كمبالا: «الشرق الأوسط»

ضجت المنصات السودانية بـ«رواية» تنحي القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وإخلاء منصبه لنائبه الفريق أول شمس الدين كباشي، وتضاربت التحليلات والتفسيرات حول ما إن كانت «الرواية» حقيقية، أم مجرد «اختلاق» هدفه خلق تعاطف مع الرجل، أم أنها بالون اختبار أطلقه لتحسس ولاء مساعديه ومؤيديه، أم محاولة لتغطية «فشله» في تحقيق نصر سريع على «قوات الدعم السريع»، أم تعبير عن «إحساس بالذنب» جراء الحرب التي أهلكت السودان والسودانيين.



وكان مساعد القائد العام الفريق ياسر العطا، وهو أيضاً عضو في «مجلس السيادة»، قال في مقابلة بثها التلفزيون الحكومي السبت الماضي، إن البرهان أبلغه برغبته في التنحي؛ لأنه «وصل الحد»، وعزمه نقل السلطة لنائبه الفريق أول الكباشي، وإنه أقنعه بـ«الاستمرار لما بعد هزيمة (قوات الدعم السريع) والقضاء عليها، وإطلاق فترة انتقالية قصيرة تجري بعدها انتخابات يغادر عقبها العسكر السلطة».

وتصف العبارة التي استخدمها العطا «بلغ الحد» واقع السودان الحقيقي؛ فالحرب استمرت لعامها الثاني، وراح ضحيتها الآلاف وتشرد الملايين بين نازح ولاجئ، في حين تحاصر المجاعة الملايين في مختلف الأنحاء، ما جعل الوسائط تتداول العبارة بالقول: «بلغ الناس جميعاً الحد»، فهل بالفعل بلغ البرهان الحد، أو أنه استخدم العبارة لأغراض أخرى؟

يجيب الإعلامي والمتابع للشؤون العامة السر السيد، عن السؤال قائلاً: «إن البرهان ظلّ يعيش حالة من التنازع والشد بين أطراف عدة، كل واحد منها يريد استخدامه... الإسلاميون يريدونه من أجل برنامجهم، في حين تحاصره الضغوط الإقليمية والدولية من كل الجهات، وهو لا يستطيع توظيف هذه التناقضات بما يحقق طموحاته الشخصية في الاستمرار بالسلطة».

ومنذ تسمية البرهان رئيساً لـ«مجلس السيادة»، سمح بترويج «أسطورة» أن والده رأى في المنام أنه «سيحكم السودان». وبحسب مقربين، فإن هذه الأسطورة ظلت تتحكم بتفكير الرجل، وهي التي دفعته للانقلاب على الحكومة المدنية الشرعية التي كان يقودها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بعد اقتراب انتقال رئاسة المجلس للمدنيين، وفقاً لنص الوثيقة الدستورية.

ويوضح السيد أن «شخصية البرهان ظلت تعاني من التقدم العسكري الواضح لخصمه (الدعم السريع)، والذي اعترف به مضطراً بقوله: مهما حدث فإننا لن نتخلى عن الحرب»، ويتابع: «البرهان يواجه ظروفاً غاية في التعقيد، قد تفسر رغبته في التنحي، وقد أسرّ بها لمساعده الفريق أول العطا».

ووفقاً للخبير الإعلامي، فإن «صبر البرهان على مصاعب الحكم نفد فعلاً؛ لأنه لم يستطع إدارة التنازعات المحيطة به... من وجهة نظري فهو ليس سياسياً بما يكفي، وفي ذات الوقت يفتقد للمشورة والدعم السياسيين، بما يمكنه من تحقيق طموحه الشخصي».

وعزا السيد تعثر مشروع البرهان السلطوي، إلى أنه «يستند على مناصرين لا ينصرونه فعلاً، بل بينهم من أصبح عدواً استراتيجياً للرجل، مثل قائد (قوات الدعم السريع) محمد حمدان دقلو»، وتابع: «الإسلاميون يظهرون للرجل التأييد، لكنهم يشككون في قدراته القيادية وفي نياته».

ويرى أن «البرهان فقد مؤيديه كافة، بل إن الدولة الجارة التي ما فتئت تدعم الانقلابات العسكرية في السودان، تراجعت بشكل كبير عن الوقوف معه، فأصبح وحيداً».

وفسر محللون سياسيون إعلان البرهان رغبته في التنحي، بأنه «محاولة لاستدرار التعاطف، أكثر من كونه تعبيراً عن موقف جدي، يتيح فرصة للأجدر ليقود البلاد في محنتها وينهي الحرب».

ويقول المحلل السياسي محمد لطيف إن «الأمر لا يتعدى محاولة من الرجل لخلق شعبية واستدرار التعاطف مستغلاً محاولة اغتياله، بترتيب حشود تخرج إلى الشوارع لإثنائه عن الاستقالة، لكن أحداً لم يخرج ليتعاطف معه».

ونجا البرهان من محاولة اغتيال الأربعاء الماضي، حين انفجرت مسيّرة مجهولة في احتفال عسكري بحضور الرجل، ما أدى إلى مقتل عدد من الضباط الذين كان يشرف على تخرجهم.

واستبعد المحلل السياسي حاتم الياس استقالة البرهان، بقوله: «البرهان لن يستقيل، فهو متمسك بمنصبه جداً، وهو للحفاظ عليه، نفّذ انقلابين: الأول بعد فض اعتصام القيادة، والثاني انقلابه على الحكومة الشرعية برئاسة عبد الله حمدوك، ثم أشعل حرباً من أجل ذلك».

