ثمّنت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ومحافظ مصر لدى البنك الدولي، البيان الختامي الصادر عن اجتماع المجموعة الأفريقية لمحافظي مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، خلال الفترة من 1 إلى 3 أغسطس 2024 بمدينة أبوجا بجمهورية نيجيريا الاتحادية، تحت عنوان "تيسير التجارة بين الدول الأفريقية، كعامل محفز للتنمية المستدامة في إفريقيا"،  وبرعاية السيد رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية، الرئيس بولا أحمد أديكونلي تينوبو، وترأسه وزير المالية،  والي إيدون، ومحافظ صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي لجمهورية نيجيريا الاتحادية.

وشاركت الوزارة في الاجتماعات من خلال الإدارة المركزية للتعاون والتمويل الإنمائي متعدد الأطراف.


وأكد البيان الختامي الصادر عن الاجتماع على 4 مسارات رئيسية لتعزيز التجارة داخل إفريقيا، وهي: (1) تعزيز منظومة الدفع الشامل في إفريقيا وتسريع الرقمنة، (2) تحسين الوصول إلى الطاقة وتكاليفها ؛ (3) تعظيم الاستفادة من الشراكات مع بنوك التنمية متعددة الأطراف (MDBs)؛ و(4) إصلاح الهيكل المالي العالمي، مؤكدًا أن تصاعد فيه التوترات الجيوسياسية، تحتم على مؤسسات بريتون وودز أن يكون دعمها للدول الأعضاء مسترشدًا بمبادئ التوازن والحياد، بما يتماشى مع سياساتها الخاصة.


ومن جانبها، أكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، على أهمية إصلاح الهيكل المالي العالمي ودفع الشراكات مع بنوك التنمية متعددة الأطراف لتعزيز التجارة الأفريقية، لافتة إلى أن زيادة التجارة البينية بين دول القارة يعزز جهود التنمية الاقتصادية ويحفز النمو الشامل والمستدام.
وأوضح البيان، أهمية تعزيز منظومة الدفع الشامل الأفريقي وتسريع الرقمنة، بالإضافة إلى تعزيز التكامل الإقليمي للأسواق المالية والإدراج المتبادل للأوراق المالية لتعزيز الاستثمار، وكذلك تسريع التكامل المالي بهدف زيادة تنويع تخصيص الأصول، مع معالجة تحديات السيولة التي قيدت باستمرار تعزيز التجارة والاستثمار في القارة.


وأكد البيان على أهمية اعتماد نظام الدفع والتسوية الأفريقي الشامل (PAPSS) في الوقت المناسب من قبل جميع أعضاء الاتحاد الأفريقي، كما دعا بنوك التنمية متعددة الأطراف لدعم هذه المبادرة من خلال تعزيز البنية التحتية للدفع في إفريقيا والمنصات الرقمية لتمكين جميع الدول من الاستفادة من منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA).


كما أشار البيان الختامي، إلى أهمية تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الإقليمية ذات جودة، بالإضافة إلى القدرات المؤسسية والفنية والبشرية داخل الحكومات، فضلًا عن تعزيز استثمارات القطاع الخاص لتقوية نظم الدفع الحالية واستكشاف آليات للمعاملات عبر الحدود الفعالة من حيث التكلفة، والتشغيل البيني، وتحليل البيانات؛ مع تعزيز بروتوكولات الأمان ضد الاحتيال، وغسل الأموال والثغرات السيبرانية، والاستجابة السريعة للاختراقات.


كما أكد على توسيع الاستثمارات المبتكرة في البنية التحتية الرقمية لفتح الحواجز أمام التكنولوجيا وتمكين الابتكارات التكنولوجية لتأمين بنية تحتية فعالة للدفع وحلول دفع قوية تلبي معايير الكفاءة والوصول والإدارة والمرونة.


