تركت مقاطعة العلامات التجارية الغربية من الطعام والشراب في الدول الإسلامية أثرها على موارد الشركات المتعددة الجنسيات والشركات ذات الامتياز الخاص لتشغيلها، بطريقة تفاقم تأثيرات البطء الاستهلاكي المالي العالمي على مواردها المالية.

وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" في تقرير لها أنه "من مصر إلى إندونيسيا والسعودية وباكستان، يرفض المستهلكون البضائع التي تنتجها شركات مثل كوكا كولا وستارباكس ومونديلز وبيتزا هات، احتجاجا على ما ينظر إليه دعم الشركات الأم لإسرائيل في حربها ضد غزة".



وقال أماربال ساندهو، المدير التنفيذي لشركة مطاعم "أمريكانا" التي تدير امتيازات كيرسبي كريم وبيتزا هات وكي أف سي في الشرق الأوسط وقازخستان: "هذه الحادثة غير مسبوقة وطول أمد الحادثة غير مسبوق وكذا كثافتها غير مسبوقة". 

وتعد المقاطعة الحالية الأكثر انتشارا ولم يمر شيء على الذاكرة الحديثة مثلها، ويتم نشرها عبر منصات التواصل الإجتماعي وتحفزها الحكومات وحركة المقاطعة وسحب الإستثمارات والعقوبات أو بي دي إس، بشكل يؤكد على أهمية حملات التواصل الإجتماعي التي تظهر فجأة وتؤلم الشركات العملاقة.

وقد ترددت شركات متعددة الجنسيات خلال البيانات الجديدة في الكشف عن الأرباح في الربع الثاني من العام الحالي للإشارة إلى الموضوع مباشرة، واكتفى بعضها بالحديث عن تحديات جيوسياسية، فيما اعترفت شركات أخرى بأثر الحرب عليها مباشرة.


وقال لوكا زاماريلا، الرئيس المالي لشركة الوجبات السريعة مونداليز إن المقاطعة لا تزال تشكل "ريحا معاكسة" وأثرت على بطء نمو المبيعات خلال الربعية الثانية من العام، في الشرق الأوسط بنسبة 2 بالمئة.

وقالت شركة صناعات التجميل "لوريال" إن المقاطعة أدت إلى تراجع في النمو خلال النصف الأول من العام الحالي وبنسبة 2 بالمئة.

 بينما قال دانيلو غارغويلو، المحلل في شركة بيرنشتاين: "إن الاستراتيجية الشاملة التي تبنتها العديد من هذه الشركات تتمثل في تخفيف الضجيج حول المقاطعة و"آخر شيء تريد القيام به هو الكشف عن التأثير، واحتمال اتخاذ إجراءات أخرى ضد علاماتهم التجارية".

وفي الوقت الذي استطاعت فيه الشركات متعددة الجنسيات امتصاص الضربة في المبيعات نتيجة لتوزعها الجغرافي والفئوي إلا أن أصحاب الامتيازات الذين يشغلون ماركاتها في أسواق تنتشر فيها المقاطعة بشكل واسع لم يستطيعوا الإفلات من الضربة بسهولة.

 وقالت شركة مطاعم أمريكانا التي يملكها الصندوق السيادي السعودي ومحمد العبار ومقره في دبي إن أرباحها تراجعت في الربع الثاني من العام بنسبة 40 بالمئة مع أنها افتتحت 80 فرعا في النصف الأول من هذا العام.

ويقول المحلل ساندهو إن "الأثر متفاوت بناء على الجغرافيا ولكننا نستطيع القول إن المقاطعة لا تزال هنا".

ورفضت الماركات الغربية التي علقت مباشرة على المقاطعة، وبشدة المفهوم من أنها دعمت طرفا في النزاع، وقال المدير التنفيذي لماكدونالدز كريس كميبزنسكي معلقا على موارد النصف الأول من العام الحالي إن الحرب لا تزال "تؤثر سلبيا" على التجارة، ولكنه  شجب "التضليل المعلوماتي" الذي يؤثر على الفروع المحلية.

