على هامش اغتيال القيادي إسماعيل هنية
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
لا شك أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية إسماعيل هنية -رحمه الله- في طهران؛ شكل مغناطيس جذب جديد وقوي للتضامن العربي والإسلامي والإنساني مع القضية الفلسطينية، والمحرقة التي يتعرّض لها أهلنا غزة على مدى عشرة أشهر. ولكن بعيدا عن هذا الجانب وهو في غاية الأهمية، فإن ما أودُّ الحديث عنه في هذا المقال هو طرح تساؤلات على هامش اغتيال هنية في طهران والتخبط الإيراني الذي لا يزال سيد الموقف، إذ جاءت المسارعة الشديدة في الإعلان عن مقتله على وكالات الحرس الثوري الإيراني غريبة وغير مفهومة، وهو أمر غير معتاد في مثل هذه الظروف، إذ يتم التمهيد له.
وزاد من التساؤلات التخبط في سبب الاغتيال، ففي البداية كانت الرواية تركز على استهدافه بصاروخ من طائرة، ثم انتقل الحديث إلى مقذوف مدفعية، ومعها كان الحديث على صفحات نيويورك تايمز التي نقلت عن مسؤولين إيرانيين بأن العملية جرت بعبوة ناسفة زُرعت قبل شهرين في الغرفة التي أقام فيها الشهيد وحارسه تقبلهما الله.
زاد من التساؤلات التخبط في سبب الاغتيال، ففي البداية كانت الرواية تركز على استهدافه بصاروخ من طائرة، ثم انتقل الحديث إلى مقذوف مدفعية، ومعها كان الحديث على صفحات نيويورك تايمز التي نقلت عن مسؤولين إيرانيين بأن العملية جرت بعبوة ناسفة زُرعت قبل شهرين
طبعا سيقول البعض إن هذه الرواية من صحيفة أمريكية لا يُعتد بها، كونها أتت من جهة معادية، ولكن إصرار الجريدة التي نقلت عن مسؤولين إيرانيين في يوميين متتاليين دون أن يصدر نفي أو تكذيب واحد، فضلا عن مقايضة الصحيفة، من قبل الجهات الإيرانية، فهذا يعطي مصداقية لتقرير الصحيفة، لا سيما مع غياب الرواية الإيرانية المتماسكة لعملية الاغتيال، ومنع أي تسريب من غرفة إقامة الشهيد، لا صورة ولا مقطع فيديو، إن كان للغرفة أو للمقذوف التي تتحدث إحدى الروايات الإيرانية عن مسؤوليته في اغتيال الشهيد، فقد مُنعت وسائل الإعلام حتى اللحظة من دخول الغرفة، وهو الأمر الذي دفع البعض إلى الدعوة لضرورة تشريح الجثة قبل دفنها لمعرفة الحقيقة الكاملة، لا سيما وأن الرواية الإيرانية أثبتت في أكثر من مناسبة أنها غير موثوقة ولا يمكن الاعتماد عليها.
يبقى الأمر الأعجب بالنسبة لي وفي حدود معلوماتي وخبرتي، التساؤل الذي يراودني وهو أين كان حراس هنية الإيرانيين خلال فترة الاستهداف، إذ لم تعلن السلطات الإيرانية عن قتل أو جرح أحدهم، فهل يعقل شخصية قيادية بهذا المستوى، لا يوجد حراس لها على باب الغرفة؟!
الصفعة القوية التي تلقتها إيران هذه المرة تتعدّى فلسطين وتتعدّى حماية قيادي بحجم إسماعيل هنية، إنها صفعة ضربت العنجهية الإيرانية في الصميم، الذي ثبت أنها عنجهية على الأبرياء في سوريا والعراق واليمن، مما جعل الحادث من إيران جمهورية موز حقيقية، فمن سيجرؤ بعد اليوم على الثقة بحماية الإيراني له؟ ليس على مستوى قادة المقاومة الفلسطينية وغيرها، وإنما حتى على مستوى قادة ومسؤولي الدول بشكل عام، وتعزز هذا مع الإعلان عن اعتقال إيران لأكثر من عشرين مسؤولا أمنيا وعسكريا، ومن بينهم قائد القوات الخاصة الإيرانية على خلفية الاختراق الأمني، هذا الاختراق الذي وقع وحصل غير مرة، كان أخطرها مقتل العالم النووي الإيراني الأبرز محسن زاده في وسط طهران، بالإضافة إلى الغموض الذي لف مقتل الرئيس الإيراني نفسه ووزير خارجيته، دون تقديم إيران حتى الآن رواية مقنعة ومتماسكة عن هذه العملية التي مسّت رأس الدولة.