من جانب آخر تطرق البيان الختامي، إلى الأهمية الكبرى لتسريع الوصول إلى الطاقة في إفريقيا، وتكثيف المساعدة الفنية والتمويل، والالتزام بتنفيذ المبادرة التي أطلقها البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي بالتعاون مع الأمم المتحدة لتوصيل الكهرباء لـ300 مليون أفريقي بحلول عام 2030، كما تم الإشارة إلى أهمية مضاعفة الاستثمارات في النقل والبنية التحتية للطاقة، ومساعدة الدول الأفريقية على تحسين البيئة التنظيمية والقانونية لجذب الاستثمارات الخاصة التنافسية في قطاع الطاقة، والاستفادة من الشراكات مع بنوك التنمية متعددة الأطراف لتنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها تلك البنوك، وضمان توافر والوصول إلى التمويل الميسر، وتشجيع تقديم أدوات جديدة ومبتكرة، بالإضافة إلى التعاون مع بنوك التنمية متعددة الأطراف في إفريقيا ومراكز الفكر الافريقية.


كما تناول البيان ضرورة إيجاد حلول مستدامة للديون مما يخلق مساحات مالية تمكن الدول النامية من الاستثمار الفعال في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز الاستقرار المالي، وتسريع الإصلاحات لإزالة القيود حول الاستثمارات الخاصة، كما تم التأكيد على أهمية دور المؤسسة الدولية للتنمية (IDA) التابعة لمجموعة البنك الدولي، لتوفير التمويل الميسر لا سيما لدول إفريقيا جنوب الصحراء، لمواجهة التحديات المستمرة والناشئة مثل تغير المناخ، انعدام الأمن الغذائي، نقص الطاقة، المياه، التحول الرقمي، التكامل الإقليمي.
 

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

مصر تحت المجهر الدولي: ماذا كشف الاستعراض الدوري الشامل عن حقوق الإنسان؟

تُعد آلية الاستعراض الدوري الشامل (UPR) واحدة من أهم الأدوات التي يعتمدها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمتابعة وتحسين أوضاع حقوق الإنسان في الدول الأعضاء. تعتمد هذه الآلية على تقديم تقارير وطنية من قبل الحكومات، إلى جانب تقارير صادرة عن المنظمات غير الحكومية وآليات الأمم المتحدة، مما يوفر فرصة للدول لعرض إنجازاتها والتحديات التي تواجهها، وفي الوقت ذاته، يتيح للمجتمع الدولي تقييم مدى التزامها بالمعايير الحقوقية الدولية.

ورغم أهمية هذه الآلية، إلا أنها تكشف عن تداخل عميق بين السياسة وحقوق الإنسان، مما يخلق معضلة أمام العديد من الحكومات في كيفية التعامل معها. فالدول، وخاصة الداعمة للنظام المصري، تجد نفسها أمام خيارات صعبة:

- الضغط العلني من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان، وهو ما قد يؤدي إلى توتر العلاقات السياسية مع الحكومة المصرية.

- التزام الصمت أو تقديم دعم غير مشروط، مما يعرض هذه الدول لانتقادات داخلية من قبل منظمات المجتمع المدني والمجتمعات الحقوقية.

وفي محاولة لتحقيق توازن دبلوماسي، تلجأ بعض الدول إلى نهج حذر، حيث تقدم دعما شكليا للحكومة المصرية، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على مصداقيتها الحقوقية عبر صياغة توصيات واضحة. وهذا يضع الحكومة المصرية أمام مجموعة كبيرة من المطالب الحقوقية التي لا يمكن تجاهلها.

مع مرور الوقت، تواجه الحكومة المصرية ضغوطا متزايدة حول مدى تنفيذ هذه التوصيات، بينما تكتسب المنظمات الحقوقية مساحة أوسع لمساءلة الحكومة المصرية أمام المجتمع الدولي. ويؤدي ذلك إلى تصعيد تدريجي للضغط الحقوقي الدولي، مما يجعل من الصعب على الحكومة التنصل من التزاماتها أو تجاهل التوصيات بالكامل.

