تؤكد كل القراءات التاريخية أن مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه شَكَّلَ لحظة انكسار في تاريخ المسلمين. فبمقتله دخلت الأمة حالة من الفتنة نُقِضَت على إثرها عرى الإسلام عروة تلو الأخرى، وكانت أولها نقضا الحكم بعد عودة نظام التوريث القائم على العصبيات. على ذلك، لم يصبح السؤال وقتئذ عند المسلمين، من هو الشخص الأحق بالحكم، بل أصبح السؤال، من هي العَصَبَةُ الأَوْلْى بسيادة الأمة.



وأمام هذا المعطى الطارئ الذي هدم مبدأ عالمية الرسالة الإسلامية، وكسر مبدأي الشورى والعدل في الحكم، استغل بنو أمية، وأغلبيتهم من مسيلمة الفتح، دعوى أولوية الثأر لدم عثمان والعصبية الأموية، واعتبروا عدم الانكباب على هذه المهمة خيانة وتقصيرا من الحاكم وتفريطا في دم الخليفة الثالث، ما نجم عنه مرة أخرى مقتل الإمام علي.

 إذا كان مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه قد تسبب في انكسار تاريخي تجَرَّعتْ الأمة ويلاته قرونا من الزمن بعدما انتقضت عروة الحكم وانفرط عقد باقي العرى، فإن اغتيال الشهيد هنية سيكون بمثابة نقطة التأسيس لانجبار تاريخي لن تختفي بسببه المذهبية داخل الأمة، وإنما تتخلص عبره كل القيود التاريخية بانصهارها في وحدة المصير ونشدان لخلاص جماعي..كذا أضحى مقتل عثمان بن عفان بمثابة الضربة التي تصيب الزجاج الأمامي لسيارة، حيث يبدو أن أثر الضربة مجرد خدش صغير، لكن كلما تحركت السيارة واهتزت، توزعت الشقوق في كل الاتجاهات حتى تصبح الرؤية شبه مستحيلة على السائق، ما يدفعه إما إلى التوقف أو صدم السيارة بمن فيها من الركاب. وذاك بالفعل ما حصل، انتقل الحكم بالسيف بين العصبيات، وانكسرت بيضة الإسلام.

وأمام هذا الانكسار التاريخي، انقسمت الأمة إلى فريقين كبيرين شيعة وسُنَّة؛ فأما الشيعة فرسموا لأنفسهم طريقا في العقيدة والحديث والفقه والتفسير، ووضعوا أصولا لهم في ذلك، في حين نهج أهل السُّنة طريقا مغايرا في كل تلك المجالات، ما جعلنا أمام أمتين داخل أمة واحدة. وما زاد الطين وحلا وليس بلة، أن الشيعة اعتبروا السُّنة مغتصبين للإمامة، في حين اعتبر السنة الشيعة سببا في تقسيم الأمة والعبث بأصول شريعتها.

ظل وضل الفريقان قرونا يوسعون الهوة ويوغرون الفتق في جسد الأمة، إذ يكفي هنا أن نذكر بالفتاوى المتبادلة بعدم جواز الصلاة خلف المخالف، وعدم جواز الزواج به، وعدم جواز التوارث بين الفريقين، ناهيك عن عدم جواز القتال تحت رايته لأنها في اعتقاد الفريقين راية عِمِّيَة. ورغم كل محاولات المجامع الفقهية للتقريب بين المذهبين، بقي أثر الانكسار التاريخي مستحكما في كل مفاصل هذه العلاقة، ومعيقا كل محاولات تحقيق هذا التقارب المنشود. علاوة على ذلك سيزداد الأمر تعقيدا بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 مع تنامي الخوف من تصدير الثورة، فكان الصدام في الحرب العراقية الإيرانية التي زادت الممزق تمزيقا.

كل هذه الأحداث ستشهد منعطفا كبيرا أمام بزوغ حركتي حماس والجهاد، باعتبارها مقاومة إسلامية بأرض فلسطين، خاصة عندما قررت إيران احتضان المقاومة الفلسطينية ومدها بالسلاح والخبرات العسكرية والتمويل اللازم، ما دفع بعض المحللين إلى الاعتقاد بأنها بداية صَبْغِ المقاومة بالتشيع، أو على أقل تقدير إخضاعها لأجندات إيران، وتحويلها إلى مجرد أداة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية في المنطقة والضغط على الغرب في ملفات على رأسها الملف النووي والحصار الاقتصادي.

