نفى مصدر مصري رفيع المستوى، اليوم الاثنين، ما تتداوله وسائل إعلام إسرائيلية حول وجود أنفاق عاملة بين مصر وقطاع غزة.


ونقلت قناة «القاهرة» الإخبارية عن المصدر قوله :«إن ما يتردد هو هروب إسرائيل من إخفاقها في القطاع» .. مضيفا : «إن فشل إسرائيل في تحقيق إنجاز في غزة يدفعها لبث ادعاءات حول وجود أنفاق لتبرير استمرار عدوانها على القطاع».


وأكد أن اسرائيل لم تقدم أدلة على وجود أنفاق عاملة على حدود قطاع غزة ، وتستغل الأنفاق المغلقة بغزة لبث ادعاءات مغلوطة لتحقيق أهداف سياسية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: وجود أنفاق

إقرأ أيضاً:

العودة للشمال: أرادت إسرائيل نكبة ثانية، ففاجأتها غزة بطوفان ثان

كان مشهد الخروج من شمال غزة مؤلما، لكنه لم يكن غريبا. كان مشهدا ألفناه جميعا وإن لم نره، فقد كتبه غسان كنفاني، وإلياس خوري، ومحمود درويش، وإميل حبيبي، وكتبته رضوى عاشور. أما مشهد العودة فقد كان مهيبا، وغريبا.

خرج الفلسطينيون من بيوتهم يحملون ما استطاعوا حمله، وكانت النساء يحملن الأطفال، والأطفال يحملون الرضّع، والرجال يحملون الحقائب، والشيوخ يحملون عصيّهم. خرجوا في طوابير طويلة بلا هدف نحو الجنوب، وربما كان بعضهم بلا أمل في العودة. كانوا يتركون كل شيء وراءهم، ديارهم وأرضهم وذكرياتهم وأحلامهم، كانوا يتركون الحياة نفسها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2القسام في شوارع غزة من جديد.. ما دلالات عروض النصر؟list 2 of 2هندسة الانتصار وتخطيط حماس المُحكم لمشاهد تسليم الأسيراتend of list

يعرف الفلسطيني هذا المشهد جيدا، لكننا لم نعرف كيف يبدو مشهد العودة، فلم يكتب الأدباء الفلسطينيون عن عودتهم سوى بعين الخيال، لكن في صباح الاثنين، 27 يناير/كانون الثاني، 2024، أعطى الفلسطينيون للعالم مشهدا رسموه بأنفسهم، وكلهم في ذلك أبلغ من كل أديب، صامدون ومقاومون ومفاوضون.

دمرت إسرائيل شمال غزة وشرعت في إبادة سكّانه، وحرص جنودها على ألا يتركوا في أرضه جدارا قائما أو حجرا على حجر. أرادت إسرائيل ألا يجد الفلسطينيون سببا للعودة، أرادتها نكبة ثانية تعيد سيرة النكبة الأولى، ودعمها العالم تآمرا أو صمتا، وحين أجبرتها المقاومة الفلسطينية على الرضوخ، صمّم المفاوض الإسرائيلي على أن يعود الناس فرادى سيرا على أقدامهم. وأراد الفلسطينيون عودة أولى تلهم العودة الكبرى، وتحقق لهم ما أرادوا.

إعلان

لم يستطع الأطفال أن يناموا في الليلة السابقة، وكثير منهم قضوا ليلتهم في العراء مع عوائلهم، واجتهدت الأمهات في تجهيز أجمل الملابس لأبنائهم وأزواجهم، كأنه يوم الزينة أو يوم العيد. وعندما دقت الساعة السابعة صباحا، حُشر الناس ضحى، ونفروا جماعات ليشهدوا كيف تلقف المقاومة ما صنع الاحتلال عبر 15 شهرا من الإبادة واحتلال الأرض والسردية. فلأول مرة يعود الفلسطينيون إلى الأرض، عبر فوهة البندقية، عبر الطريق الواحد الذي تغنى به العرب منذ جاء الغزاة قبل 75 عاما وحروب بدأت بلا نهاية.

