الطرفين.
على صعيد متصل، برزت مؤشرات على حدوث انقسام في الحكومة الكينية وتباينات مع رئيسها ويليام روتو بسبب توفيره غطاء لمشروع الحكومة الموازية باستضافة مؤتمر تأسيسها في نيروبي، وهي الخطوة التي أدانتها الحكومة السودانية في بيان شديد اللهجة وصف الموقف الكيني بأنه انتهاك للقوانين الدولية واحتضان جماعة مارست الإبادة الجماعية. ما زاد في حرج الحكومة الكينية أنها لم تقدم أي حكومة أخرى، إقليمية أو دولية، على دعم هذه الحكومة «الموازية»، على الأقل علناً، وهو ما ظهر في عدم مشاركة أي رؤساء بعثات دبلوماسية أو ممثلي دول في مؤتمر إعلان ميثاق مشروعها.
هذه الانطلاقة المتعثرة تنبئ بما هو قادم في طريق هذه الحكومة إن اكتملت ولادتها، والفشل المتوقع لمخطط محركيها. فهي في جوهرها خطوة إعلامية لرفع المعنويات بعد الهزائم المتلاحقة التي تلقتها «قوات الدعم السريع»، أكثر من كونها مشروعاً حقيقياً لدولة لا توجد إلا في خيال من فكروا فيها وحاكوا مؤامرتها.
«قوات الدعم السريع» تريد بهذه الخطوة تحقيق ما فشلت فيه بالسلاح، لكنها سوف تصطدم بأن حسابات الحقل لا تتطابق مع حسابات البيدر. فالحكومة «الموازية» لن تجد الاعتراف الذي تأمله، ولا تملك مقومات الحديث عن امتلاك الشرعية أو انتزاعها، لأنها تستند في الأساس إلى بندقية «الدعم السريع» التي لطختها الدماء، والانتهاكات، والاغتصابات من دارفور إلى الخرطوم والجزيرة، فنشأت هوة هائلة مع المواطنين الذين كانوا يهربون منها ويبحثون عن الأمن في مناطق وجود الجيش. وحتى في دارفور التي ربما يفكرون في انفصال بها، فإنها ليست كلها تحت سيطرتهم، ولا هم يمثلون كل سكانها الذين من بينهم من تعرض للتنكيل على أيدي قواتها، فأصبحت هناك مجموعات كبيرة من أهل الإقليم تقاتلهم.
أمّا مزاعم تمثيل أهل الهامش فهي تبدو مثيرة للسخرية أمام سجل ممارسات القتل والإبادة في دارفور، واستهداف أهل القرى الوادعة في الجزيرة، والخطاب العنصري الموجه ضد مكونات الشمال، والدعوات المتكررة لاستهدافهم في مناطقهم، وأخيراً ظهور أحد المتحدثين من مقاتلي «الدعم السريع» في مقطع فيديو هذا الأسبوع مهدداً منتقديهم في شرق السودان بالقصف بالطائرات بعد تكوين الحكومة الموازية التي وصفها بـ«حكومتنا».
عندما اندلعت الحرب كانت الخطة «أ» انقلاباً خاطفاً للسيطرة على مقاليد الأمور في السودان، وفي الوقت ذاته القيام بتدمير ونهب واسعين، والاستيلاء على بيوت المواطنين، لكن صمود الجيش أفشل الخطة. وبعد الهزائم في الجزيرة، وبداية الاندحار في الخرطوم، دعا قائد «الدعم السريع» قواته إلى الانتقال إلى ما سماه الخطة «ب» التي اتضح أنها تقوم على استهداف محطات الكهرباء والخدمات بالمسيرات، واستهداف الأسواق والمستشفيات وحتى المدارس بالقصف المدفعي وذلك لإثارة سخط الناس على الجيش والضغط عليه للعودة إلى المفاوضات.
هل محاولة تشكيل الحكومة الموازية هي الخطة «ج»؟
بغض النظر عن أبجدية وصفها، فإنها تبدو آخر طلقة في بندقية «قوات الدعم السريع» وحلفائها، وفي تقديري وتقديرات الكثيرين أنها ستفشل، ولن توقف تقدم الجيش وحلفائه نحو تحقيق هدفهم الذي بات معلوماً... بل وقريباً.
(الشرق الأوسط)