غير أن معركة طوفان الأقصى وضحت بكل جلاء تهافت تلك الآراء والتحليلات والفرضيات، سيما وأن حركة حماس انفردت بقرار توقيت الحرب، وخطة الحرب، واستراتيجية الحرب، ومن ثم أصبحت حماس هي صاحبة المبادرة وهي من تقود الصراع في المنطقة، وهي من تتحكم في إيقاعاته، وتمتلك الكلمة العليا في تحديد مصيره، وهذه نقطة قَلَّ من ينتبه إليها من المحللين السياسيين والخبراء العسكريين الذين مازالوا يعتقدون أن قرار المقاومة الفلسطينية بيد إيران، وأن تفاوض الغرب معها حول ملفاتها هو الطريق الأقرب لإنهاء أو التخفيف من التوتر في المنطقة. لقد فندت معركة طوفان الأقصى كل هذه المزاعم أولا، باستقلال قرار الحرب، وثانيا  بتولي فصائل المقاومة عملية التفاوض دون وصاية إيرانية تذكر.

أيا تكن النيات الإيرانية في دعم المقاومة، وأيا تكن خلفيات حماس في قبول ذلك، سيبقى هذا التعاون الاستراتيجي والتنسيق التكتيكي بين إيران الشيعية وحركة حماس السُّنِيةُ اختيارا فارقا في تاريخ الأمة، واختراقا لكل الحُجُب التاريخية التي حالت دون التقارب بَلْهَ التعاون استراتيجيا في مواجهة التحدي الصهيوني، والتنسيق تكتيكيا وميدانيا في جبهة مقاومة موحدة. إن هذا التوجه، غير المسبوق في تاريخ الأمة، يقتضي مسبقا وجودَ منسوبٍ عَالٍ من الثقة بين الطرفين، كما يقتضي تجاوز كل المسلَّمات التاريخية والمعطيات العقدية والفقهية التي طالما نسجت على منوال ذي القرنين(سلبا وليس إيجابا) فبَنَتْ سُداً ووضعت بين السُّنة والشيعة رَدْماً، ظُنَّ بعد مرور 15 قرنا اَلَّنْ تَسْطِعَ الأمة الإسلامية أن تَظْهَرهُ وأَلَّنْ تستطيعَ له نَقْباً.

ها نحن اليوم، وبعد معارك تارخية على كل المستويات العقدية والفقهية والسياسية والعسكرية، يجتمع أمر الشيعة والسنة على أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وينجمع هَمُّنا على العدو الحقيقي والاستراتيجي "إسرائيل" الذي وضعه الغرب الإستكباري الصهيوني في قلب الأمة الجغرافي والمعنوي، لعله يحول دون أي وحدة بين دول المنطقة، وها هي أيضا دماء الشهداء في فلسطين واليمن والعراق ولبنان وإيران تجمعها قضية واحدة وهي فلسطين، وطريقا واحدا هو طريق القدس. فحتى أكبر متفائلي الأمة لم يتخيلوا يوما إمكانية وقوع معركة مع عدو ما تجمع المعسكر الشيعي والمعسكر السني في خندق واحد إلا بعد حصول وحدة الأمة وانتفاء كل أسباب الفرقة بينها.

غير أن الواقع أثبت عكس ذلك، حيث برهنت معركة طوفان الأقصى أن وحدة الميدان، وصدق الإقبال على الشهادة، واختلاط الدماء في سبيل قضية فلسطين، لم تنتظر وحدة أنظمة سايكس بيكو، بل سَرَّعَت بانجبار الانكسار التاريخي والعودة بالأمة إلى نقطة ما قبل الانكسار حين كان الهدف واحدا والغاية واحدة والمصير واحدا والعدو محددا خارج الأمة لا داخلها.

إن مشهد صلاة الجنازة على القائد الشهيد إسماعيل هنية التي أَمَّهَا المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي، قد عصف بكل الفتاوى الفقهية المتعصبة، وبدد كل المواقف العقدية المتطرفة، كما غاض كل المغرضين الذين يكرهون انبعاث الأمة ووحدتها، كما أن لحظة خطبة المجا.هد خليل الحية واعتلاءه جمهور صفوة المُعَمَّمِينَ (أصحاب العمائم) طوت ولو لبرهة من الزمان تاريخ الأحقاد وكَيْلِ التهم بين مذهبين كبيرين داخل الأمة.

