خطاب النهايات.. عن أفول الأدب ووظيفته
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
بعد نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، تعالت أصوات تنادي بـ"موت الأدب" أو "أفول الأدب" أو "احتضار الأدب"، وهي كلها تسميات تزيد من الشعور بوجود أزمة في الأدب، وفي وظيفته وفي تلقيه، والواقع أن هذه الأصوات المنبهة لـ"موت الأدب"، ليست مخصوصة بالأدب فحسب، فهناك حديث عن "موت الأخلاق" و"موت الإنسان" و"موت القيم" و"موت الفن" وغيرها من الأطروحات التي قلبت حياة الناس رأسا على عقب وحولت طريقة تفكيرهم وفهمهم إلى درجة أنها فصلتهم عن الوضع الاعتباري للأدب.
إن هذه الكتابات المتواترة بخصوص موت الأدب والإعلان عن حقبة جديدة في تاريخ البشرية، تؤكد بالملموس مدى ملازمة الأدب للإنسان، ومعه نطرح السؤال الآتي: هل "الأدب في خطر" فعلا كما تنبه إلى ذلك الناقد الفرنسي تزيفيتان تودوروف؟ فمن المعلوم، أن القرن العشرين هو قرن النهايات، غير أن راهنية الأدب تفرض إعادة التفكير في مساراته ووضعياته وسياقاته، فأدب اليوم يختلف كليا عن أدب الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، وكل مرحلة من تاريخ الأدب الإنساني، هي بمثابة مرحلة لها خصوصياتها وإشكالاتها.
ومن المؤكد، أن كل مرحلة لها نهاية حتمية ومحتملة، لأنها واقعة تحت قوى ضاغطة، غير أنه، ومن زاوية أخرى، يمكن النظر إلى الأمر بنوع من المرونة والتبصر، ذلك أن الأدب سيرورة أفكار وتموج للتاريخ وحلقة مترابطة تنطلق من الإنسان في اتجاه الإنسان، لذلك، فأفول الأدب في خطابات الألفية الثالثة وما بعدها، ليست مفصولة عن السياق العام لسيرورة الأدب، وإنما هي هاجس يسكن التفكير البشري ويلازمه باعتباره يتعين قلقا وجوديا أو سؤالا في الكينونة أو مظهرا من مظهر الهوس الفكري.
مسار الأدب ووظيفتهفي ضوء هذه الخطابات المستجدة بخصوص مسار الأدب ووظيفته، لا بد من الإشارة إلى أن حقبة الألفية الثالثة قد شهدت ثورة كبرى في مختلف الوسائط الرقمية والالكترونية، فعمقت الفجوة بين الإنسان والأدب، ففي وقت قريب، كان الإنسان في أوقات فراغه ينصرف إلى قراءة الشعر والقصص والروايات طلبا للمتعة ونشدانا للمعرفة والثقافة بدل الجلوس ساعات طويلة أمام شاشات السينما والتلفزيون دون أي فائدة تذكر.
هكذا تحولت المعرفة من كتب الأدب إلى معرفة أخرى أساسها الصورة وعبورها في متخيل الإنسان، ومن ثمة، أضحى الأدب ضحية للثورة الرقمية إيذانا بـ"موت الأدب" أو هكذا يتصور العديد من الكتاب والفلاسفة والأدباء، وبتأمل العناوين الآتية: "الأدب في خطر" لتزيفيتان تودوروف، و" لم يصلح الأدب" لأنطوان كومبانيون و"ضدا على سانتبروست، أو نهاية الأدب" لدومينيك مانغونو، إضافة إلى فكرتي "موت الإنسان" التي انتشرت في الأوساط الثقافية مع فورة البنيوية و"موت المؤلف" التي نادى بها الناقد الفرنسي رولان بارت، سنلمس رغم الاختلاف في الرؤى والتصورات، أن هذه الأطروحات تتنافذ كلها وتتقاطع عند نقطة هامة وهي نزع هالة الحياة عن الأدب والتبشير بأفوله.
غير أن هذا المعطى الذي يربط موت الأدب بالثورة الرقمية لا يبرر وجود هذه الأزمة التي يعرفها الأدب في وقتنا الراهن وازدياد الشعور بالخوف في قيمته ووظيفته ودوره في حياة الإنسان. إن الأدب لا يموت ولن يموت، فهو مرتبط أيما ارتباط بالإنسان، وإنما هي أطروحات تتغذى من إرهاصات فكر معطوب وتاريخ مرتهن لتوحش العولمة ونزوع الإنسان نفسه نحو فضاءات أخرى ضاغطة وأكثر استلابا لحياة الإنسان كالتقنية والفضاء الرقمي والغلو في الفردانية والميل نحو العوالم المغرقة في التجريد والاستيهام، ومن ثم، تجدد خطاب النهايات وتعمق أكثر في الدراسات والأبحاث، بل ساهم في تبدل حياة الناس وطريقة تفكيرهم وعيشهم.
