لجريدة عمان:
2024-09-09@17:12:15 GMT

المرأة والميثولوجيا في الثقافة الشفوية

تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT

تتميز الثقافة التي تفسح المجال للمنتمين إليها بالحضور في مكوناتها بالغنى والعمق؛ لأن احتفاظ أي ثقافة بعناصرها الجوهرية يُعبّر عن قيمة وجودية يمنحها فرصة التكيف مع التطور الناجم عن المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى إنتاج أشكال إبداعية خاصة بالثقافة ذاتها.

تُعد المرأة في المجتمعات التقليدية مدرسة وناقلة للثقافة وخاصة الميثولوجيا؛ لأن المرأة (الأم) تغرس الأسس التربوية الأولى في ذهن الطفل عبر مراحل حياته الأولى عن طريق الحكاية والأسطورة والأمثال، وبواسطة الميثولوجيا نقلت الأم معارفها إلى الأبناء جيلا بعد آخر، ونتيجة للدور المعرفي للمرأة واعترافا بها ولها بأدوارها الاجتماعية والثقافية فقد رفعت المجتمعات من شأن المرأة ورفعتها إلى مرتبة التبجيل والاحترام.

إن الميثولوجيا التي شكّلت جزءا من ثقافتنا وتربيتنا هي ميثولوجيا قدمت إلينا عبر ألسنة المرأة الحكاءة وبواسطة لغة شفوية غير مكتوبة، هي اللغة الشحرية؛ إحدى اللغات السامية الجنوبية العربية الحديثة، ونكتشف مع مرور الأيام قيمة الثقافة الشفهية وعمقها المعرفي في تشكيل الوعي ونظرة الإنسان إلى وجوده ومسؤولياته تجاه ذاته والآخرين.

وفي هذه المساحة نعرض بعض الأمثلة المتعلقة بحضور المرأة في المعتقدات والأمثال. ومن المعتقدات الرائجة التي تكشف عن علاقة الإنسان بمحيطه أنه يستطيع عقد اتفاقات المصالحة مع الكائنات المؤذية، فمثلا يقال"إن الأم إذا أرادت أن تقي أطفالها من لدغات العقارب عليها صب قطرات من حليبها على أنثى العقرب التي تحمل صغارها على ظهرها"، يكشف هذا المعتقد أيضا رمزية حليب الأم في إحداث روابط أمان مع الكائنات الضارة.

وفي المعتقدات أيضا أنه إذا أرادت الأم أن يكتسب ابنها صفات الرجال المشهورين فيتوجب عليها رمي سرة رضيعها خلف رجل مشهور مرددة عبارة "كن مثل فلان"، والسرة -حسب المعتقد- مسؤولة عن تعلّق الإنسان بالمجال الذي يحبه، فيقال "فلان سقطت سُرّته هناك" بمعنى وجوده الدائم وحضوره في النشاط الذي يمارسه.

أدركت المرأة مبكرا آثار الطاقة السلبية على الإنسان وخاصة الرضع، إذ تتفادى المرأة المُرضعة انتقال الأمراض والأوبئة إلى طفلها من أمهات الأطفال المرضى، عن طريق أخذ مادة منها مثلا، كخيط من رداء أم الطفل المريض عند زيارتها، ويسمى "شُكم" (شين شدقية)، الذي يُعتقد بمنعه انتقال الطاقة السلبية بين الأطفال.

وكذلك حين تسمع المرأة الأخبار السيئة فإنها تلتفت يمنة ويسرة وتتفل مرددة عبارة "تفو إد نعدي بإد سيري" أي بعيدا عني وخلفي، أو تتفل على الأرض وتمسح بإصبعها على رقبتها وعلى كعبها قائلة "إد قرموع بد كرموع" أي إلى القفاء وإلى الكعب.

