سودانايل:
2024-09-09@16:22:23 GMT

إخلاء منازل المدنيين بين جدة وجنيف

تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT

حسام عثمان محجوب
4 أغسطس 2024

لم يكن واقعياً الظن بأن مفاوضات منبر جدة التي بدأت بعد اندلاع الحرب بأسابيع قليلة قادرة على إنهاء الحرب أو على أقل تقدير تحقيق وقف إطلاق نار قابل للاستمرار. ولكنها صارت مرجعية "أمر واقع" لكل المجهودات الدبلوماسية الدولية لإيقاف الحرب؛ مرجعية برعاتها الأمريكان والسعوديين، وبطرفي تفاوضها، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وبمراقبيها وميسريها وداعميها المتزايدين، وبما توصلت له في جولاتها المتعددة من اتفاقات وإعلانات، وبما نتج عنها من فشل المرة تلو الأخرى.

المنامة ليست جدة، وجنيف القادمة ليست جدة، وجدة اليوم غير جدة 2023، ولكن الجميع حريصون على التأكيد على أن كل المحطات تبدأ من جدة وإليها تنتهي.

والأمر كذلك، فليس منطقياً تبرع سياسيين وإعلاميين مدنيين من غير أعضاء مليشيا الدعم السريع بالتهوين من وجوب الالتزام بالتعهدات التي تم التوصل إليها في جولات جدة المختلفة، وعلى رأسها إعلان جدة بالالتزام بحماية المدنيين في السودان في 11 مايو 2023، واتفاقية وقف إطلاق النار قصير الأمد والترتيبات الإنسانية في 20 مايو 2023. منذ أشهر تكرر تبرير فطير بأنه لا يمكن المطالبة بخروج أفراد الدعم السريع من منازل المواطنين قبل الدخول في جولة تفاوض جديدة لأنهم دخلوها طلباً للحماية من هجمات الجيش ابتداءً. ثم في الأيام القليلة الماضية مع الإعلان عن جولة جنيف تبارى آخرون في الإتيان بمبررات جديدة، منها مثلاً أن الخروج من المنازل لم يرد نصاً أو أنه ورد في الإعلان الذي ليس له نفس قوة الاتفاق، وغيرها من مبررات أخرى مخزية. والأغرب أن بيانات مليشيا الدعم السريع الرسمية لم تعلن رفض إخلاء منازل المواطنين، أو عدم التزامهم بما وقعوا عليه من إعلانات واتفاقات.

من واجب الحريصين على حماية المدنيين السودانيين وإيقاف الحرب عدم السماح لكل الأطراف ذات الصلة بمنبر جدة، وعلى رأسها الجيش والمليشيا والرعاة، بالتخلي عن مسؤلياتها والتزاماتها، حتى مع علمنا بتاريخ نقضنا للعهود والمواثيق، وعلمنا بأنه لا قادة القوات المسلحة (وحكومة الأمر الواقع) ولا مليشيا الدعم السريع بحريصين على حماية المدنيين. وبدلاً من إيجاد الأعذار للمليشيا، فالأولى استحضار هذه الالتزامات وجعلها في مقدمة أي حديث عن إيقاف الحرب.

التزمت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في "إعلان جدة" الموقع في 11 مايو بمبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بما فيها:
التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والامتناع عن أي هجوم يمكن أن يسبب أضراراً مدنيةً عرضيةً، والتحوط لتجنب وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، مما يهدف إلى إخلاء مساكن المدنيين، وعدم استخدام المدنيين كدروع بشرية، والالتزام بحماية الاحتياجات والضروريات مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية والمحاصيل والثروة الحيوانية، وحظر النهب والسلب والإتلاف، والامتناع عن الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي للمدنيين، وعن التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو العنف الجنسي. والتزم الطرفان بضمان التزام جميع الأشخاص الخاضعين لهم أو تحت سيطرتهم بالقانون الإنساني الدولي.

ويمكن بوضوح ملاحظة أن مليشيا الدعم السريع لم تقم بأي من التزاماتها التي وقعت عليها في ذلك الإعلان، بل وقد زادت منها نوعاً وعدداً وانتشاراً. ولا يوجد مبرر لتجاوز هذه الاعتداءات بما فيها ذلك المبرر البائخ بأن هذه كلها من تبعات الحروب الطبيعية، فهذه التبعات لم تكن غائبة عن واضعي القوانين والمعاهدات الدولية والسياسيين والعسكريين. وبالطبع فإن الجيش نفسه خرق التزاماته في هذا الإعلان ويجب تحميله مسؤولياته عن خروقاته وجرائمه والضغط لإيقافها.

بعد إعلان جدة وقع الطرفان على اتفاقية "وقف إطلاق النار قصير الأمد والترتيبات الإنسانية" في 20 مايو 2023، كان من المفترض أن يسري وقف إطلاق النار لمدة أسبوع بعد يومين من التوقيع، وهو ما لم يحدث بالطبع رغم تمديد الاتفاقية. وقد حوت الاتفاقية تفاصيل عن الأعمال الممنوعة والمسموح بها أثناء وقف إطلاق النار، والتزامات الترتيبات الإنسانية. ومن أهم ما يجب ذكره من الاتفاقية تأكيدها على مرجعية إعلان جدة، وعلى جميع الالتزامات الواردة فيه. ورغم أن الاتفاقية انتهت ولم يتم تنفيذها، لكن من المهم الإِشارة لأن من الأعمال الممنوعة بحسبها استخدام المدنيين كدروع بشرية، واحتلال المستشفيات ومرافق البنية التحتية الأساسية، واحتلال مساكن المدنيين، والنهب والسلب والتخريب، والإخفاء القسري أو الاحتجاز التعسفي للأشخاص.