وفي باكستان التي تعتبر ثاني أكبر دولة مسلمة تعدادا للسكان بعد أندونيسيا، وعدت الحكومة بتشكيل لجنة لتحديد ومقاطعة البضائع والشركات التي تدعم "مباشرة أو غير مباشرة" جيش الاحتلال.

وجاء التحرك الحكومي بعدما قام آلاف الناشطين في حزب إسلامي الشهر الماضي بإغلاق طريق رئيسي إلى مدينة إسلام أباد مطالبين الحكومة بمنع المنتجات المرتبطة بـ "إسرائيل".

وقالت الشركة المعبئة لعبوات كوكا كولا في باكستان إجيسيك إن حجم المبيعات في البلاد انخفض بنحو ربع سنة على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، وألقت الشركة باللوم في ذلك على "الرياح المعاكسة للاقتصاد الكلي" دون الإشارة إلى تداعيات الحرب في غزة.  

وعندما سئل كريم يحيى المدير التنفيذي للمجموعة في تركيا في لقاء مع المحللين، اعترف قائلا إن "في الجغرافيا التي نعيش فيها هناك حساسيات وهناك ضغوط بسبب الحرب في الشرق الأوسط".


وقال شخص مطلع على قرارات الشركة الأمريكية كوكا كولا في باكستان: "لقد منعنا من الدعاية لمدة خمسة أشهر، وهذه أزمة ولهذا قررنا أن نبقى هادئين". 

وأضاف الشخص أن بعض المخازن استبدلت كوكا كولا ببديل عنه، ولكن المحلات التي ظلت تبيع كوكا كولا تعرضت لـ "التحرش"، بينما قال أكبر مستثمر من  20 مستثمرا في شركة كوكا كولا إن شركته تراقب عن كثب  المقاطعة، مع أنه لا يمكن فصل الوضع عن الأزمة الاقتصادية العميقة في باكستان. 

وتوقع المستثمر أن يكون أي تأثير على الشركة قصير الأمد. ولم ترد الشركة ولا بيبسي كولا في باكستان على أسئلة الصحيفة.

وفي ماليزيا أعلنت صاحبة امتياز ستارباكس "بيرجايا فود" وللمرة الثانية على التواصل خسائر ربعية في أيار/مايو بسبب المقاطعة، معلنة عن خسارة بـ 30 مليون رينغيت (6.7 مليون دولار) في الربعية التي انتهت في 31 آذار/مارس وتراجعت الموارد بنسبة 48 بالمئة.

وأكدت ستارباكس في أندونيسيا مرارا أنها ليست مرتبطة وبأي شكل في الحرب بالشرق الأوسط.
 وفي العاصمة جاكرتا، وضعت الشركة إعلانات على أبوابها وطاولاتها  توضح فيها موقفها من النزاع، وجاء في إعلان الشركة بأندونيسيا: "ليس لستارباكس أجندة سياسية. ولا نستخدم أرباحنا لتمويل أي حكومة ولا عمليات عسكرية. ولا تمول ستارباكس ولا هاوارد شولتز إسرائيل بأي شكل من الأشكال"، في إشارة لمديرها السابق والمعروف.

وتحولت المشاعر المعادية للغرب أحيانا إلى عنف، مثلما قام أشخاص بالهجوم على فروع ستارباكس في جنوب- شرق تركيا بعد اغتيال "إسرائيل" رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، بحسب ما ذكرت الصحيفة.

وفي الوقت نفسه، واجهت بيبسي كولا في مصر ردة فعل سلبية عندما قامت في أيار/مايو بنشر إعلان "خليك عطشان"، والذي بدا وكأنه سخرية من المقاطعين لمنتجاتها. وانتقد الناشطون على منصات التواصل الإجتماعي إعلانات بيبسي التي يظهر فيها المغني عمرو دياب ولاعب الكرة ونجم ليفربول، محمد صلاح. ولم ترد بيبسي مباشرة على أسئلة الصحيفة.

وقال علاء هاشم، الرئيس المشارك للجنة الصناعة والتجارة بغرفة التجارة الأمريكية في مصر، لصحيفة فايننشال تايمز: "أعتقد أن العديد من الشركات العالمية خفضت من حضورها، وخففت من نبرة اتصالاتها لتجنب إثارة حملات مضادة".

