عائلتها للجزيرة نت: الشهيدة وفاء جرار تحدثت عن محاولة اغتيالها
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
جنين– بعد شهرين من مكثها في حالة غيبوبة بقسم العناية الفائقة بمستشفى ابن سينا بمدينة جنين شمال الضفة الغربية، إثر إصابتها بانفجار آلية عسكرية إسرائيلية كانت تحتجزها بعد اعتقالها من منزلها، أُعلن صباح اليوم الاثنين استشهاد الجريحة الفلسطينية وفاء جرار عن 50 عاما.
ورغم تحويلها للاعتقال الإداري لمدة 4 أشهر، فإن الاحتلال أفرج عن جرار بعد 10 أيام فقط من اعتقالها، إثر تعرضها لإصابات بالغة، حيث خضعت لعمليات جراحية في المستشفيات الإسرائيلية جرى خلالها بتر ساقيها إلى الفخذين، ثم نُقلت إلى المستشفى بجنين في حالة صحية صعبة.
وأكدت عائلة جرار أن تعمُّد جيش الاحتلال إبقاء والدتهم في الآلية العسكرية لعدة ساعات، خلال عملية اقتحام واسعة لمخيم ومدينة جنين يوم 21 مايو/أيار الماضي، هو السبب في تعرضها للإصابة، خاصة أن رواية جيش الاحتلال تفيد بانفجار عبوة محلية الصنع في الجيب العسكري الذي كانت تُحتجز بداخله بعد اعتقالها من منزلها في حي المراح بمدينة جنين.
وقال نجلها حذيفة جرار، للجزيرة نت، إن هذه الرواية لا يمكن التأكد من صحتها، وإن ما حدث بالضبط بقي عند والدته، التي كانوا يرجون استفاقتها من الغيبوبة على نحو يسمح لها بشرح حقيقة ما جرى في ذلك اليوم.
وأضاف جرار "كنا على أمل أن تعود الوالدة لوعيها، وتقول لنا الحقيقة، لكن -للأسف- لم يسمح لها وضعها الصحي بذلك. وخلال الشهرين الماضيين، استفاقت أمي عدة مرات وكانت مدركة لما يدور حولها، لكنها لم تكن تستطيع التحدث لوقت طويل، وكانت تحمد الله على ما أصابها، مدركة إصابتها وبتر قدميها، لكنها كانت تعود للغيبوبة مرة أخرى".
ويؤكد جرار -وهو مقيم في تركيا– أن والدته أخبرت أشقاءه في إحدى استفاقاتها القصيرة أن "جنود الاحتلال في الجيب العسكري حاولوا خنقي، وضربوني منذ لحظة اعتقالي، لقد حاولوا اغتيالي".
وعلى الرغم من التحسن الذي طرأ على حالتها الصحية بعد نقلها من مشفى العفولة الإسرائيلي إلى مستشفى ابن سينا، فإن مضاعفات كثيرة أصابت جسدها بعد عملية بتر ساقيها المعقدة.
تدهور وضعها الصحيوفي مستشفى ابن سينا قدم الأطباء تقريرا مفصلا لعائلة جرار يفيد بتعرضها لعملتي بتر في الأقدام من فوق الركبة، إضافة لكسور في الأضلاع تسببت في التهابات شديدة في الرئة اليسرى، وكسر في العمود الفقري، وانخفاض كبير في نسبة الدم إثر تعرضها للنزيف لحظة الإصابة.
ورغم بقائها لمدة شهرين في قسم العناية الفائقة، فإن حجم الإصابة وشدتها لم تُمكن جسدها من الاستجابة للعلاج، وهو ما أدى لظهور تقرحات شديدة، وكانت تخضع لعملية كل يومين لتنظيف التقرحات وتطهيرها، إضافة لتقديم مجموعة من المضادات الحيوية لعلاج الالتهاب في رئتيها وعموم جسدها.
وحسب نجلها حذيفة، فإن ما زاد من صعوبة وضعها، هو تعرضها لجرثومة تسببت لها في التهاب حاد بالدم، حيث "حاول الأطباء إجراء عمليات نقل دم وصفائح دموية لوالدتي لكن من دون نتيجة، جسمها لم يستجب، ومناعتها كانت ضعيفة وهذا أدى لاستشهادها أخيرا".
وفي إعلانه نبأ استشهاد والدته، كتب حذيفة جرار -صباح اليوم الاثنين- في منشور عبر صفحته على فيسبوك "نزف إلى العليا أيقونة الوفاء والعطاء، والدتنا الصابرة المحتسبة الأسيرة الجريحة، وفاء زهدي جرار، لتلتحق بركب الشهداء في معركة طوفان الأقصى".
