جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-23@17:42:51 GMT

هل السياسة تقود الاقتصاد أم العكس؟!

تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT

هل السياسة تقود الاقتصاد أم العكس؟!

 

 

مرتضى بن حسن بن علي

 

من يقود الآخر: هل السياسة تقود الاقتصاد أم الاقتصاد يقود السياسة؟

أُثير هذا السؤال في "السبلة الاقتصادية" المُهتمة بمُناقشة القضايا الاقتصادية. والسؤال يطرح نفسه وإعادة طرحه بسبب التحديات والرهانات المرتبطة بالسياق العالمي، فهو السؤال "القديم الجديد" الذي يُطرح باستمرار.

السياسة والاقتصاد هما المحددان للحياة السياسية والاقتصادية في أي بلد وفي كل زمان؛ لأن المُتغيِّرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية والتكنولوجية، تفرض هذا السؤال، وكلاهما منتجان خالصان للثقافة السائدة والتعليم في أي بلد.

والفاعلون الاقتصاديون والسياسيون يمثلون مخرجات الأنظمة التربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية؛ لذلك يبقى إصلاح الأنظمة التربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية، من المداخل المهمة للعلاقة السوية بين الاقتصاد والسياسة في أي بلد.

من ناحية، يمكن القول إن السياسة تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد، وإن الحكومات والمؤسسات السياسية تحدد السياسات والإجراءات والاستراتيجيات والخطط التي تتخذها لتحقيق أهدافها الاقتصادية، وبالتالي يمكن القول إن السياسة تحكم الاقتصاد.

ومن ناحية أخرى، يؤثر الاقتصاد على القرارات السياسية بدرجات متفاوتة؛ حيث إن الأحداث الاقتصادية والتغييرات في سوق العمل والتجارة ونسب التضخم تؤثر على القرارات الحكومية والمؤسسات السياسية. وبذلك يمكن القول إن الاقتصاد يقود السياسة.

وبشكل عام، فإن الأمر يعتمد على الظروف والسياقات المحلية والإقليمية والعالمية، ولا يمكن الجزم بأن السياسة تحكُم الاقتصاد أو أن الاقتصاد يحكم السياسة في كل الأحوال.

الاقتصاد هو دراسة كيفية إدارة الموارد المحدودة لتلبية الاحتياجات والرغبات البشرية غير المحدودة، ودراسة الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك للسلع والخدمات، ويشمل أيضًا العديد من المجالات الفرعية مثل اقتصاد الشركات والبنوك والشركات المساهمة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتمويل والاقتصاد الدولي والتنمية الاقتصادية وغيرها. والاقتصاد السياسي، هو فرع الاقتصاد الذي يدرس التفاعل بين العوامل الاقتصادية والسياسية في المجتمع ويهتم بدراسة كيفية تأثير السياسات الحكومية على المجتمع وعلى النظام الاقتصادي والمالي والعكس صحيح، كما يدرس التفاعل بين القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع، ودراسة العلاقة بين الدول والمؤسسات المالية والاقتصادية والمنظمات الدولية والشركات الكبرى والتأثيرات التي يمكن أن تحدثها القرارات السياسية على الاقتصاد المحلي، وتأثير السياسات الاقتصادية والمالية على الفقر والتمييز والتوزيع العادل للثروة، وأثر الابتكار العلمي والتكنولوجي على الاقتصاد وسوق العمل وغيرها من المواضيع.

أما السياسة، فهي عملية صنع القرارات التي تتعلق بتنظيم المجتمع وتوجيهه وإدارته، وتشمل السياسة أيضًا تحديد الأهداف والأولويات ووضع الخطط والاستراتيجيات والبرامج والسياسات التي تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف، إضافةً إلى تحديد السياسات العامة والقوانين واللوائح التي تحكم سلوك المواطنين والمؤسسات في المجتمع، وتحليل الوضع الراهن والاستشراف المستقبلي، وتطوير إستراتيجيات للتعامل معها، وتحديد الأولويات في توزيع الموارد والخدمات العامة، وتحديد السياسات الخاصة بالعلاقات الدولية والتعاون الدولي.

والسياسة التنموية في أي بلد هي علم وفن إدارة الموارد المختلفة، الموارد الاقتصادية والجغرافية والأثرية والسياحية والتعليمية، بحيث تحقق للدولة  آمنها واستقرارها ورفاهيتها وتقدمها داخل حدودها ومصالحها خارج حدودها.

والعلاقة بين السياسة والاقتصاد علاقة وثيقة؛ إذ إنَّ القرارات السياسية التي تتخذها الحكومات تؤثر على النظام الاقتصادي والمالي في الدولة. فعلى سبيل المثال، يمكن للحكومة أن تتخذ قرارات تتعلق بالضرائب المختلفة والإنفاق العام، لكن بشرط إجرائها دراسات مستفيضة لمعرفة مدى تأثيرها على جذب الاستثمارات المختلفة والأعمال وفرص العمل والتضخم وهروب الأموال والودائع من البنوك، وتحديد السياسات التجارية والتي قد تؤثر على التجارة الدولية وتبادل الخدمات والسلع، وبذلك تساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية في الدولة وفي نفس الوقت يمكن أن تؤثر على أسواق العمل والأعمال.

