غزة والعودة إلى الوضع الراهن السابق
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي
تسعة أشهر مضت على حرب غزة، ولا تزال إسرائيل تفاوض حماس في ظل ضغط دولي من الولايات المتحدة والجيران في المنطقة والمتظاهرين من شتى أرجاء العالم. وهذه علامة أكيدة على أن النتيجة المرجحة لهذا الصراع هي الرجوع إلى الوضع الذي كان قائما في ما قبل السابع من أكتوبر.
1 ـ بالقتل المستهدف لزعيم حماس إسماعيل هنية تنتفي قناة توصيل الرسائل الرئيسية إلى قادة حماس في غزة بما يؤدي عمليا إلى أن يصبح يحيى السنوار في موقع السلطة شبه المنفردة للحركة.
2 ـ سيكون على حماس أن تقطع طريقا طويلا وبطيئا لاسترداد قوتها المالية والعسكرية في ضوء الصعوبات المتعلقة بإعادة الإعمار وعزوف إسرائيل عن السماح بوصول التمويلات والخامات، ونقص النشاط الاقتصادي اللازم لتوفير العائدات الضريبية.
3 ـ من المرجح أن تفرض إسرائيل منطقة عازلة وغارات ليلية للحفاظ على موطئ قدم لها بمحاذاة ممر فيلادلفيا فتخلق من ثم جملة من القضايا تشغل بها متظاهري العالم.
ومع ذلك، فالسيناريو الأكبر احتمالا للتحرك قدما هو الرجوع إلى سيطرة حماس على قطاع غزة وافتقار الحكومة الإسرائيلية إلى خيارات لكيفية ضمان أمن بعيد المدى. والتصريحات العلنية من المتحدث باسم القوات الإسرائيلية دانيال هجاري في 19 يونيو ثم في 8 يوليو لم تزد على أن جهرت بما ينبغي أن تكون جميع الأطراف على علم به، ولكن لا يبدو أن بين هؤلاء القادة من فكر في العواقب المترتبة على ما يجري حينما يفرض الواقع نفسه على شعوبهم.
استراتيجية التقدم
من الواضح أن خريطة الطريق الرئيسية لجميع الأطراف قائمة على أوضاعها القائمة. فسوف تصور حماس قدرتها على الصمود أمام المجزرة الإسرائيلية باعتبارها نصرا للمقاومة. وسوف ينتشر كل بيان يصدر عن فم يحيى السنوار عبر وسائل الإعلام الاجتماعي باعتباره نسيم الحرية للمقهورين في العالم. وقد يتعرض قادة حماس للطرد من قطر ـ وفقا لتقرير نشرته وول ستريت جورنال أخيرا ـ ولكن ذلك قد يكون مصلحة لهم، إذ إنه قد يعفيهم من الإشراف والقيود المفروضة عليهم من الحكومة القطرية. وسوف يتعين على حماس أن تحتشد وراء السنوار، وتناصر كل قول يصدره دونما درس لأنه سيكون قد ارتقى بنفسه إلى مصاف العالمية في الراديكالية.
والحق أن هذا هو الحل الوحيد لحماس، لأن إبقاء الضغط الدولي على إسرائيل هو فرصتها الوحيدة للنجاة. ولا يمكن إبقاء هذا الضغط بالوكالة. فقد أصبح تحفيز المتظاهرين الشبان في العواصم والجامعات الغربية من خلال تفعيل إحساسهم الشخصي بالصواب هو الصيغة الأثيرة لإقناع الحكومات الغربية بالضغط من أجل قواعد الاشتباك وشروط وقف إطلاق النار والتنازلات السياسية التي تصب في صالح حماس.
ومع ذلك فليس بوسع منظمة مسلحة أن تحشد الرأي العام العالمي طويلا. فالدورات الانتخابية سوف تأتي وتمضي، ونتائجها سوف تمنح الساسة الغربيين بحبوحة ما للمناورة والزعم بأنهم يعملون من أجل السلام في الشرق الأوسط. غير أنهم لن يكونوا مستمرين في التعرض لضغط من أجل تحقيق أي شيء. ولن تجد الشركات أي مصلحة ربحية لها في هذا النوع من مناصرة العدالة الاجتماعية، والجامعات ستبدأ في الإنصات باهتمام أكبر لاهتمامات المتبرعين لها.
