قدم مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، حكاية كتاب «القرآن والفلسفة» لفضيلة الدكتورمحمد يوسف موسى، وذلك في ذكرى وفاته التي توافق 8 أغسطس 1963م، وذلك استكمالًا لمشروعه التثقيفيّ «حكاية كتاب».

مؤلف الكتاب في سُطور

ولد الدكتور محمد يوسف موسى في شهر يونيو من عام 1317هـ/ 1899م، وتُوفي والده وهو ما يزال في عامه الأول من عمره، فتولَّت أُمُّه رعايته وأَعدَّته للدراسة في الأزهر الشريف؛ فحفظ القرآن الكريم بكتاب القرية في سن صغيرة، ثم التحق بالأزهر حتى حصل على شهادة العالمية عام 1343هـ/ 1925م.


 

وعُيِّنَ الدكتورمحمد يوسف موسى، مدرسًا بمعهد الزقازيق الأزهري، إلا أن ضَعْف بَصره الشديد حال دون استمراره في وظيفته؛ فاتَّجه إلى دراسة اللغة الفرنسية ليتمكن من دراسة الحقوق والعمل بالمحاماة، وقد تمَّ له ذلك حتى نافس أكبر المحامين آنذاك.
 

استثناه الإمام محمد المراغي فعاد للتدريس مرة أخرى، وعُيِّن بمعهد طنطا، ثم عُيِّن مُدرِّسًا للفلسفة والأخلاق بكلية أصول الدين عام 1356هـ/ 1937م، واختار «ابن رشد» ليكون موضوع بحثه لنيل درجة الدكتوراة من فرنسا تحت عنوان: «الدين والفلسفة في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط» عام 1367هـ/ 1948م.


 

كما عُيِّنَ أستاذًا مساعدًا لتدريس الشريعة بكلية الحقوق جامعة القاهرة -جامعة فؤاد الأول آنذاك-، وصار رئيسًا لقسم الشريعة بكلية الحقوق جامعة عين شمس، وظلَّ بها حتى أُحيل إلى المعاش عام 1378هـ/ 1959م، ثم طلب منه وزير الأوقاف العمل كمستشار للدين والثقافة بوزارة الأوقاف.
 

وقضى الدكتور محمد يوسف موسى عمره في خدمة العلم وقضايا الإصلاح والتجديد، وكان يرى أن دور الفلسفة هو وضع حلول للمشكلات الحياتية، ولم يألُ جهدًا في خدمة قضايا الدين وإصلاح التعليم والنشر والتأليف والترجمة إلى أن وافته المنيَّة في 18ربيع الأول 1383هـ، الموافق 8 أغسطس 1963م.
 

وصف الكتاب


طُبِعَ كتاب «القرآن والفلسفة» ضمن مشروع إعادة إصدار كتب التراث الإسلامي الحديث، والذي تَبنَّته مكتبة الإسكندرية للمحافظة على التراث الفكري، وللتأكيد أن إسهامات العلماء والمفكرين في الفكر النهضوي والتنويري لم تنقطع في عصر من العصور.
 

ويمثل كتاب «القرآن والفلسفة» الجزء الأول من أطروحة الدكتوراة التي قدمها الدكتور محمد يوسف موسى، وكتبها أولًا باللغة الفرنسية ثم ترجمها إلى العربية، وقد طبع هذا الكتاب للمرة الأولى في شهر ربيع الآخر من عام 1378هـ/ نوفمبر 1958م، وطبعته دار المعارف في 164 صفحة، ويمثل الجزء الثاني من الدكتوراة كتابه «بين الدين والفلسفة في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط».
 

سبب تأليف الكتاب


ذكر المؤلف سبب تأليف هذا الكتاب، فقال في المقدمة: "فإن هذا بحثًا أردت منه بيان أن القرآن كان من أهم العوامل التي دفعت المسلمين إلى التفلسف، وبيان ما اشتمل عليه من فلسفة".
وبين أن القرآن الكريم قد مثَّل حصنًا لعقول المسلمين من الانسياق وراء أفكار الفلسفة الإغريقية، وكان المصدر الأول الذي استقى منه المتكلمون آراءهم وأدلتهم على اختلاف مذاهبهم، إلا أنهم لم يفيدوا منه الإفادة الكاملة بعد.
ووضح المؤلف خطأ المستشرقين الذين زعموا أن القرآن يتعارض مع إعمال العقل.
 