تواجه الحكومة المصرية ضغوطا متزايدة حول مدى تنفيذ هذه التوصيات، بينما تكتسب المنظمات الحقوقية مساحة أوسع لمساءلة الحكومة المصرية أمام المجتمع الدولي. ويؤدي ذلك إلى تصعيد تدريجي للضغط الحقوقي الدولي، مما يجعل من الصعب على الحكومة التنصل من التزاماتها أو تجاهل التوصيات بالكامل
في هذا السياق، خضعت مصر مؤخرا لمراجعة ملفها الحقوقي أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، حيث تلقت توصيات متعددة من مجموعة واسعة من الدول، تناولت قضايا متنوعة، من بينها الحريات المدنية وحرية التعبير وحقوق المرأة والمساواة الجندرية وظروف الاحتجاز والمعاملة داخل السجون.

لقد كانت استراتيجية عملنا على ملف الاستعراض الدوري الشامل الخاص بمصر منذ البداية مدركة أن السياق السياسي الدولي والإقليمي الحالي قد يؤثر على مدى اهتمام الدول بملف حقوق الإنسان في مصر، لذا كان لا بد من تبني استراتيجية أكثر دقة وفعالية. تمثل النجاح في تركيز الجهود على عدد محدد من التوصيات، تسلط الضوء على أبرز الانتهاكات المتكررة، بحيث لا تقتصر عملية التوثيق على تقارير المجتمع المدني، بل تمتد أيضا إلى مداخلات الدول نفسها خلال جلسات الاستعراض.

بهذه الطريقة، تصبح القضايا المطروحة ليست مجرد مطالب حقوقية، بل أيضا ملفات سياسية ذات أهمية دولية، مما يعزز من قوة التوصيات، ويجعلها أكثر صعوبة على الحكومة المصرية لتجاهلها أو الالتفاف حولها.

فكلما كانت التوصيات واضحة ومحددة، زادت فعاليتها في إبراز القضايا ذات الأولوية، مما يقلل من إمكانية المراوغة أو الالتفاف السياسي عليها. فحين يتم طرح توصيات دقيقة، يصبح من الصعب على الحكومات التهرب من الاستجابة عبر أساليب مثل وضعها تحت بند "الملاحظة" دون التزام فعلي، أو تقديم ردود عامة غير حاسمة.

إن التركيز على قضايا محورية يجبر الدول على تقديم إجابات واضحة، ويعزز من آليات المساءلة الدولية، مما يسهم في تصاعد الضغوط الدولية، ودفع الحكومات نحو الوفاء بالتزاماتها الحقوقية.

وقد كشفت هذه المراجعة عن مشاهد متباينة، من ناحية التوصيات ومن ناحية الدول التي قدمتها، حيث جاءت بعض التوصيات مشيدة ببعض الإصلاحات، بينما صدرت انتقادات حادة للعديد من الملفات الحقوقية العالقة. وهو ما يعكس الحاجة إلى تحليل هذه المراجعة بعمق لضمان الاستفادة منها في تحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر والاستجابة للضغوط الدولية المتزايدة.

مشاهدات من واقع المراجعة

أولا: مشاركة دولية واسعة وغير مسبوقة: شهدت هذه الدورة إقبالا غير مسبوق من الدول على مراجعة ملف مصر، حيث شاركت 137 دولة للمرة الأولى، مقارنة بـ125 دولة في عام 2019، و113 دولة في 2014، و44 دولة فقط في 2010. يعكس هذا الارتفاع الكبير تزايد الاهتمام الدولي بملف حقوق الإنسان، وحرص عدد متنامٍ من الدول على تقييم الوضع الحقوقي في مصر ومناقشته.

ورغم أن عدد التوصيات الصادرة عن 137 دولة خلال هذه الدورة كان أقل من تلك التي قُدمت من 125 دولة في عام 2019، إلا أن مضمون التوصيات كان أكثر قوة ووضوحا، حيث تناولت بشكل صريح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر.