وسوف يبدو أن حماس تفتقر إلى خطة للحفاظ على الضغط الدولي في ما يتجاوز استراتجية علاقاتها العامة الراهنة. سوف يحكم السنوار خرابا مدمرا في القطاع، وسيكون رجاله معرضين دائما لخطر القتل المستهدف أو الاعتقال، وسوف يتبدد خوف الكثيرين من أهل غزة المقيمين بالخارج حاليا من الإعراب عن اشمئزازهم مما فعله السنوار. وسيكون الحل الوحيد هو المزيد من القمع والترهيب المتخفى وراء قناع هش من النصر المعنوي الأسمى إذ يتأمل قادة حماس في مراياهم في إعجاب بدعايتهم.
المهمة اكتملت
وليست الحكومة الإسرائيلية أفضل حالا، سواء أهي الحكومة الحالية وقد وسعت عملياتها بهجمة ثانية في لبنان، أم هي مجلس وزاري جديد برئاسة بيني جانتز لتحالف منقسم، أو بقيام نتنياهو بدور القائم برئيس الوزراء بعد انتخابات غير حاسمة. ومهما يك ما قد ينشأ في إسرائيل فإنه سيصور الحرب باعتبارها شيئا قريبا للغاية من "النصر الكامل" حتى لو بقي تعريف "النصر" و"الكمال" ضبابيين بعض الشيء. وسوف يجري تصوير المناطق العازلة والغارات الليلية بوصفهما استردادا للردع. ومن المرجح أن يرقى التفاهم الخاص بين المسؤولين الإسرائيليين والمفاوضين الفلسطينيين عمليا إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار. غير أنها ستوفر هدوءا مؤقتا من جانب حماس، ولن يعترف أي من الطرفين علنا بأنها اتفاقية رسمية. وبعد جولة أو أكثر من الانتخابات في وضع سياسي شبه مستقر في إسرائيل، سيكون بوسع القادة هنا أن يستقروا على ما دأبوا عليه من بناء أسوار جديدة ومزيد من أنظمة الإنذار المبكر المعقدة لإعادة طمأنة الشعب.
وما من سبيل آخر أمام الطبقة السياسية. لن يقتنع الشعب الإسرائيلي بأن تقليص مقاتلي حماس إلى ما بين تسعة آلاف واثني عشر ألفا يمثل تقدما أو أن دفعة صواريخ تسقط كل شهر على قرى الجنوب يمثل تطورا عظيما بالمقارنة مع الدفعات الأسبوعية أو الليلية. لن يروق لهم الحديث عن هجمة دبلوماسية لكسب المجتمع الدولي مع فرض نظام عقوبات وحظر أشد صرامة. بوسع الساسة في إسرائيل أن يناقشوا المقترحات الرامية إلى إعادة تشكيل سلطة فلسطينية في ظل قيادة جديدة واتفاقية اقتسام للسلطة تخول لحماس مشاركة اسمية في الحكم، ولكن لن يكون بوسع أحد من خارج غزة أن يفرض نفوذا سياسا داخل القطاع، ولن يستطيع أحد داخل القطاع أن ينافس حماس.
وفي حين أن جزءا من الشعب الإسرائيلي لم يزل يتمسك بالأمل في تحقيق نصر كامل، فإن جزءا آخر من الناخبين لديه توقعات غير واقعية بالوصول إلى اتفاق. غير أنه كما قال المراسل الدبلوماسي الإسرائيلي المخضرم لازار بيرمان فإن "الرهائن تمثل ضمانا لحماس بأنها سوف تخرج من الحرب منظمة متماسكة، ومن ثم منتصرة". ولا أهمية لكم التنازلات التي تعرضها حكومة إسرائيلية إذا ما رأت حماس في تسليم الرهائن خطرا وجوديا، بمعنى أن كثيرا من الرهائن الذين سيبقون لن يرجعوا أبدا.
وبالمثل، ما من حكومة إسرائيلية سوف تحظى بالدعم الشعبي اللازم لتقديم نوعية التنازلات اللازمة لطمأنة حماس، أي الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة والاعتراف بحماس بوصفها سلطة حاسمة. وسوف يظل العجز عن حل قضية الرهائن هو المحدد لتصور الشعب الإسرائيلي المنهك للواقع الجديد ـ وهو جوهريا الرجوع إلى الوضع الراهن السابق ـ وسوف يمثل هذا الإحباط حجر عثرة للحكومة الإسرائيلية الرامية إلى العثور على سبيل جديد للتقدم في اتجاه الأمن. وسوف يمثل هذا شرطا مسبقا بالغ الصعوبة لأي محاولة دولية لاستئناف محادثات سلام.