ونعى نادي الأسير الفلسطيني الشهيدة وفاء جرار، في بيان، وقال إنها تعرضت لجريمة مركبة منذ لحظة اعتقالها، كما حمّل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن استشهادها. وبين أنها تعرضت لاعتقال وحشي من منزلها وتم التنكيل بها، ثم تعرضت لإصابة أدت لبتر ساقيها في مستشفى العفولة الإسرائيلي.
وكان نادي الأسير قد تقدم عبر محاميه بطلب لاسترداد ساقي الشهيدة جرار المبتورتين، بعد ورود أخبار من أطباء بمستشفى العفولة أن إدارة المستشفى تخلصت من القدمين، إلا أن الاحتلال لم يرد حتى الآن على هذا الطلب.
تشييع جماهيريووسط حشد كبير من أهالي مدينة ومخيم جنين، حُمل جثمان الشهيدة جرار على الأكتاف في جنازة كبيرة، حيث نقلت للوداع الأخير في منزلها بحي المراح في جنين، ومن ثم دُفنت في مقبرة المدينة.
واستقبلت الابنة الوحيدة لجرار والدتها بالدموع، وقالت بصوت باكٍ "مع السلامة يمة، مع السلامة يا حبيبتي، الحمد لله، راضين بقضاء الله"، بينما ازدحم المنزل بالمعزّين.
وتحظى جرار بمكانة كبيرة في مدينة جنين بشكل خاص وفي مدن الضفة الغربية عامة، لا سيما بعد إنشائها وتوليها رئاسة رابطة أهالي شهداء وأسرى جنين، التي تعنى بزيارة بيوت وأمهات الشهداء، وكان ناشطة في الوقفات التضامنية المطالبة باسترداد الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت وفاء جرار أيضا إحدى المرشحات ضمن قائمة "القدس موعدنا" الممثلة لحركة حماس في الانتخابات التشريعية، والتي تراجعت السلطة الفلسطينية عن عقدها أوائل عام 2021.
والشهيدة زوجة القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عبد الجبار جرار، المعتقل منذ بداية العام الحالي ويواجه حكما بالحبس الإداري.
وكان الأسير جرار على موعد مع انتهاء حكمه بعد 3 أيام، غير أن سلطات الاحتلال قررت اليوم الاثنين، بعد الإعلان عن استشهاد زوجته، تجديد اعتقاله لمدة 6 شهور جديدة.
وبينما كانت العائلة تترقب الإفراج عنه ليشارك في عزائها، قال نجله حذيفة للجزيرة نت "إنه سيخرج من دون أن تكون أمي في استقباله، كما اعتاد في كل سنوات اعتقاله السابقة".
وأضاف "أرجو أن ينزل الله الصبر على قلبه، بخسارة الوالدة، فهي رفيقة دربة، وحاملة همه، وهي التي صبرت في كل المرات التي كان يعتقل فيها أبي، وكانت تحمل مسؤولية البيت والأولاد في سنوات سجنه التي وصلت إلى 16 عاما".
وذكر حذيفة جرار أن والده تلقى خبر إصابة زوجته، أواخر يونيو/حزيران الماضي، بالقول لحظة سماعه الخبر: "أم حذيفة أصدق مني، اختارها الله واصطفاها، وأقدامها سبقتنا إلى الجنة، هذه حبيبتي ورفيقة دربي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات وفاء جرار
إقرأ أيضاً:
رمضان بطعم الحزن.. اليأس يخيم على الفلسطينيين فى جنين وطولكرم بالضفة الغربية.. عمليات جيش الاحتلال تؤكد قسوة الظروف فى ظل أوامر إخلاء المخيمات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يختلف رمضان هذا العام في الضفة الغربية اختلافاً كبيراً عن احتفالات الأعوام الماضية، حيث يتصارع آلاف الفلسطينيين النازحين، وكثيرون منهم من مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم، مع حقائق العملية العسكرية الإسرائيلية التي اقتلعت حياتهم من جذورها. وبالنسبة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، أصبح الشهر المقدس، الذي عادة ما يكون وقتاً للعبادة الروحية والتجمعات المجتمعية والعائلية، بمثابة تذكير قاتم بقسوة وعدم يقين فى ظل الأوامر الإسرائيلية بإخلاء المخيمات ونزوحهم.
