اغتيال هنيّة.. المكان والزمان الخطأ
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
فجر الأربعاء 31 يوليو 2024م.. صحا العالم على خبر اغتيال إسماعيل هنيّة بطهران، في عملية مزدوجة مع عملية سبقتها بساعات؛ أودت بحياة فؤاد شكر القيادي بحزب الله في بيروت؛ لإشغال الأمن الإيراني عند تنفيذ عملية اغتيال هنيّة المعقدة، وإحراج إيران بأنها قادرة على اختراقها في كافة جبهاتها؛ في وقت واحد، بالإضافة إلى كونها من تكتيكات الحرب القائمة.
إسماعيل عبدالسلام هنيّة.. البالغ من العمر 62 عاماً، من مواليد عام 1962م في مخيم الشاطئ للاجئين بغزة. بدأ نشاطه السياسي مع حركة الإخوان المسلمين، التي انبثقت عنها «حماس». عام 1989م دخل السجن الإسرائيلي وقضى فيه ثلاث سنوات، وبعد عام نفي مع قيادات «حماس» إلى مرج الزهور. في عام 1997م شغل منصب رئيس مكتب أحمد ياسين (ت:2004م) الزعيم الروحي لـ«حماس». وهو من قيادات الصف الثاني لـ«حماس»، وبتصفية قيادات الصف الأول حل جيله محلهم، الذين لا يزالون يديرون الحركة.
ترأس إسماعيل هنيّة قائمة (التغيير والإصلاح) التي فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006م، وشغل منصب رئيس الوزراء. وفي ظل المناكفات السياسية بين «حماس» و«فتح»؛ أقاله رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من منصبه عام 2007م، لتستقل «حماس» بإدارة قطاع غزة. وكان هنيّة من دعاة المصالحة الوطنية مع «فتح»، ووافق أن يتنازل عن رئاسة الحكومة بشرط أن تكون المصالحة شاملة بين جميع الفصائل.
شغل هنيّة منصب رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» منذ عام 2017م، وبذلك؛ يُعدّ الشخصية السياسية الأولى للحركة؛ التي دخلت حرباً طاحنةً مع إسرائيل منذ انطلاق طوفان الأقصى بتاريخ 7 أكتوبر 2023م، وأدار المفاوضات مع إسرائيل التي ضغطت عليه بالإبادة الجماعية لشعبه بغزة، وبقتل أفراد من أسرته، ففشلت كل محاولات الضغط، وأخيراً اغتيل في طهران.
اغتيال إسماعيل هنيّة.. يأتي ضمن مبدأ الاغتيالات الذي تسير عليه إسرائيل منذ نشأتها، وقد صفّت العشرات من القيادات السياسية والرموز الفكرية الفلسطينية وغير الفلسطينية. والاغتيال السياسي.. إرهاب، فهو جريمة منظمة تستهدف قتل شخصية سياسية أو أكثر لأهداف محددة تسعى إليها الجهة المنفذة. وللاغتيال السياسي أهداف عديدة؛ منها: الانتقام ممن قام بعمل تعارضه الجهة المنفذة، كاغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات عام 1981م لعقده اتفاقية سلام مع الإسرائيليين، واغتيال الرئيس الإسرائيلي إسحاق رابين عام 1995م لعقده اتفاقية سلام مع الفلسطينيين. وتغيير الولاءات السياسية كاغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عام 2017م. وتدمير النظام كاغتيال قادة «القاعدة»، وتفكيك العلاقة بين نظامين كاغتيال رئيس اليمن الشمالي إبراهيم الحمدي عام 1977م لمحاولته رأب صدع شطري اليمن. ورغم أن اغتيال هنيّة لم تتكشف كل أبعاده بعد؛ لكن يمكننا الحديث عن أهم هدفين: تدمير «حماس»، وتفكيك علاقتها مع إيران.