يبدو أن زعماء إسرائيل لا يمتلكون خطة للحفاظ على الدعم الشعبي الإسرائيلي عدا المقترحات المستحيلة باحتلال عسكري كامل والهجوم على الخصوم السياسيين لتهاونهم في التعامل مع الإرهاب. لقد كان جانتز محقا في الانسحاب من المجلس الوزاري الحربي بسبب قضية الافتقار إلى التخطيط بعيد المدى، بمعنى أنه لم تكن من جميع القضايا المتعلقة بأداء الحرب أي قضية يمكن أن يتعامل معها أحد في مجلس الوزراء بطريقة تختلف عن طريقة نتنياهو. ولكن الإشارة إلى الافتقار لاستراتيجية بعيدة المدى لا يعادل اقتراح خطة قابلة للتطبيق. ومن المرجح أن يكون السابع من أكتوبر وتوابعه عبئا جسيما على كاهل سلسلة من الحكومات الإسرائيلية المتوالية بسرعة كبيرة.
اليوم التالي
بوسع الدبلوماسيين في واشنطن ولندن وباريس وغيرها أن يعملوا على أفكار للحكم ودعم المجتمع المدني في غزة، بهدف العثور على حل يضمن أمن إسرائيل ويفتح طريقا لدولة للشعب الفلسطيني في نهاية المطاف. وهذه هي وظيفتهم. وفي حال نجاحهم، فلتحل البركات عليهم. ولكن مثلما كتبت نهال توسي في بوليتيكو فإن أي دراسة مسحية للخطط المختلفة التي تم تداولها لا بد أن تنتهي إلى أنه لا وجود لخطة عملية وقابلة للتطبيق ومستدامة وفعّالة لتحقيق النتيجة التي يرغب فيها أي شخص. أما الساسة في هذه العواصم، فإن التخطيط الحقيقي لليوم التالي، وهم المسؤولون عنه، يتمثل في كيفية المضي قدما عندما يرجع الوضع القائم ويستقر ويفرض الواقع نفسه على الشعب.
الحقيقة الأدعى للحزن هي أنه قد يتحتم علينا جميعا أن نتعايش مع احتمال أن الساسة في أرجاء العالم سوف يرضون بالرجوع إلى الوضع الذي كان قائما. فما دامت الحكومات الغربية قادرة على توفير الإغاثة الإنسانية واجتناب أي التزام فوضوي بنشر قوات على الأرض، والنجاح برغم ذلك في الانتخابات، سيكون ذلك نصرا لها.
ولا أقول بهذا إن عملية السلام مستحيلة. فقد رأى خبراء عديدون على مدار السنين أن إطلاق عملية سلام في الشرق الأوسط يستوجب حدثا كبيرا ما يبرر تحفيز الأطراف على المشاركة، كأن يحدث تغيير مفاجئ في قيادة السلطة الفلسطينية أو قبول كامل من المملكة العربية السعودية بالتطبيع مع إسرائيل. وبالطبع يمكن للزعماء السياسيين في نهاية المطاف أن يشيروا إلى أي حدث باعتباره مبررا لاستئناف المحادثات إذ تم تأطيره على النحو الصحيح، مثلما هم قادرون على الانصراف عن محادثات السلام بأن يلقوا اللوم على أي من الجانبين لعدم التزامه بالعملية التزاما تاما. إنما أريد أن أقول فقط إن عملية السلام ليست بأي حال إشارة قاطعة بأن الغرب قد التفت مجددا إلى الشرق الأوسط، وقد تعلم دروس حرب غزة، واعتزم مضاعفة الجهود من أجل تحقيق السلام والأمن الإقليميين.
يبدو الخاسرون في حرب غزة واضحين في اللحظة الحالية. فالرهائن وأسرهم يعانون، وكذلك مدنيون فلسطينيون بلا حصر ولا عدد. وإدارة بايدن ـ العالقة بين المطرقة والسندان في محاولة إدارة الصراع ـ سوف تعاني من حجم إقبال الناخبين في نوفمبر. ونتنياهو والسنوار قد يعيشان ليقاتلا يوما آخر، لكن الأيام السياسية للأول منهما معدودة، والأخير الآن مستهدف بوصفه العدو رقم واحد للإسرائيليين. ويكاد كل ذي صاحب سلطة في الجانبين أن يكون ملوث السمعة من جراء ارتباطه بهذه الحملة العسكرية المدمرة غير الحاسمة في نهاية المطاف.