وتتزامن الحرب في غزة مع ارتفاع ضخم للتضخم في مصر التي تعاني من نقص حاد بالدولارات الذي قاد إلى لتراجع قيمة الجنيه المصري. ويرى هاشم أن تراجع القدرة الشرائية ربما جزءا من تراجع موارد الشركات المقاطعة. 

وقال حازم تميمي، صاحب متجر في حي الزمالك بالقاهرة إن مبيعاته من كوكا كولا وبيبسي كولا وأرييل وبيرسيل وكادبيري ومنتجات نسلة تراجعت للنصف، مضيفا أن المواطنين قد يتصلون ويطلبون المياه المعدنية ولكنهم يطلبون الماركة المصرية بدلا من "نسلة أو دساني".


 وتأتي هذه المقاطعة في وقت تواجه فيه العلامات التجارية المملوكة للغرب ضغوطا فعلية في الخارج. 

وتواجه المجموعات التجارية العملاقة منافسة أشد من جانب المجموعات المحلية، وتخسر حصتها نتيجة لذلك. 

ويقول دانيلو غارغويلو: "نشهد منذ عشرة أعوام تحولا في السرد نحو الشركات الحمائية والتقليدية والوطنية والماركات المحلية" وتراجع "السرد الذي يقول إن الماركات الغربية هي الأفضل أما العلامات التجارية المحلية فهي الأقل سعرا وأقل جودة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي مصر المقاطعة باكستان مصر السعودية باكستان اندونيسيا المقاطعة المزيد في اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی باکستان کوکا کولا من العام کولا فی

إقرأ أيضاً:

المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا

في ظهيرة يوم شديد الصعوبة من أبريل/ نيسان عام 1975، بثت إذاعة الجيش الأميركي خبراً مفاده أن "درجة الحرارة في سايغون تبلغ 105 درجات وترتفع"، كانت تلك رسالة مشفرة تعني أن الوضع قد وصل إلى حد الانفلات التام في أعقاب هجوم واسع لقوات حكومة فيتنام الشمالية، وأنه قد بدأ الإجلاء الفوري لجميع الأميركيين المتبقين في فيتنام، بعدما كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها القتالية من فيتنام وفقا للاتفاقية الموقعة في باريس عام 1973، تاركة نحو 5000 أميركي في مهام دبلوماسية واستخباراتية.

وخلال ساعات؛ وثقت الكاميرات مشهد عشرات الأميركيين والجنود الفيتناميين الجنوبيين واقفين على سطح مبنى في سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية)، أعينهم معلقة بطائرة هليكوبتر أميركية تهبط على عجل. رجال ونساء وأطفال يصطفون على درج معدني ضيق، يتدافعون بحذر وخوف نحو الطائرة التي لا تسع إلا عدداً قليلاً.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نصف مليون جندي و8 ملايين طن من القنابل.. لماذا هُزمت أميركا في فيتنام؟list 2 of 2في حال وقع المحظور النووي هل ستنحاز أميركا للهند أم باكستان؟end of list

كان ذلك المشهد ذروة عملية الإجلاء السريع التي عُرفت باسم "عملية الريح المتكررة" (Operation Frequent Wind)، وأصبحت رمزًا مريرًا لنهاية أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في القرن العشرين.


لكن كيف وصلت فييتنام إلى هذه اللحظة؟ وكيف تحوّل بلد زراعي صغير على هامش خريطة آسيا إلى ساحة صراعٍ دوليّ دمويّ، وإلى اختبارٍ عسير لطموحات القوى الكبرى ومرآة لانكساراتها؟ ولفهم هذه التحولات التي باتت تمثل واحدة من أهم المعارك العسكرية في القرن العشرين؛ لا بد من العودة إلى البدايات؛ إلى الحسابات الجيوسياسية لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وماقبل ذلك في زمن الاستعمار القديم، تلك الحسابات التي تجاوزت حدود فيتنام الضيقة وجعلت منها ساحةً لصراع استمر أكثر من عقدين من الزمن.

