لا تملك أثناء مشاهدة اللقاء إلا أن تشعر بالأسى على حال البلاد، وبالقلق العميق طالما كانت هذه هي رؤى وأفكار أحد الذين يتخذون فيها قرارات مصيرية تتعلق بحياة الناس ومعاشهم.
ظهر الجنرال مرتبكاً للغاية وظل يرسل رسائل يناقض بعضها بعضاً، فهو تارة يتهم الحرية والتغيير وتقدم بأنهم من اشعلوا الحرب ومن يشكلون غطاءً للدعم السريع، ومن ثم يسارع ليناقض نفسه ويقول أن ٩٥٪؜ من مستشاري الدعم السريع من عناصر المؤتمر الوطني وأن الضباط المنتمين للنظام السابق الذين احيلوا للتقاعد بعد الثورة تم استيعابهم في الدعم السريع، بل يذهب بعيداً ويقول ان الدعم السريع والحركة الاسلامية هما ذات الكيان حين تعليقه على حادثة مسيرة جبيت !! فأي الإدعائين صادق يا سعادة الجنرال؟!
حديث العطا يكشف عمق الأزمة التي تعانيها المؤسسة العسكرية وهي تتحدث في السياسة والاقتصاد والمجتمع وتقوم بكل شيء سوى مهامها التي وجدت من أجلها وهي حماية أمن البلاد والعباد.

هذه الأزمة منعت الجنرال من الاعتذار عما ذهب له سابقاً حينما كان يروج لقصر أمد هذه الحرب منذ بدايتها، ابتداءً بنظريته الشهيرة حول حرب ال ٦ ساعات، والتي طورها لاحقاً لاسبوع اسبوعين، ومن ثم توكل على الحي الدائم وقال انها قد تستمر ١٠٠ عام. هذه الأعوام المئة يا سعادة الجنرال يدفع ثمنها كل يوم مواطن فقد أمه وابيه واخوته يبكي عليهم دماً ودموعاً ولا شيء يعوضه فقدهم، هذه الأعوام المئة تعيشها كل ساعة مواطنة تقطعت بها السبل في منافي اللجوء والنزوح لا تعلم كيف تحصل على قوت يومها، هذه الأعوام تدفع ثمنها اجيال تحرم من التعليم والعلاج وتقف على شفا حفرة من مجاعة شاملة، لا تحس انت بآلامها بل تستمتع بالضحك أعلى هذا الحطام الذي صنعته بأيديك.
اتهم الجنرال قادة الحرية والتغيير وتقدم بالعمالة والخيانة، وهو ذات من خرج للإعلام من قبل وشهد لهم بالنزاهة وعفة اليد واللسان. يعلم العطا تمام العلم أن من يتهمهم هؤلاء لا أرصدة لهم في البنوك ولا منازل ولا عقارات امتلكوها طوال انشغالهم بالهم العام، فلينظر العطا حوله ليرى حلفاء واصدقاء اليوم وهم يرفلون في مال فسادهم الذي تجلى في ارصدة دولارية وشقق وعقارات في عواصم الاقليم والعالم. يعلم العطا ان من تقلدوا المواقع خلال عامي الانتقال دخلوا اليها وخرجوا بأيادي نظيفة لم تمتد على مال أو نفس. هذه حقائق لا يستطيع كائن من كان أن يغيرها بإطلاق الأكاذيب هنا وهناك.
لسخرية الأقدار يعاير الجنرال قادة الفترة الانتقالية بالفشل في إدارة البلاد! حين شارك العطا في انقلاب ٢٥ اكتوبر كان السودان ينعم بسلام شامل سكتت فيه أصوات البنادق في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق عبر عمليات سلام شامل جاءت نتاجاً لثورة ديسمبر المجيدة. كان السودان حينها فك حالة عزلته الدولية وخرج من قائمة الدول الراعية للارهاب وتولى رئاسة منظمة الايقاد ومثار احتفاء العالم في محافل عالمية خصصت للاحتفاء بنجاحات سودان الثورة كمؤتمر باريس وبرلين. انهى السودان عقوداً من الديون ليحصل على اعفاء كامل، وتحسنت حالة اقتصاده بصورة مضطردة وازدهرت قطاعاته الانتاجية لا سيما القطاع الزراعي. انتهى كل ذلك بانقلاب ٢٥ اكتوبر الذي شارك فيه العطا ليحيل السودان لخراب شامل .. حرب في جميع ارجاءه .. ذلة ومهانة لشعبه .. لجوء ونزوح .. انهيار اقتصادي .. وتحول السودان لنموذج في الفشل والكوارث بفضل إدارة العطا ورفاقه، فعن أي فشل يحدثنا الجنرال!؟
أقوال الجنرال ليست مثار نقدنا نحن فحسب، فخروجه عن النص وتفوهه بكل ما هو خارج أحرج حتى رفاقه، وها هي الحلقة التي تحدث فيها تتعرض لمقص الرقيب لتقطع حديثه عن تسلحهم وتحالفاتهم العالمية وادعاءاته عن محادثات البرهان ورئيس دولة الامارات. من قطع هذا الحديث من الحلقة بعد بثها في الترويج الاعلامي ليس من معسكر اعداء العطا بل من معسكر اصدقائه، فأي شقاء يسببه الجنرال للصديق قبل العدو كلما امسك بيده المايكرفون.
ختاماً اتمنى من الجنرال ياسر العطا أن ينظر حواليه ليرى حجم معاناة الشعب السوداني من حربهم هذه، وأن ينأى عن السير في هذا الطريق العدمي. بلادنا تتمزق وتنزف دماً ولا تتحمل هذه الأفعال والأقوال، اقولها له بكل صدق، لا زال بالامكان انقاذ ما تبقى من وطننا المحطم، وذلك باختيار الذهاب للمفاوضات لوقف الحرب الآن قبل الغد .. اصدقك القول يا سعادة الجنرال لا شيء يستحق هذا الدمار .. تحدثت كثيراً عن الحكم والسلطة .. "حريقة في السلطة" التي تدمر أغلى ما نملك وهو الوطن .. اوقف الحرب اليوم واعيد الأمر لشعب السودان فهو أدرى بإدارة شأنه ولا ينتظر وصاية من أي شخص مدني كان أو عسكري.  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