تعاملت الشعوب والمجتمعات مع وفيات الأطفال المتكررة على أنه سحر أو اختطاف من قبل الجن، ولتجنب ذلك تقوم الأم بثقب الأذن اليمنى للطفل الذكر، ويبدو أن محاولة الحماية بواسطة تشويه الأذن قد انتقلت إلى الحيوان، إذ يحرص بعض مربي الماشية إلى قطع أو شق أذان الماشية، وقد نهى الدين الإسلامي عن ذلك، إذ ورد في السنة أنه لا يجوز التضحية بالمقابلة (مقطوعة الأذن)، ولا المدابرة (المقطوعة مؤخرة الأذن)، ولا الشرقاء (مشقوقة الأذن طولا)، إذ يُنظر إلى ذلك بأنها طقوس تعبر عن التقرب إلى الآلهة بجزء من لحم الماشية.

يتجسد الاحتفاء بالمرأة وتقديرها في الميثولوجيا في المعتقدات التي يحملها الإنسان في ذاته، وقد ورد في المعتقد أن الرجل إذا حلم بولادة بنت له، فإن ذلك يعني أنه سيُسر في حياته. يدلل ذلك على الفأل الحسن الذي تجلبه البنت إلى حياة والدها، بل ويفتخر الذكر بالانتساب إلى اسم أمه، وبناء عليه يتم الترحيب به وانتخاءه.

إن بقاء الميثولوجيا في الذاكرة فقط يُعجّل بفنائها وموتها البطيء، ولذلك نُذكّر بين المقال والآخر على ضرورة جمع المادة الثقافية الشفوية ودراستها قبل اندثارها وتعرضها للنسيان.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

محام: يجب على الأب كتابة كل شئ لأولاده قبل الوفاة

قال كريم أبو اليزيد، المحامي المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية وشؤون الأجانب، إن الوصاية تنتقل بعد وفاة الأب إلى الجد من ناحية الأب، ويكون الجد في هذه الحالة وصيًا شرعيًا على حقوق وأملاك الصغير، وفي حال وفاة الجد تنتقل إلى الوصاية للأم، حال عدم قيام العم بمنازعة الأم في الوصاية.

وأضاف "أبو اليزيد"، خلال حواره مع الإعلامية مروة إمام، ببرنامج "دكتور ستايل"، المذاع على فضائية "PNC"، أن الجد أو العم أو الأم ليس لديهم الحق في التصرف في أملاك القصر، وتكون الأملاك تحت تصرف النيابة الحسبية، وفي حال بيع عقار على سبيل المثال يتم وضعه نصيب الطفل باسمه في البنك، تحت رقابة النيابة الإدارية.  

وأشار إلى أن قانون الأسرة مستمد من الشريعة الإسلامية، وهي من حددت بأن الوصاية تكون للجد بعد الأب، وفي حال كون الجد غير سوي أو أمين مع الطفل، فتنتقل الوصاية إلى الأم بعد تقديم الشكاوي والإثباتات التي تثبت ذلك، ناصحًا الأب بكتابة كل شئ لأولاده قبل الوفاة على حياة عينه.

مقالات مشابهة

  • أحد حراس الهوية المصرية.. من هو الفنان التشكيلي الراحل حلمي التوني؟
  • افتتاح فعاليات اليوم العالمي لمحو الأمية بثقافة المنيا
  • فضل دعاء الأم في الإسلام
  • محام: يجب على الأب كتابة كل شئ لأولاده قبل الوفاة
  • واق من الشمس يحوّل عُطلة إلى كارثة
  • مهرجان سعودي يعرض إحدى أشهر الساعات التي اخترعها المسلمون عبر التاريخ (صور)
  • القومي للمرأة يشارك في المبادرة الرئاسية بداية جديدة لبناء الإنسان
  • عضو المجلس الأعلى للثقافة: أوبريت «بداية جديدة» يدعم مشروع التنمية البشرية ويعكس رؤية الجمهورية الجديدة
  • تحت ضغط المجتمع.. إسبانيا تلغي جائزة مصارعة الثيران التي دامت عقدًا من الزمن
  • «الثقافة»: «المشروع القومي للتنمية البشرية» يستهدف الاستثمار في رأس المال البشري