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية (الفرنسية) المحطة الأولى: فيتنام تحت الظل الاستعماري

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية، إلى جانب لاوس وكمبوديا (كانت الدول الثلاث تعرف باسم الهند الصينية). وكانت البلاد أشبه بساحة خلفية للإمبراطورية الفرنسية، حيث نُهبت ثرواتها الطبيعية، وقُمعت حركاتها الشعبية، وزُرعت فيها بذور الانقسام الطبقي والثقافي.

إعلان

لم تكن فيتنام تحديدا مجرد مستعمرة بعيدة، بل كانت عقدة حيوية في خريطة النفوذ الفرنسي في آسيا. ميناء "هايفونغ" التجاري الأهم في فيتنام، والمزارع التي كانت تنتج الأرز والمطاط، وخطوط السكك الحديدية التي تربط الهضاب بالمرافئ، كلها كانت تُدار لخدمة باريس، وليس لخدمة هانوي.

المحطة الثانية: فرصة خاطفة للاستقلال

في منتصف القرن العشرين، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ بدأ التوازن الاستعماري القديم يتصدع. اجتاحت اليابان الهند الصينية عام 1940، تاركة الإدارة الاسمية لفرنسا الفيشية، لكنها عمليًا أضعفت القبضة الفرنسية وأفسحت المجال لنمو تيارات المقاومة المحلية. من بين هذه التيارات، برزت شخصية استثنائية ستغيّر وجه آسيا، ويحمل الفيتناميون صورته اليوم وهم يحتفلون بالذكرى الخمسين لتوحيد بلادهم: هو تشي منه.

أسّس هو تشي منه "رابطة استقلال فييتنام" أو "الفييت مينه"، وهي حركة قومية شيوعية، مزجت بين الكفاح المسلح والتحريض الشعبي. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، وإعلان استسلام اليابان، كانت الفرصة سانحة أمام هو تشي منه، فأعلن استقلال فيتنام عن الامبراطورية اليابانية في ساحة "با دينه" بهانوي.

جنود فيتناميين خلال حرب الهند الصينية الأولى (غيتي) المحطة الثالثة: عودة الاحتلال الفرنسي

لم يعمر حلم الاستقلال طويلًا. فرنسا، التي خرجت مدمّرة من الحرب العالمية الثانية، أرادت استعادة "هيبتها" من خلال إعادة بسط نفوذها على مستعمراتها القديمة. تجاهلت إعلان الاستقلال في هانوي، ونزلت قواتها مجددًا إلى الأراضي الفيتنامية، لتبدأ بذلك حربًا دموية جديدة. وبذلك؛ وُلدت حرب الهند الصينية الأولى، والتي ستُشكّل الأساس لحرب فيتنام القادمة.

لم يكن الاستعمار هذه المرة مثل الاستعمار القديم منحصرا فقط في استغلال الموارد؛ بل برز في قلبه صراع أيديولوجي ناشئ حول رؤيتين للعالم: فرنسا التي تمثّل الغرب الرأسمالي الإمبريالي، وفيتنام التي بدأت تتجه نحو الفكر الشيوعي، مدفوعة بإرث الاحتلال، وبحلم العدالة الاجتماعية.

إعلان

كانت التربة الفيتنامية قد تشبعت بما يكفي من الغضب، وكان المشهد الإقليمي والعالمي مهيأً لانفجار طويل الأمد، لن ينتهي إلا بعد ثلاثة عقود من الدم والنار.

المحطة الرابعة: "ديان بيان فو" حيث دفنت فرنسا رايتها وورثت أمريكا عبء الإمبراطورية

في وادٍ بعيد تحيط به التلال شمالي غرب فيتنام، خسرت فرنسا آخر رهاناتها الاستعمارية الكبرى. بدأت المعركة في مارس 1954، واستمرت 57 يومًا من القصف والحصار والنار. حاصرت المقاومة الفيتنامية بقيادة  فو نغوين جياب الجنود الفرنسيين. واعتبرت المعركة لاحقا  أحد الدروس التاريخية المذهلة في فنون وتكتيكات حرب العصابات وقدرتها على التفوق على الجيوش النظامية.