ها نحن اليوم، وبعد معارك تارخية على كل المستويات العقدية والفقهية والسياسية والعسكرية، يجتمع أمر الشيعة والسنة على أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وينجمع هَمُّنا على العدو الحقيقي والاستراتيجي "إسرائيل" الذي وضعه الغرب الإستكباري الصهيوني في قلب الأمة الجغرافي والمعنوي، لعله يحول دون أي وحدة بين دول المنطقةأما الجنازة التي انطلقت من جامعة طهران وما تحمله من رمزية ثورية، فقد جابت أكبر شارع في طهران وسط مئات الآلاف، ولمسافة زادت عن 6 كيلومترات. ولعل ما شَدَّ انتباهي كثيرا أثناء الموكب الجنائزي المهيب، تسابق المُشَيِّعِينَ على لمس نعشه أوإلقاء قطع من الثوب والرجاء ممن هو على الشاحنة المكشوفة مسحها على نعشه وإعادتها إليهم، تَبَرُّكاً بنفحات الج.هاد التي تفوح من جسده الطاهر؛ وهذا لَعَمْري تَحوُّل ملفت وفارق في الوجدان الشيعي والشعور الجمعي الذي كان لا يؤمن ب "المقدس" و"البركة" خارج دائرة الدم الشيعي.

لقد كانت جنازة شهيد الإنسانية إسماعيل هنيية، بكل التفاصيل التي رافقتها، لحظةً تستوجب استدعاء الدلالات، وحدثا يقتضي قراءة ما وراءه، خصوصا أمام ما اجترَّته الأمة وتجترُّه من شرخ وعداوات تاريخية بين الشيعة والسنة. من ثم يجوز لنا القول إنه إذا كان مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه قد تسبب في انكسار تاريخي تجَرَّعتْ الأمة ويلاته قرونا من الزمن بعدما انتقضت عروة الحكم وانفرط عقد باقي العرى، فإن اغتيال الشهيد هنية سيكون بمثابة نقطة التأسيس لانجبار تاريخي لن تختفي بسببه المذهبية داخل الأمة، وإنما تتخلص عبره كل القيود التاريخية بانصهارها في وحدة المصير ونشدان لخلاص جماعي، واستشراف مستقبل تحرير الأمة وانعتاقها من أكبر سرطان أصابها وأضعف مناعتها وكسر بيضتها ألا هو الاحتلال الصه.يو.ني الغاصب ومن ورائه الغرب اللبرالي الإمبريالي المتوحش.

إننا إذن أمام لحظة فارقة تطوى فيها مرحلة الإنكسار التاريخي ومنعطف ينفتح على أفق يستشرف زمن الانجبار المستقبلي. بناء عليه، يتوجب على مكونات الأمة الانخراط في هذا الأفق والتبرم من كل أشكال النفخ في الفتنة والتفرقة، لعلنا نعجبل بتحقق هذا الانجبار وعدم تعطيله.

وختاما، قد يعتبر القارئ هذا الطرح مبالغا فيه، كما قد يصفه بالحالم والطوباوي، والجواب أنه إذا سلمنا بأن مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه كان سببا في هدم أهم أمر في القرآن وهو " العدل"، وسببا في خرق أُسَّ نظام الحكم المتمثل في "الشورى"، مما أدخل الأمة في دوامة التوريث التي لم تدع مجالا للإصلاح إلا من خلال الانقسامات والثورات كما يشهد على ذلك التاريخ، فإنه من باب القياس التاريخي يمكننا اغتنام مناسبة استشهاد القائد اسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية (لحكمة يعلمها الله المنزه فعله عن العبث) ليكون نقطة انجبار مستقبل تاريخ الأمة. وبالموازاة لكل هذه الأسباب البشرية نستمطر توفيق الله عز وجل من خلال قوله سبحانه ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [ آل عمران: 103]

*كاتب وباحث مغربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير فلسطين إسماعيل هنية اغتيال فلسطين اغتيال إسماعيل هنية تداعيات سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

أحمد علي سليمان من إندونيسيا: على الأمة التمسك بوحدتها تحت راية القرآن الكريم والسنة النبوية

قال الدكتور أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إن شكر هذه النعم يكون باستثمارها في بناء الأمة ونهضتها ومجدها. 

وأوضح “سليمان” خلال خطبة الجمعة اليوم 14 رمضان 1446هـ الموافق 14  مارس 2025م، في معهد دار النجاح الثاني شبيننج بمنطقة بوجور – بجمهورية إندونيسيا، وسط حضور حاشد من السادة العلماء والدعاة والمعلمين والطلاب وجموع المصلين، أن الأمة الإسلامية تمتلك كل مقومات القوة والريادة.

وجاءت الخطبة تحت عنوان "معالم على طريق وحدة الأمة الإسلامية وتراحمها وتكافلها وقوتها وازدهارها"، حيث تناول فيها معالم الوحدة الإسلامية وأسباب قوتها، وسبل استثمار  معاني الصيام وشهر رمضان في تعزيز الروابط بين المسلمين، مع تأكيده على ضرورة استثمار قيم الإسلام في نهضة الأمة.  