في 7 نوفمبر 2023 صدر بيان التزامات من المحادثات في جدة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، أعاد التأكيد على إعلان جدة (11 مايو)، ووضح أن المحادثات تركز على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتحقيق وقف إطلاق النار وغيره من إجراءات بناء الثقة تمهيداً للتوصل إلى وقف دائم للعدائيات. اشتهر من هذه الإجراءات احتجاز الهاربين من السجون، وكان منها أيضاً تحسين المحتوى الإعلامي لكلا الطرفين، وتخفيف حدة اللغة الإعلامية، واتخاذ إجراءات حيال الأطراف المثيرة للتصعيد والمؤججة للصراع. ووقع ممثلا الطرفين على تعهدات محددة في الشأن الإنساني في ورقتين منفصلتين.

وصلنا كسودانيين، وما زال بعضنا في الطريق، للقناعة المؤسفة أن الحرب إن توقفت اليوم فلن نستطيع العودة لمنازلنا التي احتلها الجنجويد أو دمروها غداً. ولذلك يبدو تخير التزام قوات الدعم السريع بإخلاء المنازل دون غيره من التزامات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان الأكبر والأشمل إما تقصيراً أو تضليلاً، ويجب أن لا يخفت الصوت الذي يفضح انتهاكات القتلة والمجرمين ويعمل على إيقافها ويحملهم مسؤولياتهم حتى يحين موعد محاسبتهم عليها.

نصوص الاتفاقات:
https://www.spa.gov.sa/76895ccb96v

https://www.state.gov/jeddah-declaration-of-commitment-to-protect-the-civilians-of-sudan/

https://www.spa.gov.sa/w1905904

https://www.spa.gov.sa/N1993108

https://www.state.gov/joint-statement-on-commitments-from-jeddah-talks-between-sudanese-armed-forces-and-rapid-support-forces/

https://www.state.gov/wp-content/uploads/2023/11/SAF-Humanitarian-Commitments-Jeddah-ARABIC-Signed.pdf

https://www.state.gov/wp-content/uploads/2023/11/RSF-Commitments-Jeddah-ARABIC_Signed.pdf

 

husamom@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع وقف إطلاق النار القوات المسلحة إعلان جدة

إقرأ أيضاً:

الجيش يحبط أكبر هجوم بمسيرات الدعم السريع على الفاشر

الفاشر- أعلنت القوة المشتركة لـ"حركات الكفاح المسلح" في دارفور عن تنفيذ قوات الدعم السريع هجوما جويا على مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، مساء الأحد، حيث أطلقت خلالها حوالي 30 طائرة مسيرة بعيدة المدى. وفي المقابل، تمكنت القوات المشتركة والجيش السوداني من إسقاط 26 من هذه المسيرات.

وقال المتحدث العسكري للقوة المشتركة، الرائد أحمد حسين مصطفى، في تغريدة على حسابه في فيسبوك، إن الجيش السوداني والقوة المشتركة أحبطا "أكبر هجوم" بالطائرات المسيرة على المدينة، مشيرا إلى أن الدفاعات تصدت لهذا الهجوم بكفاءة.

ومنذ عدة أشهر، تفرض قوات الدعم السريع حصارا على المدينة التاريخية. وفي مايو/أيار الماضي، تصاعدت المعارك بشكل حاد في محاولة للسيطرة على الفاشر، ولكنها واجهت صمودا قويا من الجيش وحلفائه.

وبحسب شهود عيان، واصلت الطائرات الحربية للجيش السوداني استهداف مواقع قوات الدعم السريع في الأجزاء الشرقية والشمالية والجنوبية من المدينة. وقد سمع السكان دوي انفجارات قوية وتصاعد أعمدة الدخان نتيجة القصف الذي استهدف أهدافا ثابتة ومتحركة في المنطقة الشرقية، حيث توجد قوات الدعم السريع.

وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، زادت الغارات الجوية على المدن التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور، بالإضافة إلى مناطق في مناطق الجزيرة وسنار وولاية الخرطوم، مما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى.

مقالات مشابهة

  • الدعم السريع يستهدف سوق سنار ويخلف عشرات القتلى
  • الجيش يحبط أكبر هجوم بمسيرات الدعم السريع على الفاشر
  • 21 قتيلا في السودان جراء قصف نُسب لقوات الدعم السريع
  • في قصف نُسب لقوات الدعم السريع.. 21 قتيلا في سنار السودانية
  • بعد عام ونصف على الحرب.. “حاجة طارئة لحماية المدنيين” في السودان
  • بعد عام ونصف على الحرب.. حاجة طارئة لحماية المدنيين في السودان
  • تجدد الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وتحذيرات للمواطنين
  • انقسام سوداني حول نشر قوة أممية لحماية المدنيين
  • حميدتي يصدر أوامر لقواته بوقف الانتهاكات ضد المدنيين .. بعث بنسخة من «قواعد السلوك والاشتباك» إلى الوسطاء في محادثات جنيف
  • قتلى وإصابات في مواجهات بين قوات من الدعم السريع فيما بينها