شوارع بلا أضواء
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الأسواق الصاخبة في رمضان، والتي كانت تمتلئ تقليدياً بدفء المجتمع وتوقع وجبات الإفطار، أصبحت الآن مجرد ظل لما كانت عليه في السابق. ففي مدينتي جنين وطولكرم بالضفة الغربية، أصبحت الشوارع هادئة بعد أن كانت تتوهج ذات يوم بالأضواء وأصوات الأطفال وهم يلعبون. يقول محمود سكر، وهو أب لأربعة أطفال من جنين، نزحت أسرته خلال العملية العسكرية الإسرائيلية التي بدأت في يناير: "كان رمضان يشرق في الماضي". ويزعم الجيش الإسرائيلي، الذي نفذ عمليات كاسحة في المنطقة، بما في ذلك إرسال الدبابات إلى جنين وإقامة وجود عسكري في طولكرم، أن العملية تهدف إلى تفكيك الشبكات "الإرهابية". ومع ذلك، كان التأثير مدمرًا بالنسبة للأسر النازحة، ويتساءل الكثيرون متى، أو ما إذا كانوا سيعودون إلى منازلهم؟.
بالنسبة للأسر مثل عائلة سكر، فإن مصاعب النزوح أثرت سلبًا على حياتهم العائلية والروحية. فر محمود وعائلته من جنين وليس لديهم سوى الملابس التي يرتدونها. اضطروا إلى التشتت عبر منازل مختلفة لتجنب العنف المستمر. ومع بداية شهر رمضان، سعت الأسرة إلى لم شملها، مدفوعة بالرغبة في الحفاظ على الوحدة المقدسة للشهر الكريم.
يقول محمود: "لقد غادرنا بلا شيء. والآن لا نعرف إلى أين ننتمي". وقد أصبح هذا الشعور بعدم الانتماء، إلى جانب صدمة النزوح، موضوعًا مركزيًا للعديد من العائلات الفلسطينية.
في غياب مجتمعهم السابق، تكافح العائلات النازحة لإعادة خلق وسائل الراحة في المنزل. على سبيل المثال، لا يمكن العثور على المسحراتي - الشخصية الأيقونية التي تمشي تقليديًا في الشوارع ليلاً، وتدعو الناس إلى وجبة السحور قبل الفجر - في أي مكان. تقول نائلة سكر، زوجة محمود: "لن يطرق بابنا هذا العام، ليس لدينا باب ليطرقه". الهدوء الذي يلف شوارع طولكرم الآن لا يكسره سوى أصوات المركبات العسكرية وتحرك السكان النازحين بين الحين والآخر عبر أنقاض منازلهم السابقة. بالنسبة إلى انتصار نافع، من طولكرم، فإن غياب مطبخها المحبوب، حيث كانت تعد وجبات الطعام لمجتمعها خلال شهر رمضان، أمر مؤلم بشكل خاص. وتقول "لا شيء مثل رمضان هذا العام. إنه يتعلق بالعائلة، وكسر الخبز معًا. بدون ذلك، ماذا يتبقى منه؟".
التهجير القسري
بالنسبة للعديد من الفلسطينيين النازحين، أصبحت وجبة الإفطار التقليدية، والتي تتكون عادة من الحساء والسلاطة وطبق رئيسي دسم، امتيازًا نادرًا. فبدلاً من الوجبات التي تعدها الأسرة، يعتمد الكثيرون الآن على المساعدات، حيث يقوم المتطوعون بتسليم وجبات الإفطار الباردة للمحتاجين. إن هذه الوجبات المعبأة، والتي يتم تسليمها في كثير من الأحيان في وقت متأخر من اليوم، تشكل تذكيرًا صارخًا بالظروف الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون في الضفة الغربية.
إن النزوح المستمر وعدم اليقين بشأن مستقبلهم يلقي بظلاله القاتمة على شهر رمضان بالنسبة للأسر في الضفة الغربية. ولم تبد إسرائيل أي إشارة إلى أن العملية العسكرية ستتوقف قريبًا، الأمر الذي ترك الأسر النازحة في حالة من الغموض. وبالنسبة للعديد من الناس، أصبح شهر رمضان، الذي كان تقليديًا وقتًا للتجديد والتأمل، شهرًا للانتظار - انتظار الأخبار، وانتظار الأمل، وانتظار إمكانية العودة إلى المنازل التي عرفوها ذات يوم.
ومع تقدم الشهر المقدس، يواصل الفلسطينيون في الضفة الغربية التعامل مع واقعهم القاسي، متمسكين بالأمل الخافت في أن يعودوا ذات يوم إلى منازلهم ويستعيدوا الحياة التي سُرقت منهم.