أن تجري عملية الاغتيال لضيف بحجم إسماعيل هنية في ضيافة الحرس الثوري الإيراني، فهذه رسالة مباشرة للحكم الإيراني قبل غيره، عنوانها: لم تعد هناك خطوط حمراء، وأنكم جميعا في دائرة الاستهداف
وقبل أربعة أيام فقط من حادث اغتيال هنية، كشف وزير الاستخبارات الإيراني سيد إسماعيل خطيب لوسائل إعلامية محلية عن تفكيكه لشبكة عملاء من الموساد الإسرائيلي الذين كانوا يستهدفون علماء، ويعملون على تخريب منشآت إيرانية.
لقد خرجت إيران من هذه الصفعة أضعف مما يُتصور، لا سيما وأن حلفاءها يشعرون بالقلق من اعتمادهم على حليف تم استهداف ضيوفه الكبار في عقر داره ودرة تحصيناته الأمنية، إنه الحرس الثوري، أما على جانب الخصوم والأعداء فسيدفعهم مثل هذا الحادي إلى الجرأة عليها أكثر فأكثر مما يزيد ضعفها وسط الحاضنة والخصوم.
لقد ابتلعت إيران وحلفاؤها الإهانات والصفعات التي وُجهت لهم في سوريا والعراق واليمن حين تم استهداف قادتهم ورموزهم الكبار في تلك البلاد، وبررت إيران ذلك على أنها عمليات تجري خارج حدودها، وتمت من خلال اختراق صهيوني للمنظومات الأمنية في تلك البلدان، وهو ما ظهر من الاتهامات الإيرانية لبعض الأجهزة الأمنية السورية التي ساعدت في قصف السفارة الإيرانية في دمشق وأدت إلى مقتل بعض كبار قادتها من الحرس الثوري، لكن أن تجري عملية الاغتيال لضيف بحجم إسماعيل هنية في ضيافة الحرس الثوري الإيراني، فهذه رسالة مباشرة للحكم الإيراني قبل غيره، عنوانها: لم تعد هناك خطوط حمراء، وأنكم جميعا في دائرة الاستهداف والخطر، فماذا أنتم فاعلون؟!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اغتيال إسماعيل هنية الإيراني الإسرائيلي إيران إسرائيل اغتيال إسماعيل هنية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إسماعیل هنیة الحرس الثوری
إقرأ أيضاً:
إيران الدولة الثوريّة تشدّ أحزمة المواجهة
حزمت “إيران الإسلاميّة ” موقفها، عزم قائدها على تدبّر الأمر متوكّلًا على ربّه، توسّط مشهدًا جامعًا لأركان الحكم، على يمينه قادة الأجهزة العسكريّة والأمنيّة، وعلى يساره رئيس الجمهوريّة ورؤساء المجالس والمؤسسات العليا الرسميّة؛ وبلسان الواثق من شعبه، ألقى فصل خطابه أمام العالم وأمام نزق “دونالد ترامب” بكلمته المدوّية “لا” للهيمنة الأمريكيّة وسياساتها الاستكباريّة وأساليبها الاستعلائيّة، بعدما أثبتت التجربة صوابيّة منطق عدم الثقة بالإدارة الأمريكيّة.
تدرك “إيران” اللحظة التاريخيّة جيّدًا، وتعي جدّيّة المخاطر وأهوالها، وتعرف بعمق ما يصيب مجتمعها من آثار عدوانيّة مستمرة منذ عقود عبر ضغوط اقتصاديّة قصوى عليها، لا سيّما بعد تمزيق “ترامب” الاتفاق النووي عام 2018، والافتعالات الدائمة لإضعافها من الداخل وتحريك موجات الفتن فيها، وتفرقة وحدتها وتشويه هويّتها وممارسة كافة أشكال الحرب النفسيّة والناعمة عليها؛ وإعاقة تقدّمها وعلاقاتها.
كما تعلم “طهران” علم اليقين ما أصاب “جبهة المقاومة” من فقد قادتها الكبار منذ كانون الثاني 2020 إلى نهاية العام 2024؛ وهي تراقب عن كثب التغيّرات الاستراتيجيّة في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق واليمن، وتدرس نتائج الحرب العالميّة المتمادية للقضاء على المقاومة والانقلاب على الممانعة السياسيّة للإملاءات الأمريكيّة.
كما أن “طهران” لا تستهين بمسالك المملكة العربيّة السعوديّة نحو التطبيع، وأن ما رعته الصين من تسوية إيرانيّة-سعوديّة لا يعوّل على استمراره، رغم حرصها الأكيد على استقرار المنطقة، إذا ما أُطلقت الصافرة الأمريكيّة للإخلال بها.
تصغي “طهران” دون اضطراب إلى التهديدات المتكرّرة الموجّهة إليها. كما تقرأ بحكمة وشجاعة الرسائل الديبلوماسيّة والإعلاميّة. ويمكن إيراد تهديدين (أمريكيّ وإسرائيليّ) وتحذير (تركيّ)، لاستجلاء الواقع.