المحاور الرئيسية للخطبة:

أولًا: شكر نعم الله واستثمارها في النهوض

بدأ بالتذكير بعظيم نعم الله على الإنسان، والتي لا تُعد ولا تُحصى، مشددًا على أن شكر هذه النعم يكون باستثمارها في بناء الأمة ونهضتها ومجدها. مشيرا إلى أن الأمة الإسلامية تمتلك كل مقومات القوة والريادة، لكنها تحتاج إلى (إرادة وإدارة) وإلى وعي بأهمية هذه النعم ومقومات الوحدة والعمل بها وفق تعاليم الإسلام.

ثانيًا: القرآن الكريم مفتاح الوحدة والنهضة

أكد الدكتور سليمان أن الأمة الإسلامية كانت في مقدمة الأمم عندما تمسكت بكتاب الله وسارت على هديه، فحققت نهضة علمية وحضارية شهد لها العالم، وأسهمت في نشر العلوم والفنون والآداب شرقًا وغربًا. 

وأضاف: “إذا أرادت الأمة أن تستعيد مجدها، فعليها أن تتمسك بوحدتها تحت راية القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فربنا واحد ولدينا كتاب واحد، ورسول واحد، وتاريخ مشترك، وغاية واحدة.”

ثالثًا: القيم الدافعة للوحدة والقوة والتقدم

أوضح الدكتور سليمان أن الإسلام يحمل في طياته منظومة متكاملة من القيم التي تدفع الأمة نحو الوحدة والتقدم والقوة، ومن أبرزها:

    •    القيم الدافعة للوحدة في الفكر الإسلامي، والتي إذا فُعِلِّت فستجعل المسلمين إخوة متحابين متكاتفين.
    •    القيم الدافعة للتقدم، من خلال استثمار المعرفة والعلوم في تحقيق النهضة.
    •    القيم الدافعة للقوة، والتي إذا فُعِلِّت سنمتلك مقومات العزة والاستقلال الحضاري والعلمي.
    •    القيم الدافعة للتكامل، حيث يكمل بعضنا بعضًا في مسيرة البناء والتنمية.
* القيم الدافعة للتكافل والتراحم والمرحمة بين المسلمين في كل أرض الله.

رابعًا: رمضان شهر الوحدة والتكافل

أشار عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية إلى أن شهر رمضان يمثل فرصة عظيمة لترسيخ معاني الوحدة بين المسلمين، حيث يتوحدون في عباداتهم وصيامهم وصلاتهم ودعائهم، ويعيشون معاني الصبر والإخلاص والتكافل الاجتماعي، مما يعزز الروابط الأخوية ويعيد للأمة الإسلامية تماسكها. واستشهد بقول الله تعالى:
“إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” [الأنبياء: 92].
وقوله تعالى: “وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ” [المؤمنون: 52].
خامسًا: أهمية بناء الإنسان الصالح المصلح

ونبه فضيلته إلى أن الاستثمار الحقيقي للأمة يكمن في بناء الإنسان الصالح المصلح، الذي يسهم في صلاحها وإصلاحها ونهضتها ويكون نموذجًا للإسلام في أخلاقه وسلوكه وعمله، مشددًا على أن بناء الأفراد هو حجر الزاوية لإصلاح المجتمعات والدول.

سادسًا: استعادة الدور الحضاري للأمة الإسلامية

أعاد الدكتور أحمد علي سليمان التأكيد على أن العالم الإسلامي كان يومًا ما منارة العلم والمعرفة، حيث أسهم المسلمون في الطب والهندسة والفلك والرياضيات، في الوقت الذي كانت أوروبا تعيش في عصور الظلام. وأضاف أن الحضارة الغربية أخذت علوم المسلمين، ثم أعادتها إليهم ثانية بعد أن غلفتها بثقافتها.

وأشار إلى أن الأمة الإسلامية تمتلك الثروات البشرية والمادية والطبيعية من العقول والمقدرات والخيرات والخبرات  التي تمكنها من استعادة دورها الرائد في بناء الحضارة الإنسانية، إذا استثمرت في المعرفة والبحث العلمي ووفرت البيئة المحفزة للإبداع والابتكار، بدلا من المضي في صناعة التفاهة والرخاوة عبر وسائل الإعلام.

سابعًا: دعوة إلى الأخوة الإسلامية والإنسانية

وجّه الدكتور أحمد سليمان نداءً إلى جميع المسلمين في كل أرض الأرض بأن يكونوا على قلب رجل واحد، مؤكدًا أن المسلم في إندونيسيا هو أخ للمسلم في مصر والسعودية والجزائر والمغرب وسوريا وليبيا وماليزيا وباكستان والسودان وفي كل بلاد العالم الإسلامي، داعيًا إلى نبذ الفرقة والاختلاف والتمسك بروح الإخاء الإسلامي.

