يلهون بأسلحة طينية.. هكذا يرى أطفال السودان مستقبلهم
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
الفاشر- في ظل الصراع المستمر الذي يمزق السودان وإقليم دارفور بشكل خاص، برزت ظاهرة مقلقة ومؤلمة بقيام بعض الأطفال في قرى النزوح ومراكز الإيواء بصناعة مجسمات أسلحة وآليات عسكرية من الطين والخشب، في محاولة لتقليد الحقيقية.
وتثير هذه الأسلحة المفترضة قلق الأهالي على سلامة الأطفال، إذ تبدو بعضها -من بعيد- وكأنها حقيقية، وقد يحسبها البعض أسلحة أصلية من دون أن يكتشفوا حقيقتها إلا عند الاقتراب منها.
وتعكس هذه الظاهرة المعاناة النفسية والاجتماعية التي يعيشها هؤلاء الأطفال في ظل الصراع والنزوح المستمر. فبدلا من أن يكونوا في المدارس، باتوا يحاولون التعبير عن واقعهم المؤلم من خلال صناعة هذه المجسمات المفترضة.
ووفقا لخبراء في علم الاجتماع، فإن هذه الممارسة الخطرة تعكس مدى تأثير الصراع المستمر في السودان على نفسية وسلوك الأطفال، فبدل أن يكونوا في بيئة آمنة ويتلقوا التعليم والرعاية اللازمة، يضطرون إلى التكيف مع واقع قاسٍ ومؤلم، مما يدفعهم إلى التعبير عنه بطرق غير آمنة وخطرة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول المواطن صالح محمود من منطقة "طويلة"، الواقعة على بعد 60 كيلومترا غربي مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، إن ظاهرة صناعة الأطفال للأسلحة الطينية تفشت بصورة كبيرة في منطقته، وهي انعكاس مباشر لحالة الخوف والانعزال التي يعيشها سكان الإقليم.
وأضاف أن أطفالهم يشعرون بالضعف والعجز أمام العنف المستمر، فيلجؤون إلى هذه الطريقة لاعتقادهم أنها وسيلة للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم، وأن هذا الواقع المرير -بوصفه- أثر بشكل كبير على سلوكهم وتفكيرهم، مما قد ينعكس سلبا على مستقبلهم، إذ أصبحوا يتأثرون بثقافة الحرب ويقلدونها بأشكالها المختلفة.
من جانبها، قالت ربة المنزل عواطف حامد إن "مشاهدة أطفالنا وهم يصنعون هذه الأسلحة تبعث على الحزن والقلق، فهم بحاجة إلى الأمن والحماية والرعاية، لا أن يكونوا مضطرين لصناعة أدوات للقتال والتنادي بأسماء الجنود المقاتلين". وأكدت للجزيرة نت أن هذا "الواقع المؤلم" يستدعي تدخلا عاجلا من قبل الجهات المعنية لإيجاد حلول جذرية للنزاع وتوفير الأمن والرعاية اللازمة لأطفال دارفور والسودان ككل.
بينما قالت حواء آدم، وهي نازحة من منطقة "شقرة" غربي الفاشر، إن الأطفال في منطقتهم يرددون كل صباح أغاني المقاتلين وهم يحملون مجسمات السلاح المصنوع من الطين، في حين يرتدي بعضهم قناع "الكدمول" (عِمة سودانية تغطي الوجه أيضا)، ويحمل آخرون مسدسات مصنوعة من الطين والخشب.
وأضافت للجزيرة نت أن الأُسر تنزعج من هذه السلوكيات، فلا يزال الأطفال صغارا، لكنهم يحملون هذه الأسلحة بشكل دائم طوال ساعات النهار.
طبقا للباحث في علم الاجتماع محمد سليمان أتيم، فقد أثرت الحرب بشكل كبير على حياة الأطفال في السودان، لا سيما في إقليم دارفور، وأوضح أن تنامي ثقافة الحرب لديهم يمكن أن يؤدي إلى زيادة ميلهم نحو الحياة العسكرية، وأن الأطفال في دارفور هم الأكثر تضررا نتيجة الحرب المستمرة في المنطقة.