ما أراده الإسرائيلي من شمال غزة

في ربيع عام 1956 اقتحمت مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين المنطقة العازلة التي تفصل أراضي قطاع غزة عن بقية فلسطين. كان عرض تلك المنطقة يبلغ 300 متر من الأرض التي مهدتها إسرائيل لفصلها عن 300 ألف فلسطيني في غزة، بينهم 200 ألف لاجئ هُجروا قبل ذلك التاريخ بـ8 سنوات من بقية أرض فلسطين. وعلى الناحية الأخرى من المنطقة العازلة، كان الإسرائيليون قد أسسوا عددا محدودا من المستوطنات. وعبر الفدائيون المنطقة بالقرب من حي الشجاعية، وحاولوا اقتحام إحدى تلك المستوطنات، ناحال عوز، ليقتلوا ضابط أمن، ويأخذوا جثته معهم قبل أن يعودوا أدراجهم إلى قطاع غزة.

كانت منظمة الأمم المتحدة تعرف كيف تتوسط حينها، فتوسطت لدى الفدائيين ليعيدوا جثة الضابط الإسرائيلي، وفي جنازته تحدث موشيه ديان، رئيس الأركان الإسرائيلي حينها، متسائلا: "لماذا يجب علينا أن نستغرب من كراهيتهم لنا؟ فخلال 8 سنوات كانوا يشهدون بأم أعينهم، وهم في مخيمات اللاجئين في غزة، كيف حولنا الأراضي والقرى التي عاشوا فيها هم وأسلافهم إلى وطن لنا". اعترف ديان بحقيقة ما فقده الفلسطينيون، لكنه لم يعترف أبدا بحقهم في استعادة ما فقدوه. ختم ديان كلمته بحث الإسرائيليين على الاستعداد لحرب مريرة ستدوم للأبد، وستكون فيها أهم الأدوار لما تسميها إسرائيل "مستوطنات الجبهة".

إعلان

مضت السنوات الطويلة، لتستحيل المنطقة العازلة إلى قلاع أمنية ظنت إسرائيل أنها عصية على الاختراق، عززتها بأسوار تستطيل فوق الأرض وتستطيل أكثر في عمقها، وبكاميرات مراقبة ترصد كل شيء، وحساسات لرصد الحركة واستشعار الحرارة، وأسلحة رشاشة تُدار عن بُعد، ومناطيد تجسس. عندما حاول الفلسطينيون الاقتراب من هذه القلاع في مظاهراتهم السلمية عامي 2018 و2019، قتلت إسرائيل أكثر من 200 منهم. لم يستمر الفلسطينيون بالمخاطرة بحياتهم حينها، واطمأنت إسرائيل لقدرتها على ردع المستضعفين، حتى جاء السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

سرب "صقر" إحدى الوحدات العسكرية التي شاركت في عملية طوفان الأقصى (مواقع التواصل)

في صبح ذلك اليوم الذي تحول إلى علامة فارقة في تاريخ فلسطين، استطاعت كتائب عز الدين القسام، التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن تخترق هذه القلاع بكل تعزيزاتها، لتقتحم المواقع العسكرية، وتبيد فرقة غزة التابعة للجيش الإسرائيلي، قبل أن تنتقل إلى المستوطنات التي تعتبرها إسرائيل أهم نقاط دفاعاتها الحقيقية، مستوطنات الجبهة. قتل المقاومون الفلسطينيون قرابة 1200 إسرائيلي، وأسروا عشرات آخرين، واستعادوا أرضهم لساعات امتدت أكثر مما تصور مخططو يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن يتحيز منهم من استطاع إلى فئته ويعودوا إلى عقدهم القتالية ليبدؤوا الحرب.

كانت إسرائيل تدرك أن الأراضي المتاخمة للمنطقة العازلة نقطة ضعف لها على الدوام، لذلك لم تدخر جهدا من أجل غصب الفلسطينيين على تركها. ولسنوات طويلة، أغرقت إسرائيل أراضي الشمال لتمنع الفلسطينيين من الاستفادة منها وزراعتها، وهي من بين الأخصب في فلسطين، ومنعت الفلسطينيين من الوصول إلى مساحة تبلغ أكثر من 62 ألف دونم تشكل ثلث الأراضي الزراعية في قطاع غزة.