الثورة الرقميةلكن، ألا يمكن للثورة الرقمية أن تكون رافعة للأدب؟ بمعنى آخر، بإمكان الفضاء الرقمي أن يسهم في انتشار الأدب وبث الحياة فيه بدل أن يكون كالسم في الدسم، وإتاحة الفرص أمام الأدب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أن يقتحم العالم الافتراضي ويقيم بين ثناياه إيجابا لا سلبا، تفاعلا لا انفعالا، حياة لا موتا، وبذلك، تنتفي شروط الموت والأفول والاحتضار نحو الإقبال على الحياة والتفاعل مع إيقاع الحياة السريع.
إن استقلالية الأدب وحياته هي تعبير عن وجود الإنسان في عنق إشكالات العصر وديناميته التي لا تنتهي بمجرد صيحات تسمع هنا وهناك، فالإقرار بجدوى الأدب ومشروعيته لا يحتاج منا كل هذا "التبيين والتبين"، بل هي مسألة واقعة في صميم التفكير البشري، وما نفور الناس من المقروء والمكتوب إلا ضرورة حضارية أملتها التحولات العميقة التي يعرفها العالم منذ التسعينيات إلى وقتنا الراهن.
بيد أن نظرة عجلى متبصرة للواقع الثقافي والأدبي، سنلاحظ أن ثمة نقطة ضوء وسط مساحات كبيرة من العتمة، لكن، بإمكان تلك النقطة الوحيدة أن تلامس مساحات أخرى وتكشف نداءات الحياة بدل تعاليم الموت، وقد تكون محكا لقدرة الإنسان على صوغ ذاته إزاء الضوء المنتشر في العالم، ويحارب العمى المستفحل، ثم يتوجه إلى إدراك الجواب عن السؤال المؤرق: ماذا يعني لك الأدب؟ ومن الطبيعي، أن تكون هناك إرادة مشتركة بين الذات والضوء، وبين الموت والحياة، حينها يمكننا القول وبصوت عال إن الأدب باق يتمدد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الأدب فی
إقرأ أيضاً:
تعرف على أبرز النهايات الغامضة لأركان النظام السوري.. هل صفاهم الأسد؟ (شاهد)
عرف نظام عائلة الأسد في سوريا، بقبضته الأمنية القاسية، والاعتماد على دائرة ضيقة من القيادات المعروفة بشديدة الولاء، سواء في حكم حافظ الأسد أو ابنه المخلوع بشار الأسد، ولم يخل تاريخ هذا الحكم الطويل من التصفيات الداخلية.
وتكررت الاتهامات للنظام السوري بالتخلص من شخصيات في مستويات قيادية عالية، بسبب الشك في ولائها أو الخوف من تنامي نفوذها وتهديدها رأس النظام وعائلته الحاكمة.
ورغم أن تلك الاتهامات قيدت كحوادث انتحار أو تحميل مسؤوليتها للمعارضة السورية في حكم بشار الأسد، إلا شهادات قدمتها شخصيات منشقة، خلال السنوات الماضية، كشفت أن النظام متورط فيها لإقفال ملفات وإخفاء الشهود عليها.
ونستعرض في التقرير التالي أبرز الشخصيات التي اختفت عن المشهد بسوريا بحوادث مثيرة للريبة:
غازي كنعان
وزير الداخلية السوري الأسبق، ومسؤول التحقيقات إبان مجزرة حماة في ثمانينيات القرن الماضي ورئيس ما يعرف بجهاز الأمن والاستطلاع فيها لبنان، خلال فترة الوصاية السورية على لبنان والتي حمل فيها لقب حاكم لبنان الفعلي بسبب سطوته على القرار هناك.
اكتشفت جثة كنعان داخل مكتبة، بوزارة الداخلية، في أكتوبر 2005، وقال النظام إنه أقدم على الانتحار، بواسطة طلق ناري في الرأس، وهو ما أثار الشكوك بشأن هذه الرواية، والاعتقاد أنه جرى تصفيته، في ظل اعتباره الصندوق الأسود لقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، والحديث عن نيته مغادرة سوريا بما يملك من معلومات.
آصف شوكت
صهر بشار الأسد، زوج شقيقته بشرى، مدير جهاز الاستخبارات العسكرية، وأحد أهم أركان نظام بشار الأسد وتثبيته في الحكم،رفع إلى رتبة عماد في تموز/يوليو 2009 وأصبح نائبا لرئيس الأركان كما تم تعيينه نائبا لوزير الدفاع.
