انطلق يوم الأحد من هذا الأسبوع فعاليات المؤتمر التّاسع لوزراء الأوقاف والشّؤون الإسلاميّة أو الدّينيّة في مكّة بالمملكة العربيّة السّعوديّة، والّذي جاء بعنوان "دور وزارات الشّؤون الإسلاميّة والأوقاف في تعزيز مبادئ الوسطيّة وترسيخ قيم الاعتدال"، كما يناقش قضايا أخرى، كالوقف والمساجد، وفلسطين والقدس، والخطاب المنبريّ، ومعايير ترجمة القرآن الكريم، بيد أنّه في الجلسة الافتتاحية، وما أعقبها من جلستين، ركز على التّعايش والتّسامح ونبذ العنف والكراهيّة، وتجربة وزارات الأوقاف المتنوعة في ذلك، وقد شارك في المؤتمر ما يقارب ستّين دولة.

وقبل أقل من أسبوع كان المؤتمر التّاسع للأمانة العامّة لدور هيئات الإفتاء في العالم، في القاهرة بمصر، والّذي بعنوان "الفتوى والبناء الأخلاقيّ في عالم متسارع"، وفيه تطرّق أيضا إلى مفردات التّطرّف والعنف والكراهيّة، ممّا يدل على تأثير الخطابات خارج الصّندوق الرّسميّ على الواقعين المؤسّسيّ والإفتائيّ، بما في ذلك ما يتعلّق بالإعلام الجديد، ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، فوزير الأوقاف والشّؤون الدّينيّة الصّوماليّ، قال في كلمته: إنّه في بلده حجبوا ثلاثمائة حساب يدعو إلى التّطرّف والعنف والكراهيّة.

بطبيعة الحال من الجيّد مناقشة مثل هذه القضايا، وعرض التّجارب المختلفة، وأن يكون نقاش مثل هذه المؤتمرات حول القيم الكبرى المتعلّقة بالإنسان والمواطنة، بدل الإغراق في جدليّات ثانويّة، لكن لا يعني هذا عدم نقد الذّات، وليس تلميع الذّات، فالعديد من الكلمات المقدّمة في السّاعات الثّلاثة الأولى من افتتاح المؤتمر لا تتجاوز تلميع الذّات، وقلّ من يقر بمدى أخطاء هذه المؤسّسات وسياساتها في ترويجها للعنف من داخلها ضدّ الأديان والمذاهب المختلفة والأفكار النّاقدة، ومدى قدرتها في مراجعة التّراث الدّينيّ، ليس كخطاب عموميّ، وإنّما إعادة قراءة له، أو على الأقل الانفتاح بصورة أكبر على القراءات النّاقدة، والاقتراب منها.

أتصوّر أنّ الإعلام الجديد سحب العديد من الخطابات عن المؤسّسات الرّسميّة، ومنها ما يتعلّق بالخطاب الدّينيّ ذاته، فلم يعد مقتصرا عند الخطاب المسجديّ، ولم يعد لخطبة الجمعة ذلك التّأثير الكبير، إذا ما قورنت بالمقاطع القصيرة، والّتي يشاهدها الملايين يوميّا، بكلّ إنصات وتفاعل معها، بيد أنّك إذا سألت غالب من حضر صلاة الجمعة في ذات اليوم عن ماذا كانت الخطبة، أعتقد العديد سيجيب بالنّفيّ، لهذا يجعل هذه المؤسّسات أمام تحدّيات كبيرة، عليها ابتداء أن تقرّ به، ثمّ عليها مراجعة الذّات وتجاربها السّابقة، هل فعلا نجحت، أم صاحبها العديد من الفشل، بدلالة تمدّد خطاب العنف والتّطرّف والكراهيّة، مع استخدام ذات أدواتها، والانطلاق من ذات المصادر الّتي تنطلق منها المؤسّسات الدّينيّة أيضا.

والمتأمل في بعض الكلمات المقدّمة يتصوّر أنّ خطاب العنف والتّطرّف والكراهيّة أتى من عالم آخر، وليس من عالمنا، وكأنّه نشاز عن واقعنا، ولا أريد هنا جلد الذّات، لكن خطاب العنف والتّطرّف والكراهيّة هو خطاب قديم وليس نشازا أو واقعا حديثا، كما أنّه ليس متعلّقا بالعالمين الإسلاميّ والعربيّ فحسب، فجميع شعوب العالم وأديانها قديما وحديثا يسودها خطاب العنف والتّطرّف والكراهيّة، كما تسود المجتمعات أيضا الأمراض الاجتماعيّة والسّلوكيّة، فهي عابرة للجغرافيا والأديان والمذاهب، ولكن كيف نستطيع اليوم خلق معايير تحجّم من هذه الخطابات السّلبيّة، ينتج عنها قوانين ومراجعات حافظة للمجموع الإنسانيّ، وفق اللّحظة الزّمنيّة الّتي نعيشها اليوم.

