مسقط- العُمانية

تُعد اللغة العربية ركيزة أساسية للهوية الثقافية والحضارية للشعوب العربية، وقد أسهم العمانيون كثيرًا في صقل هذه اللغة وخدمتها على مر العصور؛ فمنذ العصور الأولى للإسلام، برزت عُمان مركزًا علميًّا وثقافيًّا وأسهم أهلها في تطوير علوم اللغة العربية، ووضعوا أسساً راسخة في مجالات النحو والصرف والبلاغة.

ويُعد الخليل بن أحمد الفراهيدي من أبرز الشخصيات التي أسهمت في تطوير علوم اللغة العربية، ونشأ الخليل بن أحمد في ساحل الباطنة بعُمان، ورحل إلى البصرة و لمع نجمه هناك، حيث ابتكر علم العروض ومعجم العين والميزان الصرفي وصار أستاذًا للغة في بلاد العراق وألف في علوم كثيرة بز فيها غيره.

وفي القرن الثالث للهجرة بزغ من عُمان عالمان كبيران، أحدهما"ابن دريد" و هو شاعر اسمه أبو بكر محمد بن الحسنبن درید. نشأ ابن دريد بعمان وتنقل بين البصرة وفارس وبغداد، وكان أعلم الناس في زمانه باللغة والشعر وأيام العرب وأنسابها، وانتهى في اللغة إلى مقام الخليل بن أحمد فيها، وأورد فيها أشياء لم توجد في كتب المتقدمين، وكان يقال بأنه أعلم الشعراء وأشعر العلماء، ولما مات قيل مات علم اللغة، وعاش معظم أيام حياته في العراق وتوفي به.

ألف ابن دريد كتبًا كثيرة منها كتاب "الجمهرة في اللغة"، وكتاب "الاشتقاق" في اللغة وهو من أهم المصادر في هذا الميدان.

أما العالم الاخر فهو الأديب الكبير أبو العباس المبرد الذي نشأ أيضًا في ساحلالباطنة بعُمان، ثم رحل إلى العراق وأصبح إماما في النحو واللغة، وألف كتبًا كثيرة منها كتابه الشهير "الكامل في الأدب"، وكتاب "الروضة"، وكتاب "المقتضب".

واستمر العمانيون في التأليف بعلوم اللغة؛ فقد برز أبو المنذر سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري الذي ألف أربعة كتب منها كتاب في اللغة العربية يسمى كتاب "الإبانة" وهو من الكتب المعتبرة والمفيدة في علوم اللغة العربية.

أما في الشعر فقد زخرت عُمان بالشعراء منذ العصر الجاهلي، مثل: مالك بن فهم وأولاده وغيرهم من أهل عُمان، ومن شعراء عُمان الذين عاشوا في أواخر العصر الجاهلي ثم لحقوا عصر البعثة النبوية، مازن بن غضوبة السعدي السمائلي الطائي العماني الذي قال شعرًا دونته المصادر التاريخية، ورحل إلى المدينة المنورة حيث أسلم وعاد إلى عمان ينشر فيها الإسلام.

وفي غمرة الأحداث التاريخية التي تعرضت لها عمان في عصر بني أمية وعصر بني العباس ضاع الكثير من الشعر الذي قاله العمانيون، ومع ذلك بقي منه ما أثبتته كتب التاريخ والأدب من ذلك شعر المهالبة، وشعر ثابت قطنة المتكي،ثم ظهر الشعر بقوة في عهد الأئمة حيث كان من الأئمة من يقول الشعر، منهم الإمام راشد بن سعيد اليحمدي الذي تولى الإمامة بعد موت الخليل بن شاذان في عام (٤٢٥هـ / ١٠٣٣م).