الحكومات تقوم أيضًا بتحديد السياسات النقدية والتي تؤثر على قيمة العملة ومعدلات الفائدة، وهذا يمكن أن يؤثر على التضخم والنمو الاقتصادي في الدولة، ومن ناحية أخرى، في بعض الدول، يمكن للشركات والأفراد أن يؤثّروا على السياسات الحكومية من خلال التأثير على عمليات الانتخابات والضغط السياسي، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في السياسات الحكومية التي تؤثر على الاقتصاد سلبًا أو إيجابًا. وعلى الحكومات أن تتخذ القرارات بحذر وبعناية لضمان استقرار النظام الاقتصادي في دولها تسبقها دراسات مختلفة وبعد الحوار مع الجهات المعنية.

السياسة والاقتصاد يؤثران على العديد من المجالات الأخرى، مثل التوظيف والتعليم والصحة وغيرها؛ فعلى سبيل المثال يمكن للحكومات أن تتخذ سياسات لدعم التعليم والتدريب الفني والمهني. وهذا يُمكِن أن يؤدي إلى زيادة فرص العمل وتحسين مستوى الدخل في الدولة، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومات أيضًا تحديد السياسات الصحية والتي يمكن أن تؤثر على جودة الحياة والإنتاجية في المجتمع وإلى تحسين الظروف المعيشية وزيادة التنافسية في السوق.

ومنذ الأزل، والإنسان يسعى لتلبية حاجاته وإشباع رغباته في ظل موارده المحدودة، وكان ذلك السبب الرئيسي لظهور علم الاقتصاد. وعلم الاقتصاد يهدف إلى محاولة التوفيق بين تعدد المتطلبات والحاجات وكثرة الرغبات من جهة، ومحدودية الموارد من جهة أخرى، على مختلف المستويات الفردية والمجتمعية؛ فالموارد المحدودة لإشباع الحاجات هي محدودة بالمقارنة مع الحاحات غير المحدودة التي يرغب الأفراد بأشباعها والذي أدى إلى نشوء المشكلة الاقتصادية.

مُشكلة الفقر والحاجة لازمت الإنسان منذ الأزل، والإنسان لا يشعر بمشكلة الفقر إلّا تدريجيًا مع ازدياد حاجاته ومتطلباته الضرورية تبعًا لدرجة تطوره وتقدمه؛ فالإنسان القديم رغم نقص وقلة موارده المتاحة لم يكن يشعر بمشكلة الفقر والعوز بسبب قلة حاجاته وتطلعاته، لذا مشكلة الفقر نسبيةٌ، تختلف مع اختلاف الزمان والمكان.

والمشكلة الاقتصادية تكمن في عدم قدرة الحكومات على تلبية حاجات أبناء المجتمع غير المحدودة والمتجددة باستمرار، بسبب ندرة الموارد الاقتصادية بشكل نسبي؛ حيث تكون الكميات المتوفرة من مورد ما كبيرة نوعًا ما، ولكن يُعد موردًا نادرًا عند قياسه بالرغبات البشرية التي ينبغي إشباعها.

فعدم تساوي الحاجات من حيث أهميتها في نظر الأفراد، يتولَّد عنه ضرورة المفاضلة في استعمالاتها لإشباع حاجة أخرى. والمفاضلة ليست من الأمور البسيطة، خاصة إذا لم يتيسر معرفة تبديل وتغيير رغبات الأفراد. والحكومات عندما تُواجه قيودًا في الميزانية والموارد، فإنها تواجه المشكلة الاقتصادية في تحديد كيفية توزيع هذه الموارد بين مختلف القطاعات والبرامج.

ومن الممكن التعامل مع المشكلة الاقتصادية من خلال استخدام مبادئ الاقتصاد والتخطيط الجيد لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة من خلال اعتماد الأسلوب العقلاني من الحكومات، لتحليل وفهم المشكلات.ومن ثم تحديد أسبابها وأبعادها وعناصرها والتفاعل بين تلك العوامل وما ينجم عنه من آثار سلبية أو إيجابية. وذلك أسلوب من أساليب التخطيط الشاملة والمُتكاملة.

الحكومات يمكنها استخدام سياسات اقتصادية مثل التحفيز الضريبي أو الإنفاق العام لتحسين توزيع الموارد. والحكومات تحاول التعامل مع المشكلة الاقتصادية وتخفيف آثارها، ولكنها لا تتمكن من حلها بشكل كامل ومن جذورها، نظرًا لطبيعة محدودية الموارد.

