#التبعية و #التحالف
د. #هاشم_غرايبه
مقال الإثنين: 5 / 8/ 2024
التحالف هو اتفاق بين طرفين أو أكثرعلى توحيد قواهم ضد طرف معاد لهم، وهو أمر معتاد على مر التاريخ وأشهرها ذلك الذي تم بين دول أوروبا الغربية وأمريكا في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا وحليفتها إيطاليا ومن ثم اليابان.
لكن التحالف في حقيقة الأمر لا يتحقق إلا بين قوى متكافئة وذات عدو مشترك، فحلف الناتو على سبيل المثال كان ضد المعسكر الشيوعي، لكنه كان يشترك فيه دول عاتية الى جانب أخرى متواضعة القوة، ولذلك تجد القيادة والسيطرة في يد الأقوى ( الولايات المتحدة )، فهي التي تحدد المخاطر وتشعل الحروب أو تطفئها، وبالطبع فهي تضع مصلحتها في الصدارة في كل الأحوال، لدرجة أن الدول الأوروبية القوية مثل بريطانيا وفرنسا ظلت تشعر بالمهانة عندما تجد نفسها منقادة الى ما تقرره أمريكا بانفراد، مثلما حدث في كل حروب القرن العشرين وما بعده.
هذا ما يحدث بين دول قوية وذات كيانات راسخة وديمقراطيات عريقة، فكيف يكون تحالف بين قوة عظمى وقوة صغرى؟.
مناسبة هذا الحديث هو حديث مسؤولي الكيان اللقيط عن الدور الذي يلعبه (التحالف الإقليمي) في حمايتها من الهجوم الانتقامي المرتقب من قبل إيران، كرد على عمليتي الإغتيال اللتين تمتا في بيروت وطهران.
يجب بداية أن نحدد مكونات هذا التحالف.
أنشئ هذا التحالف بداية بصورة غير معلنة، كأحد الأركان التي ارتكز عليها الغرب في دحره للدول العثمانية وذلك لأن الزعامات العربية المنضوية تحته تخشى ردة الفعل الشعبي عليه، كونه بقيادة العدو الأول للأمة، والذي يعلن ذلك صراحة ويمارسه بشكل مكشوف في كل حالة عدوان تم على الأمة منذ تأسيسه الكيان اللقيط كرأس حربة للغرب، ولم يكترث الغرب يوما بإخفاء نواياه ولا انكار أفعاله، مراعاة لمشاعر الأعراب الذين يعلنون أنهم حلفاؤه.
بعد أن استتب الأمر للكيان اللقيط، لم تعد هذه الولاءات (فهي لا ترقى الى مستوى التحالف) مهمة كثيرا، لذا بقيت بشكل تنفيذ املاءات مقابل استقرار النظام، وأصبح التنافس للتقرب من أمريكا التي باتت آلهة الأنظمة التي تعبدها من دون الله، في اثبات الولاء بمقدار تقديم الخدمات الاستخبارية للكيان اللقيط.
بعد الحملة الأخيرة المسماة الحرب على الإرهاب، استنهض كبير الآلهة “بوش” همة هذه الزعامات، بحثها على إعلان الولاء بشكل علني، واعتبر من يتخلف عن ذلك مستنكفا.
بالطبع كان يقصد بذلك كشف ظهور الجهاديين لكي يحسوا باليأس حينما يروا العدو يستفرد بهم بلا ناصر ولا معين من أمتهم، وبلا أي اهتمام بكشف عملائه أمام شعوبهم، وبيان زيف ادعائهم بانتمائهم للإسلام الذي يحرم محالفة العدو ضد مسلمين.
بالطبع لم يجرؤ أي منهم على التخلف عن هذه الدعوة، فتسابقت جميعها على تأييد هذه الحملة، وأثبتت ذلك بمشاركة قوات عسكرية تحت قيادة أمريكا، فرأينا ولأول مرة طائرات حربية عربية تقصف أهدافا في أقطار عربية حددتها لها القيادة الأمريكية، فيما لم نرها قط تغير على العدو الحقيقي الذي احتل فلسطين، أو حتى تتصدى لانتهاكه أجواءها.
السؤال الهام: بعد أن تبين لنا حجم الخدمات التي قدمها العربان لمن يقولون أنه حليفهم، ماذا قدم لهم هذا الحليف مقابلها؟.
الادعاء بأن ذلك لحماية أراضيها سخف، فليس هنالك عدو ينافس الغرب في أطماعه، فإن رهنت مقدرات وثروات الأمة بأكملها بيد الغرب، وفتحت أراضي وأجواء ومياه هذه الأوطان أمام قواعد حلف الناتو يسرح ويمرح فيها، فما الذي يطمع به أكثر!؟.