ثانيا: الأرقام في مواجهه السردية: قد يكون الوفد المصري قد حقق مكسبا شكليا في مواجهة "الأرقام" خلال هذه المراجعة، بالنظر إلى الانخفاض الطفيف في عدد التوصيات المقدمة مقارنة بالدورة السابقة، وهو ما قد يُستخدم لترويج فكرة تراجع حجم الانتقادات الدولية. إلا أن الأرقام وحدها لا تكفي لتعكس نجاحا حقيقيا، إذ إن التحدي الأبرز كان في "السردية"، وهي المعركة التي لم ينجح الوفد المصري في كسبها.

فبالرغم من انخفاض عدد التوصيات مقارنة بعام 2019، جاء محتوى التوصيات هذا العام أكثر صراحة وحِدّة في انتقاد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر. كما أن الدول التي قدّمت هذه التوصيات، بما في ذلك دول أفريقية وعربية كانت في السابق تلتزم الحياد أو تقدم الدعم التقليدي، تشير إلى تحول واضح في السردية الدولية تجاه الوضع الحقوقي في مصر.

ورغم محاولات الوفد المصري الترويج لسردية الإصلاح والتقدم في مجال الحقوق والحريات، واجه هذا الخطاب تشكيكا ملحوظا من الدول المشاركة والمجتمع الدولي. وقد بدا ذلك جليا في الانتقادات الموجهة حول عدم التوقيع على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمناهضة التعذيب والاختفاء القسري، بالإضافة إلى العجز عن تبرير عدم تنفيذ العديد من التوصيات السابقة.

وعليه، ورغم الجهود الحكومية للسيطرة على سردية ملف حقوق الإنسان، أكدت هذه المراجعة أن هناك إجماعا دوليا متزايدا على وجود تحديات حقوقية لا يمكن تجاهلها. وبالتالي، فإن المواجهة لم تكن في عدد التوصيات بقدر ما كانت في قوة المطالب الدولية ومدى قدرة الحكومة المصرية على تقديم استجابات عملية ومقنعة لتلك المطالب.

ثالثا: قوة المجتمع الحقوقي المصري المستقل: تميزت هذه الدورة من آلية الاستعراض الدوري الشامل بحدث غير مسبوق منذ عام 2010، حيث شهدت تلاحم طرفي المجتمع المدني المصري، سواء في الداخل أو الخارج، في مواجهة مشتركة. هذا التطور المهم انعكس على قوة ملف المنظمات الحقوقية ومدى تماسكه، إذ جاءت التوصيات المقدمة واضحة وحاسمة، دون أي التباس أو تساهل في المطالب.

للمرة الأولى منذ سنوات، برز اصطفاف منظمات المجتمع المدني المصري حول قضايا محددة، مما عزز من تأثير التوصيات وجعلها أكثر إلحاحا على المستوى الدولي. وقد شكل هذا التكاتف ضغطا حقيقيا على النظام المصري، الذي اضطر إلى التعامل مع هذه المطالب الحقوقية بجدية أكبر.

أكدت هذه المراجعة أن الخطاب الحقوقي المصري بات أكثر توحيدا وتماسكا، متجاوزا الانقسامات المصطنعة، ليؤكد أن القضية الجوهرية تظل الدفاع عن الحقوق والحريات، بغض النظر عن موقع المدافعين عنها
إن ما يميز المجتمع الحقوقي المصري هو صلابته في مواجهة القمع والانتهاكات، حيث أثبتت التجربة أنه كلما زادت الضغوط والتحديات، ازداد تماسكه وإصراره على الدفاع عن حقوق الإنسان. وما حدث خلال هذه الدورة يشكل نقطة تحول في محاولات تفكيك هذا المجتمع عبر الترويج لمصطلحات مثل "الداخل والخارج" في أعمال المناصرة الحقوقية. فقد أكدت هذه المراجعة أن الخطاب الحقوقي المصري بات أكثر توحيدا وتماسكا، متجاوزا الانقسامات المصطنعة، ليؤكد أن القضية الجوهرية تظل الدفاع عن الحقوق والحريات، بغض النظر عن موقع المدافعين عنها.

