صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-07@07:07:16 GMT

ألغام ما بعد الألغام

تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT

ألغام ما بعد الألغام

ألغام ما بعد الألغام

وجدي كامل

التحذير الذي أطلقته محلية مدينة الخرطوم بحري لسكان ريفها من الألغام المزروعة بمناطقهم أثناء الحرب بكشف الأمطار الغزيرة الحالية عنها تحذير يستوجب الإنتباه ليس فقط على السكان المستهدفين منه بقدر ما يصبح تحذيراً يقبل، ويحتمل النشر على النطاق الأوسع، والتوليد لتحذيرات أخرى مماثلة وممتدة عن مخاطر أشمل ستنهض أمام المواطنين المقيمين بالمناطق المتأثرة بالحرب، كما بانتظار النازحين بداخل السودان وخارجه حال عودتهم إلى ديارهم ومساكنهم.

فإذا ما تمكن موسم الخريف الحالي من الكشف عن تلك الألغام القابلة للانفجار في مناطق ريفي بحري فإن المخلفات العسكرية الحربية، وارتباطاتها بالخراب البيئي من إفساد للنسق والنظام البيئي فستعد أشد خطورة لما ستنتجه من نتائج كارثية على معاش، وتعايش، وصحة الإنسان.

وتعد الآثار المترتبة على التسليح، والعنف، والدمار الذين لازموا الحرب، بما في ذلك المخلفات البشرية، والحيوانية ونفوق الطيور وهجرتها له ما له من متاعب أوضح ما يتصدرها من الصور هو واقع ما بعد الحرب بأكمله.

أما السلاح الذي بات في أيادٍ كثيرة لا تحصى ولا تعد فمن البائن أنه سيمثل مصدراً متقدماً لمخاوف ومخاطر لاحقة. فالسلاح الذي عم القرى والحضر وتم تمليكه للمواطنين ممن يصنفون كمستنفرين أو كتائب مقاتلة يشكل عبئاً إضافياً للسلام الاجتماعي ويرجح حدوث الانتهاكات الجسيمة بواسطته حتى في أفضل نجاح مساعي التجميع له، مما يؤشر لاتساع رقعة الحرب بأشكال صريحة مباشرة، وأشكال خفية رمزية ترقى من الناحية الأولى إلى مستوى ممارسة التصفيات الجسدية والقتل خارج القانون، إلى إشاعة الحروب الثقافية المدمرة المسلحة بالكراهية والعنصرية والتمييز.

فالحرب التي أفصحت عن عدم المسؤولية الوطنية للمؤسسة السياسية وللجهات والأفراد ممن تورطوا في معاركها ستواجه أعتى عقباتها بانتشار ظواهر خرق القانون والتفلتات الأمنية التي لن يستمر في ارتكابها الخارجون عن القانون ممن تم إطلاق سراحهم أثناء، وعشية اندلاعها، بل من المتأثرين بعدم عدالتها ونتائج ذلك عليهم على المستويين الشخصي والعام بما لحق بهم من أذى وضرر.

فكل ما يرشح من معلومات وتتبدى من ظواهر تشير إلى أن السودانيين المتأثرين بالحرب لن يعودوا طيبين، مسامحين، مسالمين كما كانوا من قبل رغم التسليم بالقضاء والقدر حسب المعتقدات، أو المستودع في الأخلاق من مخزون ثقافي.

ففكرة الانتقام هنا واردة كسيناريو من السيناريوهات كرد فعل للضحايا الذين سيكتشفون بعد قليل أن الذين جردوهم وسرقوهم مملوكاتهم سينفردون بلعب أدوار البطولة المطلقة في اقتصاد ما بعد الحرب الذي ينتظر إلا يقل قذارة في أساليبه وعملياته مما سبقه من اقتصاد أثناء الحرب.

فالمتغيرات النفسية ستولد المزيد من السلوكيات العدائية والعدوانية الناشزة وغير المتقيدة بالقانون وروحه باحترام أسس التعايش المتعارف عليها كما كان بينهم في السابق على التقدير الأقل.

حقائق مؤلمة جمة وكثيفة ستواجه فكرة العيش والتعايش من جديد بسبب الانتهاكات، وتجفيف مصادر الدورة المالية الاقتصادية بنظامها المتعارف عليه والقائم على مبدأ الإسهام والمشاركة الإنتاجية كل حسب نطاق عمله وإنتاجه عندما يعود النازحون إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم فيكتشفون تبخر أولويات وسائل الحياة، بالإضافة لما أصاب بيوتهم ومساكنهم من تجفيف ونهب لكل شيء، وشوارع خلت من مظاهر المدنية والسلام والطمأنينة، والسلامة.

أما جسور التواصل فمن الطبيعي أن تتأثر بتحطم الطرق و(الجسور)، وما سيتبع ذلك من صعوبات وعقبات تحول دون التواصل الفيزيائي بتكاليف اعتيادية ونمطية سابقة.

فالمواصلات والتواصل الفيزيائي سيكونان من ضحايا الواقع القادم بالعاصمة المثلثة بسبب السرقات التي طالت كل شيء بما فيها، وسائل المواصلات وما يتركه ذلك من تجميد لمهن وأنشطة اقتصادية ذات ارتباط بالتنقل والحركة.