وفي السابع من مايو 1954، استسلمت القوات الفرنسية في ديان بيان فو، بينما كانت قادة فرنسا يبحثون في جنيف عن مخرج مشرّف. وفي يوليو 1954، اجتمع القوى الكبرى في العالم في مؤتمر جنيف، حيث تقرر تقسيم فييتنام مؤقتًا على طول خط العرض 17، الشمال بقيادة هو تشي منه الشيوعي، عاصمته هانوي. والجنوب بقيادة نظام مدعوم من الغرب، برئاسة إمبراطور صوري ثم رئيس فعلي هو نغو دينه ديم. لكن الاتفاق نص أيضًا على إجراء انتخابات وطنية موحدة عام 1956، لكنها لم تحدث، لأن الولايات المتحدة خشيت من فوز الشيوعيين.

من هنا، بدأت واشنطن تتدخل في فييتنام. لم يكن هناك إنزال عسكري بعد، وكانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو": إذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا! وهكذا، تحوّلت فييتنام من ساحة استعمار قديم إلى مسرح للصراع الأيديولوجي العالمي الذي تصاعد بعد الحرب الباردة.

كانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو"، فإذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا (غيتي) المحطة الخامسة: تقسيم البلاد وصعود ديان دينه ديم

انتهى الوجود الفرنسي رسميًا في جنوب فييتنام في أبريل 1956، وبقيت البلاد منقسمة بحكم الواقع بين حكومة “جمهورية فييتنام” في الجنوب، وحكومة “جمهورية فييتنام الديمقراطية” بقيادة هو تشي منه في الشمال.

إعلان

دشن ديان دينه ديم (حليف أمريكي) سياسة أيديولوجية قومية وعنيفة ضد المعارضين داخليًا، معطياً امتيازات واسعة للكاثوليك وهو ما أشعل اضطرابات اجتماعية وانتفاضات بوذية ضد حكمه. عام 1960 تأسست «جبهة التحرير الوطني» المعروفة بـ"الفيت كونغ" لإعادة توحيد كل قوى المعارضة في الجنوب تحت قيادة الشمال​. اعتمدت الفيت كونغ على تكتيكات حرب العصابات وبنية تحتية سرية في الدول المجاورة من الهند الصينية لتأمين الإمداد اللوجيستي.

المحطة السادسة: خليج تونكين؛ الذريعة التي فتحت أبواب الجحيم

في أغسطس من عام 1964، زعمت البحرية الأمريكية أن مدمّرتها يو إس إس مادوكس تعرّضت لهجوم من زوارق طوربيد فيتنامية شمالية في خليج تونكين. لم تكن التفاصيل واضحة، والصور غير حاسمة، لكن الرئيس ليندون جونسون لم يحتج لأكثر من هذه الشرارة لطلب تفويض مطلق من الكونغرس لاستخدام القوة في فييتنام. وهكذا، صدر قرار خليج تونكين، الذي منح البيت الأبيض يدًا طليقة لشن الحرب دون إعلان رسمي.

كانت الحادثة التي لا يزال الجدل قائمًا حول صحتها الكاملة نقطة تحوّل فاصلة، إذ انتقلت أمريكا من دور المستشار والراعي في الظل إلى قوة محتلة، تمطر الأدغال الفيتنامية بعشرات الآلاف من الجنود والقنابل.

وبحلول عام 1965، بدأ التصعيد العسكري الكبير: إرسال أولى وحدات القتال، ثم القصف الجوي المكثف على شمال فييتنام في حملة سُمّيت "رعد متواصل" (Operation Rolling Thunder).

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب (أسوشيتد برس) المحطة السابعة: أميركا ضد نفسها

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب. اللحظة المفصلية جاءت عام 1968، بعد هجوم مفاجئ شنّه الفيتكونغ في رأس السنة القمرية (هجوم تيت) على عشرات المدن في الجنوب، بما فيها سايغون نفسها. ورغم أن الهجوم ألحق خسائر هائلة بالمقاومين الفيتناميين وربما يعتبر خسارة عسكرية، إلا أنه زلزل ثقة الأمريكيين بقدرتهم علي تحقيق النصر. فقد بدا لهم كأن العدو "المنهك" لا يزال قادرًا على الضرب بقوة في عمق المناطق الآمنة، سيظل كذلك.
المحطة الثامنة: "فتنمة الحرب".