من الجميل أن يشارك في المؤتمر ما يقارب ستّين دولة أو يزيد قليلا، وهي حالة جيدة ومتقدّمة إذا كان الكلّ فعلا مؤمنا بالإنسان والتّعايش والتّسامح، ويسعى إلى ضرورة نشر التّعدّديّة الدّينيّة والمذهبيّة والفكريّة كحالة صحيّة، وضرورة الاعتراف بالآخر، وأنّ المواطنة تسع الجميع، ولكن أرجو أيضا أن لا يتوقف عند ثرثرة المؤتمرات – كالعادة -، وأن لا تتوقف عند التّوصيات الّتي تتحول إلى تأريخ من نقطة الانتهاء من إلقائها، خصوصا وأنّ مثل هذه المؤتمرات لا يشارك فيها باحثون أو أكاديميون يمثلون ذواتهم، بل تشارك فيها مؤسّسات لها ثقلها السّياسيّ في بلدانها، كما أنّها تمثل خدميّا الشّعوب في هذه الأقطار، ولهذا تحوّلها إلى كلام عابر لا يتجاوز اللّقاء التّأريخيّ يحتاج إلى شيء من المراجعات، كما أنّ الكلمات والورقات المقدّمة في هذا المؤتمر، والّذي الأصل أن يكون له ثقله، يحتاج إلى شيء من القراءة النّقديّة من قبل المعنيين بالفكر والخطاب الدّينيّ والإنسانيّ.

هذه التّوصيات لابدّ أن تتبع بمشروع عمليّ يخدم المجموع الإسلاميّ والعربيّ، ويسقط أثره على الواقع الإنسانيّ ككل، ينطلق بداية من المراجعات الذّاتيّة، إلى الانفتاح على الآخر المختلف فكرا أو دينا أو مذهبا، ثمّ علينا أن لا نربط خطاب العنف والتّطرّف والكراهيّة بالتّأثر ببعض الخطابات المنطلقة من القاعدة أو داعش، أو ما يطلقون عليها اليوم، ومنها في هذا المؤتمر "خوارج العصر"، وربط ذلك ببعض اتّجاهات الإسلام السّياسيّ؛ في هذا الجانب فقط، إنّ خطاب الغلو قد يكون نتيجة للخطاب الأحادي في داخلنا غير المتقبل للخطاب الآخر، وقد يكون أسبابه أخطاء سياسيّة أو أمنيّة في عدم القدرة على الاحتواء، أو نتيجة تمدّد الاستبداد، والشّموليّة المطلقة، أو لأسباب اقتصاديّة نتيجة اتّساع شريحة الفقر والبطالة والاتّجار بالبشر، وتمدّد الطّبقية في المجتمع، أو ردّة فعل لما يحدث في العالم من حروب وقتل وإرهاب وتمييز واستغلال لمقدّرات الشّعوب، فعلينا أن نتعامل مع القضيّة من دائرتها الواسعة والمستقلّة في الوقت ذاته، مع رجائي لهذا المؤتمر أن تكون له ثمرته التّعايشيّة والتّسامحيّة داخل المجتمع الإسلاميّ على الأقل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المؤس سات

إقرأ أيضاً:

وزير العمل يلقي كلمة مصر أمام الاجتماع الوزاري العاشر لوزراء "مجموعة البريكس"

شارك  محمد جبران وزير العمل، اليوم الإثنين، فى أعمال الاجتماع الوزاري العاشر للوزراء العمل والتشغيل التابع لمجموعة البريكس، المنعقد في سوتشي الروسية، وذلك بدعوة رسمية من انتون كوتياكوف، وزير العمل والحماية الاجتماعية الروسية، لمناقشة العديد من الملفات المُتعلقة بالعمل والإنتاج، وذلك بحضور وفود من الدول الاعضاء لمجموعة البريكس.
وبدأ جبران، مشاركته بمداخلة تحت عنوان '"تطوير نظام توجيه مهني وتعليم فني مدى الحياة"، أكد خلالها على جهود الدولة المصرية في ظل القيادة السياسية الحكيمة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، بشأن تنفيذ سياسة "التدريب من أجل التشغيل "، ودعا دول البريكس إلى التعاون المشترك، على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف في هذا المجال.
وقال وزير العمل، إن مصر تتطلع إلى تكثيف الجهود والتعاون في مجالات العمل لتحقيق التكامل الإقتصادي و الإجتماعي و التنموي بين الدول الأعضاء، وأن الدولة المصرية تسعى نحو  تحقيق أهداف التنمية المستدامة من أجل مستقبل مستدام نحو بناء الإنسان وتنمية قدراته وتطوير مهاراته وتضع تنمية رأس المال البشري ضمن أولوياتها ويتضح ذلك في الهدف الرئيسي الثاني لبرنامج عمل الحكومة المعني ببناء الإنسان المصري وتعزيز رفاهيته، وتعمل على برامج الحماية الاجتماعية والتعليم وتمكين الشباب والمرأة والتشغيل والقوى العاملة، و تنفيذ مبادرات لرفع مهارات العمالة المصرية وتعزيز القدرات التنافسية.