وأشار للجزيرة نت إلى أن إغلاق المدارس سيؤدي إلى تفاقم مشكلة الأمّية في الإقليم إذا استمرت الحرب لفترة طويلة، مما قد يُسبب "تمردا" آخر في المنطقة نتيجة الجهل والحرمان الذي يعاني منه الأطفال.
وأضاف الباحث أنهم يواجهون الموت يوميا وقد يفقدون أهلهم أو أجزاء من أجسادهم، وهم محرومون من الذهاب إلى المدرسة والحلم بمستقبل أفضل. وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لحمايتهم من آثار الحرب المدمرة، وإعادة تأهيلهم نفسيا واجتماعيا.
وفي تصريحها للجزيرة نت، تؤكد اختصاصية علم النفس أحلام إبراهيم أن لهو الأطفال بالأسلحة الطينية هي طريقة للتعبير عن مشاعرهم وتجربة أدوار جديدة لهم. وأنه ينبغي توجيههم نحو أنشطة إبداعية أخرى تساعدهم على التنفيس عن مشاعرهم بطريقة إيجابية، مثل الرسم والنحت والموسيقى.
وأشارت إلى قلق المجتمع حيال هذه المسألة مع تدهور الحياة المدنية في المنطقة. وقالت إن الأطفال يشعرون بالخوف والقلق والاكتئاب، وقد يعانون اضطرابات نفسية، مثل الكوابيس والنوم المضطرب، ومن المهم توفير العلاج النفسي المناسب لهم لمساعدتهم على التعافي من هذه الآثار السلبية.
ولفتت اختصاصية علم النفس إلى أن العلاج النفسي في هذه الحالات يشمل استخدام أساليب مثل العلاج بالفن والموسيقى والقصص التي تساعدهم على التعبير عن مشاعرهم وتخفيف الضغوط النفسية، وإشراكهم في أنشطة اجتماعية وترفيهية لمساعدتهم على إعادة بناء حياتهم الطبيعية.
وشددت على ضرورة توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأُسر والمجتمعات المتضررة من الحرب، لمساعدة الأطفال على التعافي بشكل أفضل وإدماجهم في المجتمع والمدارس، وعلى التكيّف مع الحياة المدنية مرة أخرى.
بدورها، تصف الناشطة من مدينة الفاشر زحل عباس، هذا الأمر بـ"الخطير للغاية". وأوضحت أن انتشار هذه الثقافة يعكس مدى تغلغل ثقافة الحرب وعدم الاستقرار والوضع الأمني المتردي الذي تعاني منه المنطقة، حيث ينشأ الأطفال وسط بيئة مليئة بالعنف، فينظرون إلى الأسلحة على أنها وسيلة للعب واللهو وليس أداة للقتال.
وتقول -للجزيرة نت- إن لهذا الوضع انعكاسات خطيرة على مستقبل الأطفال، إذ إنهم قد ينشؤون على ثقافة عنف، مما قد يؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة في المستقبل.
وشددت على ضرورة دعم المبادرات المحلية التي تهدف إلى إعادة تأهيل الأطفال وإبعادهم عن ثقافة العنف. وتحدثت عن منظمات غير حكومية عديدة عاملة في هذا المجال تقدم برامج تدريبية وترفيهية للأطفال لتنمية مهاراتهم وقدراتهم على التعامل مع هذه المشكلة، و"لكن ينقصها الدعم الكافي".
وأكدت أن الحل الجذري لهذه المشكلة يكمن في إيقاف الحرب، وبدونه ستظل ثقافة العنف مستمرة، ولن يتمكن الأطفال من بناء مستقبل أفضل.
الوطأة الأشدوبعد زيارة قامت بها إلى بورتسودان بنهاية يونيو/حزيران الماضي، حذرت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" كاثرين راسل من أن الأطفال في جميع أنحاء السودان يتحملون الوطأة الأشد للنزاع الذي يمزق البلد.
وقالت إن أكثر من نصف أطفال السودان البالغ عددهم 24 مليونا -أي نحو 14 مليون طفل- في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، كما أن جميع أطفال البلد تقريبا غير ملتحقين بالمدارس حاليا.