لم يستطع الفلسطينيون زراعة أرضهم، حتى بعد الاتفاقات التي أبرمتها حركة حماس مع سلطات الاحتلال والتي نصت على تقليص المنطقة العازلة إلى 100 متر، حيث لم تلتزم بها سلطات الاحتلال على الإطلاق، بل إن مؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان وثقت استهداف القوات الإسرائيلية لأي حركة على مسافات تصل لأبعد من 600 متر بعيدا عن السياج الفاصل.

إعلان

لذلك، عندما رأت إسرائيل خطوطها الدفاعية تنهار كلها رغم انتهاكاتها المستمرة، رأى قادتها العسكريون والمدنيون على السواء أن الحل يكمن في إبعاد الفلسطينيين أكثر وأكثر عن الأراضي التي عاشوا فيها هم وأسلافهم. وبهذا بدأت الإبادة في الشمال.

ومنذ بدء حرب الإبادة، تصاعدت الدعوات داخل إسرائيل وبين الجاليات الداعمة لإسرائيل حول العالم لتوطين الإسرائيليين في منطقة شمال غزة، وإعادة بناء المستوطنات التي تفككت مع الانسحاب الإسرائيلي عام 2005. وصل الأمر إلى أن عُقدت مؤتمرات وفعاليات حول العالم لبيع أراضي شمال وشرق القطاع لمطورين عقاريين وأفراد على اعتبار أن الأمر قد قُضي وأن الوجود الفلسطيني قد انتهى من هذه المنطقة وإلى الأبد. لكن كان للفلسطينيين رأي آخر.

كان مشهد العودة مليئا بمشاعر متناقضة، تكبيرات وتهليلات، ثم زغاريد وبكاء من الفرح والإرهاق، وأناشيد تحاكي العودة للديار (الفرنسية) بروفة العودة

من على "تبة النويري" الواقعة في الشمال الغربي من مخيم النصيرات، كان المشهد مهيبا في اللحظات الأولى لدخول محور "نتساريم" مع مئات آلاف النازحين، الذين قضوا ليلتهم في العراء شوقا للعودة إلى غزة. كانت لحظات ترقب وقلق بعد أن تلكأت إسرائيل في فتح الطريق الفاصل بين جنوب القطاع وشماله.

كان مشهد اصطفاف النازحين بانتظار العودة قاسيا لا بالنسبة لإسرائيل فحسب، فقبل يوم واحد فقط، صرّح الرئيس الأميركي العائد دونالد ترامب أن على الدول جيران الفلسطينيين أن تستقبل سكان غزة "لتنظيف القطاع"، فكان رد الفلسطينيين ما رأى ترامب والإسرائيليون. ومثل خاسر حانق، سعى الإسرائيلي كعادته إلى طمس فرحة الفلسطينيين بعودتهم المرتقبة، فقبل ساعات من فتح محور نتساريم وتحديدا في ساعات الليل، خرج سرب من طائراته المقاتلة في مشهد استفزازي لتكسر حاجز الصوت، تلاها تحليق طائراته المروحية من نوع "أباتشي" على علو منخفض فوق الحشود، في محاولة يائسة لدفع الفلسطينيين إلى المغادرة والعودة للجنوب مجددا.

إعلان

لكن اللحظات الأخيرة قبل العودة كانت مليئة بالمشاعر. فقد سارع بعض الفلسطينيين إلى حرق خيام النزوح تعبيرا عن فرحتهم بالعودة. ومثلت الخيمة النكبة بالفعل، وكان حرقها قضاء عل اليأس ونكاية في التشرد الذي أرادت إسرائيل فرضه على الفلسطينيين طيلة أيام الحرب. وتكررت مشاهد حرق الخيام بين الفلسطينيين قبل عودتهم مع إدراكهم بأنه لا بيوت تنتظرهم بعد أن دمرتها إسرائيل. لكن هذه العودة تجسيد حي ومباشر لسعي الفلسطيني نحو كتابة فصل جديد في نضاله ضد الاحتلال الإحلالي.

ومن على الأرض، كان مشهد العودة مليئا بمشاعر متناقضة، تكبيرات وتهليلات، ثم زغاريد وبكاء من الفرح والإرهاق، وأناشيد تحاكي العودة للديار، فرحة حاول بها الفلسطيني أن يقاوم كل التعب ومرارة الحرب التي عاشها طيلة 470 يوما.

