بشير عبدالقادر
الحديث عن برنامج "اعادة الاعمار" يذكر بخلفيته السياسية التي ارتبطت بانتهاء الحرب الامريكية (1877-1865) بهدف "معالجة مشاكل الانفصال والعبودية ... وتحقيق المساواة والوحدة بين الشمال والجنوب" الأمريكي، ومن ثم يقفز للأذهان مشروع الجنرال "جورج مارشال" الاقتصادي المعلن في 5 يونيو 1947م، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والموقع عليه من طرف الرئيس الامريكي هاري ترومان في 03 ابريل 1948م لإعادة تعمير أوروبا وسمي أيضا "برنامج التعافي الأوروبي".
تطور المصطلح وكتب عنه الكثير وانضمت له مفردتين آخرتين اي "اعادة الاعمار بعد الحرب "، لكن ارتبط في اذهان الغالبية من الناس أن اعادة الاعمار ترتبط بالإعمار المادي او بالتعمير العمراني اي البنية التحتية الضرورية. من "إصلاح البنية الفعلية مثل الطرق والمستشفيات وامدادات المياه والكهرباء والوقود وغيرها" ، والاعمار غير المادي مثل "إعادة الاعمار الاقتصادي وإصلاح المؤسسات السياسية وغيرها" وهو امر يحتاج للمراجعة الفكرية والترتيب لان بناء الانفس وتعميرها بالمفاهيم الايجابية اهم من بناء المنازل وغيرها من المباني.
في حالة السودان. من المؤكد ان هناك كثير من الشركات العالمية العابرة للقارات على تواصل مع حكومات الدول المانحة والمنظمات الدولية وغيرها للمساهمة في إعادة الاعمار وبناء السلام وفق مصالح مشتركة "تستولى" عبرها تلك الشركات والحكومات على كثير من موارد البلاد الطبيعية ولا سيما المواد الأولية والمواد الخام ، وهي ليست محور مقالنا اليوم الذي يريد أن يوكد أهمية وعظمة بل أولوية الدور الشعبي في أعادة التعمير.
الذي يهمنا هنا هو التأكيد لمفهوم "لا للحرب"، بمعنى ان يصل كل مواطن بالغ او طفل سوداني لقناعة بأن تكون هذه الحرب هي اخر حرب بين ابناء السودان؛ ويتبع هذه القناعة عدم قبول تعدد الجيوش او الجهات الحاملة للسلاح وهو يعني ضمنيا في الوعي السوداني حل وتفكيك كل الحركات او الجماعات الحاملة للسلاح، واعادة تأهيل القوات المسلحة السودانية واجهزة الشرطة والامن الرسمية، وعندما تثبت هذه القناعة في النفوس وتصبح يقين ايماني لا يتزعزع.
يمكن بعدها الاهتمام بالنقطة الثانية في الاهمية الا وهي فتح المدارس ولو في خيم مجهزة او غير مجهزة كمدارس، وليس الغرض من ذلك تعويض عام دراسي أسقط "عمدا"!، ولكن لان المدرسة وتواجد الاطفال مع بعضهم فيها هي اول خطوة لمسح اثار الحرب و "إعادة الشعور بالأمن والأمان" في نفوس أطفال اليوم وشباب الغد ورجال وامهات المستقبل
ثم تأتي نقطة "إعادة صياغة المجتمع" عبر التعاون بين الشباب والاباء والامهات والتكافل المجتمعي بينهم ويمكن تفعيل صناديق مالية مدعومة من أبناء المنطقة بالمهجر في كل حي وقرية بدايتا لتغطية الحاجيات الأساسية اي ضمان الاكل والشرب واللباس لكل سكان الحي او القرية، وانشاء ورش جماعية في كل حي وقرية لتفعيل "النفير" لنظافة الحي او القرية بدايتا بهدف "رفع الوعي البيئي"، ثم لجدولة ايجاد وصيانة مأوي بسيط لكل اسرة. في هذه الورش يشارك المواطنين بمهنهم المختلفة مثل البناء والنجار والمهندس والعامل كفرق عمل وطوارئ وبذلك يقفل الباب امام أمراء وتجار الحرب والانتهازيين لمشاريع اعادة التعمير ، وقد تتطور علاقة بناء الثقة بين الافراد الى "مؤسسات اجتماعية وسياسية" واقتصادية تساهم في تطوير "المجتمع المدني" من خلال وضع الأساس "للبنية التحتية التعليمية والصحية" مما يقود الى "الحد من الفقر وتحقيق التنمية البشرية".
أي اننا نري ان بناء السلام النفسي والروحي وبناء مجتمع معافي يسبق إعادة الاعمار وبناء الدولة في الأهمية وهو الضامن للوصول لسلام مستدام.
هذه القيم التكافلية ستساعد في رتق النسيج الاجتماعي وتثبيت سلام مستدام بسرعة معقولة وتأسيس مجتمع جديد مبني على حب الخير للغير أي الوطنية الصادقة وهي أول مراحل بناء الدول المتقدمة.
Wadrawda@hotmail.fr
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
خطة إعمار غزة.. تحديات الركام وآمال الحل السياسي
في ظل الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي، تبرز تحديات غير مسبوقة تعرقل عملية إعادة الإعمار، وتضع المجتمع الفلسطيني أمام معاناة مستمرة.
ومن بين هذه التحديات، تراكم ملايين الأطنان من الركام، وارتفاع تكلفة إعادة البناء، إلى جانب الأزمات النفسية والاجتماعية التي تطال جميع فئات المجتمع.
