لجريدة عمان:
2025-01-23@04:15:17 GMT

المرأة والميثولوجيا في الثقافة الشفوية

تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT

تتميز الثقافة التي تفسح المجال للمنتمين إليها بالحضور في مكوناتها بالغنى والعمق؛ لأن احتفاظ أي ثقافة بعناصرها الجوهرية يُعبّر عن قيمة وجودية يمنحها فرصة التكيف مع التطور الناجم عن المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى إنتاج أشكال إبداعية خاصة بالثقافة ذاتها.

تُعد المرأة في المجتمعات التقليدية مدرسة وناقلة للثقافة وخاصة الميثولوجيا؛ لأن المرأة (الأم) تغرس الأسس التربوية الأولى في ذهن الطفل عبر مراحل حياته الأولى عن طريق الحكاية والأسطورة والأمثال، وبواسطة الميثولوجيا نقلت الأم معارفها إلى الأبناء جيلا بعد آخر، ونتيجة للدور المعرفي للمرأة واعترافا بها ولها بأدوارها الاجتماعية والثقافية فقد رفعت المجتمعات من شأن المرأة ورفعتها إلى مرتبة التبجيل والاحترام.

إن الميثولوجيا التي شكّلت جزءا من ثقافتنا وتربيتنا هي ميثولوجيا قدمت إلينا عبر ألسنة المرأة الحكاءة وبواسطة لغة شفوية غير مكتوبة، هي اللغة الشحرية؛ إحدى اللغات السامية الجنوبية العربية الحديثة، ونكتشف مع مرور الأيام قيمة الثقافة الشفهية وعمقها المعرفي في تشكيل الوعي ونظرة الإنسان إلى وجوده ومسؤولياته تجاه ذاته والآخرين.

وفي هذه المساحة نعرض بعض الأمثلة المتعلقة بحضور المرأة في المعتقدات والأمثال. ومن المعتقدات الرائجة التي تكشف عن علاقة الإنسان بمحيطه أنه يستطيع عقد اتفاقات المصالحة مع الكائنات المؤذية، فمثلا يقال"إن الأم إذا أرادت أن تقي أطفالها من لدغات العقارب عليها صب قطرات من حليبها على أنثى العقرب التي تحمل صغارها على ظهرها"، يكشف هذا المعتقد أيضا رمزية حليب الأم في إحداث روابط أمان مع الكائنات الضارة.

وفي المعتقدات أيضا أنه إذا أرادت الأم أن يكتسب ابنها صفات الرجال المشهورين فيتوجب عليها رمي سرة رضيعها خلف رجل مشهور مرددة عبارة "كن مثل فلان"، والسرة -حسب المعتقد- مسؤولة عن تعلّق الإنسان بالمجال الذي يحبه، فيقال "فلان سقطت سُرّته هناك" بمعنى وجوده الدائم وحضوره في النشاط الذي يمارسه.

أدركت المرأة مبكرا آثار الطاقة السلبية على الإنسان وخاصة الرضع، إذ تتفادى المرأة المُرضعة انتقال الأمراض والأوبئة إلى طفلها من أمهات الأطفال المرضى، عن طريق أخذ مادة منها مثلا، كخيط من رداء أم الطفل المريض عند زيارتها، ويسمى "شُكم" (شين شدقية)، الذي يُعتقد بمنعه انتقال الطاقة السلبية بين الأطفال.

وكذلك حين تسمع المرأة الأخبار السيئة فإنها تلتفت يمنة ويسرة وتتفل مرددة عبارة "تفو إد نعدي بإد سيري" أي بعيدا عني وخلفي، أو تتفل على الأرض وتمسح بإصبعها على رقبتها وعلى كعبها قائلة "إد قرموع بد كرموع" أي إلى القفاء وإلى الكعب.