إسرائيل.. وضعت منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى خطتها بتدمير «حماس» بطرق؛ منها: اغتيال قادتها، فاغتالت قبل أشهر القيادي صلاح العاروري. وفي سياق التدمير.. يأتي اغتيال هنيّة لقطع الطريق أمام مفاوضات وقف الحرب، التي يماطل فيها بنيامين نتنياهو. ومع أن هنيّة وافق أكثر من مرة على بنود المفاوضات التي ترعاها أمريكا، إلا أن نتنياهو يرفضها. ولكن هل ستحقق إسرائيل هدفها من اغتيال هنيّة بمفاوضات وفق شروطها؟ حتى الآن لا يوجد مؤشر بأن «حماس» ستغيّر من سياستها بشأن المفاوضات، فكل تصريحات قادتها هو مواصلة القتال، أو إرغام إسرائيل على قبول شروطهم.
ويأتي اغتيال هنيّة كذلك لكسر إرادة الشعب الفلسطيني الحاضن للمقاومة وداعمها المعنوي، ومن يتابع الشارع الفلسطيني بغزة بعد الاغتيال؛ يرى أنه أبدى صلابة منقطعة النظير.. بل أبدى عزماً أكبر للصمود لكي يكسر هو إرادة إسرائيل فتندحر عن غزة.
إسرائيل.. كانت قادرة أن تغتال هنيّة في أي مكان آخر، إلا أنها اختارت طهران، سعياً منها إلى تفكيك العلاقة بين إيران و«حماس»، ولتدلل على أن طهران غير قادرة على حماية قيادات المقاومة، لاسيما؛ أنه اغتيل خلال حضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، الذي استقبلت فيه طهران عشرات الوفود الدولية، مما يعني أن الحالة الأمنية عالية الجاهزية، ومع ذلك؛ تمكنت إسرائيل من اصطياد هنيّة، إلا أنها لم تحقق هدفها حتى الآن بإحداث شرخ بين إيران والمقاومة.. بل أن العملية أدت إلى تآصر أقوى بين الحكومة الإيرانية والمقاومة، وشكّلت مزيداً من التعاطف بين الشعبين، وتعدّاه إلى الشعوب الإسلامية.
أخطأت إسرائيل خطأً استراتيجياً في عمليتها؛ مكاناً وزماناً، مع كونها بالأساس مُجرَّمة دولياً. فمكاناً؛ إيران.. بالإضافة إلى أنها طرف الصراع ضد إسرائيل، هي ليست ضعيفة أمامها، فلديها خبرة طويلة بالحروب، ودولة منتجة للأسلحة، وعلى حافة امتلاك القنبلة النووية؛ إن لم تكن امتلكتها، ووجدت المبرر لضرب إسرائيل ضربةً موجعةً. وزماناً؛ فهذه اللحظة حاسمة في الحرب، والوضع بين الطرفين الإيراني والفلسطيني قائم على التلاحم الذي لا يسمح بأية ثغرة لزعزعته، مع إحداث العملية ارتباكاً في المجتمع الإسرائيلي القلق بالأساس، خوفاً من الرد الإيراني العنيف.
كما أن إسرائيل تمر الآن بعلاقة قلقة مع أمريكا بشأن إدارة الحرب، ثم تأتي فتنفذ العملية دون علم الساسة الأمريكان؛ بحسب تصريحاتهم، مما يخلط أوراق إدارة المعركة. وكذلك تدرك أمريكا أن نتنياهو واقع تحت ضغط الحكومة اليمينية المتطرفة التي جرّتها إلى أن تفقد مصداقيتها في العالم بسبب الإبادة الجماعية في غزة، ثم تأتي عملية الاغتيال هذه اللحظةَ لتعقّد الوضع في ملف الصراع الأساسي والمفاوضات حوله بين إيران وأمريكا. ولذا؛ أبدت «ملاحظتها» على العملية، لأنها تجعلها على حافة حرب شاملة مع إيران، وقد تتوسع لحرب دولية، فتسارع الأحداث واحتمال دخول لاعبين غير محسوب لهم في المعركة يربك سياسة أمريكا في المنطقة، وهي تتجنب هذا؛ لأن استراتيجيتها عدم دخول حروب كبرى مفاجئة، وإنما تشتغل على الحروب طويلة المدى؛ التي تحسب مختلف أبعادها وتفاصيلها، والتي تنفذها غالباً بآلية الوكالة وتسخير الطائفية والعرقية.