إعلان

حين تولّى ريتشارد نيكسون الرئاسة في الولايات المتحدة عام 1969، كانت فييتنام قد أصبحت كابوسًا سياسيًا وعسكريًا. أدرك نيكسون أن النصر الكامل مستحيل، لكنه لم يشأ الانسحاب فجأة. فطرح استراتيجية سمّاها: "فتنمة الحرب" (Vietnamization)، أي تحويل عبء القتال إلى الجيش الفيتنامي الجنوبي، بينما تبدأ القوات الأمريكية بالانسحاب التدريجي.

المرحلة التاسعة: رحيل آخر الجنود المقاتلين

لم تكن "فتنمة الحرب" أكثر من محاولة لتأجيل الهزيمة، لا تجنّبها. فالجيش الجنوبي كان ضعيف التدريب، ويفتقر للحافز القتالي، في حين كان الشمال يزداد صلابة. في الوقت نفسه، وسّع نيكسون الحرب عبر قصف كمبوديا ولاوس بحجة ضرب خطوط الإمداد الفيتنامية (طريق هو تشي منه)، ما أدى إلى توسيع رقعة الصراع، وخلق المزيد من الفوضى في المنطقة، وأشعل المعارضة داخل الولايات المتحدة.

لم يستجب الفيتناميون لرغبة الأمريكان في التفاوض مباشرة، واستمروا في إلحاق الخسائر بهم، حتى عام 1973 حين وقّعت أميركا اتفاقية باريس للسلام مع حكومة فيتنام الشمالية، معلنة انسحابها الرسمي من الحرب، بعد أن خسرت أكثر من 58 ألف جندي، وأبقت على نحو 5000 آلاف جندي فقط في مهام غير قتالية.

 

المحطة العاشرة: سقوط سايجون

في ربيع عام 1975، بدأ الجيش الشمالي الزحف النهائي نحو العاصمة الجنوبية سايغون. كانت القوات الفيتنامية الشمالية مدعومة بخبرة طويلة، وعقيدة قتالية متماسكة، بينما كان الجنوب، رغم الأسلحة الأمريكية المتروكة، منهارًا معنويًا. سقطت المدن الواحدة تلو الأخرى، بلا مقاومة تُذكر. أما واشنطن، فقد اكتفت بالمراقبة، بعد أن قطعت المساعدات العسكرية.

في 30 أبريل 1975، دخلت دبابات الشمال سايغون. لم تكن هناك معركة حقيقية. رفع الجنود علمهم الأحمر بنجمة صفراء فوق القصر الرئاسي، وانتهت الجمهورية الفيتنامية الجنوبية إلى الأبد. لم يُعلن عن هزيمة أمريكية رسميًا، لكنها بقيت محفورة ومستقرة في التاريخ العسكري والاستراتيجي: أن الفيتناميين هزموا الولايات المتحدة.

إعلان

 

مقالات مشابهة

  • طيران الهند: خسائر بـ600 مليون دولار بسبب حظر الأجواء الباكستانية
  • هل معادن أوكرانيا النادرة التي أشعلت الحرب ستوقفها؟
  • إسبانيا.. 6ر1 مليار يورو خسائر بسبب انقطاع الكهرباء
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • تركيا تعلن أسماء الشركات التي ستقدّم خصومات للشباب المقبلين على الزواج! القائمة تضم 20 علامة تجارية
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • لوس أنجلوس بلا دورات مياه عامة أو مرافق ترفيه بعد إضراب عمالي كبير
  • الحرب في السودان .. خسائر بمليارات الدولارات
  • خسائر كبيرة للمزارعين بالولاية الشمالية بسبب استهدف الدعم السريع لمحطات الكهرباء
  • خالد حنفي: شراكة استراتيجية عربية - صينية لمواجهة تحديات الحرب التجارية العالمية