هذا الالتفاف حول رؤية حقوقية موحدة يمنح المطالب الحقوقية قوة إضافية، ويجعل من الصعب تجاهلها أو الالتفاف عليها من قبل السلطة، مما يعزز من تأثيرها على المستويين المحلي والدولي.

رابعا: المتغير الأمريكي الروسي الصيني: شهدت هذه الدورة من آلية الاستعراض الدوري الشامل غيابا غير معتاد للولايات المتحدة الأمريكية، حيث لم تشارك للمرة الأولى، رغم تقديمها خمس أسئلة مسبقة للحكومة المصرية قبل الجلسة. يعد هذا التطور محورا هاما للتحليل، نظرا لتداعياته المحتملة على مستوى مشاركة الدول وتأثيرها في النقاشات المتعلقة بحقوق الإنسان في مصر.

يثير هذا الغياب تساؤلات حول مدى تغير الأولويات الدبلوماسية الأمريكية تجاه الملف الحقوقي المصري، وما إذا كان يعكس تحولا في استراتيجيات الضغط أو إعادة تقييم للنهج المتبع في التعامل مع الحكومة المصرية. كما أنه قد يؤثر على الديناميكيات الدولية داخل مجلس حقوق الإنسان، حيث اعتادت الولايات المتحدة لعب دور بارز في تسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان. ومع ذلك، لم يمنع غيابها من صدور توصيات قوية ومباشرة من العديد من الدول الأخرى، مما يعكس اتساع دائرة الاهتمام الدولي بوضع حقوق الإنسان في مصر.

في المقابل، شهدت الجلسة تطورا غير معتاد تمثل في تقديم روسيا توصية بشأن التعذيب في مصر، وهو ما يشكل تحولا في موقفها التقليدي، حيث كانت غالبا ما تدعم الحكومة المصرية دون انتقاد سجلها الحقوقي. يعكس هذا التغيير تحولات أوسع في مواقف بعض الدول تجاه الملف الحقوقي المصري، حيث بدأت بعض الحلفاء التقليديين للحكومة المصرية في تبني مواقف أكثر وضوحا إزاء الانتهاكات الحقوقية.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الصين أيضا غيّرت من طبيعة توصياتها، فإن هذا يعزز من أهمية هذا التحول. فبينما قدمت أربع توصيات في عام 2019، اكتفت هذه الدورة بتوصيتين فقط، كان أبرزها توصية تتعلق بالإصلاحات الاقتصادية، حيث دعت مصر إلى "مواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية لتحقيق التنمية المستدامة". يُعد هذا التوجه الجديد مؤشرا على تغير في أولويات الصين تجاه الملف المصري، أو على الأقل، تراجع مستوى التأييد غير المشروط الذي اعتادت القاهرة تلقيه من بعض حلفائها الرئيسيين.

هذا التحول في مواقف كل من روسيا والصين، وهما من أكثر الدول دعما لمصر في المحافل الدولية، يشير إلى أن التقييم الدولي لأوضاع حقوق الإنسان في مصر لم يعد مقتصرا على الدول الغربية فقط، بل أصبح موضع نقاش أوسع حتى بين الدول التي كانت تُعتبر سابقا حليفا غير ناقد للحكومة المصرية.

خامسا: المتغير الأفريقي: شهدت هذه الدورة من آلية الاستعراض الدوري الشامل زيادة ملحوظة في عدد الدول الأفريقية المشاركة، إلى جانب تغير جوهري في طبيعة التوصيات المقدمة. ففي حين كانت مواقف الدول الأفريقية في الدورات السابقة تركز غالبا على الإشادة بالإجراءات الحكومية والترحيب بها، جاءت هذه المرة بنبرة أكثر صراحة ووضوحا، حيث تناولت قضايا حساسة مثل الاختفاء القسري، والتعذيب، وحقوق المرأة.