وارتفع شأن الشعر عندالنباهنة أيضًا وراجت بضاعته كماازدهر الشعر ازدهارا عظيما في عهداليعاربة واستمر في الازدهار في عصر الدولة البوسعيدية وكان بعض سلاطين البوسعيد يقولون الشعر ولذلك شجعوا الشعر والأدب، ومن هؤلاء السيد سعيد ابن الإمام أحمد بن سعيد الذي تولى حكم عمان بعد وفاة أبيه وقال شعرا أثبته السالمي في تحفة الأعيان. وكذلك السيد هلال ابن الإمام أحمد بن سعيد. أما الشعراء الذين ظهروا في عهدهم فعددهم كبير منهم الشيخ عمرو بن عدي بن عمرو بن محمد البطاشي (ت ۱۳۱۷هـ / ۱۸۹۹م) والشيخ سعيد بن مسلم بن سالم البحري السمائلي (ت ١٣۷۲هـ / ١٩٥٢م) والشيخ سليمان بن سعيد بن ناصر الكندي النزوي (ت ١٣٧٩هـ / ١٩٥٩م) والشاعر حمود بن محمد بن سعيد الخروصي (ت ١٣٥٢هـ / ۱۹۳۳ م) والشيخ جمعه بن سليم بن هاشل الخنجري الحارثي (ت ١٣٨٧هـ / ١٩٦٧م) والشيخ الأديب عبد الرحمن بن ناصر بن عامر الريامي الأزكوي (ت ١٣٧٤ هـ / ١٩٥٤م)، والشيخ محمد بن سيف بن عبدالله السعدي السمائلي (ت ١٣٦٥ هـ / ١٩٤٦م) والشيخ عبد الله بن سليمان بن عبد الله بن سعد الله النبهاني ( ١٣٥٢هـ / ١٩٣٣م) والطبيب الماهر سعيد بن راشد بن مسلم الفارسي السمائلي (ت ١٣٦٧ هـ / ١٩٤٧م) والشيخ سيف بن سالم بن هاشل المسكري (ت ١٣٤٣هـ / ١٩٢٤م) و غيرهم الذين تركوا لنا دواوين عديدة في الشعر، مثل ديوان المعولي وديوان النبهاني والبهلاني وابن شيخان والخليلي وابن رزيق وابن عرابة وغيرها؛ ما يدل على نهضة أدبية كبيرة غمرت عُمان منذ ظهور الإسلام وحتى القرن العشرين.

 

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: اللغة العربیة علوم اللغة الخلیل بن فی اللغة بن سعید

إقرأ أيضاً:

بدأت منذ مهد الإسلام وابن رباح أول من مارسها.. كيف تطورت مهنة المسحراتي حتى وصلت إلى الراديو والتليفزيون؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

"اصحى يا نايم أصحى وحد الدايم.. وقول نويت بكره ان حييت.. الشهر صايم والفجر قايم.. اصحى يا نايم وحد الرزاق.. رمضان كريم"، بتلك الكلمات كان المسحراتي يقوم بعمله ليلًا يوميًا لإيقاظ المسلمين لتناول السحور قبل الفجر خلال شهر رمضان الكريم.

أصبحت شخصية المسحراتي، جزءًا لا يتجزأ من التراث الإسلامي والثقافة الشعبية المصرية، ومن أشهر العادات والتقاليد التي تظهر خلال شهر رمضان الكريم، فلم يقتصر دوره على إيقاظ الصائمين، بل تحول إلى رمز رمضاني، وما زال مستمرًا في الصعيد وبعض الحواري الشعبية.

تعد كلمة المسحراتي، مشتقة من كلمة سحور، والمسحر هي وظيفة أو مهمة يقوم بها شخص لتنبيه المسلمين ببدء موعد السحور، وبدء الإستعداد للصيام، تبدأ تلك المهمة بإنطلاق المسحر قبل صلاة الفجر بوقت كافي، يحمل في يده طبلة وعصا، ينقر عليها صائحًا بصوت مرتفع "اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم".

بداية المسحراتي

بدأت وظيفة المسحراتي، مع بدء التاريخ الإسلامي، وكان بلال بن رباح، أول مؤذن في الإسلام، اعتاد أن يخرج قبل صلاة الفجر بصحبة ابن أم كلثوم، ويقومان بمهمة إيقاظ الناس، فكان الأول يطوف بالشوارع والطرقات مؤذنا طوال شهر رمضان، فيتناول الناس السحور، في حين ينادي الثاني، فيمتنع الناس عن تناول الطعام.

