الخليل وابن دريد والمبرد.. ثلاثية عُمان في إثراء اللغة العربية
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
مسقط- العُمانية
تُعد اللغة العربية ركيزة أساسية للهوية الثقافية والحضارية للشعوب العربية، وقد أسهم العمانيون كثيرًا في صقل هذه اللغة وخدمتها على مر العصور؛ فمنذ العصور الأولى للإسلام، برزت عُمان مركزًا علميًّا وثقافيًّا وأسهم أهلها في تطوير علوم اللغة العربية، ووضعوا أسساً راسخة في مجالات النحو والصرف والبلاغة.
ويُعد الخليل بن أحمد الفراهيدي من أبرز الشخصيات التي أسهمت في تطوير علوم اللغة العربية، ونشأ الخليل بن أحمد في ساحل الباطنة بعُمان، ورحل إلى البصرة و لمع نجمه هناك، حيث ابتكر علم العروض ومعجم العين والميزان الصرفي وصار أستاذًا للغة في بلاد العراق وألف في علوم كثيرة بز فيها غيره.
وفي القرن الثالث للهجرة بزغ من عُمان عالمان كبيران، أحدهما"ابن دريد" و هو شاعر اسمه أبو بكر محمد بن الحسنبن درید. نشأ ابن دريد بعمان وتنقل بين البصرة وفارس وبغداد، وكان أعلم الناس في زمانه باللغة والشعر وأيام العرب وأنسابها، وانتهى في اللغة إلى مقام الخليل بن أحمد فيها، وأورد فيها أشياء لم توجد في كتب المتقدمين، وكان يقال بأنه أعلم الشعراء وأشعر العلماء، ولما مات قيل مات علم اللغة، وعاش معظم أيام حياته في العراق وتوفي به.
ألف ابن دريد كتبًا كثيرة منها كتاب "الجمهرة في اللغة"، وكتاب "الاشتقاق" في اللغة وهو من أهم المصادر في هذا الميدان.
أما العالم الاخر فهو الأديب الكبير أبو العباس المبرد الذي نشأ أيضًا في ساحلالباطنة بعُمان، ثم رحل إلى العراق وأصبح إماما في النحو واللغة، وألف كتبًا كثيرة منها كتابه الشهير "الكامل في الأدب"، وكتاب "الروضة"، وكتاب "المقتضب".
واستمر العمانيون في التأليف بعلوم اللغة؛ فقد برز أبو المنذر سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري الذي ألف أربعة كتب منها كتاب في اللغة العربية يسمى كتاب "الإبانة" وهو من الكتب المعتبرة والمفيدة في علوم اللغة العربية.
أما في الشعر فقد زخرت عُمان بالشعراء منذ العصر الجاهلي، مثل: مالك بن فهم وأولاده وغيرهم من أهل عُمان، ومن شعراء عُمان الذين عاشوا في أواخر العصر الجاهلي ثم لحقوا عصر البعثة النبوية، مازن بن غضوبة السعدي السمائلي الطائي العماني الذي قال شعرًا دونته المصادر التاريخية، ورحل إلى المدينة المنورة حيث أسلم وعاد إلى عمان ينشر فيها الإسلام.
وفي غمرة الأحداث التاريخية التي تعرضت لها عمان في عصر بني أمية وعصر بني العباس ضاع الكثير من الشعر الذي قاله العمانيون، ومع ذلك بقي منه ما أثبتته كتب التاريخ والأدب من ذلك شعر المهالبة، وشعر ثابت قطنة المتكي،ثم ظهر الشعر بقوة في عهد الأئمة حيث كان من الأئمة من يقول الشعر، منهم الإمام راشد بن سعيد اليحمدي الذي تولى الإمامة بعد موت الخليل بن شاذان في عام (٤٢٥هـ / ١٠٣٣م).
وارتفع شأن الشعر عندالنباهنة أيضًا وراجت بضاعته كماازدهر الشعر ازدهارا عظيما في عهداليعاربة واستمر في الازدهار في عصر الدولة البوسعيدية وكان بعض سلاطين البوسعيد يقولون الشعر ولذلك شجعوا الشعر والأدب، ومن هؤلاء السيد سعيد ابن الإمام أحمد بن سعيد الذي تولى حكم عمان بعد وفاة أبيه وقال شعرا أثبته السالمي في تحفة الأعيان. وكذلك السيد هلال ابن الإمام أحمد بن سعيد. أما الشعراء الذين ظهروا في عهدهم فعددهم كبير منهم الشيخ عمرو بن عدي بن عمرو بن محمد البطاشي (ت ۱۳۱۷هـ / ۱۸۹۹م) والشيخ سعيد بن مسلم بن سالم البحري السمائلي (ت ١٣۷۲هـ / ١٩٥٢م) والشيخ سليمان بن سعيد بن ناصر الكندي النزوي (ت ١٣٧٩هـ / ١٩٥٩م) والشاعر حمود بن محمد بن سعيد الخروصي (ت ١٣٥٢هـ / ۱۹۳۳ م) والشيخ جمعه بن سليم بن هاشل الخنجري الحارثي (ت ١٣٨٧هـ / ١٩٦٧م) والشيخ الأديب عبد الرحمن بن ناصر بن عامر الريامي الأزكوي (ت ١٣٧٤ هـ / ١٩٥٤م)، والشيخ محمد بن سيف بن عبدالله السعدي السمائلي (ت ١٣٦٥ هـ / ١٩٤٦م) والشيخ عبد الله بن سليمان بن عبد الله بن سعد الله النبهاني ( ١٣٥٢هـ / ١٩٣٣م) والطبيب الماهر سعيد بن راشد بن مسلم الفارسي السمائلي (ت ١٣٦٧ هـ / ١٩٤٧م) والشيخ سيف بن سالم بن هاشل المسكري (ت ١٣٤٣هـ / ١٩٢٤م) و غيرهم الذين تركوا لنا دواوين عديدة في الشعر، مثل ديوان المعولي وديوان النبهاني والبهلاني وابن شيخان والخليلي وابن رزيق وابن عرابة وغيرها؛ ما يدل على نهضة أدبية كبيرة غمرت عُمان منذ ظهور الإسلام وحتى القرن العشرين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: اللغة العربیة علوم اللغة الخلیل بن فی اللغة بن سعید
إقرأ أيضاً:
وهب روميًة.. رحيل هادئ لأديب أثرى اللغة العربية
فقد المشهد الثقافي العربي، الثلاثاء الماضي، باحثاً وناقداً، عرفه المثقفون والأدباء من خلال مؤلفاته القيَمة، التي غلبت عليها الجدة، وتميزت بالعمق، واشتهر لدى الشارع العربي، في عام 2024 عضو لجنة تحكيم برنامج "أمير الشعراء" بموسمه الـ11.. إنه الأديب السوري وهب أحمد رُومِيَّة.