كما دعا إلى تعزيز الأخوة الإنسانية بين الشعوب ونشر ثقافة والتسامح والتربية عليها في شتى دول العالم لإيجاد أجيال جديدة من البشر يتراحمون، بحيث تتوقف الحروب والصراعات، ويعيش البشر في سلام ووئام، متعاونين في الخير والحق والسلام والوئام.

ثامنًا: القضية الفلسطينية والمسؤولية الإسلامية

لم تغب القضية الفلسطينية عن خطبة الدكتور أحمد علي سليمان، حيث أكد أن وحدة المسلمين وقوتهم شرط أساسي لتحرير المسجد الأقصى ونصرة المستضعفين في كل مكان، داعيًا الأمة الإسلامية إلى تكاتف الجهود لحماية المقدسات والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعوب المسلمة لاسيما فلسطين الأبية.

أحمد علي سليمان من إندونيسيا: الأزهر هدية الله للعالم ومنهجه حصانة للمسلمين ضد التطرفالدكتور أحمد علي سليمان يزور الفرع الثاني من "دار النجاح" في بوجور بإندونيسياخير وأحب إلى الله.. د. أحمد علي سليمان يكشف الصفات المقصودة بـ المؤمن القويأحمد علي سليمان: المرأة المسلمة كانت دائمًا ركيزة أساسية في نهضة الأمة

 دعاء للأمة الإسلامية

واختتم  بدعاء خاشع لله عز وجل، سائلاً المولى أن يلهم المسلمين رشدهم، ويوحد صفوفهم، وينصرهم على أعدائهم، وأن يجعل رمضان شهر خير وبركة للأمة الإسلامية، وأن يحفظ مصر وإندونيسيا بلاد المسلمين من الحروب والفتن ما ظهر منها وما بطن.

كمل دعا الله أن يقوي مصر بقوته، ويُعزها بعزته، وأن يجعل لها مهابة مستدامة في قلوب الأعداء، فهي التي ذكرها الله صراحة وكناية في القرآن الكريم، وتجلى عز وجل على بقعة فيها، ولم يتجلَّ على بقعة سواها. كما دعا الله أن يحرر المسجد الأقصى، وأن يرحم المستضعفين في كل مكان.

تفاعل واسع مع الخطبة

لقيت الخطبة تفاعلًا واسعًا بين الحضور، حيث عبّر الكثيرون عن تأثرهم العميق بالمضامين الإيمانية والفكرية والتربوية القوية التي طرحها، واعتبروها بمثابة نداء إيماني لإعادة وحدة الأمة ونهضتها.

كما نُشرت مقتطفات من الخطبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أنحاء إندونيسيا، كما حظيت بردود فعل إيجابية من المسلمين حول العالم.

بهذه الكلمات القوية والرسائل العميقة، ترك الدكتور أحمد علي سليمان بصمة جديدة في خطابه الدعوي، مؤكدًا أن وحدة المسلمين ليست حلمًا بعيد المنال، بل هي ضرورة حتمية يمكن تحقيقها بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل الجاد من أجل نهضة الأمة ورقيها.

واعتبرت معاهد دار النجاح  أن هذه الخطبة التاريخية تعد وثيقة ملهمة من وثائق الوحدة الإسلامية، ويجب أن تُفعل الطروحات الواردة فيها لنكون كما وصفنا الله كنتم خير أمة أخرجت الناس.


 

مقالات مشابهة

  • كبار العلماء: نهضة الأمة الإسلامية تقوم على التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب
  • ملتقى الأزهر: المذهب الأشعري وحده القادر على إنقاذ الأمة من نكباتها
  • شخصيات إسلامية: عبدالله بن عباس.. حبر الأمة
  • هيئة كبار العلماء: التوكل على الله أساس نهضة الأمة الإسلامية
  • مجلس راشد بن حميد يستعرض دور الإعلام المستقبلي
  • أحمد علي سليمان من إندونيسيا: على الأمة التمسك بوحدتها تحت راية القرآن الكريم والسنة النبوية
  • دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي حول بعض المسائل الرمضانية الشائعة
  • نقاش حاد في البرلمان الأردني بعد تصريحات النائب راكين أبو هنية عن سجن الجندويل
  • خالة الزميلين أحمد وحامد آل عثمان إلى رحمة الله
  • سوريا بوابة وَحدة الأمة أو تمزقها