التهديد الأبرز، أعلنه “ترامب” واضعًا إيران بين خيارين “الاتفاق أم الحرب”، مستأنفًا عقوبات ولايته الأولى على صادرات النفط الإيرانية.
ينسب “ترامب” إلى “إيران” الضعف حاليًا، فيتحفّز لاتخاذ إجراءات حاسمة ضدّها، وفق ما أدلى به مستشار الأمن القومي مايك والتز (19 كانون الثاني/يناير 2025). حدّد شهرًا واحدًا أمام إيران للانصياع إلى مفاوضات شكلية تنتهي بإملاءاته على برنامجها النووي ثم يستلحقه بتقييد دورها في المنطقة والبحث حول صواريخها الباليستيّة.
فيما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية هدف مناورتها مطلع آذار الجاري بمشاركة وحدة قاذفاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط “تعزيز التنسيق مع الشركاء الإقليميّين وإظهار قدراتها العسكرية”.
يساوق التهديد الأمريكيّ تحريض إسرائيلي قديم جديد على ضرب إيران، وقد أعلن “بنيامين نتنياهو” عشية الإعلان عن وقف إطلاق النار المزعوم في لبنان، أن السبب الأول لإعلانه هو التزامه بالأمن القومي وتركيز الجهود على مواجهة إيران ومنع طهران من تطوير سلاح نووي، مضيفًا أنه “لن يعطي المزيد من التفاصيل حول ذلك”. بينما أعلن رئيس أركانه الجديد “إيال زامير” أنّ عام 2025 سيركّز على الصراع في غزّة ومع الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، وأنه سوف تتمّ إعادة هيكلة استراتيجية “الجيش” الإسرائيليّ للتعامل مع التهديد الإيرانيّ على وجه التحديد.
أما التحذير التركيّ لوزير الخارجية “هاكان فيدان، فإنّه يختلف نوعيًّا عما سبقه، لكونه لا يهدّد إيران ومقدّراتها وبرنامجها النوويّ، إنّما يتكامل مع الوعيدين الأمريكيّ-الإسرائيليّ، حاملًا لهجة استقواء ودلالات جديدة أمام الأحداث الجارية وموقعه منها، حيث بدا “كاتم أسرار أردوغان” واضحًا بالنزول عند رغبات الغرب وعدم التصدّي للتوسّع الإسرائيليّ إلا من بضعة تحفّظات كلاميّة، جازمًا في سعي أنقرة إلى ملء الفراغ وتصدّره في الساحة السوريّة على حساب الدور الإيراني الذي غالب إسقاط الدولة السورية وتفكيك وحدتها وانعدام استقرارها وانسلاخها من تاريخها وإيقاعها في فم التنين الأمريكيّ والاحتلال الإسرائيليّ وقطع طرق الإمداد على حركات المقاومة اللبنانيّة والفلسطينيّة.
يتضح أن ما يسمى بالمفاوضات التي يتم التداول حولها ما هي إلا خديعة بائسة لتشويش الرأي العام، وتصب لصالح الهيمنة الأمريكيّة وتستجيب لمعالجة الهواجس الأمنيّة الإسرائيليّة، ولإضعافها أمام منافسيها الإقليميّين، وليست من أجل حلّ المشكلات الإيرانيّة.
يمكن الجزم، بعدم رغبة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في إثارة مواجهة واسعة النطاق، خاصة أنّ تغيّر المشهد الجيوسياسي الراهن لا يبدو في مداه القصير لصالحها، قبل أن تستعيد حركات المقاومة عافيتها وقوّتها، وقبل أن يرسو المشهد السوري على أرضية مغايرة. إلّا أنّ “إيران الإسلاميّة” بكل تأكيد لن تقبل بالرضوخ لشروط “ترامب”، مما يرفع من احتمالية الصراع دون أن تتحدّد معالمه بوضوح.
تقتحم “طهران” مخاطر احتمالية الحرب عليها، بعدما نقضت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) عهدها بالتعويض عن إنسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وبعدما استنفد مسؤولها كافة الإجراءات والتدابير الديبلوماسيّة، واتبعت “أقصى درجات العقلانية”، وتحكّمت بردود أفعالها، وهي تشاهد حرب الإبادة في غزّة والجرائم الأمريكيّة الإسرائيليّة تصب جام حممها على لبنان واليمن والعراق وسورية، فاحتفظت لنفسها بحق الرد على العدوان الإسرائيليّ السافر داخل أراضيها في محافظات طهران وخوزستان وإيلام (26 تشرين الأوّل 2024م).
وتؤكّد “طهران” أن نهجها مستمر، كدولة ثوريّة تضبط مصالحها على مبادئها، وتسير ضمن حدّي درء الخطر وحفظ هويتها وسيادتها وكرامتها الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة؛ إلا إذا وضعت الحرب أثقالها فالسبيل الوحيد هو الدفاع والمواجهة.
باحث في الشؤون الإيرانيّة