في حين ذكرت مصادر إعلامية أن أكثر من 400 طفل في مدينة الفاشر وحدها وقعوا بين قتيل وجريح خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين، وكل هذا بينما يستمر شبح الجوع في تهديد أطفال البلد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت الأطفال فی من الطین
إقرأ أيضاً:
في شهرها الـ 23 المخرج من خطر التقسيم
في شهرها الـ 23 المخرج من خطر التقسيم
تاج السر عثمان بابو
1أشرنا سابقا الى أن الحرب تدخل شهرها الـ 23 مع استمرار خطر تقسيم البلاد، وجرائم الحرب من طرفيها كما حدث أخيراً من الدعم السريع في القطينة واستهدافه محطات الكهرباء كما حدث في “أم دباكر” النيل الأبيض، وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية، الزيادات الكبيرة في الأسعار والجبايات لتمويل الحرب التي وجدت رفضا واسعا، اضافة لاستمرار القمع الوحشي للحركات السلمية كما حدث الاعتصام عمال السكة الحديد في بورتسودان.
كما تستمر الحرب في ظروف مخاطر تقسيم البلاد، بتشكيل الحكومة الموازية التي أدت إلى الانقسام في تحالف “تقدم” نتج عنه تكوين جناح رافض الموازية باسم “صمود”، إذ من المتوقع أن يتم الإعلان رسمياً عن تشكيل الحكومة الجديدة في غضون أسبوع أو أكثر. يتضمن “الإطار الدستوري” للسلطة الجديدة ثلاثة مستويات من الحكم، وهي مجلس السيادة، ومجلس وزراء يمثل السلطة التنفيذية، وبرلمان.
من جانب اخر تسعى الحكومة السودانية المدعومة من الجيش إلى تعزيز علاقاتها مع كل من إيران وروسيا، مما يؤدي للمزيد من التصعيد وجعل السودان في مرمى الصراعات الدولية والإقليمية حول الموارد، والمزيد من التدخل الخارجي لتسليح طرفي الحرب، وإطالة أمدها. إضافة لتصاعد التدخل الإقليمي والدولي في الشأن السوداني كما في الإعلان عن تشكيل القاعدة الروسية البحرية التي تقود للمزيد من التصعيد في المنطقة والسودان حول الموارد، اضافة للمؤتمر الأخير الذي دعت له الإمارات في أديس أبابا، ورفضه من حكومة الأمر الواقع وعدم الاعتراف بحكومة الأمر الواقع الانقلابية من الاتحاد الأفريقي.
إضافة لتزايد تدخل المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب في البلاد، الذي يطيل أمد الحرب التي تهدد بتقسيم البلاد، والمزيد من الصراعات العرقية والاثنية ويزيد لهيب نيران الحرب الأهلية في السودان.
2أشرنا في مقال سابق إلى خطورة التسوية الجارية لاعادة الشراكة مع العسكر والدعم السريع وبقية المليشيات التي تقود لاعادة إنتاج الأزمة والحرب مرة أخرى، سواء تم ذلك في حكَومتين موازيتين أو واحدة. إضافة لضرورة تجاوز حصاد سياسات الفترة الانتقالية التي قادت للحرب، وضرورة تجاوزها والخروج منها حتى لا نعيد إنتاج الأزمة والحرب. فمن خلال رصد النشاط لتلك القوى التي نفذت تلك السياسات في الفترة الانتقالية كما هو الحال في قيادة الجيش والدعم السريع، ونشاط “الفلول” لتأجيج نار الحرب، واجتماع تجمع القوى المدنية (تقدم)، و”صمود” بعد الانشقاق، واجتماع قوى الحرية والتغيير في القاهرة، وَجولات قادتها في دول جنوب السودان واثيوبيا وكينيا وغيرها، كل هذا النشاط المتزامن مع محادثات جدة التي انضم لها الاتحاد الأفريقي والإيجاد، والمدعوم من أمريكا وحلفائها الإقليميين والدوليين يهدف، كما تم الإعلان، لوقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية والوصول لتسوية سياسية من خلال حوار بمشاركة واسعة.
أي أنها تعيد الاتفاق الإطاري بشكل أو آخر.