والأصعب من ذلك كثيرا هو أن نعرف من الذي سيخرج منتصرا من الصراع. ثمة بالفعل اتجاه إلى الاعتراف بشكل ما لدولة فلسطينية، حتى لو أن الاعتراف إلى حد كبير خطوة دبلوماسية لتوسيع دعم سياسي محدود لبلاد ليس لديها ما تخسره من هذه البادرة. وقد يستغرق الأمر أكثر من عقد لكي تحشد السلطة الفلسطينية العواصم الغربية لمزيد من أشكال السيادة الإقليمية والقانونية الأكثر واقعية.
وبحلول ذلك الوقت، ستكون الشروط القائمة على الأرض قد خلقت بلا شك حقائق سياسية جديدة. سوف يتعين على أي خليفة لمحمود عباس أن يعمل على تعزيز السلطة الفلسطينية باعتبارها مؤسسة شرعية وقادرة على إدارة شؤون الدولة دون أن يتسبب ذلك في تنفير الشركاء التفاوضيين المحتملين على الجانب الإسرائيلي. ولكن على الجانب الإسرائيلي، ثمة نفتالي بينيت وأفيجدور ليبرمان ينتظران الفرصة لتشكيل ائتلاف قادر على إزاحة نتنياهو، ومن غير المرجح أن ينخرط أي منهما في مفاوضات السلام.
وبالنسبة للولايات المتحدة، لا يوجد دور للمضي قدما إلا بعد خطوتين أو ثلاث خطوات. وسوف يكون على الأطراف في المنطقة أن تعيد بناء الشكل الذي تبدو عليه السياسة في ما بعد غزة. فالقطريون والمصريون سيعملون على تشكيل هذه الديناميكية، ويمكن أن يوفر السعوديون حوافز للأطراف للتحرك في اتجاه إيجابي. وستكون مهمة واشنطن الأكثر حيوية في ما بعد الحرب هي دعم حلفائها في الدوحة والقاهرة والرياض، وتقديم جهودها الدبلوماسية العامة لتضخيم جهودهم وتعزيز مصداقية الحوار الإقليمي بشأن الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية.
* جوشوا يافي محلل بارز لشؤون شبه الجزيرة العربية في مكتب الاستخبارات والبحوث التابع لوزارة الخارجية الأميركية.
* عن ذي ناشونال إنتريس
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المرجح أن إلى الوضع حماس فی من أجل
إقرأ أيضاً:
إسرائيل توجه طلباً إلى مصر.. والأخيرة تردّ!
طلب مسؤولون إسرائيليون خلال المحادثات بين جهاز “الشاباك” والمخابرات المصرية إجراء، مباحثات حول قضية وقف إطلاق النار في غزة.
وكشفت صحيفة “يسرائيل هايوم” الإسرائيلية، أن “مصر لم تحدد موعدا رسميا لزيارة جديدة من الشاباك لمناقشة وقف إطلاق النار”.
وأضافت الصحيفة الإسرائيلية، أن “المصريين طلبوا، في نقاش آخر مع الأمريكيين، إعادة النظر في إمكانية التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة يومين أو ثلاثة أيام لأسباب إنسانية”.
وكانت وسائل إعلام اسرائيلية، كشفت “عن زيارة سرية قام بها رئيس الشاباك الإسرائيلي إلى تركيا بهدف التباحث مع نظيره التركي حول صفقة تبادل أسرى محتملة مع حركة “حماس”.
ووفق موقع “والا” العبري، |فإن رئيس الشاباك رونين بار، زار تركيا سرا يوم السبت الماضي، والتقى رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، لبحث صفقة التبادل مع حركة ح”ماس”.
وبحسب صحيفة “معاريف”: “على الرغم من التوترات بين القيادة التركية والحكومة الإسرائيلية، عمل رئيس الشاباك في الأيام الأخيرة على تسخير الأتراك ضد “حماس، إذ تستضيف تركيا العديد من كبار قيادات “حماس” وتتمتع بنفوذ كبير على المنظمة”.