تجسدت ثنائية الفرح والألم في تدفق السيل البشري عبر شارعي الرشيد غربا، وصلاح الدين شرقا، من جنوب القطاع إلى شماله لأول مرة منذ إجبار الإسرائيليين إياهم على الرحيل. وشملت جحافل الفلسطينيين العائدين من فلسطين إلى فلسطين كل الأطياف: نساء وشيوخا وأطفالا وفتية، مصابين ومرضى، بعضهم على كراسي متحركة، وآخرون على عكاكيز، ومنهم من سار على أطراف صناعية.

عمد الإسرائيليون إلى حفر عشرات الحفر وتشييد التلال الرملية التي تملأ طريق العودة، وهو ما أعاق حركة السير خاصة بين النساء والأطفال وكبار السن والمرضى (الأناضول) لن نُخرَج من أرضنا مرتين

تزيد المسافة التي قطعناها مشيا على الأقدام من "تبة النويري" إلى مدخل مدينة غزة على 8 كيلومترات، وهي المنطقة المعروفة بـ"محور نتساريم"، الذي أنشأه الجيش الإسرائيلي منذ الأيام الأولى لدخوله بريا قطاع غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قبل أن ينسحب منها في صباح الاثنين 27 يناير/كانون الثاني 2025.

ويمتد المحور على مساحة تزيد على 56 كيلومترا، وهو بما يوازي 15% من مساحة قطاع غزة، حيث يقسم المحور قطاع غزة إلى قسمين شمال وجنوب وادي غزة، وخلال وجود جيش الاحتلال في المحور اقتطعت آلياته مناطق شاسعة من قطاع غزة وضمتها للمحور. ففي الجهة الجنوبية ابتلع المحور بشكل كامل بلدات الزهراء والمغراقة وجحر الديك والأطراف الشمالية الغربية من مخيم النصيرات والأطراف الشمالية الشرقية من مخيم البريج، أما شمالا فضم المحور منطقة الشيخ عجلين وجنوب منطقة تل الهوى وأطراف حي الزيتون.

إعلان

لكن الفلسطينيين لا يرون إلا طريقا يفصل فلسطين عن فلسطين.

في طريق العودة ترى فلسطين، كل فلسطين. وهناك رأينا ريهام مسلم، وهي سيدة في الأربعينيات من العمر تسير مع ابنتيها بخطى متسارعة وقد بدت عليها ملامح التعب: "أتوق لرؤية بيتي وأرضي في بلدة بيت لاهيا، التي لا أعلم عنها شيئا منذ نزوحي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، سمعت أن الجيش جرف المنطقة ولكني أود العودة لاستصلاح الأرض وزراعتها من جديد بالتوت الأرضي والبازلاء كما كنا في السابق قبل العدوان".

عدد من عادوا لمدينة غزة ومحافظات شمال القطاع في اليوم الأول للعودة تجاوز 300 ألف نازح، وهو رقم يوازي ثلث من غادروا المدينة قسرا (الأناضول)

وغير بعيد عنها التقينا الحاج أبو رامي البشتلي، وهو مسنّ أوحت تجاعيد وجهه أن عمره يفوق عمر إسرائيل. كان البشتلي يسير بين الحشود، يقوده حفيده، يردد تكبيرات العيد وعيناه تملأها الدموع، قبل أن يقول: "عشت النكبة مع والدي عام 1948 وكان عمري آنذاك 4 سنوات، أتذكر حينها كم كان نزوحنا من بلدة بشيت إلى مدينة غزة مرهقا وصعبا، وكم ندمنا لاحقا على قرار الخروج". لكن يعود البشتلي ليقول في أمل ظاهر إنه يشعر أن عودته لمدينة غزة "تكفير عن ذنب كنت قد اقترفته حينما خرجت من بلدة بشيت التي لم أعد إليها حتى الآن".

ويقول البشتلي إنه كان يدعو الله ألا يكتب له خروجا من بيته مرتين، وأن يكتب له عودة لإحداهما (في غزة أو بشيت). "وكانت مشيئة الله حاضرة بأن كتب لي هذه العودة الأولى وآمل أن يكتب لي عودة إلى مسقط رأسنا في بشيت".