توفي روميًة عن عمر ناهز 81 عامًا، ونعاه مجمع اللغة العربية بدمشق، الذي كان عضوا فيه، وهو من مواليد اللاذقية عام 1944، وحصل على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق عام 1967، ثم تابع دراسته في جامعة القاهرة بمصر، وحصل على ماجستير في الدراسات الأدبية، ثم نال درجة الدكتوراة في ا لأدب القديم من نفس الجامعة، عام 1977، بمرتبة الشرف.ولدى عودته من مصر عمل مدرِّسًا للأدب القديم في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة دمشق عام 1978، كما عمل أستاذًا أكاديميا في عدة جهات، منها معهد اللغات الأول في بكين، بالصين، وجامعة قسنطينة بالجزائر، وجامعة صنعاء باليمن، كما عمل في الكويت كأستاذ مشارك بقسم اللغة العربية.
وعمل أيضا بجامعة دمشق، أستاذًا للأدب القديم، وعُيِّن عميدًا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة، عام 2009، كما درَّس في رحلته التعليمية عددًا من المقرَّرات: الأدب الجاهلي، والأدب الأموي، والأدب العباسي، وعلم الأسلوب، وأدب الطفل، والدراسات الفنية والجمالية.
وأثناء عمله الأكاديمي أشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعة دمشق، وشارك في مناقشة عدد من الرسائل والأطروحات في جامعة دمشق، وجامعة حلب، وجامعة اللاذقية، وجامعة قسنطينة بالجزائر.
قدم رومية خدمات جليلة للثقافة وللغة العربية فقد كان عضوا بمجمع اللغة العربية بدمشق منذ 2016، كما عمل رئيس تحرير مجلة جامعة دمشق للعلوم الإنسانية، وعضو هيئة تحرير مجلة التراث العربي، في اتحاد الكتَّاب العرب، وعضو لجنة الترقية العلمية في: جامعة دمشق، وجامعة اللاذقية، وجامعة مؤتة بالأردن، أيضا كان باحثا محكَّما في: (سلسلة عالم المعرفة - الكويت)، و(مؤسسة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري - الكويت)، و(حوليات كلية الآداب - الكويت)، و(مجلة الدراسات العربية والإسلامية - الإمارات)، و(مجلة جامعة دمشق للآداب والعلوم الإنسانية)، و(مجلة بحوث جامعة حلب) وغيرها.
وشارك في العديد من المؤتمرات والندوات الأدبية محليا، ودوليا، كما تم انتخابه عضوًا عاملًا في مجمع اللغة العربية بدمشق في 2016، خلَفًا للشاعر سليمان العيسى، وشارك الدكتور رومية في أعمال عدد من لجان المجمع، منها: لجنة اللغة العربية وعلومها، ولجنة مجلة المجمع، ولجنة النشاط الثقافي، ولجنة المخطوطات وإحياء التراث، ولجنة المكتبة.
وصدرت له عدة مؤلفات، منها (قصيدة المدح حتى نهاية العصر الأموي بين الأصول والإحياء والتجديد) و(الرحلة في القصيدة الجاهلية) و (بنية القصيدة العربية) و(شعرنا القديم والنقد الجديد)، و(الشعر والناقد: من التشكيل إلى الرؤيا) و(الذاكرة: التناصُّ بين الشعر العربي في القرن العشرين والشعر الجاهلي)، و (من قضايا الثقافة).
وكان رومية نشيطاً في كتابة البحوث والمقالات، فكتب مجموعة من البحوث والمقالات في نقد الأدب العربي القديم والمعاصر في الدوريات الأدبية والثقافية، وعدد من المجلات؛ منها: (مجلة إبداع- القاهرة)، و(مجلة التراث العربي- دمشق)، و(مجلة المعرفة- دمشق)، و(مجلة فصول- القاهرة)، وغيرها.
وبفضل جهوده المتميزة نال رومية جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، عن كتابه شعرنا القديم والنقد الجديد، عام 2007، وجائزة الدولة التقديرية في مجال النقد من وِزارة الثقافة السورية، عام 2020، وجائزة مؤسسة البابطين الثقافية للإبداع الشعري الدورة 19، ثم جائزة الإبداع في نقد الشعر، عن كتابه "الشعر والذاكرة: التناصُّ بين الشعر العربي في القرن العشرين والشعر الجاهلي".