هل تنجح مساعي البرهان في تطويق الدعم السريع بمنطقة الساحل؟

في سابقة هي الأولى من نوعها، قام رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان بجولة دبلوماسية في غرب أفريقيا شملت مالي، وغينيا بيساو، وسيراليون، واختتمت بكل من موريتانيا والسنغال.

تأتي هذه الجولة، التي انتهت في 14 يناير/كانون الثاني 2025، في خضم العديد من التطورات التي شهدتها الساحة السودانية على المستوى السياسي والميداني، حيث سبقها إعلان واشنطن فرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بتهم ارتكاب "إبادة جماعية" في إقليم دارفور.

كما تزامنت الزيارة مع انتصارات متتابعة للجيش السوداني توجت باستعادة السيطرة على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة الإستراتيجية.

وخلال لقائه بالجالية السودانية في محطته قبل الأخيرة بنواكشوط، أوضح البرهان أنه قدّم شرحا للقادة في دول غرب أفريقيا، وأبلغهم أن السودان "يواجه غزوا واستعمارا جديدين"، وأن "قوى استعمارية جديدة تقف خلف الدعم السريع، وتدعمها بالمال والسلاح والمرتزقة"، وأكد أن الشعب السوداني سيقاتل هذه المليشيات مهما بلغ الدعم المقدم لها من هذه القوى.

وبينما يذهب بعض المراقبين إلى أن هذه الزيارة تمثل انفتاحا سودانيا على العمق الأفريقي بعد عقود من التركيز على العلاقات مع العالم العربي، يرى آخرون أن هذه الجولة تندرج في إطار رغبة البرهان في إقامة نوع من التوازن في العلاقات الأفريقية، من خلال تطوير الروابط مع غرب القارة في ضوء العلاقات التي تربط الدعم السريع مع عدد من دول الشرق الأفريقي كإثيوبيا وكينيا وغيرهما.

إعلان 3 عصافير بحجر واحد

تأتي هذه الجولة امتدادا لزيارة سابقة قام بها الفريق شمس الدين الكباشي نائب رئيس مجلس السيادة السوداني إلى كل من مالي والنيجر في يونيو/حزيران الماضي، حيث تركزت جهوده على شرح أبعاد الحرب و"انعكاساتها على دول المنطقة" وبحث سبل التعاون مع دول الساحل الأفريقي في "مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود".

ويرى الكاتب السوداني والباحث في الشؤون السياسية محمد المبروك أن البرهان يحاول اصطياد عدة عصافير بحجر واحد، في إطار ما سمته الدولة بتصفير العداد مع الدول ذات الصلة بالحرب في السودان.

ويقول المبروك في تصريحه للجزيرة نت إن أول أهداف البرهان من هذه الزيارة يتمثل في "تجفيف منابع المرتزقة الأفارقة القادمين للقتال في السودان، حيث إن العديد من التقارير الموثوقة وذات المصداقية تتحدث عن قدوم هؤلاء المقاتلين من بعض الدول التي شملتها الزيارة".

ويعتقد العديد من المتابعين أن الجانب الأمني والعسكري هيمن على الجولة، بالنظر إلى الوفد المرافق للبرهان، والذي شمل مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، ومدير منظومة الصناعات الدفاعية الفريق أول ميرغني إدريس، ووكيل وزارة الخارجية حسين الأمين.

بيان مجلس السيادة بقيادة البرهان (يسار) أكد دعم رئيس مالي للسودان في مواجهة ما يتعرض له (الأناضول)

كما أن هذه الزيارة تعد فرصة لتطوير السودان شراكات أمنية من خلال عرض رؤيته فيما يتعلق بالدعم السريع كمشروع لا يهدد السيادة الوطنية للسودان فقط، وإنما هو قابل للتحول إلى مهدد أمني لدول الجوار والساحل التي تضم امتدادات للمكونات الاجتماعية الفاعلة في تلك المليشيا، وهو ما قد يشجع على توظيفها من قبل القوى التي عانت من هزائم جيوسياسية في منطقة الساحل لضرب التحالف الثلاثي (مالي، بوركينا فاسو، النيجر) الذي يرتكز في خطابه على أولوية السيادة الوطنية في مواجهة القوى الاستعمارية.

إعلان

وأكد بيان لمجلس السيادة الانتقالي في السودان دعم رئيس مالي آسيمي غويتا للسودان في مواجهة ما يتعرض له، لافتا إلى أن هناك "جماعات إرهابية ومرتزقة من دول عدة تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة"، مشيرا إلى استعداد بلاده للتنسيق مع السودان لمحاربة الجماعات الإرهابية ورغبتها في تبادل الخبرات معه.

أما الهدف الثاني فيتعلق -وفقا للمبروك- بحشد الدعم على المستويين القاري والدولي، من خلال الدعوة لعودة السودان إلى الاتحاد الأفريقي، حيث إن موريتانيا التي ختم بها البرهان جولته تترأس الدورة الحالية للمؤسسة القارية، في حين أن سيراليون تشغل منصب عضو غير دائم في مجلس الأمن وقادرة على دعم الموقف السوداني من هذا المنبر العالمي.

وقرر الاتحاد الأفريقي تجميد عضوية السودان بالتكتل القاري في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد يومين من فرض رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان "إجراءات استثنائية" منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين واعتقال وزراء وسياسيين وإعلان حالة الطوارئ، ورغم تكرار القيادة السودانية تطلعها إلى إنهاء التجميد فإنها جوبهت بالرفض.

تحالف مقرب من روسيا

اهتمام البرهان بمالي والنيجر وبوركينا فاسو يفسره للجزيرة نت الصحفي المختص بالشأن الأفريقي محفوظ ولد السالك بأنه متعلق بالحضور الروسي القوي في هذه الدول، في ظل التقارب الحاصل بين موسكو والخرطوم.

وشهدت العلاقات الروسية السودانية تطورا ملحوظا مؤخرا، حيث أعلن ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، في زيارة إلى بورتسودان في أبريل/نيسان العام الماضي، دعم بلاده لسيادة السودان والشرعية القائمة، ورفض التدخلات الأجنبية في شؤونه ومخططات تمزيقه.

وهو تفسير يوافقه فيه المحلل السياسي السوداني محمد تورشين الذي يرى في مقال له أن جولة البرهان تشير إلى انحياز السودان بشكل واضح للمحور المدعوم من روسيا في أفريقيا، مشيرا إلى أن السودان في سعيه لتعزيز هذه العلاقة يبدو أنه سيصبح جزءا من التحالف الروسي في القارة.

إعلان

في حين أن زيارة مالي تحديدا تحمل رسائل واضحة بأن السودان يدعمها في مواجهة العقوبات الدولية وضغوط الاتحاد الأفريقي، والعمل على دفع المؤسسة القارية إلى إعادة عضوية السودان والدول التي تم تعليق عضويتها مثل مالي. وإذا فشل هذا المسعى -يعتقد تورشين- فإن هذه الدول قد تتجه إلى تشكيل تحالف أفريقي جديد خارج مظلة الاتحاد الأفريقي، كما حدث مع تحالف دول الساحل الثلاثي.

وعقب نهابة الجولة فرضت وزارة الخزانة الأميركية في 16 يناير/كانون الثاني 2025 عقوبات على البرهان متهمة الجيش السوداني تحت قيادته بارتكاب هجمات مميتة بحق المدنيين ومنع وصول المساعدات الإنسانية واستخدام الغذاء سلاحا.

حالات الاغتصاب والعنف الجنسي سجلت ضمن انتهاكات الدعم السريع في شرق الجزيرة وسط السودان (مواقع التواصل) الجولة من الضفة الأخرى للنهر

في النظر إلى ردة فعل الأطراف المستضيفة لهذه الجولة يشير بعض المتخصصين في شؤون غرب أفريقيا إلى وجود مزاج مرحب بالسودان، حيث رفعت بعض القنوات الإعلامية في المنطقة فور إعلان الزيارة عبارة "Accueillir ne suffit pas"، وتعني باللغة العربية "الترحيب لا يكفي"، وهي جملة غالبا ما ترددها بعض النخب السياسية في الغرب الأفريقي كلما قصدتهم قيادة سياسية تحظى بالقبول الشعبي والنفسي، لكن محفوظ ولد السالك يرى أن الدول التي شملتها زيارة البرهان لا تمتلك سوى التعبير عن الاستعداد للعمل من أجل إنهاء الحرب.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني: قوات الدعم السريع أحرقت مصفاة الخرطوم
  • الدعم السريع يحرق مصفاة الخرطوم بالجيلي
  • السودان: الدعم السريع توسع هجماتها على مناطق بشمال دارفور
  • دبلوماسي أوكراني سابق: الحرب الروسية لن تنتهي إلا بهزيمة بوتين
  • دبلوماسي أوكراني سابق: الحرب لن تنتهي إلا بهزيمة بوتين
  • بعد نهاية الحرب.. غزة غارقة في دمار شامل يؤرق كل من فيها
  • هل تنجح مساعي البرهان في تطويق الدعم السريع بمنطقة الساحل؟
  • القصة التي لا تنتهي بسبب عدم التزام حكومة البارزاني بقوانين الموازنات..تشكيل لجنة لحل “مشكلة رواتب الإقليم”
  • السودان (الجحيم الذي يسمي وطن)!!
  • الحرب تنتهي بنتنياهو مطلوباً للعدالة