كما أن تصاعد الوضع لحرب شاملة مع إيران قد يؤدي إلى تضعضع الوضع بالمنطقة، مما يخلق اضطراباً سياسياً قد تخرج منه جماعات عنف منفلتة عن السيطرة الأمريكية، أو يفتح عليها جبهات أخرى للحرب، والمنطقة مهيأة للانفجار بشتى أنواع العنف، وبالتالي؛ قد تتعرض مصالحها إلى هجوم مباشر. حتى وإن لم يحدث هذا السيناريو؛ فأمريكا تحسب له حسابه بقوة، خشية المفاجآت.
رأي مطروح.. بأن إيران تعرضت لاختراق أمني خطير، مما يدلل على ضعفها الاستخباراتي، ورغم منطق هذا الرأي، إلا أن هذه الحالة لا تنفرد بها إيران، فكل دول العالم تشهد اختراقات أمنية خطيرة عالية المستوى، كما أن حوادث الاغتيال في إيران وضعٌ مزمن، فخلال 45 سنة الماضية اغتيل عليها عشرات القادة السياسيين والعسكريين والعلماء النوويين. وأصبح لديها دربة للتعامل مع آثار هذه العمليات العميقة، مما يشي بأنه ليس من الوارد أن يؤثر اغتيال هنيّة على المسار السياسي الإيراني العام.
إن الضرر الذي يلحق إسرائيل من العملية أكثر مما يلحق إيران، فقد أعطت إسرائيل مبرراً لإيران لضربها، في وضع مضطرب وخطير تعاني منه. ومع ذلك؛ فليس وارداً حتى الآن أن تدخل إيران حرباً شاملة، كما أن المؤشرات تدل على أن أمريكا لن تتخلى عن إسرائيل في مواجهة الضربات الإيرانية. ولذا؛ فإن رد إيران سيكون على مرحلتين: قريبة.. بضرب موضعي لأهداف استراتيجية في إسرائيل. وبعيدة.. بالإصرار على تفكيك الكيان الصهيوني، فملف القضية الفلسطينية أصبح بيد طهران، وعلى واشنطن إن كانت تريد بقاء هذا الكيان مستقراً أن تتفاوض مع إيران؛ التي ستفرض عليها شروطها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اغتیال هنی ة إسرائیل من مع إیران کما أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
التايمز: إيران "المكشوفة" تخشى الانتقام من إسرائيل
عندما نفذت إسرائيل غارتها الجوية الثانية على إيران الشهر الماضي، رداً على هجوم صاروخي إيراني، قللت طهران من أهمية الغارات الجوية التي استهدفت العاصمة ووصفتها بأنها "محدودة".
طهران حذرة من الرد بينما دفاعاتها الجوية معطلة
ومع ذلك، فقد توعدت طهران بالرد، وقالت هذا الأسبوع إن الانتقام سيكون "حاسماً".
وتقول صحيفة "التايمز" البريطانية إن هذا التهديد قد لا يتحقق في ظل تفكير إيران في موقفها الهش، فقد دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية في 26 أكتوبر (تشرين الأول) جميع بطاريات الدفاع الجوي الروسية الصنع من طراز إس 300، والعديد من منشآت الرادار على طول ممر يترك البلاد تحت رحمة إسرائيل، وفقاً لمسؤول غربي مطلع على الأضرار.