وغالباً ما ستصبح الخرطوم في وسطها مكاناً طارداً للتجمعات والوزارات والمصالح الحكومية الخدمية التي ستتحول إلى أماكن موحشة تفتقد للعاملين والمهن ذات الارتباط بالتجمعات بسبب التخريب الذي طال المباني والمؤسسات ونظم الإنتاج. سيختل نتيجة ذلك ميكانيزم العمل الذي تم سلب أدواته ونظمه.

وإذا كان من المؤكد أن تتوفر أسواق للخضار والفاكهة واللحوم (رغم فشل الموسم الزراعي وشبح المجاعة المخيم أو القائم حالياً) إلا أنه سيتعثر توفير الأسواق الأخرى– أسواق العمل ذات الارتباط بالمعاش القديم للناس وما تأتي به من عوائد مالية بعد أن تم تجفيف (شفشفة) الوسائل والأدوات المشغلة لها.

إنه، وبتكبير صورة الكارثة المحدقة لما بعد كارثة الحرب واقع أشد بؤساً وصعوبة لتفكيك معضلاته مما يتصور وينظر له، وبحيث ستنتظر الناس ألغام رمزية تفوق في خطورتها ومخاطرها ما يتم التحذير منه حالياً من محلية الخرطوم بحري عن الألغام المدفونة تحت الأرض.

على الحرب أن تتوقف اليوم قبل الغد للحد من خسارات أشد قادمة في حالة استمرارها.

الوسومالألغام الحرب الحروب الثقافية الخرطوم بحري السلم الاجتماعي السودان القتل خارج نطاق القانون المسؤولية الوطنية وجدي كامل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الألغام الحرب الحروب الثقافية الخرطوم بحري السلم الاجتماعي السودان المسؤولية الوطنية ما بعد

إقرأ أيضاً:

القائد المهزوم عاد لقبائل دارفور لإجبارها على الدفع بمزيد من الشباب لمحرقة الحرب

وجه عبد الرحيم دقلو تهديداً شديداً إلى قادة الإدارة الأهلية بدارفور داعياً إياهم إلى إظهار الولاء لمشروع المليشيا دون أي تحفظات ، و قال في لقائه المقام بصالة أفراح بمدينة نيالا : أنه لن يقبل “مسك العصاية من النص” و أن أي زعيم قبلي لا يظهر الإنتماء للقضية فهو “فلولي مندس” ، و أن المليشيا “لا يمكنها التعايش مع الفلول” ، بل أمر بإطلاق النار على كل “كوز” و عدم دفن جثته إذا وجدت ملقية في طريق عام.

كما سمّى بعض المحليات التي يظن أنها أقل رفدا للجنود و أقل حماساً للمشاركة في الحرب بأن عليها الضرب بيد من حديد.

و ظهر إلى جواره الناظر التوم الهادي دبكة بوجه عبوس و متكدر طوال فترة اللقاء ، و هو الذي أعلن ولاءه للمليشيا بشكل علني و متكرر و سافر إلى نيروبي إلا أنه تم الإعتداء على موكبه مؤخراً بواسطة قوات المليشيا و تجريد حرسه الشخصي من سلاحهم.

الخطاب الطويل الذي تفنن في إبراز صور التهديد و الوعيد ، أظهر قلة ثقة المليشيا بالإدارات الأهلية التي لا بد أنها ستراجع نفسها مع تبدل الموازين العسكرية لصالح الجيش السوداني ، كما يظهر مقدار الضغوط المفروضة على المجتمعات المحلية في دارفور لدفع أبنائها للقتال في حملة الإستنفار التي يقودها عبد الرحيم دقلو ، فكل من يعارض أو يتلكأ فسيتم إتهامه بأنه فلولي و يتم إعدامه كما أشار.

القائد المهزوم عاد لقبائل دارفور لإجبارها على الدفع بمزيد من الشباب لمحرقة الحرب ، و رأى أن مقاربة التهديد الشديد هي الوسيلة الأفضل لمرحلة الإنكسار الذي تعاني منه قواته بدلاً من الإغراء بالرواتب و الغنائم كما في بداية الحرب . و يبدو أن المليشيا استشعرت إمكانية تواصل بعض القادة مع الجيش، كما شهدت نيالا تصاعد خطاب النقد و المطالبة بمحاسبة القادة العسكريين الذين تلقوا الهزائم المتتالية و عرّضوا أبناءهم لمقتلة كبيرة داخل الخرطوم دون أي مقابل ، حتى قرار الإنسحاب المفاجيء من الخرطوم كان كارثياً على المليشيا و كلّفها كثيراً من الجنود داخل الخرطوم و في الطريق الى دارفور.

د. عمار عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • كيف تضرر قطاع النقل في السودان خلال الحرب الحالية؟
  • الحرب تخلّف أوضاعا صعبة لدى سكان الخرطوم
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • الذهب والفضة ينخفضان مع تصاعد الحرب التجارية التي أعلنها ترامب
  • أفغانستان.. 500 قتيل بانفجارات ألغام أرضية العام الماضي
  • القائد المهزوم عاد لقبائل دارفور لإجبارها على الدفع بمزيد من الشباب لمحرقة الحرب
  • تقرير أممي: أكثر من 500 شخص قتلوا بألغام أرضية في أفغانستان
  • الحرب العالمية التجارية التي أعلنها ترمب لا تخصنا في الوقت الراهن
  • الأمم المتحدة: ألغام الحوثي تهدد حياة سكان الحديدة
  • تقرير حقوقي يوثق مقتل وإصابة أكثر من ستة آلاف مدني جراء ألغام الحوثي