كان آصف شوكت أحد أعضاء خلية الأزمة التي شكلها رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، بعد اندلاع الاحتجاجات الواسعة في سوريا، عام 2011، والتي كانت مسؤولة عن القرارات الأمنية والعسكرية في البلاد في ظل حالة الطوارئ.
تعرضت الخلية لتفجير غامض في مقر جهاز الأمن القومي، والذي يعد من الأكثر الأماكن تحصينا وحماية أمنية في العاصمة السورية دمشق، في تموز/يوليو 2012، قتل على إثره مع قيادات أخرى كبيرة.
اتهم النظام المعارضة بالوقوف وراء التفجير، لكن تقارير عديدة اتهمت النظام بالتخلص من بعض رموزه معلومات عن احتمالية إطاحتهم بالأسد لنزع فتيل الاحتجاجات على حكمه.
داوود راجحة
وزير الدفاع السوري، يحمل رتبة عماد، عين في منصبه خلفا لعلي حبيب، الذي خرج من الخدمة مع بدايات الثورة في سوريا.
بقي في منصبه رغم التعديل الحكومة لحكومة عادل سفر، واستمر مع رياض حجاب الذي انشق لاحقا عن النظام.
قتل راجحة والذي يعد أول وزير دفاع من الديانة المسيحية يتسلم هذا المنصب، في تفجير خلية الأزمة، والذي تحوم الشكوك بوقوف النظام خلفه.
حسن تركماني
أحد أبرز القادة العسكريين للنظام السوري في تاريخه، كان يشغل منصب معاون نائب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية، والقيادة القطرية لحزب البعث، ونائب القائد الأعلى للجيش ووزيرا للدفاع ما بين 2004-2009.
ومع انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 2011 تولى رئاسة خلية الأزمة التي كلفت بالقضاء على الاحتجاجات الواسعة ضد نظام حكم بشار الأسد.
قتل في تفجير خلية الأزمة في أشد الأماكن تحصينا بجهاز الأمن القومي في العاصمة دمشق عام 2012.
هشام بختيار
أحد أبرز الشخصيات الأمنية في النظام السوري، كان رئيس مكتب الأمن القومي في حزب البعث الحاكم سابقا بسوريا، وعضو اللجنة المركزية والقيادة القطرية للحزب، ومديرا لجهاز المخابرات السورية المعروف بأمن الدولة.
كان يشغل منصب رئيس مكتب الأمن القومي في حزب البعث السوري الحاكم . وكان عضوا في اللجنة المركزية والقيادة القطرية للحزب. كما شغل منصب مدير إدارة المخابرات العامة
عين بختيار عضوا في خلية الأزمة، التي تولت التعامل مع الثورة السورية التي اندلعت في البلاد عام 2011، وتعرض لإصابة في التفجير الذي وقع أثناء اجتماع الخلية عام 2012.
كشف الطبيب الذي عالجه في مستشفى الشامي في العاصمة دمشق، بعد حدوث التفجير في مقابلة تلفزيونية عقب سقوط الأسد، أنه أجرى عملية لبختيار، وكان إصابته عبارة عن شظية في البطن وصلت إلى الأمعاء، ولم تكن تهدد حياته بالمطلق، لكنه بعد مغادرته المستشفى أعلن مقتله، مرجحا ما أشير إلى التخلص منه.
رستم غزالة
أحد أبرز الشخصيات الأمنية في النظام السوري، ويحمل رتبة لواء، وكان الحاكم الأمني السوري للبنان، حتى الانسحاب السوري من هناك عام 2005.
عقب تفجير خلية الأزمة، اختير رئيسا لشعبة الأمن السياسي، وشارك جهازه في عمليات قمع واسعة للتظاهرات والتخلص من المعارضين بسبب نفوذ وسطوة جهازه.
أقيل من جهاز الأمن السياسي، بعد تصاعد الحديث عن خلافات حادة مع مدير المخابرات الجوية رفيق شحادة، واتهام الأخير باحتجاز غزالة عبر مرافقيه والانهيال عليه بالضرب وتعرضه لإصابات بالغة أدت إلى وفاته بعد أيام.
كشف أحد مرافقيه بعد سقوط نظام الأسد، عن تخلص النظام منه، بعد استدعائه لأحد المقرات، وتعرضه للضرب المبرح، ونقله إلى المستشفى وإهمال علاجه ليفارق الحياة، بسبب كثرة انتقاداته لبشار الأسد في أيامه الأخيرة.