لكن كعب اخيل في أن ما يجري يقود للسياسات نفسها كما اشرنا لها سابقا التي تعيد إنتاج الحرب والازمة، وتعصف بوحدة السودان التي اصبحت في مهب الريح.
بالتالي مع أهمية وقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية، من المهم الخروج من هذه الحلقة الجهنمية، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي والسلام.
3بالتالي المخرج من تلك السياسات في الآتي:
– وقف الحرب واسترداد مسار الثورة والعض بالنواجذ على وحدة البلاد، وتوصيل المساعدات الإنسانية، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، بصرف مرتبات العاملين، وتركيز الأسعار مع زيادة الأجور التي تآكلت، ودعم السلع الأساسية َوالتعليم والصحة والدواء، وتخفيض مصروفات الأمن والدفاع.
– خروج الجيش والدعم السريع من السياسة والاقتصاد، وتخفيض مصروفات القطاعين السيادي والحكومي، وزيادة ميزانية التعليم والصحة والدواء والتنمية، وضم كل شركات الذهب والبترول والمحاصيل النقدية والماشية والاتصالات وشركات الجيش والأمن والدعم السريع لولاية وزارة المالية
– عدم الافلات من العقاب بتقديم مجرمي الحرب للمحاكمة، القصاص لشهداء مجزرة فض الاعتصام وبقية الشهداء.
– الغاء القوانين المقيدة للحريات وإجازة قانون ديمقراطي للنقابات، وإصلاح النظام القانوني والعدلي وتكريس حكم القانون، وإعادة هيكلة الشرطة وجهاز الأمن، وتحقيق قومية ومهنية الخدمة المدنية والقوات النظامية ، وحل كل المليشيات وجمع السلاح وفق الترتيبات الأمنية لدمج المليشيات في المجتمع، وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية.
– تفكيك التمكين واستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة.
– عودة المفصولين من العمل مدنيين وعسكريين، وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية- تكوين المجلس التشريعي والمفوضيات.
– مراجعة كل الاتفاقات السابقة حول الأراضي التي تصل مدة إيجارها الى 99 عاما!!، ومراجعة اتفاقات التعدين للذهب التي تنال فيها نسبة الشركات إلى 70%.
– وثيقة دستورية جديدة تؤكد النظام الديمقراطي البرلماني والحكم المدني الديمقراطي، وتضمن الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية…
– تحقيق السلام والحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة وينجز التحول الديمقراطي، ودولة المواطنة التي تسع الجميع، وتفكيك التمكين، والتنمية المتوازنة، وتحديد نصيب المجتمعات المحلية من عائدات الذهب والبترول. الخ لتنمية مناطقها، والعدالة والمحاسبة علي جرائم الحرب والابادة الجماعية وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية.
– قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية الذي يحدد شكل الحكم في البلاد، وهوّية البلاد وعلاقة الدين بالدولة. الخ، والتوافق على دستور ديمقراطي قانون انتخابات ديمقراطي، يتم على أساسه انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
– عودة النازحين لقراهم وتوفير الخدمات لهم “تعليم، صحة، مياه، كهرباء، خدمات بيطرية. الخ”، للحل الشامل الذي يخاطب جذور المشكلة، ووقف التدخل الخارجي..
– تحقيق السيادة الوطنية والعلاقات الخارجية المتوازنة بإلغاء كل الاتفاقات العسكرية الخارجية التي تمس السيادة الوطنية، والخروج من محور حرب اليمن وسحب قواتنا منها، وقوات الأفريكوم، واستعادة كل الأراضي السودانية المحتلة، الغاء الاتفاقيات لقيام القواعد العسكرية البحرية لروسيا، والحلف العسكري مع مصر، إلغاء التطبيع مع اسرائيل، والابقاء على قانون مقاطعة اسرائيل 1958 الذي أجازه برلمان منتخب وقيام علاقاتنا الخارجية علي أساس الاحترام المتبادل. وغير ذلك من أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية.
الوسومالإيغاد الاتحاد الأفريقي السودان القاعدة الروسية تاج السر عثمان بابو حرب اليمن مصر