وفي هذا السياق، يتحدث الدكتور جهاد أبولحية، أستاذ النظم السياسية والقانون الدولي الفلسطيني، عن حجم هذه التحديات، مشيرًا إلى ضرورة تكاتف الجهود الدولية والمحلية لتوفير التمويل والدعم اللازمين، وتسريع عمليات الإعمار بالتوازي مع إطلاق مسار سياسي يضمن استقرار القطاع وحماية حقوق الشعب الفلسطيني.
الدكتور جهاد أبولحيةتحديات هائلة ورؤية فلسطينية للبناءقال أستاذ النظم السياسية والقانون الدولي الفلسطيني، الدكتور جهاد أبولحية، إن إسرائيل دمرت أكثر من 80٪ من المباني السكنية والخدمية والبنى التحتية في قطاع غزة، ما خلف كميات هائلة من الركام تُعد من أبرز التحديات التي تواجه عملية إعادة الإعمار.
ويُقدر حجم هذا الركام بنحو 40 مليون طن، ما يستدعي معدات ضخمة، وقتاً طويلاً، ومساحات كافية للتخلص منه.
وأضاف أبولحية في تصريحات لـ “صدى البلد”، أنه وفقًا لتقديرات المؤسسات المعنية، فإن إزالة الركام وحدها قد تستغرق حوالي 15 عاماً، وتُكلف عملية نقله أكثر من مليار دولار. أما إعادة بناء ما تم تدميره، فقد تتجاوز تكلفتها 45 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن هذا الرقم تقريبي نظراً لحجم الدمار الهائل.
ولفت أبولحية إلى أنه في ظل هذه الظروف، تُبذل جهود كبيرة لتوفير مساكن مؤقتة (كرفانات) وخيام لإيواء المواطنين الذين فقدوا منازلهم، إلى حين الانتهاء من إعادة الإعمار التي يُتوقع أن تكون طويلة المدى.
وأضاف: “إلى جانب التحديات المادية، يعاني سكان غزة – أطفالاً، نساءً، رجالاً، شيوخاً، وأطباء ومهندسين – من آثار نفسية عميقة خلفتها الحرب. لذا، من الضروري أن تضطلع المؤسسات الإنسانية الدولية بدورها في تقديم الدعم النفسي للمجتمع بأكمله”.
وتطرق أبولحية إلى التعليم، قائلًا إن "وزارة التعليم تعمل في غزة بالتعاون مع "الأونروا" على إعادة الطلبة إلى مقاعد الدراسة. وخلال الحرب، تم اعتماد التعليم عن بُعد عبر منصات إلكترونية، لكن عدداً كبيراً من الطلبة لم يتمكنوا من الالتحاق بها لعدم توفر الوسائل اللازمة. لذا، لا بديل عن التعليم الوجاهي، خصوصاً في المراحل الأساسية: الابتدائية، الإعدادية، والثانوية. ويتطلب ذلك إنشاء مدارس مؤقتة لتعويض المدارس التي دُمرت، وتأهيل تلك التي تعرضت لأضرار جزئية، على أن يبدأ التنفيذ فوراً لضمان انتظام الطلبة في العام الدراسي".
وتشدد على أنه “يجب على الدول والمؤسسات الدولية والمجتمعات كافة أن تقف مع الشعب الفلسطيني في غزة، وتسهم في تسريع عملية إعادة الإعمار. أي تأخير سيزيد من معاناة السكان. توفير الدعم المالي أمر ضروري لضمان استمرارية الإعمار بكفاءة”.
مقترح مصري لإعادة إعار غزةوأشار إلى أن “مصر اقترحت عبر وزير خارجيتها، عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة. ويُعتبر هذا المقترح خطوة مهمة ينبغي العمل على تنفيذها سريعاً لضمان التزام الدول المشاركة بعملية الإعمار. كما يمكن أن تُشكل لجنة خاصة، بالتنسيق مع المؤسسات الدولية والسلطة الفلسطينية، للإشراف على هذه الجهود وضمان تنفيذها بفاعلية”.
ولفت إلى أنه رغم ضبابية المشهد وحجم الدمار الهائل، يبقى التأكيد على نقطة أساسية في غاية الأهمية هي: ضرورة وجود إرادة سياسية دولية حقيقية لإعادة الإعمار. فإذا توفرت هذه الإرادة إلى جانب الدعم المالي المطلوب، فإن شعبنا قادر على تحقيق إنجازات مبهرة وإعادة بناء القطاع بسرعة فائقة، متحدياً كل التوقعات، لأن البناء والعمل هما السبيل الوحيد أمامنا.
وقال أبولحية، إنه إلى جانب إعادة الإعمار، لابد من إطلاق مسار سياسي حقيقي يضمن عدم تكرار الحروب، ويستند إلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، والرأي الاستشاري الأخير لمحكمة العدل الدولية الذي يدعم حق شعبنا في تقرير المصير، إقامة دولة مستقلة، وإزالة آثار الاحتلال. دون تحقيق هذا المسار السياسي، سنظل عالقين في دائرة الصراع بلا نهاية.
واختتم: “بعد عقود من النضال والمعاناة، حان الوقت للتوصل إلى حل سياسي عادل وشامل لقضيتنا. يجب على المجتمع الدولي العمل على تنفيذ كل ما أُقر من قرارات دولية تضمن حقوق شعبنا المشروعة وتضع حداً لهذا الوضع المأساوي المستمر”.