المؤتمر التّاسع لوزراء الأوقاف وتعزيز مبادئ الوسطيّة وقيم الاعتدال
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
انطلق يوم الأحد من هذا الأسبوع فعاليات المؤتمر التّاسع لوزراء الأوقاف والشّؤون الإسلاميّة أو الدّينيّة في مكّة بالمملكة العربيّة السّعوديّة، والّذي جاء بعنوان "دور وزارات الشّؤون الإسلاميّة والأوقاف في تعزيز مبادئ الوسطيّة وترسيخ قيم الاعتدال"، كما يناقش قضايا أخرى، كالوقف والمساجد، وفلسطين والقدس، والخطاب المنبريّ، ومعايير ترجمة القرآن الكريم، بيد أنّه في الجلسة الافتتاحية، وما أعقبها من جلستين، ركز على التّعايش والتّسامح ونبذ العنف والكراهيّة، وتجربة وزارات الأوقاف المتنوعة في ذلك، وقد شارك في المؤتمر ما يقارب ستّين دولة.
وقبل أقل من أسبوع كان المؤتمر التّاسع للأمانة العامّة لدور هيئات الإفتاء في العالم، في القاهرة بمصر، والّذي بعنوان "الفتوى والبناء الأخلاقيّ في عالم متسارع"، وفيه تطرّق أيضا إلى مفردات التّطرّف والعنف والكراهيّة، ممّا يدل على تأثير الخطابات خارج الصّندوق الرّسميّ على الواقعين المؤسّسيّ والإفتائيّ، بما في ذلك ما يتعلّق بالإعلام الجديد، ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، فوزير الأوقاف والشّؤون الدّينيّة الصّوماليّ، قال في كلمته: إنّه في بلده حجبوا ثلاثمائة حساب يدعو إلى التّطرّف والعنف والكراهيّة.
بطبيعة الحال من الجيّد مناقشة مثل هذه القضايا، وعرض التّجارب المختلفة، وأن يكون نقاش مثل هذه المؤتمرات حول القيم الكبرى المتعلّقة بالإنسان والمواطنة، بدل الإغراق في جدليّات ثانويّة، لكن لا يعني هذا عدم نقد الذّات، وليس تلميع الذّات، فالعديد من الكلمات المقدّمة في السّاعات الثّلاثة الأولى من افتتاح المؤتمر لا تتجاوز تلميع الذّات، وقلّ من يقر بمدى أخطاء هذه المؤسّسات وسياساتها في ترويجها للعنف من داخلها ضدّ الأديان والمذاهب المختلفة والأفكار النّاقدة، ومدى قدرتها في مراجعة التّراث الدّينيّ، ليس كخطاب عموميّ، وإنّما إعادة قراءة له، أو على الأقل الانفتاح بصورة أكبر على القراءات النّاقدة، والاقتراب منها.
أتصوّر أنّ الإعلام الجديد سحب العديد من الخطابات عن المؤسّسات الرّسميّة، ومنها ما يتعلّق بالخطاب الدّينيّ ذاته، فلم يعد مقتصرا عند الخطاب المسجديّ، ولم يعد لخطبة الجمعة ذلك التّأثير الكبير، إذا ما قورنت بالمقاطع القصيرة، والّتي يشاهدها الملايين يوميّا، بكلّ إنصات وتفاعل معها، بيد أنّك إذا سألت غالب من حضر صلاة الجمعة في ذات اليوم عن ماذا كانت الخطبة، أعتقد العديد سيجيب بالنّفيّ، لهذا يجعل هذه المؤسّسات أمام تحدّيات كبيرة، عليها ابتداء أن تقرّ به، ثمّ عليها مراجعة الذّات وتجاربها السّابقة، هل فعلا نجحت، أم صاحبها العديد من الفشل، بدلالة تمدّد خطاب العنف والتّطرّف والكراهيّة، مع استخدام ذات أدواتها، والانطلاق من ذات المصادر الّتي تنطلق منها المؤسّسات الدّينيّة أيضا.
والمتأمل في بعض الكلمات المقدّمة يتصوّر أنّ خطاب العنف والتّطرّف والكراهيّة أتى من عالم آخر، وليس من عالمنا، وكأنّه نشاز عن واقعنا، ولا أريد هنا جلد الذّات، لكن خطاب العنف والتّطرّف والكراهيّة هو خطاب قديم وليس نشازا أو واقعا حديثا، كما أنّه ليس متعلّقا بالعالمين الإسلاميّ والعربيّ فحسب، فجميع شعوب العالم وأديانها قديما وحديثا يسودها خطاب العنف والتّطرّف والكراهيّة، كما تسود المجتمعات أيضا الأمراض الاجتماعيّة والسّلوكيّة، فهي عابرة للجغرافيا والأديان والمذاهب، ولكن كيف نستطيع اليوم خلق معايير تحجّم من هذه الخطابات السّلبيّة، ينتج عنها قوانين ومراجعات حافظة للمجموع الإنسانيّ، وفق اللّحظة الزّمنيّة الّتي نعيشها اليوم.