منهج المؤلف في الكتاب


عرض الدكتور موسى آراء العلماء في المسائل الكلامية بشيء من التفصيل، وفنَّدها، ونقد بعضها؛ مبينًا ما رآه حسنًا فيها، ورافضًا لما يتعارض والعقيدة الصحيحة، ثم ذكر ما ترجح لديه في كل مسألة منها؛ محاولًا التوفيق بين المذاهب. 
وبدأ الكاتب بتعريف القرآن الكريم ووصف البيئة التي نزل فيها، والقضايا التي كانت تشغل الأذهان آنذاك، وبيان أن العرب كان لهم لونٌ من النظر العقلي قبيل نزول القرآن الكريم فيما يتصل بالألوهية والعالم والبعث، والقضايا التي كانت مثار خلاف بين أرباب النحل المختلفة، فجاء القرآن الكريم بالكلمة الفصل فيها.
وأن غاية القرآن وموضوعاته قضايا فلسفية تحتاج لإعمال العقل والتدبر، وتثير نزعة الجدل والتفكر، وأنه بطبيعته يدعو للتفلسف.
فقد كفا الوحي الشريف المسلمين مؤنة تشكيل الفلسفات والمفاهيم حول وجود الله، وكثير من ظواهر الطبيعية، والكون والإنسان، فصرف جهدهم بكلماته البليغة وأطروحاته الفريدة إلى شرح آياته واستنباط ما فيها من حِكَمٍ وأخلاق، مع بيان أن الفلاسفة قديمًا وحديثًا قد أتعبوا أنفسهم في البحث عن المبدأ الأول للوجود، في حين أن القرآن قد جاء بالحق ودلل عليه بالحُجج العقلية والوجدانية التي يؤمن بها العقل والقلب معًا.
أما فيما يتعلق بالفلسفة الإنسانية فقد سلَّط المؤلف الضوء على أن القرآن الكريم اعتنى بالإنسان كعضوٍ مؤثر في المجتمع، فنظَّم جميع أدواره المجتمعية ليبني مجتمعًا سليمًا.
ويصل الشيخ في النهاية إلى إثبات أن القرآن الكريم بما اشتمل عليه من أصول فكرية عن الإيمان بالخالق سبحانه والكون والإنسان والأخلاق قد دفع المسلمين إلى التفلسف بمعناه الواسع.
وقد شغلت قضية التوفيق بين الدين والفلسفة قسطًا كبيرًا من كتابات الدكتور موسى الفلسفية، وتتبع مناهج الفلاسفة في ذلك بالنقد والتحليل، ورأى أن الذي يفهم روح الإسلام وتعاليمه التي تأخذ بالوسط من الأمور وتدعو للإصلاح بين المتخاصمين، يدرك أن روح التوفيق بصفة عامة كانت طابعًا للمسلمين في الفروع النظرية.
كما عَرَضَ المؤلف في هذا الكتاب لبعض القضايا الكلامية التي كانت مثار خلاف بين العلماء كالقول بالقدر، ورؤية الله سبحانه، وكلامه، والوعد والوعيد، وغيرها من المسائل التي ثارت بين علماء الكلام. 
ويخلص الدكتور يوسف موسى في نهاية بحثه إلى ضرورة النظر في القرآن الكريم ليس كمصدر للأدلة على مسائل العقيدة فقط كما فعل المتكلمون؛ بل يجب أن نعرف كيف نصل بالقرآن إلى معرفة الله المعرفة الحقة، التي يؤمن بها القلب قبل العقل، أي إلى المعرفة التي لا يصل إليها العقل وحده.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الأزهر القرآن الکریم أن القرآن

إقرأ أيضاً:

محاضرة حول السكينة في القرآن الكريم والسنة النبوية

السكينة في الإسلام حالة ربانية عظيمة أنعم الله بها على عباده 


الشارقة: «الخليج» 
نظّم مجلس منطقة الحمرية، التابع لدائرة شؤون الضواحي، محاضرة قيمة بعنوان «السكينة في القرآن والسنة وأثرها على الفرد والمجتمع»، قدّمها فضيلة الشيخ الدكتور عزيز بن فرحان العنزي، بحضور سيف بوفيير الشامسي، رئيس مجلس منطقة الحمرية، وحميد خلف آل علي، نائب الرئيس، وأعضاء المجلس، إلى جانب جمع من أهالي المنطقة.
استهل فضيلة الشيخ العنزي المحاضرة، التي أقيمت مساء أمس الأول الجمعة في مقر المجلس، بالحديث عن أهمية السكينة كحالة من الطمأنينة والراحة التي ينزلها الله على عباده المؤمنين، مبيّناً أن الإنسان حين يعيش في دوامة الخوف والقلق، فإنه يبتعد عن نهج الكتاب والسنة، فيسعى إلى حلول مؤقتة زائفة كطرق الاسترخاء البدني أو التأمل في الطبيعة، وهي وإن لم تكن ممنوعة في ذاتها، إلا أن السكينة الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال القرب من الله وأداء العبادات.
أوضح أن السكينة في الإسلام ليست مجرد شعور عابر، بل هي حالة ربانية عظيمة أنعم الله بها على عباده، وهي تتجلى في القرآن الكريم في ست آيات، منها قول الله تعالى: «وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم»، وقوله عز وجل: «إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه».
كما وردت في أحداث عظيمة مثل صلح الحديبية، حيث قال تعالى: «فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين».
وأشار إلى أن السكينة من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دعا إليها في كثير من المواقف، كما في قوله: «إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة»، وفي حديث جابر رضي الله عنه عن حج النبي، حين قال: «أيها الناس، السكينة السكينة» عند دفعهم من عرفات.


واستشهد الشيخ العنزي بقصة مريم عليها السلام، حين ناداها الله عز وجل في أشد لحظات ضعفها، قائلاً: «فكلي واشربي وقرّي عيناً»، ليرشدها إلى السكينة وسط الألم.
وبيّن فضيلته أن السكينة تكون شعاراً للمسلم في كل أحواله، في الصلاة، وفي الحج عند تقبيل الحجر الأسود، وفي التعاملات اليومية، بل وحتى في الجدال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
وتحدث الشيخ عن أثر السكينة في الحياة الزوجية، مستشهداً بقوله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها»، مؤكداً أن الاستقرار الأسري لا يتحقق إلا بالسكينة والطمأنينة.
وأشار أيضاً إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهودي الذي كان يؤذيه، وكيف قابله النبي بالحلم والوقار، فكان ذلك سبباً في إسلامه.
ثم تطرق إلى الأسباب التي تعين على تحصيل السكينة، ومن أبرزها: مراقبة الله تعالى: إذ يستشعر الإنسان أن الله مطّلع عليه فيطمئن قلبه، وذكر الله: مصداقاً لقوله تعالى: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب»، وقراءة القرآن: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة».
الصبر: لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى».
والحلم والأناة: قال صلى الله عليه وسلم: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة».
التأمل في سير الصالحين، وكيف كانت السكينة شعارهم في أحلك الظروف.
وختم فضيلته بأن السكينة هي باب النجاة من الفتن، وهي السبيل إلى اتخاذ القرارات الصائبة بعيداً عن الانفعالات، وأكد أن من يتحلى بالسكينة يحظى بمحبة الناس، ويعيش في راحة نفسية تقيه من الأمراض النفسية والجسدية.
وفي زمن كثرت فيه الاضطرابات والضغوط، وتفشى فيه القلق والأمراض النفسية، شدد الشيخ على أن السكينة هي نعمة من الله ينبغي أن يتمسك بها المسلم، فهي منحة إلهية تقود إلى بر الأمان وتمنح الإنسان هدوء النفس وسلامة القلب.

 

مقالات مشابهة

  • ختام مسابقة القرآن الكريم بمسجد التواب بالغردقة
  • هل يصح صيام تارك الصلاة؟.. الأزهر للفتوى يجيب
  • محاضرة حول السكينة في القرآن الكريم والسنة النبوية
  • الأزهر يعلن تأسيس مركز مستقل للقرآن الكريم والقراءات والتسجيلات
  • تكريم 403 من حفظة القرآن الكريم بكفر الحمادية بالمنوفية
  • أربعة أحكام تهم المرأة المسلمة في رمضان.. الأزهر العالمي للفتوى يكشفها
  • تكريم الفائزين في ختام مسابقة أولاد آدم للقرآن الكريم في نسختها الحادية والعشرين
  • حكم ترك صلاة الجمعة والتكاسل عن أدائها.. الأزهر العالمي للفتوى يحذر
  • 4 حالات يجوز فيها للمسلم الإفطار خلال شهر رمضان.. الأزهر للفتوى يوضحها
  • بين دفتين كتاب المستفاد من قصص القرآن للدعوة والدعاة..