بدأت قصة المسحراتي في مصر منذ ما يقرب من 12 قرن مضي، وتحديدًا عام 853 ميلادية، انتقلت مهمة المسحر إلى مصر، وكان والي مصر العباسي، إسحاق بن عقبة، أول من طاف شوارع القاهرة، ليلًا في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور، فقد كان يذهب سائرًا على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط، إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي الناس بالسحور.

المسحراتي في الدولة الفاطمية

في عصر الدولة الفاطمية منذ ما يقرب من ألف عام، أمر الحاكم بأمر الله، الناس أن يناموا مبكرا بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور، حتي تم تعيين رجلا للقيام بتلك المهة، أطلفوا عليم اسم "المسحراتى"، كان يدق الأبواب بعصًا يحملها قائلاً: "يا أهل الله قوموا تسحروا".

المسحراتي في العصر المملوكي

كادت مهنة المسحراتي أن تندثر في بلاد المحروسة، إلي أن جاء العصر المملوكي، وتحديدًا في عهد السلطان المملوكي، الظاهر بيبرس، والذي عمل على إحيائها كتراث اسلامي، ولتحقيق ذلك قام بتعيين صغار علماء الدين بالدق على أبواب البيوت، لإيقاظ أهلها للسحور.

نقابة المسحراتية

ظهرت طائفة أو نقابة المسحراتية، بعد أكثر من نصف قرن، وتحديدًا في عهد الناصر محمد بن قلاوون، والتي أسسها أبو بكر محمد بن عبد الغني، الشهير بـ"ابن نقطة"، وهو مخترع فن "القوما"، وهي شكل من أشكال التسابيح، ولها علاقة كبيرو بالتسحير في شهر رمضان، ظهرت في بغداد في بادئ الأمر، قبل أن تنتقل إلي القاهرة.

كان "ابن نقطة"، المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون، وعلى يديه تطورت مهنة المسحراتي، فتم استخدام الطبلة، والتي كان يُدق عليها دقات منتظمة، وذلك بدلا من استخدام العصا، هذه الطبلة كانت تسمى "بازة"، صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتى دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة، فأصبح المسحراتي يشدو بأشعار شعبية، وقصص من الملاحم، وزجل خاص بهذه المناسبة.

المسحراتي والتطور التكنولوجي

ومع التطور التكنولوجي، وظهور التليفزيون والراديو، بدأت مهنة المسحراتي تطرق أبواب الفنانين والشعراء، أمثال بيرم التونسى وفؤاد حداد والفنان الراحل سيد مكاوى، والذين تولوا مهمة نقل تلك الوظيفة إلي شاشة التليفزيون وميكروفون الإذاعة، ليستخدموا أحدث التقنيات لإيقاظ الناس للسحور، وأصبح المسحراتي يجوب الشوارع ويقوم بتدوين أسماء كل من يرغب في النداء عليه لإيقاظه.

مقالات مشابهة

  • مسلسل جودر 2 الحلقة الثانية.. سر الخلاف بين جودر والشيخ عبد الرحيم
  • إنفينيكس تعيد تعريف الهواتف ثلاثية الطي بتصميم ثوري.. شاهد
  • إمارة الشعر.. إلى أين ؟ وكيف ؟
  • مركز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ينظم احتفالية بمناسبة شهر رمضان
  • بدأت منذ مهد الإسلام وابن رباح أول من مارسها.. كيف تطورت مهنة المسحراتي حتى وصلت إلى الراديو والتليفزيون؟
  • مركز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ينظم احتفالية بمناسبة حلول شهر رمضان
  • فتح باب التسجيل لجائزة مجمع الملك سلمان للغة العربية
  • صفقة طوفان الأحرار.. ثلاثية متكاملة تصنع الإنجاز
  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يعلن فتح باب التسجيل في جائزته السنوية العالمية بدورتها الرابعة
  • اختلافات منهجية بين المشرق والمغرب.. تحليل لتفسيري الطبري وابن عطية