تعاملت الشعوب والمجتمعات مع وفيات الأطفال المتكررة على أنه سحر أو اختطاف من قبل الجن، ولتجنب ذلك تقوم الأم بثقب الأذن اليمنى للطفل الذكر، ويبدو أن محاولة الحماية بواسطة تشويه الأذن قد انتقلت إلى الحيوان، إذ يحرص بعض مربي الماشية إلى قطع أو شق أذان الماشية، وقد نهى الدين الإسلامي عن ذلك، إذ ورد في السنة أنه لا يجوز التضحية بالمقابلة (مقطوعة الأذن)، ولا المدابرة (المقطوعة مؤخرة الأذن)، ولا الشرقاء (مشقوقة الأذن طولا)، إذ يُنظر إلى ذلك بأنها طقوس تعبر عن التقرب إلى الآلهة بجزء من لحم الماشية.

يتجسد الاحتفاء بالمرأة وتقديرها في الميثولوجيا في المعتقدات التي يحملها الإنسان في ذاته، وقد ورد في المعتقد أن الرجل إذا حلم بولادة بنت له، فإن ذلك يعني أنه سيُسر في حياته. يدلل ذلك على الفأل الحسن الذي تجلبه البنت إلى حياة والدها، بل ويفتخر الذكر بالانتساب إلى اسم أمه، وبناء عليه يتم الترحيب به وانتخاءه.

إن بقاء الميثولوجيا في الذاكرة فقط يُعجّل بفنائها وموتها البطيء، ولذلك نُذكّر بين المقال والآخر على ضرورة جمع المادة الثقافية الشفوية ودراستها قبل اندثارها وتعرضها للنسيان.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وزير الثقافة يلتقي رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

التقى الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، لمناقشة تعزيز الجهود الوطنية في مجال الحقوق الثقافية، في إطار الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها  فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي. 

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو: "إن هذا اللقاء جاء تنفيذًا لمحاور الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، بما يشمل الحقوق الثقافية، حيث إن وزارة الثقافة تعمل على تعزيز التعاون مع مختلف المؤسسات الوطنية لتنفيذ هذه الاستراتيجية، وتسعى لتفعيل البرامج الثقافية التي تعزز الوعي المجتمعي بأهمية حقوق الإنسان، مع التركيز على تحقيق التكامل بين الجوانب الثقافية والحقوقية بما يسهم في بناء مجتمع أكثر إدراكًا لحقوقه وواجباته".


وأوضح  النائب طارق رضوان، أن هذه الجهود تستند إلى مرتكزات دستورية تتعلق بالمواد الدستورية المرتبطة بالحقوق الثقافية، بالإضافة إلى الالتزامات الدولية لمصر التي تتعلق بالاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بما فيها الحقوق الثقافية.

ولفت رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إلى أنه تم خلال اللقاء مناقشة خطط وزارة الثقافة لإنشاء وحدة حقوق الإنسان بالوزارة، بما يتماشى مع قرار رئيس الوزراء رقم 96 لسنة 2017، وأضاف أن النقاش تطرق أيضًا إلى خطط الوزارة لتأهيل العاملين بالوحدة الجديدة، من خلال تنظيم برامج تدريبية تهدف إلى تعزيز وعيهم بمفاهيم حقوق الإنسان، وضمان قدرتهم على تنفيذ المهام الموكلة إليهم بكفاءة.

مقالات مشابهة

  • أحمد مجاهد: الثقافة مجموع خبرات تتحكم في سلوك الإنسان
  • عضو «القومي لحقوق الإنسان»: مصر حققت تقدما في التعديلات التشريعية
  • مشيرة خطاب: الدولة المصرية تقوم بمبادرات عظيمة لدعم حقوق المرأة الإنجابية والجنسية
  • نقيب الأطباء: نتعهد بتبني سياسات النهوض بصحة المرأة والطفل والأسرة
  • سفير هولندا: ناقشتُ مع لجنتي حقوق الإنسان والمرأة بالبرلمان تمكين المرأة سياسياً
  • "الأمم المتحدة للسكان" تشيد بما أنجزته مصر في ملف حقوق المرأة
  • وفاء بنيامين: القومي لحقوق الإنسان يُعد المؤسسة الوطنية التي تعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان
  • وزير الثقافة يلتقي رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب
  • وزير الثقافة: حريصون على تعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الشامل
  • الثقافة تخطط لإنشاء وحدة حقوق الإنسان بالوزارة