أما حفيده سامي، والذي كان يجر عربة جده وسط الحشود على شارع الرشيد فقال إن جده كان طيلة أيام الحرب يسأل عن موعد العودة، ليرد من حوله "لماذا تسأل عن العودة وأنت تعلم أن لا بيت ينتظرنا"؟ فكانت إجابته دوما أن "خروجنا من غزة كان خطأ علينا تصحيحه، حتى لا تضيع منا غزة كما ضاعت بشيت".

إعلان

وقدر مكتب الإعلام الحكومي بغزة أن عدد من عادوا لمدينة غزة ومحافظات شمال القطاع في اليوم الأول للعودة تجاوز 300 ألف نازح، وهو رقم يوازي ثلث من غادروا المدينة قسرا بسبب الهجمات والتحذيرات الإسرائيلية بإخلاء المدينة في الأيام الأولى للعدوان. ويتحدث الفلسطينيون عن أن عودتهم ستستمر من جنوب القطاع إلى شماله خلال الأيام القادمة، في ظل انسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط العسكرية التي أنشأها في المنطقة.

سيعود الفلسطينيون المتشوقون والذين لم يمنعهم من العودة في اليوم الأول إلا انتظارهم تعبيد طريق العودة ليكون ملائما للسير مشيا على الأقدام بعد أن عمد الإسرائيليون إلى حفر عشرات الحفر وتشييد التلال الرملية التي تملأ طريق العودة، وهو ما أعاق حركة السير خاصة بين النساء والأطفال وكبار السن والمرضى.

سيلتم الشمل من جديد

عاد الفلسطينيون أمس، وسيعودون جميعا اليوم أو في قابل الأيام، لكن مآربهم في العودة تختلف. تباينت توجهات وأهداف من قرروا العودة في اليوم الأول من جنوب القطاع إلى شماله، فبعض الأسر تقطعت أوصالها وتشتت أفرادها، حيث عاش جزء منهم في شمال القطاع، في حين اضُطر آخرون إلى النزوح جنوب القطاع.

التقينا على الطريق الساحلي أثناء توجهنا لمدينة غزة بالعشرات من هذه العائلات التي كانت تستعد للم شملها لأول مرة منذ نزوحهم. من بينهم كانت سيدة تدعى رغد شمالي (27 عاما)، نزحت رفقة 3 من أبنائها من حي الشجاعية شرق مدينة غزة إلى مخيم النصيرات وسط القطاع في الأيام الأولى للعدوان. تعدّ رغد الأيام وتقول "أود أن ألتقي زوجي وعائلته لأول مرة منذ 452 يوما". كان نزوح رغد للجنوب من دون زوجها شديد الصعوبة كما تقول، "لكنني خشيت أن أفقد كامل عائلتي سواء بالقصف أو الاعتقال، وكان قراري نابعا من خوفي أن أفقد كل أفراد عائلتي بشكل كامل".

لكن لم الشمل ليس سواء كله. فسامر المصري، وهو شاب يبلغ من العمر 36 عاما التقيناه في طريق العودة إلى الشمال. من بلدة بيت حانون أقصى شمال القطاع، أخبرنا عن الأسباب التي تدفعه للعودة لأقصى نقطة في شمال القطاع قائلا: "أود أن أذهب للشمال لإخراج جثة أبي وأخوتي الثلاثة الذين استشهدوا قبل 5 أشهر وما زالت جثامينهم تحت ركام المنزل، أود أن أكرمهم بدفنهم في قبر يليق بهم، وأن أودعهم وأن أقيم لهم بيت عزاء على أنقاض منزلنا".

إعلان فشل الرهان الإسرائيلي

أفشل صمود الفلسطينيين مخططات إسرائيل جميعها. فقد أرادت إفراغ الشمال من سكانه، وطرح مسؤولون إسرائيليون تنفيذ ما يعرف بـ"خطة الجنرالات"، و"الجزر الإنسانية"، وتشجيع هجرة المستوطنين إلى شمال القطاع لإقامة تجمعات استيطانية داخلها كما كان عليه الوضع في غزة قبل 20 عاما. كان الهدف الإسرائيلي من وراء ذلك هو محاولة اجتثاث أي مظهر من مظاهر الحياة في شمال القطاع، على أمل أن يساهم ذلك في مغادرة من تبقى من الفلسطينيين والاتجاه نحو الجنوب، تمهيدا لضم هذه المناطق للمستوطنات الإسرائيلية المحاذية لغزة كتوسيع مستوطنة سديروت عبر اقتطاع أجزاء من بلدة بيت حانون لضمها إليها.

