الجيش السوداني يبعث رسائل متناقضة قبل مفاوضات جنيف .. الحديث عن تنحي البرهان مناورة لإخفاء صراع الأجنحة
تاريخ النشر: 5th, August 2024 GMT
الخرطوم – العرب اللندنية: تحمل تصريحات يدلي بها قادة في الجيش السوداني قدرا كبيرا من التناقضات، ما يجعل المستهدفين منها يتعاملون معها بقدر ضئيل من الاكتراث، ويهملونها أحيانا، بما يقلل من قيمة المواقف الجدية التي تصدر عنه، ويتم التشكيك في جدواها السياسية، في وقت يمر فيه السودان بأزمة عاصفة لمقدراته الرئيسية.
بعد الاتصال الذي تلقاه رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان مؤخرا، تفاءلت جهات عديدة بوقف تطاول أحد أكبر مساعديه، وهو الفريق أول ياسر العطا، لكن يبدو أن الرجل أدمن الدور المرسوم له، وهو أن يقف على الجهة المقابلة للبرهان، حيث جدد مزاعمه السابقة حيال الإمارات وأنها “تشرف على إدارة الحرب من غرفة عمليات في أبوظبي”.
وكان اتصال البرهان بالشيخ محمد بن زايد قد نفى عمليا هذه الفرضية، وكذبتها دعوة الولايات المتحدة دولةَ الإمارات إلى حضور مفاوضات جنيف بين الجيش وقوات الدعم السريع في الرابع عشر من أغسطس الجاري، وتجهضها أيضا المساعدات السخية التي تقدمها أبوظبي إلى دولة السودان.
وتعاملت دوائر سودانية مع إشارة العطا إلى رغبة البرهان في التنحي عن السلطة بأنها جزء من المناورات التي تعتمل داخل الجيش، ويكشف فحواها عن تناقضات فجة في مواقفه، فإذا كان قائد الجيش زاهدا، فلماذا قام بانقلاب على الحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك، ولماذا خاض الحرب ضد قوات الدعم السريع بعد ذلك، ولماذا يرفض التجاوب مع الجهود التي تبذلها جهات إقليمية ودولية لوقف إطلاق النار، وآخرها التحفظات التي أبدتها وزارة الخارجية السودانية ووضع شروط معينة لحضور مفاوضات جنيف، والتي صارت تفصلنا عنها أيام قليلة؟
وقال العطا في حوار تلفزيوني أذيع مساء السبت “إن رئيس مجلس السيادة والقائد العام الفريق أول عبدالفتاح البرهان أبلغه بأنه حان الوقت وطالبه والكباشي (الفريق أول شمس الدين كباشي مساعد قائد الجيش) بالتوصل إلى اتفاق لتسليمهما السلطة”، ورد عليه ياسر العطا قائلاً “إنه لن يتنحى إلا بعد هزيمة الدعم السريع”.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن ياسر العطا يسعى للتقليل من أهمية ما تردد حول نشوب خلافات داخل الجيش ورفض استمرار البرهان في قيادته عقب محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها في بورتسودان قبل أيام، أشارت فيها أصابع الاتهام إلى وجود جناح عسكري في الجيش أراد التخلص من البرهان.
وأضافت المصادر أن الدور الذي يلعبه العطا يتمحور حول إثارة اللغط، وشد الأنظار إلى قضايا فرعية والبعد عن الملفات الجوهرية، ولذلك تحفل خطاباته بتقديرات تظهر حجما كبيرا من الازدواجية في صفوف الجيش، بينما المسألة توصف بـ”لعبة توزيع أدوار” أكثر منها صراعات أجنحة، فشمس الدين كباشي يبدو لينا، في حين يتعمد العطا أن يظهر صلبا.
ولم ينطل خطاب الزهد السياسي الذي ظهر في خطاب ياسر العطا على الكثير من القوى المدنية، إذ قال “إن السودان لن يتم حكمه إلا من خلال الانتخابات، وأعضاء مجلس السيادة، بمن فيهم هو والبرهان والكباشي وإبراهيم جابر، لا يرغبون في حكم البلاد”. وإذا كانت هذه الإشارة تهدف إلى نفي اتهام هؤلاء بالسعي نحو القبض على جمر السلطة مهما كان الثمن، فلماذا المناورة بشأن مفاوضات جنيف، الرامية إلى وقف الحرب ووضع السودان على طريق التحول الديمقراطي الحقيقي، وإبعاد الجيش عن الحكم؟
ومن حيث لا يدري نصب ياسر العطا لقادة الجيش السوداني فخا سياسيا، وكشف عن عمق التناقضات التي تعتمل في صفوفه، والحاجة إلى قيادة جديدة تخرج البلاد من النفق الذي دخلته بسبب خطأ في الحسابات العسكرية للبرهان ورفاقه، وسوء في التقديرات السياسية التي ضاعفت صعوبة التوصل إلى حلول منتجة.
وأكد المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب لـ”العرب” أن تصريحات العطا سياسية بامتياز، وجاءت تزامنا مع الاستعدادات للقبول بمفاوضات جنيف مع قوات الدعم السريع، وحاول من خلالها تنبيه السودانيين والمجتمع الدولي إلى أنه حاضر في المشهد، ويمكن أن يحتل مكانة الرجل الأول، حال جرى التوافق على إبعاد البرهان.
وأضاف أن ياسر العطا، الذي توكل إليه مهام عسكرية تتمثل في استرداد أم درمان، يبحث عن دور سياسي أكبر، وليس من المستبعد أن يكون هدفه تشكيل قوة سياسية كذراع للعناصر المسلحة التي تعمل تحت قيادته ولديها انتماء إلى الحركة الإسلامية في السودان.
وأوضح أديب أن قيادات الجيش تمارس سياسة العصا والجزرة في التعامل مع بعض التطورات، ويمكن أن يذهب وفد الجيش إلى جنيف، وتُعد العدة لاقتحام مقار تابعة لقوات الدعم السريع في بعض الولايات، وأن غياب الرؤية داخل الجيش بشأن مستقبل العمليات العسكرية والمبادرات السياسية يجعل التناقضات حاضرة في تصريحات قادته بشكل مستمر، خاصة عقب الإخفاق في إدارة الموقف الميداني بشكل سليم، وعدم القدرة على استعادة مناطق كانت تخضع لسيطرته عند بدء الحرب.
واستكمل خطاب ياسر العطا الخطابات الشعبوية التي يطلقها قادة في الجيش من حين إلى آخر، وخاصة الحديث عن الانتصار على قوات الدعم السريع الذي يتكرر منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي، وهم يدركون أن الحل يكمن في التفاوض، وبسبب ضبابية الرؤية أصبحت الخطوات نحو السلام تسير جنبا إلى جنب مع التأكيد على مواصلة الحرب وعدم الانصياع لدعوة المجتمع الدولي إلى وقفها.
وفي الوقت الذي أشارت فيه تقارير دولية إلى كثافة الهزائم الميدانية التي تلقاها الجيش في ولايات مختلفة مؤخرا، قال ياسر العطا “لقد دمرنا القوة الصلبة للدعم السريع. وقرار الجميع هو الاستمرار في الحرب حتى القضاء عليهم أو استسلامهم وفقاً لمطالب الشعب”، ما يشير إلى وجود أزمة إنكار يعاني منها قادة الجيش لن تسمح لهم برؤية الحقائق على الأرض وتصحيح الأوضاع بالصورة التي تتناسب مع الواقع.
العرب اللندنية
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: مفاوضات جنیف الدعم السریع الفریق أول یاسر العطا
إقرأ أيضاً:
كيف تفاعل النشطاء مع التراجع الكبير لقوات الدعم السريع أمام الجيش السوداني؟
وأثار تقدم الجيش حالة من الفرح في صفوف السودانيين الذين ينتظرون استعادته السيطرة على العاصمة بشكل كامل.
وأمس الثلاثاء، أعلن الجيش السوداني تقدم قواته بشكل كبير في محور مدينة الكاملين بولاية الجزيرة وسط البلاد، وقال إنه "طهرها من قوات الدعم السريع".
وأكدت مصادر محلية للجزيرة أن الجيش السوداني بسط سيطرته على مدينة الكاملين، التي كانت آخر معاقل الدعم السريع، لتصبح ولاية الجزيرة وسط البلاد تحت السيطرة الكاملة للجيش باستثناء بعض الجيوب الصغيرة.
ومدينة الكاملين هي كبرى مدن شمال ولاية الجزيرة، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 65 كيلومترا. وقد تداول ناشطون مشاهد لاحتفالات مواطنين سودانين في مدينة الكاملين بعد سيطرة الجيش عليها.
ولم تعلق قوات الدعم السريع على ما أعلنه الجيش، لكن مستشار قائدها الباشا طبيق قال إن قواته في محور شرق النيل بولاية الخرطوم تمكنت من صد قوة من قوات "درع السودان" المساندة للجيش السوداني.
فرح على مواقع التواصل
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، علَّق نشطاء على هذه التطورات الميدانية التي اعتبرها البعض مفرحة، حيث كتب ناشط يدعى "كونت" أن "الأخبار اللي جاية من السودان تفرح القلب، الجيش السوداني سيطر خلاص على وسط وقلب ولاية الجزيرة ودخل مدينة الكاملين آخر معاقل الدعم السريع في الولاية".
إعلانكما كتب حلفاوي "فرحة الشعب السوداني بدخول القوات المسلحة إلى مدينة الكاملين.. هل هذا هو الشعب الذي تريدون أن تحكموه؟ هل يوجد إثبات أكثر من هذا أن هذه الحرب التي تخوضونها ضد شعبنا؟".
في المقابل، قال أبو علي "إعلان تحرير الخرطوم يبدأ الآن من مدينة الكاملين"، في حين قال أبو القاسم "ينتصرون في الإعلام والدعم السريع ينتصر في الميدان".
وزار رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان بلدة "ود أبو صالح" شرقي الخرطوم، والتي استعادها الجيش السوداني مؤخرا، وقد توعد بملاحقة قوات الدعم السريع.
وتحدث البرهان عن جسر سوبا شرقي العاصمة، وهو جسر حيوي يربط بين منطقة شرق النيل وجنوب الخرطوم، والتي تعد حاليا المعقل الرئيسي لقوات الدعم السريع.
وفي آخر التطورات الميدانية، قال الجيش السوداني اليوم الأربعاء إن قواته سيطرت على حي الرميلة ومقر الإمدادات الطبية ودار صك العملة في الخرطوم.
وقالت مصادر ميدانية للجزيرة إن الجيش أصبح على مقربة من شارع الغابة المؤدي إلى وسط الخرطوم، حيث تتمركز قوات الدعم السريع.
5/2/2025