هل هنالك مردود غير البقاء على تلك الكراسي العفنة!؟.
هل عرف الآن من فرحوا بسقوط الدولة العثمانية واعتبروه تحررا للأمة العربية، أن الاستقلال موهوم، بدليل استلاب القرار في كل ديار العرب.
التحالف: هي تسمية أمريكية لتلك العلاقة من باب الكياسة ، لكن التسمية الأدق هي ..التبعية.
والتبعية هي أحد وجوه الاستعمار، لكن من غير كلف الاحتلال العسكري المباشر.
وقد رأينا فعلا الغرب حقق أحلامه بعد صراع ثلاثة عشر قرنا مع الدولة الإسلامية، بالسيطرة على كافة بقاع الأمة، فكل بقعة فيه مستباحة للمخفر المتقدم (الكيان اللقيط)، وكل حدوده محمية بأيد عربية، ومن غير حاجة أن ترفع هذه القوات النجمة السداسية.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: التحالف
إقرأ أيضاً:
سوريا بين شبح العقوبات وترتات إعادة التموضع الإقليمي
في أروقة الأمم المتحدة وعلى مقاعد مجلس الأمن، تتشكل ملامح مرحلة جديدة في الملف السوري، لكنها لا تخلو من التعقيد والغموض. بين مطالب أميركية صارمة بقطع طريق الإرهاب، وإبعاد النفوذ الإيراني، والتخلي عن أي دور للفصائل الفلسطينية، تقف دمشق عند مفترق طرق تاريخي، تحاول من خلاله التخفيف من العقوبات الخانقة وتلميع صورة الدولة الجديدة أمام المجتمع الدولي.
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، بلغة دبلوماسية ناعمة، أعاد التأكيد أن العقوبات لا تطال النظام فحسب، بل تساهم في تفشي اقتصاد الظل وتغذية الشبكات غير الشرعية، بينما تحرم البلاد من فرص التعافي الاقتصادي والعدالة الانتقالية.
في المقابل، لم تغفل الإدارة الأميركية عن طرح شروط تبدو، في بعض جوانبها، تعجيزية، مما يوحي بأن واشنطن لا تبحث فقط عن تغيير في السلوك، بل عن تغيير في البنية السياسية العميقة.
في الخلفية، تتسارع تحركات إقليمية غامضة. فقد شهدت دمشق، لأول مرة منذ عقود، زيارات حاخامات من أصول سورية إلى مسقط رأس أجدادهم، وسط ترحيب إعلامي إسرائيلي لافت. بالتوازي، جرت زيارات نادرة لشيوخ دروز إلى الأراضي المحتلة، في خطوات تبدو كمحاولات متقدمة لاختراق الحواجز النفسية بين مكونات الجغرافيا السورية وإسرائيل، استعدادًا لاحتمالات جديدة للتموضع السياسي.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتتوالى الأنباء عن جهود تقودها الرياض والدوحة لإنهاء ملف الديون السيادية السورية المتعثرة، مما يمهد الطريق لتحريك ملف إعادة الإعمار الذي ظل حتى الآن رهينة للصراعات الدولية والإقليمية. ومن المتوقع أن تسدد السعودية جزءًا من متأخرات سوريا لدى البنك الدولي، في خطوة قد تفتح الباب أمام تدفق منح وقروض بمئات الملايين لإصلاح قطاعي الكهرباء والبنية التحتية.
وفي كواليس هذه الترتيبات، تجري اتصالات سرية مع الجانب الروسي، الذي بدا أكثر انفتاحًا على تخفيف الحضور العسكري المباشر، مقابل ضمان مصالحه الاقتصادية والأمنية عبر صيغ جديدة للشراكة مع السلطة السورية ومؤسسات دولية، في مشهد يُراد له أن يعيد رسم خريطة النفوذ بطريقة أكثر مرونة وأقل صدامًا مع الغرب.
تبدو سوريا اليوم ساحة اختبار كبيرة: هل تنجح القيادة الجديدة في تجاوز إرث الماضي، والالتفاف على شروط الغرب الثقيلة؟ أم أن شبكة المصالح الإقليمية والدولية ستعيد إنتاج أزمات قديمة بثوب جديد؟
في كل الأحوال، لم يعد المشهد السوري شأنًا داخليًا خالصًا، بل أصبح قطعة شطرنج تتحرك فيها أيادٍ كثيرة في الخفاء، بانتظار اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن قواعد اللعبة المقبلة.
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب صحفي وباحث في الشؤون السياسية والجيوسياسية
البريد الإلكتروني: [email protected]