فشلت هذه المخططات الإسرائيلية، على الرغم من أن عدد من تبقى مرابطا في مدينة غزة ومحافظات شمال القطاع رافضا النزوح نحو الجنوب لم يتجاوز 300 ألف مواطن وفقا لأرقام مكتب الإعلام الحكومي بغزة، هذا مع الإشارة إلى أن عدد من غادروا مدينة غزة ومحافظات شمال القطاع نحو الجنوب تجاوز المليون نازح وفقا للأونروا.

يحمل الفلسطيني مفتاح منزله الذي أُخرج منه أيام النكبة، ويورثه لأولاده حتى يعودوا، ويبدو أنهم قد بدؤوا العودة بالفعل. لا تمثل العودة حق الفلسطيني في السيطرة على الأرض، بل إلى حقه التطلع إلى العدل والكرامة وإعادة التاريخ إلى مساره الطبيعي الذي قطعه الاحتلال.

وإذا كان مشهد زحف الفلسطيني عائدا لأرضه مهيبا وملهما، فإن الرسالة التي أوصلها التقطتها إسرائيل بكل وضوح.

ففي صباح اليوم التالي لبدء عودة الفلسطينيين إلى ديارهم المدمرة الجميلة كتب المحرر العسكري لصحيفة هارتس الإسرائيلية عاموس هاريل إن "مشهد عودة حشود الفلسطينيين سيرا على الأقدام يحطم وهم النصر المطلق الذي ظل نتنياهو ومؤيدوه يعدون به طوال الأشهر الماضية".

وفي أسى ظاهر قال هاريل إنه بالنظر إلى الصورة الكبرى، فإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قدمت بعض التنازلات التكتيكية استجابة لضغوط التفاوض، لتحقيق فوز إستراتيجي كامل، بعودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع، وهو ما يمنع نتنياهو من مواصلة الحرب، ويسمح لحماس بإعادة بناء قواتها في الشمال، والتي لم تنسحب في أي مرحلة من القتال. وبوضوح شديد يقول هاريل: "يسحق صمود حماس على الأرض أي تهديد إسرائيلي بتهجير الفلسطينيين أو بنكبة ثانية".

إعلان

لكن ليس صمود حماس وحدها هو ما فعل ذلك، بل عناد الفلسطيني في كل مكان. ولا تمثل العودة إلى شمال غزة إلا بداية تحقيق الحلم للفلسطينيين. إن مشاهد الحشود الفلسطينية العائدة إلى شمال قطاع غزة لا تؤكد فحسب على أن العودة حق سياسي، بل أساس لهوية الفلسطيني وذاكرته ومستقبله. فلا يفهم الإسرائيلي أن العودة لا تهدف إلى استعادة البيوت التي هدمها أو الأرض التي دمرها فحسب، بل إلى إجبار العالم على الاعتراف أن هذه أرض الفلسطينيين، كما سيُجبر على الاعتراف أن كل فلسطين أرضهم.

مقالات مشابهة

  • تحويلات مرورية لتنفيذ أعمال إنشائية خاصة بمحطة مترو أنفاق "14 – الجيزة"
  • دراسة إسرائيلية تستعرض إيجابيات وسلبيات صفقة التبادل مع حماس
  • كاذبة بالكامل..إسرائيل تنفي اتهامات حماس بالمماطلة في إدخال المساعدات إلى غزة
  • مبعوث «ترامب» يصل إسرائيل لتثبيت وقف النار في غزة
  • العودة للشمال: أرادت إسرائيل نكبة ثانية، ففاجأتها غزة بطوفان ثان
  • خيبة أمل إسرائيلية من سرعة انتشار شرطة حماس في غزة.. فشل أهداف الحرب
  • نعيم قاسم: إسرائيل خسرت في امتحان الشرف وانهزمت في لبنان وغزة
  • مبعوث «ترامب» يتوجه إلى إسرائيل وغزة لتثبيت وقف إطلاق النار
  • إمارة عسير: عودة مشغلي الأموال لممارساتهم ادعاءات ومن لديه معلومات فليبلغ عنها
  • قناة إسرائيلية: جنود الاحتلال غادروا نتساريم وهم يذرفون الدموع