وأضاف أن البطالة تتراجع في مصر ويتم مواجهتها بتطوير برامج تعليم وتوجيه وتدريب مهني وربطه باحتياجات سوق العمل في الداخل والخارج.
وأشار إلى أن التحديات الراهنة تفرض علينا تأسيس نظام توجيه مهني شامل يستجيب للتنوع السكاني والمهارات التي يفرضها سوق العمل، وهو ما تحرص عليه الدولة المصرية في مشاريعها التنموية ومبادراتها.
كما أكد أن "الوزارة " تحرص  على الارتقاء بخدماتها بميكنة كافة اجراءات استخراج  شهادات قياس مستوى المهارة وترخيص مزاولة الحرفة تمهيدًا لإطلاق الخدمة على منصة مصر الرقمية.
وتقدم الوزير بمجموعة من التوصيات للعمل المشترك بين الدول الاعضاء في مجموعة البريكس  من خلال  : 1- بالتعاون المشترك، على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف، من أجل تبادل الخبرات بين الدول الاعضاء في مجالات التدريب المختلفة، وتأسيس شراكات في مختلف الصناعات والمجالات تضم خبراء وأكاديميين لتقديم المشورة حول المهارات المطلوبة والاتجاهات المستقبلية لسوق العمل ، وتحديث المناهج التدريبية مع تنظيم ورش عمل دورية وتدريبات عملية داخل المنشآت الصناعية.
2-  العمل على تقديم شهادات معترف بها من قبل مجموعة البريكس لتأكيد مهارات خريجين البرامج التدريبية مع ضرورة اعتمادها من الجهات المختصة لضمان جودتها وملاءمتها.
3- استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي في المناهج التدريبية، والمتابعة والتقييم المستمر لتأثير دمج التكنولوجيا الحديثة على نتائج التدريب وتحسين الاداء لتتماشي مع احدث التطورات التكنولوجية.
4- اعدا نظام توجيه مهني يشمل خدمات التوجيه والارشاد التربوى المهني من خلال تقديم برامج توعوية حول  أهمية التعليم والتدريب التقني5- إنشاء شراكات بين المؤسسات التعليمية والمنشآت الصناعية لتوفير منح دراسية وتدريبية تساعد في تغطية تكاليف التدريب.
6- اطلاق حملات توعية  مجتمعية حول قيمة العمل  المهني وأثره في تنمية والنهوض بالمجتمعات.
7- استخدام منصات التعليم الالكترونى لتوفير محتوى تدريبي مرن يتم تحديثه بانتظام.
8- تشجيع الأفراد على مواصلة التعلم وتحديث مهاراتهم بانتظام من خلال دورات قصيرة أو ورش عمل وتوفير فرص التدريب العملى.


جدير بالذكر أن وزير العمل محمد جبران، يشارك في هذه الفعاليات على مدار اليومين بعدد من المداخلات، ويضم وفد الوزارة  د. رشا عبدالباسط رئيس الإدارة المركزية للعلاقات الدولية بوزارة العمل.
كما أن هذا هو الاجتماع  الأول لوزراء العمل بعد انضمام مصر والامارات وايران واثيوبيا  لمجموعة البريكس.

مقالات مشابهة

  • وزيرة الأشغال: حريصون على تطبيق مبادئ الحوكمة بالوزارة تنفيذا لتوجيهات القيادة السياسية
  • وزير العمل يلقي كلمة مصر أمام الاجتماع الوزاري العاشر لوزراء "مجموعة البريكس"
  • ظواهر فلكية مرتقبة خلال سبتمبر.. أبرزها الخسوف والاعتدال الخريفي
  • الظواهر الفلكية في 22 سبتمبر 2024: اقتران القمر مع الثريا واعتدال خريفي
  • تأثير مبادئ ثورة ١٩ وانتماء محفوظ للوفد على نظرته للصحافة
  • جبران يُشارك في الاجتماع الوزاري العاشر لوزراء العمل والتشغيل بـ مجموعة البريكس
  • الصيف ينتهي رسميًا في هذا الموعد 
  • ترقب لأول اجتماع لوزراء دفاع «السبع» الصناعية
  • "شرعية مُزن" تناقش الحلول المالية المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية
  • اختتام امتحانات الدور الثاني لطلاب الشهادة الثانوية