لجريدة عمان:
2025-02-23@19:31:33 GMT

المرأة والميثولوجيا في الثقافة الشفوية

تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT

تتميز الثقافة التي تفسح المجال للمنتمين إليها بالحضور في مكوناتها بالغنى والعمق؛ لأن احتفاظ أي ثقافة بعناصرها الجوهرية يُعبّر عن قيمة وجودية يمنحها فرصة التكيف مع التطور الناجم عن المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى إنتاج أشكال إبداعية خاصة بالثقافة ذاتها.

تُعد المرأة في المجتمعات التقليدية مدرسة وناقلة للثقافة وخاصة الميثولوجيا؛ لأن المرأة (الأم) تغرس الأسس التربوية الأولى في ذهن الطفل عبر مراحل حياته الأولى عن طريق الحكاية والأسطورة والأمثال، وبواسطة الميثولوجيا نقلت الأم معارفها إلى الأبناء جيلا بعد آخر، ونتيجة للدور المعرفي للمرأة واعترافا بها ولها بأدوارها الاجتماعية والثقافية فقد رفعت المجتمعات من شأن المرأة ورفعتها إلى مرتبة التبجيل والاحترام.

إن الميثولوجيا التي شكّلت جزءا من ثقافتنا وتربيتنا هي ميثولوجيا قدمت إلينا عبر ألسنة المرأة الحكاءة وبواسطة لغة شفوية غير مكتوبة، هي اللغة الشحرية؛ إحدى اللغات السامية الجنوبية العربية الحديثة، ونكتشف مع مرور الأيام قيمة الثقافة الشفهية وعمقها المعرفي في تشكيل الوعي ونظرة الإنسان إلى وجوده ومسؤولياته تجاه ذاته والآخرين.

وفي هذه المساحة نعرض بعض الأمثلة المتعلقة بحضور المرأة في المعتقدات والأمثال. ومن المعتقدات الرائجة التي تكشف عن علاقة الإنسان بمحيطه أنه يستطيع عقد اتفاقات المصالحة مع الكائنات المؤذية، فمثلا يقال"إن الأم إذا أرادت أن تقي أطفالها من لدغات العقارب عليها صب قطرات من حليبها على أنثى العقرب التي تحمل صغارها على ظهرها"، يكشف هذا المعتقد أيضا رمزية حليب الأم في إحداث روابط أمان مع الكائنات الضارة.

وفي المعتقدات أيضا أنه إذا أرادت الأم أن يكتسب ابنها صفات الرجال المشهورين فيتوجب عليها رمي سرة رضيعها خلف رجل مشهور مرددة عبارة "كن مثل فلان"، والسرة -حسب المعتقد- مسؤولة عن تعلّق الإنسان بالمجال الذي يحبه، فيقال "فلان سقطت سُرّته هناك" بمعنى وجوده الدائم وحضوره في النشاط الذي يمارسه.

أدركت المرأة مبكرا آثار الطاقة السلبية على الإنسان وخاصة الرضع، إذ تتفادى المرأة المُرضعة انتقال الأمراض والأوبئة إلى طفلها من أمهات الأطفال المرضى، عن طريق أخذ مادة منها مثلا، كخيط من رداء أم الطفل المريض عند زيارتها، ويسمى "شُكم" (شين شدقية)، الذي يُعتقد بمنعه انتقال الطاقة السلبية بين الأطفال.

وكذلك حين تسمع المرأة الأخبار السيئة فإنها تلتفت يمنة ويسرة وتتفل مرددة عبارة "تفو إد نعدي بإد سيري" أي بعيدا عني وخلفي، أو تتفل على الأرض وتمسح بإصبعها على رقبتها وعلى كعبها قائلة "إد قرموع بد كرموع" أي إلى القفاء وإلى الكعب.

تعاملت الشعوب والمجتمعات مع وفيات الأطفال المتكررة على أنه سحر أو اختطاف من قبل الجن، ولتجنب ذلك تقوم الأم بثقب الأذن اليمنى للطفل الذكر، ويبدو أن محاولة الحماية بواسطة تشويه الأذن قد انتقلت إلى الحيوان، إذ يحرص بعض مربي الماشية إلى قطع أو شق أذان الماشية، وقد نهى الدين الإسلامي عن ذلك، إذ ورد في السنة أنه لا يجوز التضحية بالمقابلة (مقطوعة الأذن)، ولا المدابرة (المقطوعة مؤخرة الأذن)، ولا الشرقاء (مشقوقة الأذن طولا)، إذ يُنظر إلى ذلك بأنها طقوس تعبر عن التقرب إلى الآلهة بجزء من لحم الماشية.