وبالتالي.. ستظل هناك دائمًا حاجة مُستمرة لإدارة الموارد بحكمة وفعالية. وترى الأنظمة الاقتصادية المختلفة رأسمالية أو اشتراكية أو مختلطة ضرورة إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية تبعًا لوجهة نظر كل منها. والحكومات تتمكن من تقليل تأثيراتها سواء على المستوى الفردي أو الشركات من خلال إدارة فعَّالة ومستدامة للموارد المتاحة واتخاذ قرارات مالية واقتصادية ذكية وإدارة فعّالة وموضوعية للموارد المتاحة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزير المالية: الاقتصاد المصري سيتحسن بشكل أكبر مع استمرار الإصلاحات الاقتصادية

أكد أحمد كجوك وزير المالية، أن الاقتصاد المصري سيتحسن بشكل أكبر مع استمرار الإصلاحات الاقتصادية، وتسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية في إطار مسار متكامل ومحفز لنمو القطاع الخاص، موضحًا أن الاقتصاد المصري يتميز بالتنوع الكبير، وأن مهمتنا زيادة تنافسية الاقتصاد المصري خاصة قطاع الصناعة والأنشطة التصديرية.

قال الوزير، في جلسة «نمو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» خلال مشاركته بمنتدى «دافوس 2025»، إن قطاعات التصنيع والسياحة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر تقود نمو الربع الأول من العام المالي الحالي لنحو 3.5% مقارنة بـ 2.4%في «الربع السابق»، لافتًا إلى أن سياساتنا المالية تُعزز مرونة واستقرار ونمو وتنافسية الاقتصاد المصري في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية.

أضاف أننا مستمرون في سياسة الانضباط المالي، وخفض المديونية خاصة المديونية الخارجية، والعمل على تحسين مؤشراتها، مشيرًا إلى أن حزمة التسهيلات الضريبية تستهدف توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين بيئة الأعمال للشركات الناشئة، وخلق حالة من الثقة مع الممولين، في إطار جهود الدولة لتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، من أجل مستقبل مرن مستدام.

قال الوزير، إننا نستهدف حوكمة إدارة النشاط الاقتصادي من خلال وضع سقف سنوي للاستثمارات العامة ودين الحكومة العامة والضمانات الحكومية، لافتًا إلى أنه لأول مرة منذ فترة تتجاوز نسبة الاستثمارات المصرية الخاصة لإجمالي استثمارات الدولة نسبة 63%

أوضح الوزير، أن الدولة المصرية تستهدف زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، عبر التوسع في الاستثمارات الخضراء من خلال إفساح المجال للقطاع الخاص لقيادة مبادرات الاقتصاد الأخضر، على نحو يسهم في تحسين قدرتنا على الاستدامة والتكيف مع التغيرات المناخية، ويعزز الدور الإقليمي لمصر في الطاقة النظيفة.

أشار الوزير، إلى أن الحكومة المصرية تُحفز الاستثمارات طويلة الأجل في التعليم والبنية التحتية الذكية لبناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة، أخذًا في الاعتبار أن مواكبة الاتجاه العالمي للتكنولوجيا المتطورة يتطلب رفع كفاءة العاملين في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الخضراء.

أكد الوزير، ضرورة تضافر الجهود الإقليمية وتعزيز التعاون الاقتصادي للحد من تأثير اضطرابات سلاسل التوريد والإمداد العالمية، داعيًا إلى تعميق التكامل الاقتصادي الإقليمي بتنمية التجارة البينية والاستثمار في البنية التحتية وتبادل التكنولوجيا الرقمية.

اقرأ أيضاًوزير المالية: «دافوس» منصة عالمية للتعاون الدولي في شتى المجالات الاستثمارية والتنموية

النواب يقر ضمان وزير المالية لشركة مصر للألومنيوم في تنفيذ التزاماتها

مقالات مشابهة

  • وزير المالية: السياسات الضريبية ستلعب دورا في تحفيز الاستثمارات الأجنبية والمحلية
  • ترامب: نخطط لتعويض الخسائر الاقتصادية التي سببتها إدارة بايدن الفاشلة
  • وزير المالية: مواصلة العمل المشترك لمواجهة التحديات الاقتصادية
  • وزير المالية: الاقتصاد المصري سيتحسن بشكل أكبر مع استمرار الإصلاحات الاقتصادية
  • وزير المالية: الاقتصاد المصرى سيتحسن بشكل أكبر مع استمرار الإصلاحات الاقتصادية
  • القادري لـ سانا: ندعو جميع الكوادر التعليمية إلى وضع أنفسهم تحت تصرف مديرياتهم الأصلية التي هم على ملاكها، كما يمكن للراغبين بالنقل تقديم طلباتهم عند فتح باب النقل قريباً، بما يضمن تنظيماً قانونياً وإحصائيات دقيقة
  • وزيرة التخطيط: محفز النمو الاقتصادي والتنمية يمكن مصر من الانضمام لمبادرة هامة
  • مكتب المبعوث الأممي يعقد اجتماعا في عدن لمناقشة المخاوف الاقتصادية التي تواجه اليمنيين
  • وزير الموارد البشرية يثمن موافقة مجلس الوزراء على السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري
  • “وزير الموارد البشرية” يثمن موافقة مجلس الوزراء على السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري