الخرطوم – العرب اللندنية: تحمل تصريحات يدلي بها قادة في الجيش السوداني قدرا كبيرا من التناقضات، ما يجعل المستهدفين منها يتعاملون معها بقدر ضئيل من الاكتراث، ويهملونها أحيانا، بما يقلل من قيمة المواقف الجدية التي تصدر عنه، ويتم التشكيك في جدواها السياسية، في وقت يمر فيه السودان بأزمة عاصفة لمقدراته الرئيسية.



بعد الاتصال الذي تلقاه رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان مؤخرا، تفاءلت جهات عديدة بوقف تطاول أحد أكبر مساعديه، وهو الفريق أول ياسر العطا، لكن يبدو أن الرجل أدمن الدور المرسوم له، وهو أن يقف على الجهة المقابلة للبرهان، حيث جدد مزاعمه السابقة حيال الإمارات وأنها “تشرف على إدارة الحرب من غرفة عمليات في أبوظبي”.

وكان اتصال البرهان بالشيخ محمد بن زايد قد نفى عمليا هذه الفرضية، وكذبتها دعوة الولايات المتحدة دولةَ الإمارات إلى حضور مفاوضات جنيف بين الجيش وقوات الدعم السريع في الرابع عشر من أغسطس الجاري، وتجهضها أيضا المساعدات السخية التي تقدمها أبوظبي إلى دولة السودان.

وتعاملت دوائر سودانية مع إشارة العطا إلى رغبة البرهان في التنحي عن السلطة بأنها جزء من المناورات التي تعتمل داخل الجيش، ويكشف فحواها عن تناقضات فجة في مواقفه، فإذا كان قائد الجيش زاهدا، فلماذا قام بانقلاب على الحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك، ولماذا خاض الحرب ضد قوات الدعم السريع بعد ذلك، ولماذا يرفض التجاوب مع الجهود التي تبذلها جهات إقليمية ودولية لوقف إطلاق النار، وآخرها التحفظات التي أبدتها وزارة الخارجية السودانية ووضع شروط معينة لحضور مفاوضات جنيف، والتي صارت تفصلنا عنها أيام قليلة؟

وقال العطا في حوار تلفزيوني أذيع مساء السبت “إن رئيس مجلس السيادة والقائد العام الفريق أول عبدالفتاح البرهان أبلغه بأنه حان الوقت وطالبه والكباشي (الفريق أول شمس الدين كباشي مساعد قائد الجيش) بالتوصل إلى اتفاق لتسليمهما السلطة”، ورد عليه ياسر العطا قائلاً “إنه لن يتنحى إلا بعد هزيمة الدعم السريع”.

وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن ياسر العطا يسعى للتقليل من أهمية ما تردد حول نشوب خلافات داخل الجيش ورفض استمرار البرهان في قيادته عقب محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها في بورتسودان قبل أيام، أشارت فيها أصابع الاتهام إلى وجود جناح عسكري في الجيش أراد التخلص من البرهان.

وأضافت المصادر أن الدور الذي يلعبه العطا يتمحور حول إثارة اللغط، وشد الأنظار إلى قضايا فرعية والبعد عن الملفات الجوهرية، ولذلك تحفل خطاباته بتقديرات تظهر حجما كبيرا من الازدواجية في صفوف الجيش، بينما المسألة توصف بـ”لعبة توزيع أدوار” أكثر منها صراعات أجنحة، فشمس الدين كباشي يبدو لينا، في حين يتعمد العطا أن يظهر صلبا.

ولم ينطل خطاب الزهد السياسي الذي ظهر في خطاب ياسر العطا على الكثير من القوى المدنية، إذ قال “إن السودان لن يتم حكمه إلا من خلال الانتخابات، وأعضاء مجلس السيادة، بمن فيهم هو والبرهان والكباشي وإبراهيم جابر، لا يرغبون في حكم البلاد”. وإذا كانت هذه الإشارة تهدف إلى نفي اتهام هؤلاء بالسعي نحو القبض على جمر السلطة مهما كان الثمن، فلماذا المناورة بشأن مفاوضات جنيف، الرامية إلى وقف الحرب ووضع السودان على طريق التحول الديمقراطي الحقيقي، وإبعاد الجيش عن الحكم؟

ومن حيث لا يدري نصب ياسر العطا لقادة الجيش السوداني فخا سياسيا، وكشف عن عمق التناقضات التي تعتمل في صفوفه، والحاجة إلى قيادة جديدة تخرج البلاد من النفق الذي دخلته بسبب خطأ في الحسابات العسكرية للبرهان ورفاقه، وسوء في التقديرات السياسية التي ضاعفت صعوبة التوصل إلى حلول منتجة.

وأكد المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب لـ”العرب” أن تصريحات العطا سياسية بامتياز، وجاءت تزامنا مع الاستعدادات للقبول بمفاوضات جنيف مع قوات الدعم السريع، وحاول من خلالها تنبيه السودانيين والمجتمع الدولي إلى أنه حاضر في المشهد، ويمكن أن يحتل مكانة الرجل الأول، حال جرى التوافق على إبعاد البرهان.