وعزا حديث مساعد القائد العام العطا إلى «رغبة دفينة عند الرجل نفسه، أو تعبير عن صوت الإسلاميين الذين شرعوا في التقليل من البرهان، رغم إعلانهم تأييد الجيش». وتابع: «ربما يكون العطا قد انتزع الحديث من سياقه، تعبيراً عن صراع ومطامع بين أفراد الطاقم العسكري»، واستطرد: «الإعلان بهذه الطريقة يحمل رسالة تهديد للبرهان، ويعبر عن شهية العطا القوية ليحل محله... البرهان الذي أحرق البلاد من أجل منصبه، لن يستقيل بهذه السهولة».

واعتبر الياس أن «ما يخرج من تصريحات من العسكر يعبر عن تخبطهم الناتج عن ضعف قدراتهم في إدارة الدولة والجيش معاً... فشلوا في إدارة الدولة، وفشلوا في مهمتهم الأساسية والمهام العسكرية التي أعدوا لها أصلاً».

أما الكاتبة الصحافية أماني أبو سليم، فترى أن «البرهان غير جاد في التنحي، وهناك شواهد كثيرة تثبت تمسكه بالسلطة»، وتتابع: «ولو أراد التنحي فعلاً لما مرر الأمر وسط حديث العطا»، وتقطع بأن ذلك محاولة لـ«جس نبض الشارع، من خلال رد الفعل».

وقالت: «يبدو أن استبدال خطاب جديد عن القبول بالتفاوض ووقف الحرب، بالخطاب القديم، يحتاج لأدوات جديدة سيعتمدونها بعد قراءة رأي الشارع... كما يبدو أن أمر المسيّرة، وتمرير الرغبة في الاستقالة، هما من حيل تهيئة الشارع للخطاب الجديد».

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع فی التنحی

إقرأ أيضاً:

الجيش يعلن استعادة مقر الفرقة 17 من الدعم السريع وسط السودان

أعلن الجيش السوداني استعادته السيطرة على مقر الفرقة 17 في مدينة سنجة حاضرة ولاية سنار وسط السودان، وذلك بعد معارك ضارية شهدتها المدينة منذ يومين.

وقال الجيش إن قواته استعادت قيادة الجيش في سنجة التي كانت تخضع لسيطرة الدعم السريع، وأشار إلى أنهم ماضون في طريق تطهير كامل لتراب الوطن ممن وصفها بالمليشيا الإرهابية.

معارك ضارية

وشهدت مدينة سنجة منذ يومين مواجهات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع التي اتخذت موقعا دفاعيا في المدينة لإيقاف تقدم الجيش الذي طوّق المدينة من 3 محاور.

ويقول ضابط برتبة رفيعة في الجيش السوداني للجزيرة نت إن قواتهم طوقت سنجة شرقا عبر قوات قادمة من مدينة الدندر وجنوبا عبر قوات قادمة من الدمازين وغربا عبر قوات قادمة من مدينة سنار مرورا بمدينة مايرنو.

وأشار الضابط إلى أن الطائرات الحربية نفذت طلعات جوية عنيفة فجر اليوم استهدفت مواقع الدعم السريع في سنجة أعقبها تقدم للمشاة من محور الدندر، إذ تمكنوا من عبور جسر سنجة واستلام مواقع الدعم السريع في المدينة، من بينها مقر قيادة الجيش بالفرقة 17 مشاة.

وتابع الضابط أنهم كبدوا الدعم السريع خسائر في الأرواح وسيطروا على عدد من قطع الأسلحة الحربية، وقال إن عناصر من قوات الدعم السريع هربوا نحو منطقة رورو في النيل الأزرق.

وكانت قوات الدعم السريع بسطت سيطرتها على مدينة سنجة في أواخر يوليو/تموز الماضي بعد معارك استمرت 3 أيام انسحب عقبها الجيش من سنجة.

وفي الأثناء، قال مصدر بالدعم السريع للجزيرة نت إن قيادة الدعم السريع وجهت قواتها بالانسحاب من سنجة، وإنهم انسحبوا إنفاذا لتوجيهات القيادة، ولم يفصح المصدر عن وجهة قواتهم المنسحبة.

معارك سنار

وفي يوليو/تموز الماضي سيطرت قوات الدعم السريع على مدن عدة بولاية سنار جنوب شرقي السودان، من بينها سنجة وأبو حجار والدالي والمزموم.

وتشير المصادر التي تحدثت للجزيرة نت إلى أن قوات الدعم السريع ما زالت تحتفظ بوجودها في مدينة أبو حجار جنوب سنجة وفي الدالي والمزموم المتاخمتين لمحلية التضامن بولاية النيل الأزرق.

وأضافت المصادر أن الجيش بات قريبا من استعادة أبو حجار عبر قواته المتقدمة من منطقة جلقني البحر في النيل الأزرق، وأكدت أن الجيش عازم على استعادة السيطرة الكاملة على ولاية سنار في الساعات القادمة.

مقالات مشابهة

  • هل انتصار الجيش ممكن؟
  • البرهان: لا تفاوض ولا تسوية مع "قوات الدعم السريع" 
  • رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة: ماضون نحو القضاء على التمرد وإستئصاله
  • سودانيون يحتفون بسيطرة الجيش على مدينة سنجة
  • خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة
  • البرهان يكشف عن المرحلة المقبلة في السودان
  • البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسانية
  • الجيش السوداني يستعيد سنجة.. البرهان يتعهد بتحرير المزيد (شاهد)
  • الجيش يعلن استعادة مقر الفرقة 17 من الدعم السريع وسط السودان
  • توم بيريلو: نقدر جهود مجلس السيادة لتسهيل زيادة حجم المساعدات الطارئة