يعكس هذا التحول تطورا في طريقة تعاطي الدول الأفريقية مع ملف حقوق الإنسان في مصر، حيث أصبح التركيز أكبر على القضايا الجوهرية بدلا من الاقتصار على المجاملات الدبلوماسية. ويؤكد هذا التغير أن هناك تزايدا في الإدراك الأفريقي لأهمية معالجة الانتهاكات الحقوقية بجدية، مما يزيد من أهمية متابعة تنفيذ هذه التوصيات وضمان استجابة الحكومة المصرية لها.

فعلى سبيل المثال، شاركت دول مثل جامبيا وكوت ديفوار وجنوب السودان إلى جانب الدول الأوروبية في مطالبة مصر بالتوقيع على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. تعد هذه الخطوة مؤشرا على اتساع نطاق الاهتمام الأفريقي بهذه القضية، مما يؤكد أن المخاوف الحقوقية لم تعد حكرا على الدول الغربية، بل أصبحت جزءا من أجندة العديد من الدول الأفريقية.

إضافة إلى ذلك، قدمت كل من مدغشقر وغانا وكوت ديفوار توصيات تدعو مصر إلى التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وهو ما يعكس رغبة متزايدة لدى الدول الأفريقية في تعزيز المساءلة في ملف التعذيب داخل مصر.

هذا التطور يشير إلى تحول في موقف بعض الدول الأفريقية، من مجرد تقديم دعم دبلوماسي تقليدي إلى الانخراط المباشر في المطالبة بإصلاحات حقوقية حقيقية. ويضع هذا الأمر الحكومة المصرية أمام تحدٍ متزايد، حيث إن هذه التوصيات لم تصدر فقط عن دول غربية، بل جاءت أيضا من دول تُعتبر شريكة لمصر في العديد من القضايا الإقليمية والتنموية.

سادسا: المتغير العربي: إلى جانب ذلك، يُلاحظ أيضا تحول ملحوظ في موقف المغرب وهي الدولة العربية الوحيدة التي قدمت توصيات جيده تجاه الملف الحقوقي المصري خلال هذه الدورة من الاستعراض الدوري الشامل. فبعد أن اقتصرت توصياتها في عام 2019 على توصيتين ضعيفتين لم تتناول القضايا الحقوقية بعمق، قدمت هذه المرة توصيات أكثر قوة ووضوحا تتعلق بالإصلاحات القانونية والعدالة الجنائية، وهي من بين أبرز توصياتها لأول مرة.

تعكس هذه التوصية تغييرا في نهج المغرب تجاه تقييم أوضاع حقوق الإنسان في مصر، حيث انتقلت من استخدام لغة دبلوماسية فضفاضة إلى تقديم مطالب واضحة تعالج واحدة من أكثر القضايا الحقوقية إلحاحا، وهي الاحتجاز المطول دون محاكمة. هذا التحول يضيف إلى الصورة الأوسع لمراجعة هذا العام، حيث بدا أن بعض الدول العربية، التي كانت في السابق تفضل المواقف الحيادية أو الداعمة للحكومة المصرية، بدأت في تقديم توصيات أكثر موضوعية، مما قد يزيد من زخم الضغط الدولي على مصر لاتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية.

الخلاصة
لا يمكن لأي قوانين أو استراتيجيات أن تكون فعّالة إذا لم تُطبق بشفافية وعدالة، ولا يمكن لأي خطاب عن حقوق الإنسان أن يكون ذا مصداقية في ظل استمرار الانتهاكات داخل السجون، واحتجاز النشطاء السياسيين والمدافعين عن الحقوق، وفرض قيود خانقة على المجتمع المدني
تُعد مراجعة ملف مصر أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل فرصة جوهرية لتقييم مدى التقدم في مجال حقوق الإنسان، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن التحديات العميقة التي لا تزال تعرقل تحقيق إصلاحات حقيقية ومستدامة. فرغم الحديث عن بعض الخطوات الإيجابية، لا تزال هناك مخاوف دولية قائمة بشأن ملفات جوهرية تتطلب استجابة أكثر انفتاحا وجدية لضمان تحقيق تقدم ملموس، وليس مجرد تحسين شكلي للصورة الحقوقية أمام المجتمع الدولي.

وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية، يصبح من الضروري لمصر أن تتبنى سياسات أكثر توازنا بين حفظ الأمن القومي وضمان الحريات الأساسية، وهو الأمر الذي قد يسهم في تحسين صورتها الحقوقية عالميا. لكن الواقع يؤكد استنتاجا لا يمكن إنكاره: لا مستقبل حقيقيا لأي تقدم في حقوق الإنسان في مصر ما لم تنتقل الدولة من مرحلة "الوعود والتصريحات" إلى مرحلة "التنفيذ الجاد" على أرض الواقع.

لقد أظهر الوفد المصري خلال جلسة المراجعة حضورا مكثفا بوفد يضم 39 عضوا، لكن مهمتهم لم تتجاوز قراءة أوراق معدة مسبقا، وتقديم ردود تقليدية لا تقدم إجابات حقيقية على القضايا الجوهرية المطروحة. لم يكن الغرض إقناع المجتمع الدولي بوجود إصلاح حقيقي، بل مجرد محاولة تمرير سردية رسمية تفتقر إلى المصداقية أمام الحقائق الواضحة. فالتشريعات والاستراتيجيات التي قدمها الوفد قد تبدو إيجابية على الورق، لكنها تظل إطارا نظريا ما لم يتم تفعيلها عمليا في حياة المواطنين، وما لم يشعر بها كل من يعاني من انتهاكات حقوقه أو يواجه غياب العدالة.

لا يمكن لأي قوانين أو استراتيجيات أن تكون فعّالة إذا لم تُطبق بشفافية وعدالة، ولا يمكن لأي خطاب عن حقوق الإنسان أن يكون ذا مصداقية في ظل استمرار الانتهاكات داخل السجون، واحتجاز النشطاء السياسيين والمدافعين عن الحقوق، وفرض قيود خانقة على المجتمع المدني.

إن التغيير الحقيقي يبدأ من الإرادة السياسية الصادقة، والالتزام الفعلي بتنفيذ ما نص عليه الدستور والقوانين والاستراتيجيات الوطنية، ليس فقط كاستجابة لضغوط دولية، بل كواجب أساسي تجاه المواطنين. فالإصلاح الحقوقي ليس مجرد ملف سياسي، بل هو ركيزة أساسية لأي دولة تسعى لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.

مقالات مشابهة

  • وزير الاستثمار: الحكومة تسعى إلى منح الفرصة للقطاع الخاص لقيادة التنمية الاقتصادية
  • الحصاد الأسبوعي لوزارة التخطيط والتعاون الدولي.. فعاليات ولقاءات
  • العبادي يدعو إلى تعزيز استقرار العراق ودعم جهود التنمية
  • مصر تحت المجهر الدولي: ماذا كشف الاستعراض الدوري الشامل عن حقوق الإنسان؟
  • كاتب يوضح أهمية ترتيب المشهد الاقتصادي وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية
  • وزيرة التخطيط تستعرض خطة التنمية الاقتصادية للعام المالي 2025
  • وزيرة التخطيط تنافش المنهجية الجديدة لإعداد خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنفاق الاستثماري
  • المشاط تبحث مع وكيل خطة النواب جهود تنفيذ خطط التنمية المستدامة
  • المشاط: نسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة وحوكمة الإنفاق الاستثماري
  • تقرير لمعلومات الوزراء حول الاقتصاد الإبداعي وأهميته في التنمية الاقتصادية