وقال: "ستستغرق إعادة بناء الدفاعات الجوية عاماً كاملاً. وهذا سيجعلهم يفكرون مرتين قبل ضرب إسرائيل".
Tehran is wary of retaliation while its air defences are crippled — and unrest is growing among a population weary of hardline Islamist rulehttps://t.co/bJOjewhhJA
— The Times and The Sunday Times (@thetimes) November 21, 2024
وجاءت الغارات الجوية ردا على إطلاق إيران عدة مئات من الصواريخ الباليستية على منشآت عسكرية في إسرائيل، في أعقاب اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى جانب مسؤول عسكري إيراني كبير. وتسببت هذه الاغتيالات، أثناء الهجوم الإسرائيلي الذي دمر الميليشيا المدعومة من إيران، في إحراج طهران بشدة، التي انتقدها أنصارها لعدم تدخلها.
ولكن إيران تدرك أن التفاوت لم يكن قط أكثر وضوحاً بين قوة مثل إسرائيل، وجيشها ضعيف التسليح ودفاعاته الجوية المتقادمة والميليشيات المتحالفة معها. ففي موجة واحدة من الغارات الجوية، نجحت إسرائيل في شل الدفاعات الجوية الإيرانية وعرقلة برنامج تصنيع الصواريخ لديها.
Systemic Failure of Israel’s Air Defense systems. Hebrew media had a black out on casualties right now.
In case of a response, Iran has vowed to send 1000 more… pic.twitter.com/lUnjSSeQIH
ولكن إيران تخشى أن تكون الضربة التالية أكثر تجرؤاً. فقد أشارت إسرائيل إلى أنها قد تضرب المنشآت النووية الإيرانية. وقال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، هذا الأسبوع إن أحد الأهداف في الضربات التي شنت في أكتوبر (تشرين الأول) أصاب "مكوناً" في البرنامج النووي الإيراني، في إشارة إلى منشأة بارشين. وقد نفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تكون المنشأة نووية.
وتلفت الصحيفة إلى أن مخاوف إيران تمتد إلى ما هو أبعد من برنامجها النووي الضعيف. ففي خطابين مسجلين بالفيديو موجهين إلى الشعب الإيراني، شجع نتانياهو الإيرانيين على الانتفاضة ضد النظام غير الشعبي الذي يقوده المرشد الأعلى آية الله خامنئي، الذي يبلغ من العمر 85 عاماً، والذي ينشغل بمسألة خلافته.
ويفضل المرشد ابنه مجتبى لهذا المنصب بعد وفاة المرشح الآخر، الرئيس إبراهيم رئيسي، في حادث تحطم مروحية في وقت سابق من هذا العام. وأدى الصراع مع إسرائيل في خضم الاستعدادات الجارية للخلافة إلى مزيد من التوتر.
أدرك النظام الإيراني دائماً يدرك أنه يقاتل على جبهتين: جبهتان خارجيتان، في الأساس ضد إسرائيل من خلال وكلائها الضعفاء الآن، وحرب داخلية ضد غالبية مواطنيه، الذين يعارضون حكمه الإسلامي المتشدد.
اضطرابات اجتماعية
وسادت موجة من الاضطرابات الاجتماعية في البلاد في أعقاب وفاة مهسا أميني في عام 2022، التي توفيت في مركز احتجاز للشرطة بعد أن ألقت الشرطة الأخلاقية القبض عليها بزعم عدم ارتدائها الحجاب.
وفي الوقت نفسه، أجبرت إعادة فرض العقوبات الأمريكية في عام 2018 الحكومة على زيادة الضرائب على شعبها وإدارة عجز ميزانية متضخم، مما أبقى التضخم السنوي قريبًا من 40 في المائة. وسجلت انتخابات البرلمان والرئاسة هذا العام رقماً قياسياً في انخفاض نسبة المشاركة حيث دعت المعارضة إلى المقاطعة.