يتجسد الاحتفاء بالمرأة وتقديرها في الميثولوجيا في المعتقدات التي يحملها الإنسان في ذاته، وقد ورد في المعتقد أن الرجل إذا حلم بولادة بنت له، فإن ذلك يعني أنه سيُسر في حياته. يدلل ذلك على الفأل الحسن الذي تجلبه البنت إلى حياة والدها، بل ويفتخر الذكر بالانتساب إلى اسم أمه، وبناء عليه يتم الترحيب به وانتخاءه.

إن بقاء الميثولوجيا في الذاكرة فقط يُعجّل بفنائها وموتها البطيء، ولذلك نُذكّر بين المقال والآخر على ضرورة جمع المادة الثقافية الشفوية ودراستها قبل اندثارها وتعرضها للنسيان.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

اليوم العالمي للغة الأم.. ما أكثر اللغات المهددة بالانقراض؟

تُعتبر اللغة هي الوسيلة الأساسية للحفاظ على ثقافة وهوية المجتمع وضمان نقل المعرفة والعلوم إلى مختلف أنحاء العالم، ويوافق اليوم 21 فبراير ذكرى الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة عام 1999، بغرض تعزيز اللغات الأم والحفاظ على التنوع اللغوي وحماية التراث الثقافي.

وانطلاقًا من الدور المهم للغات، تبذل الأمم المتحدة جهود كبيرة للحفاظ على لغات الشعوب الأصلية المهددة بالانقراض، نستعرض أبرزها وفق ما ذكره موقع the guardian، كالتالي:

 لغة كريمتشاك

تُعتبر لغة كريمتشاك من أكثر اللغات المُهددة بالانقراض، وهي اللغة الرسمية لشعب القرم الذي يعيش في شبه جزيرة أوكرانيا، إذ يوجد نحو 200 شخص فقط يتحدثون بهذه اللغة الآن.

 لغة السامي

هي لغة يتحدثها نحو 25 ألف شخص في المناطق الشمالية كالسويد والنرويج وروسيا وفنلندا، وتُصنف ضمن أبرز اللغات المهددة بالانقراض.

لغة رابا نوي

هي لغة يتحدثها حوال 3000 شخص فقط في جزيرة الصفح وهي جزيرة بركانية تقع في بولينيزيا بالمحيط الهادي.

لغة أكا

هي لغة يتحدثها سكان قرية أروناشال براديش التي توجد في غابات شمال شرق الهند، وقد أختار سكانها تعلم اللغة الهندية والتحدث بها مؤخرًا، ما يهدد بانقراضها.

لغة أوتاوا

هي لغة يتحدث بها نحو 7000 شخص فقط في جنوب أونتاريو بكندا وشمال ميشيغان في الولايات المتحدة.

لغة أودي

تعتبر أودي من أقدم اللغات في شمال القوقاز، ويتحدثها الآن حوالي 5000 شخص فقط في جورجيا وأذربيجان وأرمينيا.

مقالات مشابهة

  • عبارات عن عيد الأم 2025
  • حال وفاة الزوجة.. كيف تُوزع قائمة المنقولات الزوجية على الورثة؟
  • وطن
  • إقتسام .. !! . نص سردي
  • بعد معاناة سلمى أبو ضيف| كل ما تود معرفته عن الرضاعة الطبيعية
  • بعد النجاحات التي حققها.. العربي الأوربي لحقوق الإنسان يتحصل على صفة «مراقب»
  • نشرة المرأة والمنوعات.. فوائد الخروب لمرضى السكري في رمضان.. عادات كارثية تحول الشاي والقهوة إلى مصدر ضرر للدماغ
  • اليوم العالمي للغة الأم.. ما أكثر اللغات المهددة بالانقراض؟
  • روشتة ونصائح ذهبية للمعاملة بين الأم والزوجة
  • الشثري يوضح حكم انتفاع الأم المطلقة من نفقة أولادها ..فيديو