وأضاف أن ياسر العطا، الذي توكل إليه مهام عسكرية تتمثل في استرداد أم درمان، يبحث عن دور سياسي أكبر، وليس من المستبعد أن يكون هدفه تشكيل قوة سياسية كذراع للعناصر المسلحة التي تعمل تحت قيادته ولديها انتماء إلى الحركة الإسلامية في السودان.

وأوضح أديب أن قيادات الجيش تمارس سياسة العصا والجزرة في التعامل مع بعض التطورات، ويمكن أن يذهب وفد الجيش إلى جنيف، وتُعد العدة لاقتحام مقار تابعة لقوات الدعم السريع في بعض الولايات، وأن غياب الرؤية داخل الجيش بشأن مستقبل العمليات العسكرية والمبادرات السياسية يجعل التناقضات حاضرة في تصريحات قادته بشكل مستمر، خاصة عقب الإخفاق في إدارة الموقف الميداني بشكل سليم، وعدم القدرة على استعادة مناطق كانت تخضع لسيطرته عند بدء الحرب.

واستكمل خطاب ياسر العطا الخطابات الشعبوية التي يطلقها قادة في الجيش من حين إلى آخر، وخاصة الحديث عن الانتصار على قوات الدعم السريع الذي يتكرر منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي، وهم يدركون أن الحل يكمن في التفاوض، وبسبب ضبابية الرؤية أصبحت الخطوات نحو السلام تسير جنبا إلى جنب مع التأكيد على مواصلة الحرب وعدم الانصياع لدعوة المجتمع الدولي إلى وقفها.

وفي الوقت الذي أشارت فيه تقارير دولية إلى كثافة الهزائم الميدانية التي تلقاها الجيش في ولايات مختلفة مؤخرا، قال ياسر العطا “لقد دمرنا القوة الصلبة للدعم السريع. وقرار الجميع هو الاستمرار في الحرب حتى القضاء عليهم أو استسلامهم وفقاً لمطالب الشعب”، ما يشير إلى وجود أزمة إنكار يعاني منها قادة الجيش لن تسمح لهم برؤية الحقائق على الأرض وتصحيح الأوضاع بالصورة التي تتناسب مع الواقع.

العرب اللندنية  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: مفاوضات جنیف الدعم السریع الفریق أول یاسر العطا

إقرأ أيضاً:

افتتاح الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف

افتتح مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اليوم في جنيف أعمال دورته السابعة والخمسين العادية التي تبحث حتى 11 من شهر أكتوبر المقبل ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان في مختلف مناطق العالم.

وقال فولكر تورك المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة في التحديث الذي قدمه أمام المجلس خلال افتتاح أعماله إن العالم يعرف أن الحروب تمتد إلى الأجيال القادمة وتعزز دورات متكررة من الكراهية اذا ظلت أسبابها دون معالجة لافتا إلى أن الحرب في غزة هي المثال الجوهري لذلك.

وأضاف أنه منذ أن أودت هجمات 7 أكتوبر بحياة أكثر من 1200 إسرائيلي وجرحت العديد فقد قتل أكثر من 40 ألف فلسطيني على يد القوات الاسرائيلية وجرح عدة آلاف بينما لا يزال الآلاف تحت الأنقاض في غزة فى حين يكافح الفلسطينيون كل يوم من أجل البقاء.

المفوض السامي شدد على أن انهاء الحرب فى غزة وتجنب الصراع الاقليمي الكامل هي أولوية مطلقة وعاجلة ومعالجة الوضع في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة الناجمة عن سياسات وممارسات اسرائيل.وام


مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. الناشط الذي اشتهر بتقليد أفراد الدعم السريع يسخر من “روبوت” حميدتي بعد ذهاب البرهان للصين (أشتروا بطارية جديدة لحميدتي وجيبوا لينا إن شاء الله في الصينية اللفة وأكتبوا فوكا الصين)
  • افتتاح الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف
  • مجزرة جديدة على يد الدعم السريع.. 20 قتيلا بقصف سوق بمدينة سنار جنوبي البلاد
  • رسائل الحرب والحرف
  • الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب: يوم اعتقالي حاول الدعم السريع اغتيال البرهان
  • النائب العام السوداني يعتزم مواجهة تقرير بعثة التقصي في جنيف
  • تجدد الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وتحذيرات للمواطنين
  • ياسر العطا: الهجوم الذي استهدف البرهان في جبيت زاد من قوة وصلابة القوات المسلحة
  • رئيس الاتحاد المصري للفروسية يُكرّم العميد ياسر عصر والجهاز الفني لمنتخب الخماسي الحديث
  • البرهان: دول غير رشيدة تساعد الدعم السريع وتحيك مؤامرة ضد البلاد