من الجميل أن يشارك في المؤتمر ما يقارب ستّين دولة أو يزيد قليلا، وهي حالة جيدة ومتقدّمة إذا كان الكلّ فعلا مؤمنا بالإنسان والتّعايش والتّسامح، ويسعى إلى ضرورة نشر التّعدّديّة الدّينيّة والمذهبيّة والفكريّة كحالة صحيّة، وضرورة الاعتراف بالآخر، وأنّ المواطنة تسع الجميع، ولكن أرجو أيضا أن لا يتوقف عند ثرثرة المؤتمرات – كالعادة -، وأن لا تتوقف عند التّوصيات الّتي تتحول إلى تأريخ من نقطة الانتهاء من إلقائها، خصوصا وأنّ مثل هذه المؤتمرات لا يشارك فيها باحثون أو أكاديميون يمثلون ذواتهم، بل تشارك فيها مؤسّسات لها ثقلها السّياسيّ في بلدانها، كما أنّها تمثل خدميّا الشّعوب في هذه الأقطار، ولهذا تحوّلها إلى كلام عابر لا يتجاوز اللّقاء التّأريخيّ يحتاج إلى شيء من المراجعات، كما أنّ الكلمات والورقات المقدّمة في هذا المؤتمر، والّذي الأصل أن يكون له ثقله، يحتاج إلى شيء من القراءة النّقديّة من قبل المعنيين بالفكر والخطاب الدّينيّ والإنسانيّ.
هذه التّوصيات لابدّ أن تتبع بمشروع عمليّ يخدم المجموع الإسلاميّ والعربيّ، ويسقط أثره على الواقع الإنسانيّ ككل، ينطلق بداية من المراجعات الذّاتيّة، إلى الانفتاح على الآخر المختلف فكرا أو دينا أو مذهبا، ثمّ علينا أن لا نربط خطاب العنف والتّطرّف والكراهيّة بالتّأثر ببعض الخطابات المنطلقة من القاعدة أو داعش، أو ما يطلقون عليها اليوم، ومنها في هذا المؤتمر "خوارج العصر"، وربط ذلك ببعض اتّجاهات الإسلام السّياسيّ؛ في هذا الجانب فقط، إنّ خطاب الغلو قد يكون نتيجة للخطاب الأحادي في داخلنا غير المتقبل للخطاب الآخر، وقد يكون أسبابه أخطاء سياسيّة أو أمنيّة في عدم القدرة على الاحتواء، أو نتيجة تمدّد الاستبداد، والشّموليّة المطلقة، أو لأسباب اقتصاديّة نتيجة اتّساع شريحة الفقر والبطالة والاتّجار بالبشر، وتمدّد الطّبقية في المجتمع، أو ردّة فعل لما يحدث في العالم من حروب وقتل وإرهاب وتمييز واستغلال لمقدّرات الشّعوب، فعلينا أن نتعامل مع القضيّة من دائرتها الواسعة والمستقلّة في الوقت ذاته، مع رجائي لهذا المؤتمر أن تكون له ثمرته التّعايشيّة والتّسامحيّة داخل المجتمع الإسلاميّ على الأقل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المؤس سات
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء السنغافوري يشيد بدور الأزهر في مجال التعليم والتعريف بالإسلام الوسطي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أشاد رئيس الوزراء السنغافوري، بالدور المهم الذي يقوم به الأزهر الشريف في مجال التعليم والتعريف بالإسلام الوسطي.
والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس وزراء سنغافورة "لورانس وونج"، على هامش مشاركة الرئيس في اجتماعات قمة مجموعة العشرين في "ريو دي جانيرو" بالبرازيل.
وذكر المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن الجانبين تناولا سبل تطوير التعاون الثنائي، مؤكدين اعتزازهما بالعلاقات التي تجمع البلدين، وتطلعهما لأن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من التطور، بما في ذلك الارتقاء بمستوى التعاون الاقتصادي، وزيادة الاستثمارات، وتفعيل آليات الحوار الثنائي على مختلف المستويات.
كما تطرقت المقابلة إلى العلاقات الثقافية بين البلدين وسبل تعزيزها، خاصةً فيما يتعلق بالتبادل الطلابي، من خلال المنح الدراسية المقدمة من الأزهر الشريف لطلاب سنغافورة، وكذا المنح المقدمة من مؤسسات التعليم والتدريب السنغافورية للطلاب المصريين، حيث حرص رئيس الوزراء السنغافوري على الإشادة بالدور المهم الذي يقوم به الأزهر الشريف في مجال التعليم والتعريف بالإسلام الوسطي.
وأضاف المتحدث الرسمي أن المقابلة تناولت أيضاً الأوضاع الإقليمية والدولية، حيث استمع رئيس وزراء سنغافورة لرؤية الرئيس بشأن الأوضاع في الشرق الأوسط وتأثيراتها السياسية والاقتصادية على الساحة الدولية، وسبل استعادة الاستقرار الإقليمي، وحرص الجانب السنغافوري على تثمين الدور المصري المحوري لاستعادة الاستقرار بالإقليم، ومنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة ستكون لها تداعيات جسيمة على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين.